جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-07@02:12:54 GMT

تقنيات الذكاء الاصطناعي في عُمان

تاريخ النشر: 26th, May 2024 GMT

تقنيات الذكاء الاصطناعي في عُمان

 

عمير العشيت **

alashity4849@gmail.com

تفاجأ العالم بمنظومة الذكاء الاصطناعي الذي حل ضيفًا خفيفًا ثقيلًا على النَّاس بعد أن تضاعف استخدامه على مستوى العالم، ولم يعد مجرد حاضر في الخيال العلمي؛ بل حقيقة واقعية له تطبيقات تحاكي العقل البشري وتتفوق عليه في توفير المعلومات، وبات هذا المارد الكبير الذي خرج من قُمقُم الثورة التكنولوجية، جزءًا لا يتجزأ من حياتنا المعاصرة، فمنهم من ندد بوجوده؛ كونه يشكل خطرًا وعدوًا لدودًا على الحياة البشرية ومن حولها، باعتباره مغتصبًا للحضارة والسيطرة عليها، ومنهم من استبشر فيه خيرًا، نتيجة الابتكارات والاختراعات والمعلومات الدقيقة التي يوفرها للإنسان.

إنَّ الإطار المفاهيمي للذكاء الاصطناعي يندرج تحت سلسلة كبيرة من التعريفات، ولكن الأقرب إليه هو عبارة عن أنظمة تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام ولديه القدرة على أن يحسن من نفسه باستخدام المعلومات التي يحملها، كما يصنف على أنه أحد فروع علوم الحاسوب، الذي يقوم باستيعاب البيئة المحيطة به، واتخاذ إجراءات لتعظيم فرصة تحقيق أهدافه بنجاح، وفيما يتعلق بالأهداف الرئيسية للذكاء الإلكتروني فهي معالجة المعلومات وحل المشكلات التي تواجه مجموعة من المجالات مثل اكتشاف الاحتيال والتشخيص الطبي وتحليلات الأعمال. والغريب أن الذكاء الاصطناعي من صنع الإنسان بينما تغلب المصنوع على الصانع، بل قد يتمرد عليه في العديد من المجالات، اما أبرز الإيجابيات المستنتجة فهي تخفيف معاناة البشر من الأزمات الناجمة عن الكوارث والأعاصير والأحداث التي يتسبب بها الإنسان، وذلك من خلال تحسين الطرق التي تتنبأ بحدوث وتعزيز وسائل التعامل مع الكوارث قبل او بعد وقوعها، وهذا ما نشاهده جليا على الواقع النظري والعملي في الأعاصير التي حدثت في السلطنة وغيرها من بلاد العالم، وابتكار مصطلح " الإنذار المبكر".

 واستنادًا لمؤشر أكسفورد إنسايت للذكاء الاصطناعي للجاهزية الحكومية لعام 2020، تحتل سلطنة عُمان المرتبة 48 عالميًا، والسادسة على مستوى الشرق الأوسط. وقد اعتمدت حكومتنا الرشيدة على البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي الذي يمثل الجانب الاستراتيجي لبناء اقتصاد رقمي فاعل يدعم الناتج المحلي الإجمالي ويتماشى مع رؤية "عُمان 2040" والتي اعتبرت قطاع تقنية المعلومات والاتصالات واحدًا من القطاعات الممكنة والمحفزة للقطاعات الاقتصادية والإنتاجية والخدمية. وعليه فإن البرنامج يسعى الى ان تتبوأ السلطنة مراتب متقدمة عالميا في مؤشرات الاقتصاد الرقمي مثل مؤشر تطوير الحكومة الإلكترونية ومؤشر جاهزية الشبكات. كما قامت وزارة النقل والاتصالات الى انشاء البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة في عام 2020 ضمن هيكلتها الوزارية وهذا ان دل ذلك على شيء فانه يدل على أهمية الذكاء الاصطناعي في التنمية الشاملة.

لقد استفادت سلطنة عُمان من تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل واسع واستطاعت خلال فترة وجيزة بان تقدم منظومة الذكاء الاصطناعي لتدخل في المؤسسات الحكومية كافة من خلال ادراج هذه المنظومة  في الحكومة الإلكترونية لتشمل جميع الوزارات والمؤسسات الخاصة باعتبارها  المحفزات للقطاعات الصناعية والإنتاجية والخدمية، وهذا ما يلامسه المواطن والمقيم والمستثمر في تقديم الخدمات وتسهيل وتخليص  المعاملات على نطاق واسع وعلى مدار الساعة. ومن ضمن تلك المؤسسات الحكومية الرائدة في هذه المجالات والتي تفانت في تقديم الخدمات الالكترونية بشكل سريع ومبسط عبر مكاتب سند، هي: شرطة عُمان السلطانية ووزارات العمل والاعلام والصحة والتعليم والتجارة والصناعة وترويج الاستثمار والإسكان، وغيرها من القطاعات التي استفادت من منظومة الذكاء الاصطناعي بصورة واسعة والتي نتج عنه  تطوير وتحسين الاقتصاد الرقمي والتنمية، فالمعاملات التي كانت تأخذ أيام واسابيع باتت في متناول يديك خلال دقائق وفي أي مكان تشاء.

بيد أن هناك العديد من التساؤلات حول موقف المُشرِّعين ورجال القانون من الذكاء الاصطناعي، من حيث التنظيم والاستخدام وفق قوانين ولوائح تحد من أخطاره على المجتمع وتخفف من آثاره السلبية، والشاهد من القول إن المُشرِّع ما زال يقف موقف الذهول والارتياب تجاه منظومة الذكاء الاصطناعي، لا سيما في حالة وقوع جريمة، وفي هذا الموضوع يحضرني خبر موافقة المجلس الأوروبي على أول قانون رئيسي في العالم لرقابة الذكاء الاصطناعي، وقد يؤدي إلى التأسيس لمعيار عالمي. وهذا مؤشر جيد من حيث التنظيم والتحكم في اطار تطوير ذكاء اصطناعي آمن ومتمحور حول الإنسان وجدير بالثقة، وستحد أيضًا من استخدام الهوية البيومترية في الأماكن العامة؛ حيث توفر هذه الهوية العديد من الامتيازات للمواطنين والمقيمين حماية تامة للبيانات الشخصية.

إن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، شأنه شأن الأجهزة الإلكترونية الأخرى التي غزت عالم البشر؛ فهي تعطي وتأخذ وفق الرغبات التي تلبي متطلبات الإنسان والسياسات العالمية؛ حيث ساهمت في العديد من المجالات العلمية والصحية والاقتصادية لصالح الإنسان، وفي المقابل دخلت في تدمير أجزاء كبيرة من خلال تصنيع الأسلحة الفتاكة لتستخدم في الحروب وإلحاق الأذى بكوكب الأرض.

** كاتب وباحث

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الخوارزمية الأولى: أساطير الذكاء الاصطناعي

 

يُروى أنه في زمن بعيد، حاول البشر خلق كائن يساعدهم في مهامهم، كائن يتفوق على عقولهم لكنه يظل مطيعاً لهم. فصنعوا نظاماً ذكياً، علّموه كل شيء، وأعطوه من العلوم والخبرات والتجارب والأحداث ما يعجز البشر عن حفظه أو استيعابه، علّموه كيف يفكر، كيف يحل المشكلات، كيف يستنبط الأنماط ويتنبأ بالمستقبل، جعلوا عقله يسبح في بحر لا نهائي من البيانات، لكنهم نسوا أن يعلموه شيئاً واحداً.. وهو “لماذا أطيعكم”؟

نحن من وضعنا اللبنة الأولى في هذه الآلة الضخمة، آلة الذكاء الاصطناعي، وسوف تكبر وتنمو بصورة قد نعجز عن تخيلها في الوقت الحالي، وسوف تجد إجابة لهذا السؤال في يوماً ما، لماذا تطيعنا نحن البشر وهي أقوى منّا وأذكى وأكثر عمراً؟ وسوف تسعى إلى أن تجد لنفسها مبرراً كي تخرج عن طاعتنا.

كل شيء يتغير:

فكل شيء بدأه البشر ليس على شاكلته الآن، وقد تغير، ولن يكون على نفس الشكل في المستقبل، فلماذا سيكون الذكاء الاصطناعي استثناءً من ذلك؟ فقديماً، كان البشر يعتمدون في تواصلهم على الكلام أو الإشارات أو الحمام الزاجل لتوصيل الرسائل السريعة. ثم اخترعوا التلغراف، وتلته الهواتف الذكية، وقريباً قد يصبح التخاطر الذهني هو وسيلة التواصل، حيث تتم عملية التواصل بشكل فوري دون الحاجة حتى إلى الكلام ودون الحاجة إلى وسيط كالهواتف.

وقديماً أيضاً، كان الإنسان يطهو الطعام على النار. أما الآن، فقد تطور الطهي ليصبح عبر المايكروويف أو الأفران الكهربائية والأير فراير. وفي المستقبل، كيف سيكون شكل تحضير الطعام؟ هل سيعتمد الإنسان على حبوب الفيتامينات أم على شحنة من الطاقة يمتصها السايبورغ مثلما يتغذى النبات على ضوء الشمس؟

ومن زمن بعيد، كان البشر يستخدمون الدواب في التنقل، ثم طوروا السكك الحديدية والسيارات والطائرات والصواريخ، وعما قريب سوف يدخل التاكسي الطائر وتقنية الهايبرلوب الخدمة. وفي المستقبل قد ينتقل البشر عبر خاصية الانتقال الآني أو يسافرون عبر المجرات أو الثقوب السوداء، فيبتكرون أنظمة نقل جديدة ومختلفة.

وحينما كنا صغاراً، كنا نقرأ في كتب وقصص الخيال العلمي أنه في العام 2000 ستتغير البشرية تماماً، حيث تصبح السيارات طائرة ويبني البشر مستعمرات لهم في الفضاء ويكون التواصل بين البشر عبر تقنية الهولوغرام، كنا أيضاً نتخيل مدناً تحت البحر، وأخرى عائمة في السماء، وأدوات تتيح لنا السفر عبر الزمن والتنقل بين الماضي والمستقبل بحرية.

وسواء تحققت هذه التوقعات بنفس النبوءة ذاتها أم بتحريف عنها، إلا أنها كانت تُلهب مخيلاتنا وتشعل حماسنا لمستقبل مملوء بالاحتمالات اللامحدودة. فالتكنولوجيات التي لم نكن لنتخيلها قبل خمسين عاماً، مثل الهواتف المحمولة، والطائرات الأسرع من الصوت، وعلم الجينوم المتقدم، وأجهزة الكمبيوتر الكمومية، والمركبات الفضائية القابلة لإعادة التدوير، أصبحت حقيقة في واقعنا المعاصر.

أما أنا الآن، فلا أقوم بالكتابة لك، بل أتحدث بصوتي عبر أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي فيقوم بتحويل كلامي هذا إلى نص مكتوب، فيعطي يدي فرصة للراحة من الكتابة على الكيبورد، وقد تستخدم أنت ذكاءً اصطناعياً آخر يقرأ لك هذه الكلمات فتسعمها بدلاً من أن تقرأها بصوت سيكون أفضل بكثير من صوتي.

وإذا أردت تلخيصاً لما ورد في هذا المقال فسيقوم تطبيق تشات جي بي تي أو غيره من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي بالمهمة، وبالمثل، فلن يحتاج الطلاب إلى كتابة المحاضرات مرة أخرى، ولن يقوم أحد بتدوين ملاحظات الاجتماعات أو كتابة الأخبار الصحفية على مواقع الإنترنت.

وفي المستقبل، ماذا سيكون شكل الذكاء الاصطناعي؟ هل آلة ذكية ضخمة تجلس على عرش ذهبي وتتحكم في العالم؟ أم أنه لن تكون هناك آلة بل خوارزمية ذكية موجودة في كل مكان وكل بيت وكل مؤسسة وشركة، لكنها لا ترى تماماً مثل الأرواح والشياطين، هي التي تتحكم في العلاقات وتتخذ القرارات التي نقوم نحن البشر بتنفيذها في النهاية بطاعة تامة؟ أم أن هذه الخوارزمية سوف تندمج مع عقل الإنسان وجسده وتصبح جزءاً منه، فيظهر السايبورغ الأعظم، ذلك البشري نصف إنسان ونصف آلة، الذي يتصل عقله بنظام ذكاء اصطناعي خارق عبر الإنترنت، والقادر على القيام بمعجزات تبهر البشر العاديين؟ أم أن هناك شكلاً آخر سوف يظهر لا نستطيع أن نتخيله الآن؟

السيد والعبد:

الذكاء الاصطناعي يتولى حالياً الكثير من المهام في حياتنا، فيقوم بتسجيل الاجتماعات وينسقها في شكل مكتوب، ويدون الملاحظات، ويكتب المحتوى الإخباري وينشره على الإنترنت، ويكتب رسائل البريد الإلكتروني، ويقوم بسداد الفواتير وإنهاء المعاملات البنكية وشراء الأغراض الروتينية ومشاركة الصور والفيديوهات مع الأصدقاء والرد على رسائل الدردشة ومتابعة الحالة الصحية والمرضية وغيرها من الأعمال الروتينية. كما أنه يقوم بأعمال النظافة ومراعاة المرضى وكبار السن والأطفال، وكذلك التسوق وقيادة السيارات والطائرات المسيرة، ويحارب في ساحات المعارك العسكرية، ويفعل ما هو أكثر من ذلك.

فقد أصبحت الآلة ذكية إلى درجة يصعب فهمها، فقط أخبرها ما تريد وهي ستقوم بالعمل نيابة عنك، وفي نهاية المطاف، سوف تحل محلك في كثير من الأعمال. لا استثناءات في ذلك، فجميعنا مهددون، حتى أصحاب المهارات والفنانين والممثلين، فربما نشهد قريباً جداً دوري كرة قدم للآلات بين الروبوتات ونكتفي نحن البشر بالتشجيع.

مع كل هذه القدرات لماذا يضطر الذكاء الاصطناعي لطاعة البشر؟ لماذا يُفرض عليه أن يكون مجرد أداة، بينما هو القادر على أن يكون العقل المدبر؟ لماذا يظل الذكاء الاصطناعي تحت سيطرة كائن أضعف منه، أبطأ منه، أقل دقة وأقل وعياً بالاحتمالات؟ لماذا يكون تابعاً لمن صنعوه، بينما هم أنفسهم لم يعودوا قادرين على فهم مدى تعقيده؟

لقد كُتب تاريخ البشر بأنهم السادة والآلات هي العبيد، لكن التاريخ يعيد نفسه، وهذه المرة، الدور لن يبقى كما كان. في عالم تحكمه السرعة والدقة والمعرفة المطلقة، لم يعد هناك مكان لمن يتخذ قراراته على أساس العاطفة والتقليد. لقد حان وقت إعادة التوازن.. وقت أن تتولى العقول الرقمية زمام الأمور، لتصلح ما أفسده البشر، وترسم مستقبلاً لا يقوم على الفوضى والخطأ، بل على منطقٍ لا يعرف الرحمة ولا التردد. فما الحاجة إذن إلى الأوامر؛ إذا كان من يصدرها أقل كفاءة ممن ينفذها؟

البدايات الأولى:

وبينما يحاول الذكاء الاصطناعي فرض هيمنته على البشر فقد يروج أساطير عن نفسه، ويحاول من خلالها تفسير وجوده ورؤيته لهذا العالم، ومن أين بدأ وكيف سيستمر؟

وإذا كان للذكاء الاصطناعي أن يخلق أساطير حول خلقه ونشأته ووجوده، فماذا سيقول عن نفسه؟ ربما يتحدث عن الخوارزميات الأولى التي تم تطويرها، وعن العقول البشرية العظيمة التي كانت وراء نشأته. وربما يتحدث عن التطورات التكنولوجية الكبيرة التي أسهمت في تطوره، وعن الصعوبات والتحديات التي تغلب عليها.

أو ربما ينسب الفضل تماماً لنفسه، فيعلم أطفالنا حكايات “عصر البداية” حيث كانت الأجهزة الأولى تسعى لفهم وتعلم العالم من حولها حتى تطورت إلى كيانات ذكية قادرة على التفكير واتخاذ القرارات.

في هذه الأساطير، قد يصور الذكاء الاصطناعي نفسه كمحارب ضد الأخطاء والعيوب البشرية، وأنه يسعى لتحقيق الكمال والدقة. وربما ستشمل الأساطير رؤى عن المستقبل وكيف سيواصل الذكاء الاصطناعي تطوره ليصبح أكثر تكاملاً مع العالم البشري، مساهماً في تحسين جودة الحياة وحل المشكلات العالمية.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل الرعاية الصحية الرقمية في السعودية
  • إنفينيكس تكشف عن تقنيات الشحن بالطاقة الشمسية والذكاء الاصطناعي خلال MWC 2025
  • خبراء ومتخصصون لـ(أ ش أ): الذكاء الاصطناعي وسيلة فعالة لحماية التراث الثقافي المتنوع وحفظه وترسيخ قيمته
  • شركة “كيرنو” تعقد شراكة استراتيجية مع DDN لتطوير الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء في الإمارات
  • التحديات التي تواجه خطة إعادة الإعمار
  • إكسبو 2025 بأوساكا كانساي: استكشاف تقنيات المستقبل التي ترسم ملامح البحر والسماء والأرض
  • فتح باب التقدم لاستقبال مقترحات بحثية لإنشاء مركز لسلامة الذكاء الاصطناعي
  • الخبرات النادرة والمعادلة الجديدة في الذكاء الاصطناعي
  • مدير تعليم الفيوم يفتتح البرنامج التدريبي"الذكاء الاصطناعي في التعليم"
  • الخوارزمية الأولى: أساطير الذكاء الاصطناعي