ارتعدت فرائص الولايات المتحدة الأمريكية (داعم الإرهاب الأول في العالم)، عقب تصريحات أعلن خلالها، الاثنين الماضي، مدعي المحكمة الجنائية الدولية المحامي البريطاني الشهير كريم خان، أنه قدم طلباً لإصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يؤاف غالانت.

استشعرت إدارة الرئيس الأمريكي بايدن وأعضاء في مجلس الشيوخ، خطر دعم واشنطن المباشر مادياً وعسكرياً ولوجستياً للاحتلال الإسرائيلي الذي يرتكب أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، لا سيما في قطاع غزة ومدينة رفح.

ومنذ بدأت إسرائيل بشن هجوم بري على قطاع غزة في أكتوبر الماضي، دفعت واشنطن بمئات الدفعات من الأسلحة المتنوعة تضمنت آليات عسكرية ودبابات حديثة وصواريخ ومسيرات متطورة وغيرها، وقدمت عشرات مليارات الدولارات.

وحرّكت واشنطن أسطولاً عسكرياً تضمن سفينة حاملة للطائرات الحربية والصواريخ وفرقاطات عسكرية وغواصة نووية نحو الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ونفذت مئات العمليات بجانب الجيش الإسرائيلي.

في الوقت نفسه، هدد بايدن ووزير دفاعه بإغراق المنطقة في حرب لا تبقي ولا تذر حال تدخل أي طرف عربي مع أشقائه في فلسطين، ودفع الحكومة الإسرائيلية إلى منع دخول المساعدات الإنسانية والدوائية عبر معبر رفح وهو المعبر الوحيد.

وينوي مجلس النواب الأمريكي هذه المرة معاقبة أعضاء الجنائية الدولية بسبب القرارات التي تعتزم إصدارها بحق إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، في إجراء اعتبره مراقبون دوليون إرهاباً منظّماً.

ويسابق الزمن أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مجلس النواب الأمريكي، لإصدار قرار عقوبات ردع على مسؤولي المحكمة بعد تقديم طلب بإصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين كبار، بينهم نتنياهو وغالانت.

وذكر مايكل مكول، وهو عضو جمهوري من ولاية تكساس ويرأس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس، أن المجلس طالب، الجمعة، في وثيقة تقدم بها أعضاء الحزبين عدم قبول طلب إصدار مذكرات الاعتقال ضد المسؤولين الإسرائيليين.

ويأمل "مكلول" أن تصدر اللجنة مشروع القانون في الثالث من يونيو/ حزيران المقبل، وهو أول يوم سيعود فيه أعضاء المجلس إلى واشنطن.

قلق متزايد

القلق الأمريكي لم يعصف بأعضاء المجلس فقط، بقدر ما ضرب الإدارة الأمريكية كاملة، حيث ألمح وزير الخارجية أنتوني بلينكن قبل أيام أن إدارة بايدن، ستعمل مع الكونغرس بشأن فرض عقوبات محتملة على المحكمة.

في حين أكد بايدن، الخميس، عدم اعتراف بلاده باختصاص المحكمة الجنائية الدولية، منتقداً مقارنتها بين إسرائيل وحركة حماس (التي تصنفها الولايات المتحدة منظمة إرهابية).

يأتي ذلك بالرغم من تأييد واشنطن لقرارات سابقة للمحكمة، والثناء عليها، خصوصاً حين أصدرت مذكرة اعتقال في مارس/ آذار 2023 بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

واعتبر بايدن -حينها- إصدار مذكرة الاعتقال ضد بوتين "يمثل نقطة قوية للغاية".

وأوامر الاعتقال التي قدم طلباً بها مدعي الجنائية الدولية المحامي "كريم خان" لم تقتصر على الجانب الإسرائيلي، بل شملت أيضاً ثلاثة مسؤولين في حماس، وهم: يحيى السنوار، قائد الحركة في غزة، ومحمد ضيف، قائد الجناح العسكري لكتائب القسام، وإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي.

وسبق وفرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2020 عقوبات على كبار مسؤولي الجنائية الدولية ردا على جهودهم للتحقيق في جرائم الحرب الأميركية في أفغانستان، قبل أن ترفعها إدارة بايدن في 2021.

مذكرة باعتقال بايدن

وتعتبر واشنطن الحضن الآمن لإسرائيل، إزاء جرائم الحرب التي ترتكبها الأخيرة في المنطقة بأسلحة ودعم أمريكي علني ومباشر في تحد سافر بحق الشعوب والأنظمة، حسب مراقبين.

وأكد مراقبون، في حديث لوكالة خبر، أنه بات لزاماً على الأنظمة العربية والإسلامية وغيرها من الأنظمة المساندة للعدالة، أن تقدم عريضة شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد إدارة بايدن، والمطالبة بإصدار مذكرة باعتقاله ووزير دفاعه والأطراف المتورطة في إدارته.

المراقبون جددوا التأكيد على أهمية محاكمة بايدن ووزير دفاعه مجرمي حرب. فالجرائم التي يشهدها قطاع غزة ومدينة رفح والضفة الغربية من تدمير وتهجير ومنع وصول المساعدات وحملات الاعتقالات الواسعة ضد النساء والأطفال والشيوخ يجب أن تُقابل بردع دولي.

وشددوا على أهمية الاعتراف الدولي بدولة فلسطين وعاصمتها القدس، وأحقية الشعب في العيش الكريم بعيداً عن الوصاية المشتركة "الأمريكية والإسرائيلية"، مشيرين إلى أن الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد في العالم الذي ما يزال يرزح تحت احتلال خارجي، وبات لزاماً على دعاة الإنسانية والعدل إيقاف هذه المهزلة، حد قولهم.

ومن المؤكد استمرار واشنطن بمزيد من الدعم والتصعيد والتهديد إن لم يقابلها ردع قانوني لكبح جماح شهوة الإرهاب المتجذّرة لديها.

ومن المهم هُنا أن نشير إلى أن المحكمة الجنائية الدولية ومقرها في هولندا، تختلف عن محكمة العدل الدولية والتي تُدعى اختصاراً في بعض الأحيان المحكمة الدولية (هي ذراع تابع للأمم المتحدة تهدف لحل النزاعات بين الدول) ومقرها في لاهاي بهولندا أيضاً، فهما نظامان قضائيان منفصلان.

وكانت أمرت محكمة العدل الدولية، يوم الجمعة، إسرائيل بالإيقاف الفوري للهجمات العسكرية أو أي أعمال قتالية أخرى في رفح، دون ذكر غزة وبقية المناطق الفلسطينية التي تتعرض لهجمات إسرائيلية يومية.

المصدر: وكالة خبر للأنباء

كلمات دلالية: المحکمة الجنائیة الدولیة ووزیر دفاعه

إقرأ أيضاً:

بوتين أم نتنياهو.. من عليه القلق أكثر بعد وقوع دوتيرتي بقبضة الجنائية الدولية؟

(CNN)-- أحدث الاعتقال الدرامي للرئيس الفلبيني السابق المثير للجدل، رودريغو دوتيرتي، في مارس/ آذار صدمةً في أنحاء كثيرة من العالم، وألقى الضوء مجددًا على القادة الآخرين المطلوبين من قِبَل المحكمة الجنائية الدولية.

لطالما كان الرئيس الفلبيني السابق، الذي نُقل إلى هولندا للرد على اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، محلّ تدقيق بسبب حملة قمع وحشية ضد المخدرات، ولكن حتى بعد سنوات من التحقيقات المتقطعة، والتي سخر خلالها دوتيرتي من المحكمة وأمرها "بالتعجيل"، شكّل اعتقاله مفاجأةً للعديد من الخبراء.

وقالت ليلى سادات، أستاذة القانون الجنائي الدولي في كلية الحقوق بجامعة واشنطن والمستشارة الخاصة السابقة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في مجال الجرائم ضد الإنسانية: "لقد مثل أمام المحكمة شخصيات رفيعة المستوى أخرى"، من بينهم العديد من الرؤساء السابقين لدول أفريقية.

لكن في العديد من تلك الحالات، كان القادة المُلاحقون إما يُستدعون إلى المحكمة أو يُعتقلون بعد صدور مذكرة توقيف علنية - وهو تناقض صارخ مع قضية دوتيرتي، حيث صدرت مذكرة التوقيف سرًا، وأُلقي القبض على الزعيم السابق بسرعة في غضون ساعات قليلة مُذهلة.

وقالت سادات: "إنها المرة الأولى التي نشهد فيها هذا في المحكمة الجنائية الدولية"، مع أنها أضافت أن حالات مماثلة قد شهدتها محاكم دولية أخرى.

أشرف دوتيرتي، البالغ من العمر الآن 80 عامًا، على حملة قمع شرسة ضد مُروّجي المخدرات المزعومين في الفلبين، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 6000 شخص، بناءً على بيانات الشرطة. ويعتقد مراقبون مستقلون أن عدد عمليات القتل خارج نطاق القضاء قد يكون أعلى من ذلك بكثير.

بوتين وحرب أوكرانيا

تتخذ المحكمة الجنائية الدولية من لاهاي بهولندا مقرًا لها، وهي تُجري تحقيقاتٍ وتُحاكم الأفراد بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية، وجرائم عدوان ضد أراضي الدول الأعضاء فيها، والبالغ عددها 125 دولة.

لا تستطيع المحكمة تنفيذ عمليات اعتقال بمفردها، بل تعتمد على تعاون الحكومات الوطنية لتنفيذ أوامر الاعتقال - وهو ما يعتمد غالبًا على السياسات الداخلية والإرادة السياسية.

وتشمل الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، وأستراليا، والبرازيل، وجميع الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي - على الأقل حتى تُحقق المجر وعدها بالخروج.

في مارس/آذار 2023، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق بوتين والمسؤولة الروسية ماريا لفوفا-بيلوفا، على خلفية مخطط مزعوم لترحيل أطفال أوكرانيين إلى روسيا.

كانت هذه التهم هي الأولى التي تُوجهها المحكمة الجنائية الدولية رسميًا ضد مسؤولين روس منذ بدء غزو الكرملين الشامل لأوكرانيا في عام 2022.

روسيا - مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والصين وأوكرانيا - ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية. ولا تملك المحكمة قوة شرطة خاصة بها، ولا تُجري محاكمات غيابية، وبالتالي فإن احتمال مثول أي مسؤول روسي أمامها ضئيل للغاية، وفقًا لمحللين.

وأوضحت سادات، الأستاذة بجامعة واشنطن، أن أي مسؤول روسي تُوجَّه إليه اتهامات، إما أن تُسلَّمه موسكو، أو يُعتقل خارج روسيا.

وأضافت: "من الواضح أن مذكرة التوقيف الصادرة بحق فلاديمير بوتين هي الأكثر تحديًا، لأنه رئيس دولة في السلطة، ولن يغادر روسيا إلا إذا كان متأكدًا تمامًا من أنه سيتمتع بالحصانة أينما ذهب.. لكن خياراته الآن محدودة، وقد وُصِفَ، للأفضل أو للأسوأ، بأنه مجرم حرب".

حتى عندما يغادر بوتين روسيا، لا ترغب دول كثيرة في اعتقاله. في العام الماضي، سافر الزعيم الروسي إلى منغوليا دون أن يواجه أي عواقب، رغم أن هذه الدولة الواقعة في شرق آسيا عضو في المحكمة الجنائية الدولية.

نتنياهو وحماس وحرب غزة

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق نتنياهو في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، سعياً منها أيضاً لاعتقال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، مستندةً إلى مزاعم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال حرب إسرائيل على حماس في غزة.

كما أن مسؤولاً كبيراً في حماس مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على إسرائيل. وقد قُتل قادة آخرون من الجماعة المسلحة، ممن تطالب المحكمة بمحاكمتهم، على يد إسرائيل.

وهذه المذكرات التاريخية جعلت نتنياهو أول زعيم إسرائيلي تستدعيه محكمة دولية بسبب أفعال مزعومة ضد الفلسطينيين خلال الصراع العربي الإسرائيلي الذي استمر لأكثر من سبعة عقود.

كما نددت مختلف الأطياف السياسية الإسرائيلية بهذه المذكرات باعتبارها غير مقبولة، حيث وصفها مكتب نتنياهو بأنها "معادية للسامية". وانتقد العديد من حلفاء إسرائيل، بمن فيهم الولايات المتحدة، بشدة مذكرة المحكمة الجنائية الدولية.

إسرائيل ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، ولا تعترف باختصاصها القضائي، ولا تحترم أوامر الاعتقال الدولية الصادرة عنها، ومن المرجح أنها لن تُسلّم مواطنين إسرائيليين للمحاكمة. إضافةً إلى ذلك، لا تتدخل المحكمة الجنائية الدولية إلا عندما تكون حكومة الدولة نفسها غير راغبة أو غير قادرة على مقاضاة القضايا.

لكن على عكس روسيا، إسرائيل دولة ديمقراطية فاعلة، ولها تاريخ طويل من الانتقالات السلمية بين الحكومات المنتخبة. هذا يجعل مستقبل نتنياهو السياسي أكثر هشاشة من مستقبل بوتين، وأكثر شبهاً بحالة دوتيرتي، حيث أدى تغيير في الحكومة بعد خروج الزعيم الفلبيني من منصبه إلى سقوطه.

يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بالفعل عددًا من المشاكل القانونية الداخلية غير المرتبطة بحرب غزة، بما في ذلك محاكمة فساد طويلة الأمد.

كما تعاني إسرائيل من انقسام سياسي عميق، حيث يشعر العديد من المواطنين بالغضب من حكومة نتنياهو وحلفائه اليمينيين المتطرفين في الحكومة.

وفقًا لجوردون، من "المحتمل" على الأقل أن يواجه نتنياهو يومًا ما الاعتقال في إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم مزعومة تتعلق بأفعال إسرائيل في غزة - مع أن هذا لا يعني بالضرورة تنفيذ مذكرة المحكمة الجنائية الدولية.

ثم هناك حقيقة أن العديد من الدول القوية اختارت عدم تنفيذ مذكرات المحكمة الجنائية الدولية بينما رفضتها دول أخرى علنًا - مما يزيد من تقويض سلطة المحكمة.

مقالات مشابهة

  • القناة 12 العبرية: الجنائية الدولية أرسلت للمجر طلبًا لاعتقال نتنياهو
  • التصعيد الأمريكي في اليمن بين عمليتي بايدن وترامب
  • بوتين أم نتنياهو.. من عليه القلق أكثر بعد وقوع دوتيرتي بقبضة الجنائية الدولية؟
  • خبير: انسحاب المجر من المحكمة الجنائية خرق للقانون والمواثيق الدولية
  • إسرائيل تتحسب لمذكرات اعتقال جديدة من الجنائية الدولية
  • إعلام عبري: "الجنائية الدولية" قد تصدر أوامر اعتقال جديدة ضد مسؤولين إسرائيليين
  • تدفق الأسلحة مستمر.. ترامب يرسل لإسرائيل 20 ألف بندقية علّقها بايدن
  • محامي بالجنائية الدولية: انسحاب المجر من المحكمة قرار سياسي في المقام الأول
  • نتنياهو وأوربان يبحثان مع ترامب انسحاب المجر من الجنائية الدولية
  • رغم انسحابها .. “الجنائية الدولية” تلزم “المجر” باعتقال نتانياهو