فيلم فتى يزهق روح العالم... عالم ديستوبي استبدادي يمزج الكوميديا بالحركة
تاريخ النشر: 26th, May 2024 GMT
- مجتمع معزول تقوده امرأة ويدمن على فكرة الانتقام
لاشك أن البيئات والمجتمعات الديستوبية المعزولة كانت ولا تزال حاضرة في أدب وسينما الخيال العلمي، تلك العوالم الافتراضية لما سوف يؤول إليه مجتمع بعينه أو شعوب بعينها في ظل حروب وصراعات وكوارث.
من هنا كانت رواية وفيلم 1984 للكاتب جورج اورويل مثالا حيًا لهذا النوع، نسج الروائيون على منواله حتى الآن الكثير من الأعمال وكذلك فعل المخرجون في إعدادهم لهذه الرواية وتقديمها بأساليب ومعالجات مختلفة بقي فيها المجتمع المستلب والسطوة الفردية علامتين فارقتين لم تفارقا ذلك النوع من المعالجات الفيلمية.
وعلى نفس المسار كنا قد شاهدنا أفلاما مثل الرجل الراكض 1987 وفيلم اليتا 2019 وفيلم لوغان 2017 وفيلم مستوطنة العقاب 1971 وفيلم النائم 1973 وفيلم القمر 2009 وفيلم الهروب من نيويورك 1981 وفيلم المدينة الظلماء 1989 وفيلم الذكاء الاصطناعي -2001 وفيلم شبح في القوقعة 1995 وفيلم المنطقة 9 -2009 وفيلم تقرير الأقلية 2002 وفيلم متسابق المتاهة -2017 وأفلام أخرى.
في هذا الفيلم للمخرج الألماني مورتيز موهر سوف نكون بصدد معالجة أخرى لهذا النوع من الأفلام الذي يرتكز على فكرة المجتمعات الشمولية المسيطر عليها، فها نحن في مجتمع مجهول يذكرنا بمجتمعات جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وبلدان المنظومة الشيوعية السابقة وحيث السلطة المطلقة لعائلة فان دير وتتزعم السلطة هيلدا فان دير - تقوم بالدور الممثلة فرانكي جانسن هي وأسرتها، وهي تقوم باستعراض تلفزيوني سنوي يسمى الغربلة تقوم من خلاله بتصيد المعارضين أيا كانوا وتصفيتهم أمام أنظار الشعب وعبر الشاشات.
ومن بين من يتم تصفيتهم عائلة صغيرة من أم وطفليها ومن وجهة نظر أحد الطفلين سوف نتعرف على الحقيقة وعلى فرض إبادة تلك العائلة بإطلاق الرصاص عليها، إلا أن الفتى سوف يظهر لنا وهو يعيش في غابة استوائية ويعيش حياة بدائية وهو يتدرب بكثافة وتحت ظروف شاقة من أجل أن يصبح مهيأ للانتقام من عائلة فان دير.
هذه الأرضية الدرامية يوازيها تجبر نظام شوفيني ما انفك يبحث عن مزيد من المعارضين تجعل من ذلك الفتى الذي شهد مقتل أسرته خصما لدودا وها هو قد أصبح رجلا ومقاتلا شرسا- الممثل بيل سكارسغارد الذي سوف يغرق في وسط تلك البيئة الاستوائية في جو هو خليط من السحر والشعوذة واكتساب للقوة من خلال معلمه الذي يعرف برجل الشامان -الممثل بايان روشيان وهو أحد أعداء النظام ولكنه متخف في وسط الغابات بعد إبادة عائلته.
وها نحن نتدرج في القصة وصولا إلى عرض صورة تراجيدية لهجوم رجال الأمن على الناس ومحاولة اعتقال المعارضين لكن المشهد يتحول إلى مجزرة على يدي زوج الرئيسة وشقيقها مما يدفع الفتى الأصم الأبكم إلى الاختباء في سيارة شقيق الرئيسة والتسلل إلى القصر باختبائه خلف شخصية طباخ في داخل القصر.
بالطبع يجري كل ذلك في وسط كثافة من المواجهات والمعارك والصراعات الدموية التي تمتزج فيها الحركة بالكوميديا وبالمهارات الفردية المذهلة التي يتمتع بها الشاب المنتقم وقد صار قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى الرئيسة التي يظهر أنها مبتلاة بمشاكل نفسية ونزعات انتقامية.
وفي هذا الصدد يكتب الناقد سيمون ابرامز في موقع روجر ايبيرت عن هذا الفيلم قائلا: "وكأننا نشاهد برنامجا استعراضيا للقوة ذلك الذي يتم بثه سنويًا على التلفزيون وتنظمه الفاشية المستبدة التي تسلب جمهورها الشعور بالأمان من خلال شخصيات مثل ميلاني فان دير كوي وعائلتها. خلال ذلك ثمة انتقادات لكيفية تلاعب الإعلام بالعقول من خلال التركيز على تلاعب عائلة فان دير كوي بوسائل الإعلام من خلال كوميديا هي مزيج من الحركة والنزعة الدموية والمشاهد الكئيبة".
أما الناقدة جوليانا برونيل فيىموقع غريك اند غريس فتقول " إن المخرج قد حسم خياراته فقدم لنا دراما مليئة بالصراعات في قالب من اللعب من أجل الضحك وفي كل مرة تأتي فيها لحظة تتخيل أن الهدف هو التأمل أو الحزن بسبب مأساة فقدان العائلات، نجد أن المخرج يسلك بنا طريقا آخر مختلفا. هناك شخصية واحدة محورية هي الشاب الأصم الأبكم الذي سوف يقلب المعادلات".
واقعيا نحن أمام ما نسميه السوبر هيرو وهو البطل القادر على قهر خصومه بمهاراته وقدراته وهو ما يحصل مع شخصية ذلك الشاب الأصم الأبكم الذي تحفزه في كل مرة قوة الخيال التي تدفعه بلا إرادة منه إلى مشاهدة شقيقته والحديث معها مع أن كل ذلك يقع في خياله وفي حنينه للطفولة، حيث كان يرعى أخته وها هي ترافقه وتنصحه.
على أن المواجهات الدراماتيكية الأعنف في الفيلم لا تضيف كثيرا لأفلام عديدة كالتي ذكرناها لكن المخرج هنا يعمق في مسألة القتالات الفردية ومهارات التخلص من الأعداء وكل ذلك يجري في سلسلة مشاهد كوميدية يتسيد فيها أصدقاء الأصم والأبكم ويرفدونه وينقذونه في وقت الأزمة.
وأما إذا انتقلنا إلى الخط الثاني من البناء السردي والذي تظهر من خلاله الشخصيات الحاكمة من آل فان دير وبسبب غطرستهم واستبدادهم يخوض الشاب الأصم والأبكم صراعات دامية معهم ويتم تصميم مشاهد الصراع بشكل كوميدي ممزوج بمهارات فائقة في استخدام عناصر الحركة والخدع السينمائية وتصميم المعارك الفردية.
واقعيا تمكن المخرج من السيطرة على الأحداث وقاد الشخصيات إلى مواجهات مشوقة وحيث صنع سلسلة غزيرة من المشاهد التي تعمق الصراع من جهة وتمنح جوا كوميديا قائما على فكرة السخرية من ذلك النظام السائد، وهو ما سوف يتواصل بلا هوادة خلال المسار السردي المعمول به.
وأما إذا عدنا إلى العائلة الحاكمة، فإنهم يتدربون على أسوأ الاحتمالات من خلال جلب عائلة بديلة وتوزيع أفرادها على الطاولات وذلك في مشهد من مشاهد الذروة التي من خلالها يقوم ذلك الشاب الأصم الأبكم بالهجوم عليهم وقتل أحدهم على أساس أنه زوج السيدة ليتضح أنه لم يكن إلا بديلا وهكذا صار يشك في كل من هم من حوله.
من هنا كان التمهيد لتحقيق المواجهة بين الشاب الأصم والأبكم وبين الطاغية هيلدا فان دير والتي ما إن تلتقيه حتى تقنعه بأنها أمه وأن ما جرى كان كله سوء فهم وأن العائلة التي نشأ فيها ليست إلا عائلة ربته وأنها أمه الحقيقية وأن الشامان الذي دربه هو ساحر خبيث يريد أن يستحوذ عليه وهكذا نجد أن الصراع في هذه الدراما بدل أن يكون بين رجل ورجل أو بين امرأة وامرأة فإنه هنا صراع بين رجل وامرأة ويصبح هو المحرر من ذلك الاستبداد.
.....
إخراج / مورتيز موهر
تمثيل/ بيل سكارسغارد، فرانكي جانسن، جيسيكا روث، بايان روشيان، اندرو كوجي، ميشيل دوكيري.
مونتاج/ لوسيان بيرنارد
موسيقى/ لودفيك فورسيل
التقييم/ أي ام دي بي 7 من 10، روتين توماتو 60 من 100، ميتاكريتيك 65 من 100
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هشام يانس.. رائد الفن الساخر وأيقونة الكوميديا الأردنية
ودعت الساحة الفنية الأردنية صانع البسمة هشام يانس أحد أبرز الفنانين الأردنيين الذين تركوا بصمة مميزة في الساحة الفنية العربية، وصاحب الوجوه المتعددة الذي رحل عن عمر يناهز 78 عاما بعد صراع مع المرض.
ونعاه وزير الثقافة الأردني مصطفى الرواشدة -عبر حسابه الرسمي على منصة إكس- وكتب: "أنعى بمزيد من الحزن والأسى وفاة الفنان هشام يانس الذي قدم عددا من الأعمال المسرحية الناقدة والدراما العربية المتميزة، ومنها برنامج المناهل العربي الذي عني بثقافة الطفل واللغة العربية، ومسلسل جواهر، الذي شكل علامة في الدراما العربية ورسخ في وجدان الأجيال.. وإذ نترحم على الفنان الراحل الذي كان من رواد المسرح الكوميدي وقلد مسرحيا مجموعة من الشخصيات السياسية، فإننا نقدم أحر العزاء لعائلته وذويه وأصدقائه".
أنعى بمزيد من الحزن والأسى وفاة الفنان هشام يانس الذي قدم عددا من الأعمال المسرحية الناقدة والدراما العربيةالمتميزة، ومنها برنامج المناهل العربي الذي عني بثقافة الطفل واللغة العربية، ومسلسل جواهر الذي شكل علامة في الدراما العربية ورسخ في وجدان الأجيال.. وإذ نترحم على الفنان… pic.twitter.com/TXd4CUHskm
— مصطفى الرواشده Minister of Culture (@mostafa59625937) December 22, 2024
إعلانمن يافا لعمان
منتصف أربعينيات القرن الماضي، ولد هشام يانس في يافا بفلسطين يوم 21 مايو/أيار 1946، وانتقل مع عائلته إلى عمّان حيث ترعرع في طفولته وهى المرحلة التي شكلت ملامح شخصيته الفنية لاحقا، إذ عرف منذ صغره بشغفه بالفن والأداء المسرحي.
بعد إنهاء دراسته الثانوية، انتقل إلى مصر لدراسة الحقوق في جامعة القاهرة، وعاد إلى الأردن مجددا، واستكمل دراسته وحصل على ماجستير في العلوم السياسية من الجامعة الأردنية عام 2007.
دراسة الحقوق كانت محطة في مسيرة الفنان المتعدد المواهب، الذي سرعان ما بزغت موهبته في الكتابة والتمثيل عبر المنصات المختلفة، المسرح والإذاعة والتلفزيون، وفي أثناء وجوده في مصر كان قد اتجه نحو المسرح، وعلى خشبة مسرح الأوبرا قدم عدة أعمال من المسرح العالمي.
مسيرته الفنيةبدأ الفنان والكاتب الأردني هشام يانس مسيرته الفنية في السبعينيات، إذ تميزت رحلته بالتنوع والابتكار. واكتسب شهرة واسعة بموهبته الفريدة في تقليد الشخصيات العامة والفنية والزعماء السياسيين، وهي الموهبة التي ظهرت عليه منذ كان في الـ12 من عمره. انطلقت مسيرته الفعلية من خلال برنامج "ليالي عمان"، حيث قدم تقليدا مميزا لشخصيات بارزة مثل الملك حسين، وياسر عرفات، وصدام حسين، وجمال عبد الناصر، ومحمد أنور السادات، ومعمر القذافي، وبيل كلينتون، والإمام محمد متولي الشعراوي. كما أبدع في تقديم أغنيات شهيرة بأسلوب كوميدي مميز، مع تعديل الكلمات والاحتفاظ بالألحان الأصلية.
كوميديا برسائل مجتمعيةعرف يانس بأسلوبه المتفرد في الكوميديا، حيث دمج بين الطابع الفكاهي والنقد الاجتماعي في أعماله، متناولا قضايا تهم المواطن الأردني والعربي، مثل الفقر، والفساد، والبطالة. هذا المزج جعله قريبا من قلوب الجماهير، وأكسبه قاعدة شعبية واسعة في الأردن والوطن العربي.
محطات بارزة في مسيرتهحقق يانس نجاحا كبيرا بمسلسله التعليمي "المناهل"، الذي يعد من أبرز أعماله وأكثرها شهرة. يُعتبر هذا العمل من أهم البرامج التعليمية التلفزيونية في المنطقة، إذ استهدف تعزيز ثقافة الطفل العربي بأسلوب مشوق ومميز.
إعلان ثنائي كوميدي بارزفي مشوار الكوميديا، شكل يانس ثنائيا مميزا مع الفنان الأردني نبيل صوالحة في عروض مثل "أهلا نبيل وهشام". لاحقا، انضمت إليهما الفنانة أمل الدباس، وقدم الثلاثي سلسلة من المسرحيات السياسية الهادفة التي لاقت استحسان الجمهور. استمر هذا التعاون لمدة 7 سنوات قبل أن ينفصل الثنائي، ليكمل كل منهما مسيرته منفردا.
إرث مسرحي غنيقدم يانس مجموعة من المسرحيات التي جمعت بين النقد السياسي والاجتماعي، ومن أبرزها: "صدام" و"نظام عالمي جديد" و"أوكازيون" و"كل شيء للبيع" و"أهلا مؤتمر قمة عربي" و"الحصار الذي صار" و"السلام يا سلا" و"أهلا حكومة".
بهذا الإرث الفني الغني والمتنوع، رسخ هشام يانس مكانته بوصفه واحدا من أبرز الفنانين الأردنيين الذين نجحوا في الجمع بين الإبداع الفني والرسائل المجتمعية العميقة.
يمتلك هشام يانس مسيرة فنية حافلة بالإنجازات في مجالي الكتابة والتمثيل. كتب أكثر من 82 مسلسلا تلفزيونيا و15 مسرحية سياسية، من أبرزها: "نظام عالمي جديد"، و"مؤتمر قمة عربي"، و"التطبيع"، و"السلام يا سلام".
أما في مجال الدراما التلفزيونية، فقد أثرى الشاشة بأعمال مميزة، منها: "السيف الذهبي"، و"سيف الله المسلول: خالد بن الوليد"، و"علاء الدين أبو الشامات"، و"نور الدين زنكي"، و"في بيتنا حكاية"، و"مركب الهند"، و"نجاتي وحرمه".
وعلى صعيد التمثيل، شارك في عدة أعمال بارزة مثل "سوق الألغاز"، و"محاكمة بن المقفع"، و"قلعة الشطار"، و"جارية من نيسابور"، و"غرائب الدنيا". وكان آخر ظهور له على الشاشة بصفته ممثلا عام 2003 في مسلسل "نقطة وسطر جديد".
مناصب وجوائز: إرث مهني غنيلم تقتصر مسيرة الفنان الأردني هشام يانس على الكتابة والتمثيل فحسب، بل شغل عديدا من المناصب البارزة في المجال الإعلامي والفني. عمل مخرجا ومنتجا في الإذاعة الأردنية، كما انضم إلى هيئة الإذاعة البريطانية، وأسهم في تأسيس أول مسرح مدرسي في أبو ظبي، مما عزز من دوره في تطوير الفنون التربوية في الخليج. إضافة إلى ذلك، عمل في مراجعة النصوص التلفزيونية والمسرحية، مما أضاف بُعدا جديدا لإسهاماته الفنية.
إعلاننال يانس تكريمات عديدة خلال مسيرته، أبرزها وسام الحسين للعطاء المميز من الدرجة الثانية الذي منحه إياه الملك عبد الله الثاني عام 2013، إضافة إلى وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، تأكيدا على تأثيره العميق في المشهد الفني والثقافي.
أزمة صحية ورحيل مؤثرفي عام 2007، تعرض هشام يانس لأزمة صحية إثر جلطة دماغية أقعدته عن العمل الفني، وأبعدته عن الأضواء، لكنه ظل حاضرا في وجدان جمهوره بأعماله التي تركت بصمة لا تُنسى في تاريخ الفن الأردني والعربي. على مدار مسيرته، كان يانس قدوة للفنانين الشباب، مقدّما قضايا إنسانية واجتماعية بجرأة وتفرد.
برحيله يوم 22 ديسمبر/كانون الأول، فقدت الساحة الفنية الأردنية أحد أبرز رواد الفن الساخر، تاركا وراءه إرثا فنيا غنيا ومتنوعا، سيظل علامة فارقة في تاريخ الفن العربي.