إسرائيل والغرب.. والساعة الخامسة والعشرون
تاريخ النشر: 26th, May 2024 GMT
يقول لنا التاريخ إن أقوى ما يؤكد أي تجربة في الدنيا هو أن تحاول نفيها، لأنك إذا حاولت نفيها وصمدتْ فأنت قد أثبتها.. وهذا هو بعينه ما حدث ولا زال يحدث في بؤرة النار والأنوار، غزة.. التي أقامت الدنيا والناس، وأعادت للإنسانية كلها أحد أروع أوصافها (الحرية والكرامة)، وسيزداد التأكيد تأكيدا وسيزداد الإثبات إثباتا.
وسنسمع من سيقول لنا وللدنيا: يبدو أن عدونا المر والقاسي يسيطر على الوضع على نحو أفضل بكثير، يحيى السنوار يتحكم بالأمور بطريقة أكثر موثوقية وأمان، ونحن نتبعه دون خيار، إنه يعقوب بيري (80 سنة)، نائب رئيس الشاباك السابق.. كما ذكرت لنا جريدة معاريف الأسبوع الماضي. ويضيف: "يبدو أن التركيبة الحالية لقيادتنا تواجه صعوبة وبالتالي فقد حان الوقت لاستبدالها..".
* * *
استبدال القيادة مطلب استراتيجي في قلب الدولاب الإسرائيلي كله، لكن أحد تجليات "طوفان الأقصى" أنها كشفت أشياء كثيرة للغاية، وهامة للغاية، وكادت تتحول إلى حقائق راسخة لا تُناقَش ولا تُسأل.
أحد تجليات "طوفان الأقصى" أنها كشفت أشياء كثيرة للغاية، وهامة للغاية، وكادت تتحول إلى حقائق راسخة لا تُناقَش ولا تُسأل. فقد بات واضحا مثلا وبكل تأكيد أن هناك مصالح أخرى وأفكارا أخرى وروابط أخرى بين "الصهيونية العالمية والغرب الإمبريالي"، ولا تتصل بقصة "الدولة يهودية" بل ولا تتصل باليهود أنفسهم (الدين والعِرق).. إنما تتصل في أوضح صورة لها بتاريخ الصراع بين الشرق والغرب
فقد بات واضحا مثلا وبكل تأكيد أن هناك مصالح أخرى وأفكارا أخرى وروابط أخرى بين "الصهيونية العالمية والغرب الإمبريالي"، ولا تتصل بقصة "الدولة يهودية" بل ولا تتصل باليهود أنفسهم (الدين والعِرق).. إنما تتصل في أوضح صورة لها بتاريخ الصراع بين الشرق والغرب، تتصل به في أعمق أعماق معانيه وأوثق مرجعياته التاريخية والفكرية.
* * *
وسيكون علينا لزاما ودائما، أن نتذكر أياما شبيهة بهذه الأيام التي انطلقت فيها "طوفان الأقصى"، إنها أيام عماد الدين زنكي (ت: 1146م)، صاحب الصيحة الأولى ضد الحروب الصليبية (أو حرب الفرنجة كما يريد لنا العلامة د. عبد الوهاب المسيري تسميتها".
فبعد أن كان الصليبيون يتربعون في أربع إمارات (الرها/ انطاكية/ والقدس/طرابلس) لمدة 46 سنة! وكادوا خلالها أن يتحولوا إلى "قدر محتوم" وبدا للجميع أن هذا القدر لا بد من معايشته والإقرار به، بل والترحيب به!.. سيأتي عماد الدين ويستعيد إمارة الرها 1144م.. لكنه سيُقتل فورا بعدها!
* * *
ذهب شهيدا.. لكن البذرة كانت قد أنبتت واستوت على عودها، وسيأتي بعده نور الدين زنكي (ت: 1174م) ليقول لمن حوله بصوت استراتيجي صادح: لا يمكن خوض هذه الحرب وطرد الصهاينة -عفوا الصليبيين- إلا بتوحيد مصر والشام.
وهو ما سيحدث بعد عام واحد (1145م) ويدخل دمشق، وباقي القصة أشهر من أن يُعرّف، وسنسمع فيها أسماء أسد الدين شركوه وصلاح الدين ومصرنا الحبيبة.. ثم ماذا؟ ثم حطين والقدس (4 تموز/ يوليو 1187م).
* * *
على أي حال، وبغض النظر عن مفارقة قرون الثمانية التي قفزنا بها بين تواريخ الزمن.. إلا أن خط الزمن هو نفسه، والعدو هو نفسه، والسبب هو نفسه، والمدهش أنه ستكون الخيبة هي نفسها..
* * *
إسرائيل بالفعل والقول، خسرت الحرب استراتيجيا، بكل الحمولة الكاملة لمعنى الاستراتيجية: حرب وسياسة واقتصاد ومستقبل.. وفي وسط كل هذا الخسران الشامل.. سنسمع من يتحدث عن أن المشكلة ليست في كل هذا الذي يحدث! إنما الإشكالية الحقيقية هي اليوم التالي للحرب في غزة
إسرائيل بالفعل والقول، خسرت الحرب استراتيجيا، بكل الحمولة الكاملة لمعنى الاستراتيجية: حرب وسياسة واقتصاد ومستقبل.. وفي وسط كل هذا الخسران الشامل.. سنسمع من يتحدث عن أن المشكلة ليست في كل هذا الذي يحدث! إنما الإشكالية الحقيقية هي اليوم التالي للحرب في غزة!
* * *
هل هم جادون فعلا في كلامهم؟ أم لديهم ما يخفونه ولا يريدون التصريح به علنا؟ وهم بالفعل قد ألمحوا اليه كثيرا:
لن نسمح لحماس بالنصر، هزيمة إسرائيل معناها عدم قدرتها على الاستمرار في المنطقة، لن يمكننا البقاء في الشرق الأوسط بعد الآن، إذا لم تنتصر إسرائيل.. الخ..
وكلها عبارات كما نرى، من ذات الوزن التاريخي الثقيل، لأن من يسمعها لا يملك إلا السؤال والبحث عن أصل الحكاية، وسيدرك بعدها أن غزة ما هي إلا "أيقونة" فقط لشيء آخر.
* * *
تقول الحكاية التي وراءها ألف حكاية وحكاية أن "الحزام الصهيوني/ الغربي" الذي يطوق "الشرق الإسلامي" من بدايات القرن الـ19، هو الآن في الساعة الخامسة والعشرين.. "الحزام الصهيوني" المحكم على المنطقة والذي سيبدأ -إن شاء الله- في التفكك والخلخلة.. هو بعينه الذي يلتف حول خاصرة الغرب كله..
مفكروهم وعقلاؤهم هناك يقولون ذلك من سنين، ولكن كان لا بد من "صيحة" عالية، وقد كانت.. وما مشاهد الهلع في الدوائر العليا، والعنف القاسي في التعامل مع المظاهرات التي نراها في عيون حواضر الغرب وعواصمه وجامعاته، إلا أكبر دليل على أنه بالفعل كذلك (حزام محكم)، وعلى أنه بالفعل بدأ في التفكك والتخلخل..
ما مشاهد الهلع في الدوائر العليا، والعنف القاسي في التعامل مع المظاهرات التي نراها في عيون حواضر الغرب وعواصمه وجامعاته، إلا أكبر دليل على أنه بالفعل كذلك (حزام محكم)، وعلى أنه بالفعل بدأ في التفكك والتخلخل
* * *
المفكر الكبير عباس محمود العقاد (ت: 1964م) رحمه الله كان من أوائل من حذر وأنذر، وقال لنا كل شيء في كتابه المشهور سنة 1956م عن "الصهيونية العالمية".. وكالعادة دائما وفي أوقات الخطر سيكون الأزهر الشريف وشيخه الطيب هناك، وسيصدر الكتاب هدية مع أحد أعداد مجلات الأزهر.
نحن هنا نتحدث عن الجبال الرواسخ في ثقافة المصريين، فكر الكبار، وصرح الأكابر.
* * *
الحاصل أن الأستاذ العقاد قال لنا كل شيء عن الصهيونية، التي نجحت منذ تأسيسها كحركة سياسية عالمية من القرن الـ19 في السيطرة على كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية وكافة النواحي الأخرى في "الغرب الاستعماري" وشعوبه الغافلة.
* * *
نحن الآن في الساعة الخامسة والعشرين بتوصيف الروائي الروماني الكبير قسطنطين جورجيو (ت: 1992م) ليس فقط بتجريد الوقت والزمن، ولكن بإعلاء الصوت بكل الحقائق التي حاولوا طمسها وإخفاءها عبر الزمن، وسيصح هنا قول الروائي الراحل في هذه الرواية الجميلة "من هامش العالم.. سنرى العالم".
x.com/helhamamy
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الإسرائيلي الحروب الصليبية الغربي إسرائيل غزة الغرب الحروب الصليبية طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على أنه بالفعل کل هذا
إقرأ أيضاً:
كيف مزجت رومانيا بين الشرق والغرب في قصورها الملكية؟
وفي حلقة جديدة من برنامج "المسافر" -الذي يبث على منصة "الجزيرة 360"- تطوف الكاميرا في رحلة استكشافية مثيرة عبر أرجاء رومانيا كاشفة النقاب عن كنوز هذا البلد الأوروبي الساحر الذي طالما طغت عليه سمعة جيرانه.
ومن خلال عدسة البرنامج يتعرف المشاهد على وجه آخر لرومانيا، وجه مليء بالجمال الطبيعي الخلاب والتراث الثقافي الغني والحياة النابضة في مدنها العصرية.
ويبدأ مقدم البرنامج حازم أبو وطفة جولته بوصف رومانيا بـ"أرض التناقضات المثيرة والجمال الخالد"، فمن خلال وديانها وجبالها الشامخة تتجلى رومانيا وكأنها حكاية قديمة غامضة تنتظر من يكتشف أسرارها، مما يجعلها وجهة سياحية فريدة تستحق الاكتشاف.
وينتقل البرنامج بعد ذلك إلى استكشاف المدن الرومانية، ويصف أبو وطفة كيف "يتسارع نبض رومانيا في مدنها، ولكل مدينة إيقاعها الفريد"، حيث تعج المقاهي بالأحاديث الحماسية ورائحة القهوة الطازجة، في حين تحتضن الساحات العامة تاريخا عريقا وفولكلورا غنيا وفنونا أصيلة عصية على الاندثار.
قلعة بيليش
ومثلت قلعة "بيليش" -التي تقع في ثنايا جبال الكاربات الكبرى- محطة رئيسية في رحلة "المسافر"، وقد تم بناؤها في أواخر القرن الـ19 لتكون مقرا صيفيا لإقامة الملك كارول الأول، ومنحها موقعها الإستراتيجي بين الجبال إطلالات خلابة تأسر الأنظار.
وتعد الهندسة المعمارية للقلعة مزيجا فريدا من أنماط عدة، بما في ذلك الطراز القوطي والباروكي وعصر النهضة.
وقد زُينت بإطارات خشبية ونقوش وزخارف بديعة تعكس براعة الحرفيين الرومانيين، وبنيت لتحاكي نمط القلاع الألمانية والنمساوية الجميلة المطلة على الجبال البافارية.
وتضم القلعة أكثر من 160 غرفة، لكل منها طرازها وطابعها الفريدان، وهي مزينة بمنحوتات وزخارف وأثاث فريد الذي لا يوجد له شبيه في أي مكان آخر برومانيا.
ومن أبرز ما يلفت الانتباه في القصر هو قاعة الشرف، وهي قاعة الاستقبال الرئيسية التي أنشئت مطلع القرن الـ20 لكن بأناقة عصر النهضة.
ونقلت كاميرا البرنامج روعة الزخارف المحفورة على خشب الجوز والنقوش البارزة على المرمر، والتي تشكل تحفة فنية تأسر الأنظار، كما تتميز قاعة الشرف بأنها مغطاة بسقف زجاجي ملون قابل للانزلاق كهربائيا، مما يسمح بدخول الشمس والهواء.
ويستمر "المسافر" في استكشاف غرف القلعة المتنوعة، فهناك الغرفة المغربية التي زينها الملك كارول بالجص المطلي بالذهب وأثاث مغربي أصيل يعود إلى القرن الـ19.
الأجنحة الملكية
أما غرفة الطعام فتثير الدهشة بأناقتها، إذ صنعت الطاولة من خشب الجوز، وهي قابلة للتمدد لتتسع لـ36 شخصا، مع كراسٍ مصنوعة من جلد قرطبة.
ويشير أبو وطفة إلى أن بعض مستويات الغرفة مزخرفة بالفضة والكريستال مع لمسات مستوحاة من العصر العثماني، مما يعكس التأثيرات المتنوعة في التصميم الداخلي للقلعة.
وأفردت الحلقة فقرة خاصة لزيارة الأجنحة الملكية، وعلى رأسها غرفة الملك كارول الأول التي تعتبر الأكثر خصوصية في القلعة، وهي في الواقع مجموعة من 9 غرف تشمل صالة للجلوس وغرفة للعبادة وغرفة للنوم وغرفة للضيوف وممرا للحديث، بالإضافة إلى شرفات خارجية.
كما يلفت البرنامج الانتباه إلى الغرفة التركية، حيث يظهر تأثير الفنون العثمانية بوضوح، فتغطي المطرزات الحريرية جميع قطع الأثاث والجدران والسقف، مع نوافذ من الزجاج الملون عليها نقوش قرآنية، مما يعكس التنوع الثقافي والفني في تصميم القلعة.
23/11/2024