تحدي إسرائيل لقرارات محكمة العدل الدولية
تاريخ النشر: 26th, May 2024 GMT
د. عبدالله الأشعل **
استجابت محكمة العدل الدولية في سابقة فريدة لطلب جنوب إفريقيا بإصدار الأمر إلى إسرائيل بوقف إطلاق النَّار في رفح. واختارت المحكمة رفح بالذات لما لها من أهمية خاصة حيث يتكرس فيها معظم سكان غزة، كما إن إسرائيل رفضت من قبل الضغوط الدولية لعدم القيام بحملة رفح.
ثم إن الغارات الإسرائيلية تعني مزيدًا من الإبادة، وقد لاحظت المحكمة أنَّ إسرائيل لا تنفذ قراراتها السابقة، ولذلك نصَّ القرار على أنَّ الشروط والدواعي قد اكتملت لكي تتخذ المحكمة مزيدًا من الإجراءات المؤقتة، وألمحت أنها مقتنعة بأنَّ إسرائيل تتعمد الإبادة؛ وهي إشارة ذات دلالة، خاصة وأنَّ المحكمة تبحث إصدار حكم في القضية التي رفقتها جنوب إفريقيا وهي انتهاك إسرائيل عمدًا لاتفاقية الإبادة وتشجع على ارتكابها بدلًا من المحافظة على السكان واحترام الأماكن المحمية.
ويترتب على هذا الوضع ما يلي:
أولًا: أن الصهيونية التي تمارسها إسرائيل تعني الجرائم ضد الإنسانية ويتوفر ركن العمد في هذه الجرائم منطوق المشروع الصهيوني.
ثانيًا: أن سلوك إسرائيل الصهيوني يقطع بأنها لاعلاقة لها باليهود، وإنما سكان إسرائيل مجموعة من اللصوص الذين أغواهم منطق المشروع الصهيوني وأكاذيبه وسقطت إلى الأبد مبررات بقاء إسرائيل، كما سقط عنها وصف الدولة، مثلما سقطت عنها شروط العضوية فى الأمم المتحدة؛ ولذلك فإن سلوكها منذ قيامها وهي تجتهد في أعمال الإبادة تنفيذًا لمضمون المشروع الصهيوني.
ثالثًا: يترتب على ذلك أن تتاح فرص للعمل الدبلوماسي العربي والإسلامي والعالمي، فتستطيع المجموعة العربية أن تستصدر من الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة قرارات تهاجم قدسية الصهيونية التي أضفاها عليها الكونجرس الأمريكي والغرب عموماً وفيه انكشاف للقوة العظمى الأمريكية فقد اجتمعت بها إسرائيل لكي تتحدى الجميع بجرائمها.
رابعًا: ظهور نظرية السيادة التي نشأ عليها القانون الدولي ولابُد من البحث عن آليات جماعية للتنفيذ، وفي هذا المقام يمكن للدول العربية والإسلامية استصدار قرارات من الجمعية العامة لفرض عقوبات على إسرائيل ووصم الصهيونية بالجرائم ضد الإنسانية وإلغاء قرار الجمعية للتذكير بذكرى محرقة ألمانيا وإحلاله بقرار جديد لإدانة الصهيونية وعلاقة الصهيونية بإسرائيل؛ باعتبارها تجسيدًا للصهيونية ورأس حربة في حملة الإبادة.
وقد ظهر الفرق الحاسم بين إسرائيل كسُلطة محتلة وإسرائيل كقوة استعمارية وإسرائيل الصهيونية؛ فالأخيرة أخطر من الاثنين لأنها تستقطب الضحايا ممن ينتسبون زورًا إلى اليهودية وتصوير فلسطين على أنها الأرض الموعودة ويحميهم الجيش وأمريكا. الاستعمار يُصفي والاحتلال ينتهي ولا نزعم الدولة المستعمرة أو المحتلة أن لها حقًا فى الأقاليم المحتلة أو المُستعمَرة.
خامسًا: قررت المحكمة أنه يجب على إسرائيل الالتزام بثلاثة أمور؛ الأول: وقف إطلاق النَّار، ورغم أنه إجراء سياسي ومتروك للتفاوض بين إسرائيل والمقاومة وهي ضربة لحظة الإبادة الإسرائيلية، والصياغة الصحيحة هي وقف أعمال الإبادة جميعًا، وتشمل القصف وضرب الإسعاف والخدمات والمستشفيات والكذب على المدنيين وخداعهم. والثاني فتح المعابر، والثالث إدخال المساعدات في مواجهة حملة التجويع وحرمان السكان من مقومات الحياة.
سادسًا: يترتب على مخالفة هذه القرارات أن تتمكن إحدى الدول باقتراح تطبيق المادة الخامسة من الميثاق وهي الحرمان من التصويت ويصدُر القرار من لجنة فحص أوراق التفويض، وقد طبقت العقوبة على جنوب إفريقيا.
سابعًا: أن عدم الالتزام من شأنه دعم المساعي لإبطال عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية، والأفضل أن يطلب الأمين العام المدافع عن المنظمة الدولية رأيًا استشاريًا من نفس المحكمة حول مدى تمتُّع إسرائيل في ظل سلوكها بشروط العضوية.
ثامنًا: الخلاصة المطلوب من العالم العربي والإسلامي وإفريقيا وأمريكا اللاتينية اتخاذ الإجراءات الآتية:
إبطال عضوية إسرائيل والتمهيد لذلك بحرمان إسرائيل من التصويت. اقتراح فرص العقوبات. إعداد الكتاب الأسود في احتقار إسرائيل للأمم المتحدة وتوبيخ مندوبها بسبب تقطيع الميثاق رغم أن إسرائيل وليدة الأمم المتحدة.تاسعًا: تخشى الدول المُعترفة بفلسطين أن تتخذ الدول إجراءات تهدم المشروع الصهيوني فتخلف فلسطين كلها للفلسطينيين، ولذلك ربطت هذه الدول بين الاعتراف وحل الدولتين؛ حيث يعتبرون أن وجود إسرائيل تحصيل حاصل ويتجاهلون منطوق المشروع الصهيوني الذى يهدف إلى إبادة الشعب والانفراد بالأرض. وتخشى هذه الدول أن سلوك إسرائيل يمكن أن يزيل إسرائيل طواعية لغياب المشروع الصهيوني. وتأكد أن فلسطين تنفرد بأرضها ولا تريد التعايش مع إسرائيل، وهذا كان واضحًا من تعليق "حماس" على الاعترافات المتتالية، أنها تثبت الشعب في أرضه وتحبط هدف المشروع الصهيوني.
عاشرًا: سقوط مزاعم إسرائيل والغرب والتغني بالديمقراطية وحق الحياة لإسرائيل وحدها وحق إبادة السكان. فنية الإبادة موجودة في المشروع نفسه.
وقد سارعت فرنسا إلى ترتيب لقاء بين الرئيس إيمانويل ماكرون ووزراء خارجية وفد القمّة الطارئة العربية الإسلامية، وما كان لفرنسا أن تتخذ هذه الخطوة لولا استشعارها بالخطر على إسرائيل؛ بل يُتوقع أن تعترف فرنسا بالدولة الفلسطينية أيضًا. وكانت فرنسا فى عهد الرئيس الراحل جاك شيراك تُؤيد الحقوق الفلسطينية، لكنَّ تغيُّر الحكم في باريس وقربه أو بعده عن واشنطن، باعد بين موقف فرنسا وبين خطها القديم، لدرجة أنَّ المرتزقة الفرنسيين اشتركوا فى الهجوم الإسرائيلي على غزة.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أفريقيا الخاسر الأكبر .. ما هي الأثار المترتبة على إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ؟
قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسميا إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وهي الوكالة التي قدمت سنويًا مليارات الدولارات من الغذاء والماء والمساعدات الطبية المنقذة للحياة لملايين الأشخاص حول العالم، مع إخطار الموظفين المتبقين بإلغاء وظائفهم وضمّ الوظائف المتبقية إلى وزارة الخارجية الأمريكية.
إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدوليةمن المتوقع أن يثير قرار الإغلاق الأحادي الجانب لوكالة أنشأها الكونجرس الأمريكي عام ١٩٦١ طعونًا قانونية فورية، مع تأثيره الكبير في الدول المتلقية للمساعدات والتي تتركز أغلبها في قارة أفريقيا.
وقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في بيان: "للأسف، انحرفت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عن مهمتها الأصلية منذ زمن طويل... بفضل الرئيس ترامب، انتهى هذا العصر المضلل وغير المسؤول ماليًا".
وأضاف روبيو، أن الإدارة الأمريكية ستواصل تقديم "برامج أساسية منقذة للحياة".
قدمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مساعدات إلى حوالي 130 دولة في السنة المالية 2023 وكانت الدول العشر الأولى المتلقية للمساعدات في ذلك العام هي أوكرانيا وإثيوبيا والأردن وجمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال واليمن وأفغانستان ونيجيريا وجنوب السودان وسوريا.
أمر الرئيس دونالد ترامب، بعد أيام من توليه منصبه، بوقف جميع المساعدات الخارجية، ثم فوض إيلون ماسك - أغنى رجل في العالم ومستشار الرئيس - ومساعديه لطرد معظم موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المقيمين في الولايات المتحدة، وإصدار أمر بعودة مئات موظفي الخدمة الخارجية الأمريكية العاملين في الوكالة في الخارج.
انهيار مالي للشركات الأمريكيةوإلى جانب تأثير تفكيك إدارة ترامب للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، يقول حوالي 14 ألف موظف في الوكالة ومتعاقد أجنبي، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الأشخاص الذين يتلقون مساعدات في الخارج - العديد من الشركات والمزارع والمنظمات غير الربحية الأمريكية - إن قطع الأموال الأمريكية المستحقة لهم جعلهم يُكافحون لدفع رواتب العمال وتغطية الفواتير ويواجه البعض انهيارًا ماليًا.
تُجري المنظمات الأمريكية معاملات بمليارات الدولارات مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية، اللتين تُشرفان على أكثر من 60 مليار دولار من المساعدات الخارجية.
ووفقًا لشركة بيانات المساعدات DevelopmentAid، فإن أكثر من 80% من الشركات المتعاقدة مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية هي شركات أمريكية.
أفريقيا الخاسر الأكبروتعد قارة أفريقيا هي أكبر المتأثرين بقرار إدارة ترامب، حيث كانت القارة السمراء متلقية لتدفقات كبيرة من المساعدات الإنمائية الأمريكية.
وفقًا لبيانات وزارة الخارجية الأمريكية، استحوذت أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على 12 مليار دولار من التزامات إنفاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لعام 2024؛ وكانت أكبر خمس دول متلقية متوقعة هي جمهورية الكونغو الديمقراطية (1.3 مليار دولار)، وإثيوبيا (1.2 مليار دولار)، والسودان (770 مليون دولار)، ونيجيريا (760 مليون دولار)، وجنوب السودان (730 مليون دولار).
في تحليلٍ أُجري في فبراير، وتناول تأثير تمديد تجميد المساعدات، الذي كان مؤقتًا آنذاك، لمدة عام، حسب إيان ميتشل وسام هيوز من مركز التنمية العالمية، أن ثماني دول من بين أفقر 26 دولة في العالم، تتلقى أكثر من خُمس مساعداتها من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
جميع هذه الدول الثماني، باستثناء دولة واحدة - جنوب السودان، والصومال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وليبيريا، والسودان، وأوغندا، وإثيوبيا - تقع في أفريقيا. أما أفغانستان، فهي أكبر مستفيد آخر.
وأضاف التقرير أن "اقتصادات هذه الدول الثمانية منخفضة الدخل ضئيلة للغاية، لدرجة أن المساعدات تُشكل في المتوسط 11% من إجمالي دخلها (بناءً على بيانات الدخل القومي الإجمالي المتاحة لسبع دول). ومع توفير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية 30% من هذا الدعم، قد يُؤدي التجميد إلى عجزٍ يعادل أكثر من 3% من الدخل القومي الإجمالي - وهي صدمة اقتصادية كبيرة محتملة للدول التي تضم 410 ملايين نسمة."
علاج الإيدزأعلن برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز، وهو برنامج الأمم المتحدة المُشترك للتصدّي لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز عالميًا، أنّه تلقّى خطابًا من الإدارة يُنهي التمويل فورًا.
كانت الولايات المتحدة المساهم الرئيسي من خلال خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز، المعروفة باسم PEPFAR، والتي يُنسب إليها الفضل في إنقاذ أكثر من 26 مليون شخص في 55 دولة منذ إنشائها عام 2003، وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز.
صرحت بياتريس غرينزتين، رئيسة الجمعية الدولية للإيدز، في تصريح لشبكة إن بي سي نيوز: "إن تخفيضات التمويل الأمريكية تُفكك النظام".
وأضافت: "علاج فيروس نقص المناعة البشرية ينهار، وخدمات علاج السل تنهار إن عدم وجود بيانات يعني عدم وجود تتبع لمن يتلقون الرعاية لا يوجد مستشارون، ولا فحص فيروس نقص المناعة البشرية - حتى في المستشفيات. إن عدم وجود برامج توعية يعني إهمال الناس. الخدمات المقدمة للأشخاص الأكثر ضعفًا، بما في ذلك العيادات المتنقلة ومراكز الاستقبال، متوقفة. أرواح الناس على المحك".