حرب السودان البلهاء..

أكثر من 405 يومًا من الإفلات من العقاب والهروب من الحقيقة

مهدي رابح

تتزامن الساعات القادمة مع اللمسات التحضيرية الأخيرة لافتتاح المؤتمر التأسيسي لـ”تقدم” الذي سيجمع ما يزيد عن الستمئة مشارك/ة من مختلف اطياف التباين داخل الصف المدني الديموقراطي السوداني. والساعي بما يملك من عزيمة ومنذ ما يزيد عن الـ 405 يوما إلى وقف الحرب البلهاء الدائرة اليوم في بلادهم بين طرفي قتال يتنافسان في الاجرام ويتفننان في تدمير حيوات الناس ومستقبلهم.

وهو -أي المؤتمر التأسيسي لـ”تقدم”-  تتويجٌ لجهد عظيم ومثابر لرجال ونساء لم تثنهم المصاعب المتعاقبة عن المضي قدما في هذا المشروع النبيل, متساميين على كل ما تعرضوا له من شيطنة وتخوين وتجريح, في بيئة سياسية اقل ما يمكن ان توصف به انها مسمومة, تتواري فيها الحقائق الموضوعية خلف دخان توحّش القتال والمأساة الإنسانية غير المسبوقة علي الأرض, مقرونا بما اصاب عديد الفاعلين المدنيين ذوي الأصوات العالية في الفضاء العام من تيهان عظيم جرّاء مزيج التترّس في الذات والكسل المعرفي وانتهاج الخطاب التبسيطي وتلقّف كل ما يمكن ان تنضح به الة التضليل المعلوماتي الضخمة وشبكات النميمة العنكبوتية العتيقة من اكاذيب واشباه حقائق.

إذاً لم كل هذا التأخير رغم تسارع انهيار الوضع في السودان واقترابه كل يوم من نقطة اللا عودة؟ هذا السؤال المركزي هو ما سأحاول جاهدا الإجابة عليها باختصار شديد من وجهة نظري في متن هذا المقال.

للإجابة على جانب من السؤال, وفي تقديري المتواضع, ان ام الأسباب يكمن في تهرب اغلب الفاعلين المدنيين من الحقيقة القائلة بأن حرب 15 ابريل ما هي الا نتاج لفشل المشروع السياسي والتنموي للدولة السودانية منذ ال 19 من ديسمبر 1955م , تاريخ اعلان برلمان السودان المنتخب استقلال السودان.

وهو فشل ناتج في الاصل من اختلالات بنيوية عميقة للدولة زادها عمقا ممارسات نظام الحكم الاسلاموي الكليبتوقراطي لما يزيد عن الثلاثين عاما. تمثل فيها ازمة القطاع الأمني والعسكري التعبير الأكثر وضوحا لهذه الاختلالات واحدي العناصر الرئيسة التي ساهمت في هذه المحصلة النهائية من الموت والفقر والقهر والدمار والتشريد. وهو دور وضح بأبهي صوره في انقلاب 25 أكتوبر 2021م الذي نفذ مدفوعا بأطماع الجنرالات وادي الي تفريغ الدولة من اطارها الدستوري والمؤسسي ومهد لتحول الصراع السياسي بين قيادات الجيش وقيادات إحدى فصائل القوات المسلحة والمتمخضة من رحمها والمتمثلة في قوات الدعم السريع الي مواجهة عسكرية محتدمة كانت أبرز سماتها ولا تزال ليس فقط عدم الاكتراث بحياة المدنيين وممتلكاتهم بل استهدافهم بصورة ممنهجة من قبل الطرفين وارتكاب جرائم قد ترقي لجرائم الحرب والجرائم الموجهة ضد الانسانية.

في ظل غياب رؤية لمشروع بناء وطني حقيقي استمر نظام الحكم في السودان ومنذ 1956م مركزيا قابضا تتحكم في أجهزة الدولة فيه وعلى راسها القطاع الأمني والعسكري “نخبة مسيطرة” تسعى للاحتفاظ بمركزها في السلطة. عزز من هذا النمط تشوه البنية الاقتصادية في سياق دولة ريعية تضيق فيها قاعدة المصالح المادية وترتبط عضويا بجهاز الدولة. ما ادى الي تعميق التباينات بين الشرائح المجتمعية وتجذر الظلم الاجتماعي والتنموي واستمرار النظام السياسي غير المؤسسي على نمطه الزبائني ما حوله تدريجيا إلى نظام سوق سياسي تنسجم ديناميته مع قدرة النخبة الحاكمة/المتحكمة على نهب واستغلال الموارد واستخدام ثنائية القمع وشراء الولاءات للبقاء في السلطة.

وظل القطاع الأمني الأداة السياسية الاولي لنخب الدولة المركزية لحسم صراعاتها علي السلطة والثروة ما ادى به للتمدد السياسي حتى تحول مع حلول عام 2019م الي حزب سياسي مسلح يسعي لتحقيق أطماع قياداته ويشتري ولاء بعضا من وكلائه في الصف المدني. وادى به للتمدد الاقتصادي الي الاستحواذ علي ما يقارب الـ80% من الموازنة العامة و82% من النشاط الاقتصادي اما مباشرة او عبر واجهات تجارية متعددة تقف خلفها شبكات مصالح من العناصر الاسلاموية مرتبطة بطبقة عسكرية اوليغاركية نافذة.

في حين اتى توفير سلعة الامن للمواطن في مؤخرة اوليات هذا القطاع دائما, أتت حماية النخبة المسيطرة والعمل على استمرارها في السلطة في مقدمتها. وهو ما ادى بالحكومات المتعاقبة, ونسبة لمحدودية قدرات الجيش وعجزه التاريخي الوظيفي في بسط سيادة الدولة المركزية على كل مساحات السودان الشاسع ومواجهة الحراك المسلح المناهض للتهميش إلى تبني سياسات لتسليح شرائح مجتمعية من السودانيين لخدمتها ولسد ذلك العجز ما أنتج تناسلا لمليشيات انتهجت التنكيل وارتكبت فظاعات في حق مئات الاف المدنيين. جرائم مروعة شارك فيها الجيش/المؤسسة العسكرية الرسمية المليشيات المسلحة, القبلية في اغلبها, اما مباشرة علي الأرض بالتسليح وتوفير الغطاء الجوي والدعم الحربي او غير مباشر عبر توفير الغطاء السياسي والدبلوماسي والقانوني.

أما القوي المناهضة للدولة المركزية والحاملة للسلاح والتي درجت على تقديم اجندات الظلامات التاريخية او ما عرف مصطلحا ب “قوي الكفاح المسلح” فقد تحول عديد منها بفعل عوامل لا يتسع المجال هنا لذكرها, الي مليشيات قبلية مسلحة ايضا, أي قوى غير مستقرة وغير قادرة علي السيطرة علي مجال جغرافي محدد, تقوم علي أساس اثني وتهيمن عليها مجموعة صغيرة – عائلة أو عشيرة في الاغلب – تلجأ للحصول علي مواردها الضرورية اما الي سلب الغنائم او استخلاص الموارد الطبيعية “الذهب كمثال” أو الارتزاق عبر المشاركة في القتال خارج الحدود. وتعمل بصورة تلقائية على تحويل قوتها القتالية الي ثقل تفاوضي مع “النخبة المسيطرة” في المركز للحصول على نسبة من السلطة والثروة لقياداتها في المقام الأول, ضمن ما درجت الدولة السودانية على توقيعه من اتفاقيات السلام.  وهي اتفاقات, رغم جودة نصوص اغلبها, إلا أنها تمثل في جوهرها “صفقات” لاقتسام السلطة بين النخب تم في جلها ودون استثناء التغافل عن قضايا أصحاب المصلحة على الأرض وعن محاسبة الجناة على الجرائم التي ارتكبوها وتقديمهم للعدالة. وهو ما يفسر أيضا الاصطفاف التكتيكي لبعض هذه القوي مع الجيش أو الدعم السريع أو كليهما, كما وضح منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021م وما تلاه, ضد أي مشروع يسعي للتحول المدني الديموقراطي والتغيير العميق للبنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية الشائهة التي تسببت في حملهم السلاح في المقام الأول.

وهنا يجب التذكير مرارا وتكرارا ونحن نتطلع الي وقف الحرب ثم الي غد أفضل يمثل فيه القطاع الأمني الكفء أحد اعمدته الأساسية:

“بان عدد المدنيين الذين سقطوا بصورة مباشرة وغير مباشرة جراء النزاعات المسلحة التي لعب فيها القطاع الامني والعسكري في السودان -بمختلف فاعليه- دورا مركزيا, باعتباره أداة حسم للصراع السياسي والاقتصادي في المقام الأول ومنذ عام 1956م, يقدر بأكثر من 2,000,000 نسمة بينما عدد الذين قُدموا للمحاكمات من المسؤولين عن الانتهاكات ان كانوا من القيادات المدنية او العسكرية او افراد أجهزة هذا القطاع او المليشيات المسلحة يقارب الصفر, وهو ما يدل علي ان أخطر العناصر التي شكلت هذا القطاع وشكلت بالتالي الواقع الأمني والإنساني والاقتصادي المنهار في سودان اليوم, هو النمط المؤسسي للإفلات من العقاب وغياب سيادة حكم القانون واحترام حقوق الانسان.”

ويمكن اختصار الجانب الأهم من الإجابة على السؤال في عدم اعتراف عديد المدنيين الفاعلين في صف مناهضة الحرب  بالطبيعة الاجرامية لطرفيها ما ادي بهم الي تبني أدوات سياسية تعتمد أساسا علي التفاؤل في قدرة العمل التفاوضي لوحده علي صنع المعجزات والوصول الي اتفاق سياسي يفتح الطريق امام حل مستدام, وهو ما دفع بأغلبهم – أي الفاعلين السياسيين الحاملين لمشروع ديموقراطي – الي تبني خطاب متساهل الي حد كبير ومتغافل نسبيا عن حجم ما ارتكب من جرائم منذ وصول قيادات القوات المسلحة والدعم السريع الحاليين الي قمة السلطة على اكتاف تضحيات المدنيين خلال نضالهم السلمي الطويل الدامي.

الجزء المكمل للإجابة على السؤال يكمن في العيوب الكامنة في البيئة السياسية السودانية, وهي امتداد للاختلال البنيوي سابق الذكر, والناتجة عن ترسخ نظام حكم مركزي قابض بفعل عقود طويلة من الديكتاتوريات العنيفة وافتقاد للرؤية والإرادة السياسية خلال في الفترات الديموقراطية بالغة القصر, انتج في منتهاه ضعفا بالغا للثقافة السياسية وبعدا عن القيم والممارسات الديموقراطية بصورة عامة ما ادي الي اضعاف الصف المدني وتشظيه البالغ.

فاذا استثنينا المدنيين الحاملين لمشروعات أيديولوجية اوتوقراطية بطبيعتها او اولائك الذين ظلوا يلعبون وبمقابل مادي او معنوي او كليهما في الغالب, دور العملاء او الواجهات السياسية لاحد الكيانين السياسيين المسلحين, أي القوات المسلحة والدعم السريع, فان عددا كبيرا جدا من المدنيين الاخرين, المؤثرين في الفضاء العام, وقعوا ضحايا خطاب الكراهية والتخوين الذي صممته وغذته في الأصل ماكينة الدعاية الاسلاموية الضخمة ذات الخبرة الطويلة, والموجه في المقام الأول الي قوي الحرية والتغيير, كيانات ورموزا, كأحد اكبر التحالفات المدنية السياسية في تاريخ السودان وأكثرها فاعلية , والتي رغم العيوب الذاتية المعترف بها, استطاعت وخلال فترة انتقالية لا تتعدي ال 26 شهرا أخراج السودان من عزلته واوصلته الي اعتاب اعفاء ما يقارب الأربعين مليار دولار من ديونه المتراكمة كسابقة في التاريخ واستطاعت تجاوز كل المؤامرات التي حاكها التحالف الاسلاموي العسكري بما فيه قيادات قوات الدعم السريع, والتقدم في ملفات عديدة كان ابرزها تفكيك بنية النظام السابق ومحاولات ابتدار عمليات الإصلاح الأمني, ما ادي بهذه القوي الي قيادة انقلاب أكتوبر 2021م المستهدفة به اجندة ثورة ديسمبر 2018م وحامليها من قوي الحرية والتغيير.

أضعف من مقاومة عديد هؤلاء المدنيين لهذا الخطاب استغراقهم في مرارات شخصية واحباطات جراء التناقض بين طموحاتهم المدفوعة بتقديرهم الزائد لذواتهم وموقعهم من مركز الفعل السياسي او بسبب تحيزات صغيرة جعلت من تحديد الأولويات في جداولهم للفعل العام/الوطني عملية شبه مستحيلة, ما دفعهم لاستعداء رفاقهم المدنيين الفاعلين وأصحاب المبادرات الشجاعة لوقف الحرب بنمط اتسم بالشطط البالغ حد نسيانهم أسباب الواقع المذري الحالي الحقيقية بل دفع بعضهم الي اتخاذ موقف داعم لاحد جانبي الصراع اما بذريعة ضرورة القضاء علي دولة 1956م الشائهة الظالمة من جانب او بذريعة المؤسسية لكيان لم يكتفي بعدم لعب دوره الحقيقي منذ تأسيسه تقريبا بل ظل عنصرا مهددا لاستقرار الدولة ثم وجودها اليوم.

اكتمل العامل السابق مع ارتباط عديد من هؤلاء المدنيين بدوائر صنع القرار في المجتمع الدولي كمصادر للمعلومات الشحيحة جدا للمشهد السوداني بالغ التعقيد, ما رسخ لدي بعض هذه القوي او بعض دوائر النفوذ فيها قناعة بلعب قوي الحرية والتغيير و”تقدم” دور الظهير السياسي للدعم السريع كمثال, وجعل من تدخلها للضغط من اجل إيقاف هذه الحرب ودعم المناهضين لها بطيئا خجولا ومترددا, عزز من ذلك بروز أزمات دولية مستفحلة ما بين أوكرانيا وغزة وبحر الصين تهدد النظام الدولي في مجمله وتقوض من اليات حل نزاعاته سلميا وتجعل من حرب السودان المأساة الإنسانية الكبري المنسية والمهملة بامتياز.

ويبقي السؤال العالق الان في اذهاننا جميعا, ضحايا هذه الحرب البلهاء, هو وماذا بعد؟ وماهي الفرص الكامنة في هذا الحدث المهم المتمثل في المؤتمر التأسيسي لـ”تقدم”؟ وهل من طريق الي الامام؟.

والاجابة عليه تتطلب سلسلة من المقالات القادمة لكن يمكن اختصاره هنا في ان المؤتمر التأسيسي ل”تقدم” هو بالتأكيد خطوة مفصلية نحو الحل, لكنه يبقي الخطوة الاولي في مشوار الاف الخطوات القادمة والتي تبدأ بتكوين اكبر جبهة مدنية متماسكة في تاريخ السودان الحديث لديها القدرة علي محاصرة وممارسة الضغط علي الطرفين لإيقاف الحرب ومن ثم دفعهما الي عملية سياسية تفضي الي بدء عملية بناء يقودها المدنيون أصحاب المصلحة في اطار سودان موحد يمتلك ناصية سيادته الداخلية والخارجية ويتمكن فيه المواطنون والمواطنات, بغض النظر عن خلفياتهم الفكرية او الاثنية والاجتماعية او الاقتصادية او غيرها العيش بكرامة والحصول علي حقوقهم الإنسانية, السياسية والاقتصادية كاملة وبالتساوي في وطن يسع الجميع.

وهو مشوار طويل من عمليات الإصلاح والتحول والبناء السياسي , التشريعي , المؤسسي, الاجتماعي والثقافي التي يجب ان يشارك فيها الجميع عبر حوار مجتمعي سليم وعلي مدي زمني قد يمتد عقودا قادمات.

ربما لن يمثل مؤتمر “تقدم” الحل النهائي والفوري لكنه بالتأكيد الفرصة الأخيرة قبل ان ندخل المرحلة الجديدة من تطور أحداث هذه الحرب والتي تشير عديد الدلائل الي اتجاهها نحو تقسيم البلاد والقضاء على ما تبقي من تماسك نسيجه المجتمعي وايصاله الي مرحلة ستصبح كل الحلول بعدها مستحيلة.

يتبع…

الوسومالجيش الدعم السريع تقدم حرب السودان

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع تقدم حرب السودان المؤتمر التأسیسی فی المقام الأول القطاع الأمنی الدعم السریع وهو ما

إقرأ أيضاً:

حماس تفتح الباب لمستقبل غزة.. هل تتخلى عن إدارة القطاع بعد نهاية الحرب؟

في خطوة لافتة قد تعيد تشكيل المشهد السياسي في قطاع غزة، أعلنت حركة حماس استعدادها للوصول إلى مقاربات سياسية وإدارية لإدارة غزة بعد الحرب، مشيرة إلى عدم اشتراط مشاركتها في هذه الإدارة، وذلك في سياق جهود إقليمية ودولية لإعادة إعمار القطاع. 

ويأتي هذا الموقف بعد لقاءات مكثفة مع الجانب المصري، وسط مساعٍ لتشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على عمليات الإغاثة وإعادة الإعمار، لكن يبقى السؤال الأهم: هل يمهد هذا الإعلان لتحول سياسي حقيقي في غزة؟

حماس: لا تشترط المشاركة في إدارة غزة بعد الحرب

أكد حازم قاسم، المتحدث باسم حركة حماس، أن الحركة لا تشترط أن تكون جزءًا من إدارة غزة في المرحلة المقبلة، وذلك لنزع الذرائع من الاحتلال الإسرائيلي ولإطلاق عملية إعمار حقيقية. 

وقال قاسم، خلال حديثه في برنامج "الحكاية" المذاع على قناة "إم بي سي مصر": "حماس جاهزة للوصول إلى مقاربات لترتيبات إدارية وسياسية في قطاع غزة، وليس شرطًا أن تكون الحركة جزءًا منها."

وأضاف أن الحركة قدمت مرونة كبيرة في لقاءاتها مع الأشقاء في مصر، مشيرًا إلى أن هناك اتفاقًا مع الجانب المصري على أن تكون إدارة القطاع فلسطينية خالصة، دون تدخل أطراف خارجية.

أبرز تصريحات حماس:

لا تشترط أن تكون جزءًا من إدارة غزة بعد الحرب.أبدت مرونة كبيرة في المفاوضات مع الجانب المصري.تؤكد على إدارة فلسطينية خالصة للقطاع.تدعو إلى حكومة وحدة وطنية أو لجنة إسناد فلسطينية حال تعذر تشكيل الحكومة.دور مصر في الترتيبات الجديدة

كشف مصدر مصري مطلع على مفاوضات وقف إطلاق النار أن القاهرة تجري اتصالات مكثفة بهدف تشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على الإغاثة وإعادة إعمار غزة.

وأشار المصدر إلى أن هذه التحركات تأتي في ظل التزام حماس باتفاق وقف إطلاق النار بمراحله الثلاثة، وتعهدها بعدم المشاركة في إدارة القطاع في المرحلة المقبلة.

أهداف المساعي المصرية:

تشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على الإغاثة وإعادة الإعمار.التنسيق مع الفصائل الفلسطينية حول مستقبل الحكم في غزة.ضمان عدم تهجير الفلسطينيين من القطاع.إعادة تأهيل البنية التحتية للقطاع بعد الحرب.الأردن ومصر: تنسيق مشترك لإعادة إعمار غزة

ضمن التحركات الإقليمية لتأمين مستقبل غزة بعد الحرب، التقى ولي العهد الأردني، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة، حيث أكدا على ضرورة البدء الفوري في إعادة إعمار القطاع دون تهجير الفلسطينيين.

وقال الأمير الحسين بن عبدالله، في بيان له: "التقيت اليوم فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأكدنا عمق العلاقات الأردنية - المصرية، وضرورة إدامة التنسيق المشترك بين البلدين."

ومن جانب آخر، قال المتحدث الرسمي للرئاسة المصرية، السفير محمد الشناوي: اللقاء تناول الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، خاصة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وبحث إعادة إعمار القطاع وتبادل الرهائن والأسرى، وكذلك دعم الأردن لمصر في وضع خطة لإعادة إعمار غزة مع ضمان بقاء الفلسطينيين في أرضهم.

وأضا أنه تم التحذير من التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية والاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.

 الموقف المشترك بين مصر والأردن:

إعادة إعمار غزة دون تهجير السكان.دعم خطة عربية موحدة لإعادة بناء القطاع.التشديد على ضرورة حل الدولتين بحدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.هل يكون اليوم التالي للحرب فلسطينيًا؟

أكد المتحدث باسم حماس أن اليوم التالي للحرب سيكون "يومًا فلسطينيًا بامتياز"، مشددًا على أن أي محاولة لفرض وصاية خارجية على غزة لن تنجح.

وقال المتحدث: "كل المحاولات لأن تكون هناك يد خارجية بعد الحرب لن تنجح، الاحتلال الصهيوني حاول على مدار 15 شهرًا فرض سيطرته العسكرية على قطاع غزة، وما فشل فيه العدو لن ينجح فيه أحد".

وتأتي سيناريوهات اليوم التالي للحرب، كالتالي:

حكومة وحدة وطنية تتولى إدارة القطاع.لجنة إسناد فلسطينية لحكم غزة بشكل مؤقت.إشراف مجتمعي لحين تشكيل كيان إداري موحد.إدارة انتقالية بإشراف الأمم المتحدة (طرح غير مدعوم فلسطينيًا).غزة إلى أين؟

تتجه الأنظار نحو مستقبل إدارة قطاع غزة بعد الحرب، حيث يشهد المشهد السياسي تطورات جوهرية قد تعيد تشكيل موازين القوى الفلسطينية.

ومع إعلان حماس عدم اشتراط مشاركتها في إدارة القطاع، وانخراط مصر والأردن في جهود إعادة الإعمار، يبدو أن مرحلة جديدة تلوح في الأفق، لكن يبقى التحدي الأكبر في تحقيق توافق فلسطيني شامل حول شكل الحكم في غزة.

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، محمد جودة، إن مصر بعد رفضها بشكل قاطع لمخططات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير أهل غزة نحو مصر ، تنظر إلى غزة من منظور استراتيجي متكامل يشمل الأمن والاستقرار السياسي وإعادة الإعمار مع ضمان عدم عودة القطاع إلى حالة الفوضى أو السيطرة الأحادية لفصيل بعينه.

وفي هذا السياق، يمكن فهم التحركات الأخيرة سواء فيما يتعلق برفض التهجير أو عدم مشاركة حماس في إدارة غزة، أو طرح مقترح لجنة الإسناد المجتمعي، أو الخطط المصرية الشاملة لمستقبل القطاع.

وأضاف جودة في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن إعلان حماس عدم مشاركتها أو تخليها عن إدارة غزة، يأتي في سياق الضغوطات التي تمارس عليها من قبل عدة جهات إقليمية ودولية وايضاً فلسطينية، حيث هناك إجماع دولي، مدعوم بموقف مصري وأطراف عربية، على ضرورة إنهاء حكم حماس في غزة، باعتباره كان أحد العوامل الرئيسية في عزل القطاع وإبقاء الفلسطينيين في مأزق سياسي وإنساني، حيث أن استمرار حكم حماس يعني استمرار الأزمة، وتعطيل أي فرص حقيقية للوحدة الوطنية الفلسطينية.

ولفت إلى أن هناك رفض لتكرار نموذج 2007 من قبل المجتمع الدولي والقوى الإقليمية، وهم  لا يريدون تكرار تجربة سيطرة فصيل مسلح على غزة بالقوة، وهو ما تسبب في حالة طويلة من الانقسام السياسي الفلسطيني ، وبالتالي فإن أي نموذج مستقبلي لغزة يجب أن يكون مبنيًا على التوافق الفلسطيني والشرعية الوطنية.

وأشار جودة إلى أن ذلك يأتي ذلك أيضا في ظل تنامي حالة الضغط الشعبي داخل القطاع ، في ظل الكارثة الإنسانية التي تشهدها غزة، و تزايد حالة السخط الشعبي على حكم حماس، حتى بين بعض مؤيديها.

ولا شك أن جزءاً كبيرا من سكان غزة أصبحوا يبحثون عن إدارة قادرة على توفير الأمن والخدمات الأساسية، بعيدًا عن الصراع السياسي والعسكري.

أما عن البدائل فيعتقد جودة، أن مقترح لجنة الإسناد المجتمعي التي تتبنى فكرتها 
مصر، ومعها بعض الأطراف الإقليمية، ربما يكون هو المطروح حاليا كحل انتقالي لإدارة غزة، بعد رفض اسرائيل لتولي السلطة الفلسطينية مسؤولية غزة، إلى حين التوصل إلى صيغة فلسطينية توافقية لإدارة القطاع ، وبإعتقادي أن هذه اللجنة ستكون مختلفة عن أي شكل سابق للحكم في غزة، حيث تتشكل من شخصيات مهنية ومستقلة، وممثلين عن المجتمع المدني والنقابات، لضمان عدم هيمنة فصيل بعينه على إدارة القطاع.

وتسعى هذه اللجنة لتوفير الخدمات الأساسية، وتنسيق جهود إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية، بعيدًا عن أي أجندات سياسية ، وتكون بمثابة حل انتقالي يمهد لنقل السلطة إلى حكومة فلسطينية موحدة أو إدارة مدنية بإشراف عربي ودولي.

ويرى جودة أن هذه اللجنة و أياً كان شكل السلطة أو الادارة في غزة سيكون لمصر دوراً مهما فيها ومرجعا رئيسياً لها وربما ارتباطاً ادارياً وإشرافا مصريا على عملها .

ولفت إلى أن هذا الطرح يلقى قبولًا لدى بعض القوى الدولية والإقليمية، لكنه يواجه تحديًا يتمثل في كيفية تجاوب الأطراف الفلسطينية معه، خصوصًا حركة حماس التي قد ترفض التخلي عن نفوذها بسهولة، رغم إعلانها مؤخراً عن تخليها أو عدم تمسكها بالحكم في قطاع غزة ، ورغم أن اعادة إعمار قطاع غزة أكبر من قدرتها على تحقيق ذلك و في ظل أن هناك اجماع دولي ورفض اسرائيلي للسماح بإعادة الإعمار لطالما بقيت حماس في الحكم .

وتابع: “ما صدر عن حماس حتى اللحظة بهذا الشأن إن لم يمارس عليها ضغطا حقيقيا وفعليا قاطعا بضرورة تخليها عن الحكم في قطاع غزة ، ستكون هذه التصريحات ما هي إلا إعلاناً تكتيكيًا أكثر منه تحولًا استراتيجيًا، و ربما في تقديري أنه جزء من محاولات حماس لإعادة تموضعها سياسيًا استعدادًا للمرحلة المقبلة، دون أن يعني تخليها الفعلي عن النفوذ في غزة”.

واختتم قائلًا: “أعتقد أن الدور المصري في غزة يستند إلى مبدأ رئيسي وهو حماية الأمن القومي المصري وضمان استقرار القطاع، مصر لن تقبل بأي سيناريو يعيد الفوضى أو يشكل تهديدًا مباشرًا لها، ولذلك، فإن القاهرة تدير الملف الغزي بعناية، وتسعى إلى تحقيق توازن بين تخفيف معاناة السكان، ورفض تهجيرهم ومنع تحول غزة إلى ساحة صراع جديدة، وتأمين حل سياسي طويل الأمد يضمن للفلسطينيين حياة مستقرة وكريمة”.

مقالات مشابهة

  • حماس تفتح الباب لمستقبل غزة.. هل تتخلى عن إدارة القطاع بعد نهاية الحرب؟
  • إعلام إسرائيلي: عجزنا عن هزيمة حماس وجيشنا مستنزف أكثر مما مضى
  • أكثر من 150 ألف يشاركون في مظاهرة لندن ضد التهجير القسري لأهالي غزة
  • أكثر من 48 ألف شهيد حصيلة العدوان الإسرائيلي منذ طوفان الأقصى
  • جوتيريش: يجب تسهيل الوصول الإنساني الآمن في السودان وحماية المدنيين
  • استمرار الحرب يفاقم الازمة الانسانية في السودان .. حماية المدنيين من مبادئ القانون الدولي
  • جوتيرش: الشعب السوداني بحاجة لوقف لإطلاق النار وحماية المدنيين
  • القاعدة الروسية تطل براسها من جديد
  • معاناة الفلسطينيين في غزة بعد توقف الحرب.. فيديو
  • سلام زار ضريح الحريري: لا استقرار ولا أمان في ظل الإفلات من العقاب