ما وراء الإدانة: الدور الفاعل لأسلحة الغرب في مأساة غزة
تاريخ النشر: 26th, May 2024 GMT
إن تحليل العلاقة بين الغرب، متمثلا بالولايات المتحدة وأوروبا من جهة، والمحاكم الدولية مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية من جهة أخرى، يكشف عن نمط من الالتزام الانتقائي بالقانون الدولي. ويؤكد هذا النهج الانتقائي على موقف يخدم المصالح الذاتية الغربية، حيث يتوقف الامتثال على التوافق مع هذه المصالحه، وعندما تتحدى أحكام أو قرارات هذه المحاكم الأجندات الغربية، فإن الرد غالبا ما يتضمن فرض عقوبات على الهيئات الدولية نفسها، مما يقوض المبادئ الأساسية للعدالة الدولية.
وكانت أحكام محكمة العدل الدولية واضحة لا لبس فيها في المطالبة بالوقف الفوري للهجوم الإسرائيلي على رفح. علاوة على ذلك، أقرت المحكمة بإمكانية ارتكاب الجيش الإسرائيلي جرائم إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، وهو اعتراف خطير تدعمه المحكمة الجنائية الدولية. والمحكمة الجنائية الدولية على وشك إصدار أوامر اعتقال بحق القادة الإسرائيليين المشاركين في الحرب المستمرة على غزة.
وتؤكد هذه القرارات مجتمعة أن أي تورط غربي في تسليح إسرائيل أو دعمها لوجستيا يورط هذه الدول بشكل مباشر في الإبادة الجماعية. ولكن على الرغم من هذه الاتهامات الخطيرة، تستمر الدول الغربية في دعمها لإسرائيل، دون أي مبرر قانوني أو أخلاقي قوي. هذا الدعم الذي لا يتزعزع، متجذر في إرث طويل من الاستعمار والإمبريالية والإسكات والاستئصال المنهجي للشعوب المضطهدة.
هل تقف إسرائيل حقا بمفردها بينما تعج مطاراتها وموانئها بشحنات الأسلحة القادمة من كل الاتجاهات؟ الجواب هو لا.
وفي الواقع، تقوم العديد من الدول الغربية بشكل مستمر وبلا هوادة بتزويد إسرائيل بالمعدات العسكرية. لقد أسفرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي دخلت يومها 232، عن حصيلة صادمة هي: 35857 شهيدا و80293 جريحا منذ بداية الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وعلى الرغم من الإدانات العلنية من جانب حلفاء إسرائيل الغربيين التقليديين فيما يتصل بجرائمها في غزة، إلا أن التصعيد الإسرائيلي المستمر يُبنى على تدفق الأسلحة من مختلف البلدان الغربية وذلك لتغذية آلة الحرب الإسرائيلية.
ويطرح هذا الوضع سؤالا حاسما: هل تقف إسرائيل حقا بمفردها بينما تعج مطاراتها وموانئها بشحنات الأسلحة القادمة من كل الاتجاهات؟ الجواب هو لا. على سبيل المثال، أثار إعلان روما في العام الماضي حظر مبيعات الأسلحة لإسرائيل أملا عابرا في أن بعض الدول الغربية قد انتبهت أخيرا إلى مسؤولياتها الأخلاقية، ومع ذلك، فقد تبدد هذا الأمل بسرعة، وفي وقت لاحق، حين نقلت "رويترز" عن وزير الدفاع الإيطالي غيدو كوزيتو في 14 آذار/ مارس تأكيده على أن شحنات الأسلحة إلى إسرائيل مستمرة "امتثالا" للصفقات المبرمة سابقا، وهو مبرر لا معنى له وغير أخلاقي.
ومن جهة أخرى، فإن حجم الدعم الأمريكي لإسرائيل أكبر مما يُناقش في العلن. فبينما ترسل إدارة بايدن رسائل متضاربة إلى مؤيديها مفادها بأنها تبذل جهودا للضغط على إسرائيل لوقف الأعمال العدائية، فإن الواقع يشير إلى خلاف ذلك، حيث أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي جون كيربي أن الولايات المتحدة تواصل تزويد الجيش الإسرائيلي بـ"ثمانية أنواع من الأسلحة". وفي خطوة سياسية وعسكرية مهمة، أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون، اقترحه الجمهوريون، يلزم الرئيس بايدن بمواصلة إمدادات الأسلحة الكاملة إلى تل أبيب.
إن الغموض والجدل المحيط بصادرات الأسلحة الفرنسية إلى إسرائيل يزيد من تعقيد السرد، فقد استحوذت هذه القضية على الرأي العام الفرنسي، خاصة بعد انتشار التقارير الاستقصائية التي تفيد بأن فرنسا سلمت شحنة مكونة من 100 ألف طلقة من ذخيرة الأسلحة الرشاشة، التي تستخدمها إسرائيل ضد المدنيين في غزة، في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ونفى وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لو كورنو هذه التقارير، لكنه اعترف بأن بعض الأجزاء الأساسية مثل دوارات الرصاص والفواصل (الزجاج الملون) وأنظمة التبريد ومقاييس الجهد وممتصات الصدمات؛ تم تسليمها لإسرائيل مؤخرا، وأكد أن هذه الصادرات كانت مخصصة لإعادة التصدير من إسرائيل إلى دول ثالثة، وهو ادعاء قوبل بالتشكيك والانتقادات بسبب الفضيحة الأخلاقية في المشاركة بقتل المدنيين في غزة.
ووصفت ماتيلد بانو، ممثلة حزب اليسار الفرنسي، توريد الأسلحة إلى إسرائيل بأنه فضيحة كبرى، واتهمت وزير الدفاع بالخداع والكذب، كما دعا آرثر دو لابورت، المتحدث باسم الحزب الاشتراكي الفرنسي في الجمعية الوطنية، إلى وقف صادرات الأسلحة الفرنسية إلى إسرائيل. والجدير بالذكر، أن السيد باستيان لاشود، الممثل الفرنسي في الجمعية الوطنية، طالب بتشكيل لجنة تحقيق حول بيع شركة "يورولينكس" الفرنسية أسلحة لإسرائيل.
وردا على هذه الضغوط والانتقادات، أكد وزير الدفاع الفرنسي أنه منذ بداية الحرب الإسرائيلية، تم إبلاغ الأجهزة المختصة في وزارة الدفاع بفرض التشدد على استخدام هذا النوع من الأسلحة. وبناء على ادعائه، لم يتم منح سوى عدد قليل من التراخيص لاستخدام الأسلحة الفرنسية في نظام القبة الحديدية الإسرائيلي، الذي يمكنه تتبع الصواريخ والقذائف التي يتم إطلاقها على المناطق المدنية.
وخلال الفترة بين عامي 2023 و2024، قامت ألمانيا والمملكة المتحدة بزيادة صادرات الأسلحة إلى إسرائيل بشكل كبير، لا سيما بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث ارتفعت صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل في عام 2023 إلى 326.5 مليون يورو، وهو ما يمثل زيادة بمقدار عشرة أضعاف مقارنة بعام 2022، وقد تأثر هذا الارتفاع الكبير إلى حد كبير بالحرب الإسرائيلية على غزة بعد تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وشملت المعدات العسكرية المصدرة أسلحة مضادة للدبابات، وطلقات من الذخيرة وأسلحة حربية أخرى. وتمت الموافقة على غالبية هذه الصادرات بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مما يعكس التدخل الألماني المباشر في الحرب على غزة.
بينما تعطي الدول الغربية الأولوية لمصالحها الاستراتيجية على المسؤوليات الأخلاقية والقانونية، فإنها تساهم بشكل مباشر في استدامة دائرة العنف والقتل بحق شعب أعزل. وهذا السلوك لا يقوّض قرارات المحاكم الدولية التي طالبت بوقف تسليح إسرائيل فحسب، بل يكشف أيضا عن النفاق العميق الجذور في السياسات الخارجية الغربية وانهيار تام للمنظومة الأخلاقية
لعبت بريطانيا أيضا دورا مهما في توريد الأسلحة إلى إسرائيل، ففي السنة المالية 2023-2024، شملت صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل العديد من الأسلحة المتقدمة والتكنولوجيا العسكرية. وكانت صادرات المملكة المتحدة جزءا من اتفاقيات التعاون الدفاعي الجارية، وتضمنت عناصر مثل الصواريخ الموجهة بدقة وأنظمة متقدمة أخرى.
وأثارت هذه الصادرات جدلا قانونيا وسياسيا داخل ألمانيا والمملكة المتحدة، وقد طعنت مختلف مجموعات حقوق الإنسان والخبراء القانونيين في شرعية عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل، بحجة أنها تساهم في انتهاكات القانون الإنساني الدولي. على سبيل المثال، تم رفع عدة دعاوى قضائية في ألمانيا لوقف المزيد من صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، مشيرة إلى التواطؤ في جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة.
وفي الختام، فإن التزام الغرب الانتقائي بالقانون الدولي يتناقض بشكل صارخ مع المبادئ الأساسية للعدالة العالمية. إن الدعم العسكري المستمر لإسرائيل وسط جرائم حرب وإبادة جماعية في غزة يسلط الضوء على الإرث المقلق للاستعمار والإمبريالية. وبينما تعطي الدول الغربية الأولوية لمصالحها الاستراتيجية على المسؤوليات الأخلاقية والقانونية، فإنها تساهم بشكل مباشر في استدامة دائرة العنف والقتل بحق شعب أعزل. وهذا السلوك لا يقوّض قرارات المحاكم الدولية التي طالبت بوقف تسليح إسرائيل فحسب، بل يكشف أيضا عن النفاق العميق الجذور في السياسات الخارجية الغربية وانهيار تام للمنظومة الأخلاقية. ومن الضروري أن يطالب المجتمع الدولي بالمساءلة والالتزام الحقيقي بالقانون الدولي لتمهيد الطريق لنظام عالمي عادل ومنصف.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الغرب الإسرائيلي غزة الأسلحة إسرائيل غزة أسلحة الغرب العدالة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأسلحة إلى إسرائیل الحرب الإسرائیلیة صادرات الأسلحة الدول الغربیة تشرین الأول وزیر الدفاع أکتوبر 2023 على غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
العفو الدولية للجزيرة نت: يجب محاسبة إسرائيل فورا
لندن- كشف تقرير منظمة العفو الدولية السنوي لموسم 2024-2025 عن تصاعد مقلق في الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة ودول أوروبية لقمع الأصوات المتضامنة مع الفلسطينيين أو المنتقدة لسياسات إسرائيل، خاصة في ما يتعلق بحربها على غزة.
واتهمت المنظمة إسرائيل بارتكاب "أعمال ترقى إلى الإبادة الجماعية" في قطاع غزة، موثقة انتهاكات واسعة للقانون الدولي الإنساني.
وأكد التقرير السنوي للمنظمة أن الهجمات الإسرائيلية كانت غير قانونية واستهدفت بشكل متعمد شبكات المياه، والطاقة، والمرافق الطبية، مما أدى إلى حرمان السكان من أبسط مقومات الحياة الأساسية.
View this post on InstagramA post shared by منظمة العفو الدولية (@amnestymena)
تورط بريطانيوانتقد التقرير بشدة استمرار لندن في تصدير الأسلحة إلى تل أبيب، بالتوازي مع التضييق على الحريات العامة داخل الدول الغربية.
وتعليقا على ذلك، قالت كارلا ماكلارين، مديرة العلاقات الحكومية والسياسية في منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة، للجزيرة نت إن "استمرار حكومة المملكة المتحدة في نقل الأسلحة إلى إسرائيل، على الرغم من الأدلة الدامغة على وقوع انتهاكات خطيرة للقانون الدولي، ليس مجرد عمل غير مسؤول، بل ينطوي على خطر تورط المملكة المتحدة في الإبادة الجماعية المستمرة ضد الفلسطينيين".
وأضافت "في وقت يُقتل فيه الفلسطينيون مع الإفلات التام من العقاب، فإن الحق في الاحتجاج السلمي على هذه الفظائع أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى".
إعلان
ووصفت العفو الدولية -للجزيرة نت- الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة بأنها اتسمت "بالقصف العشوائي، والحصار الشامل، والعقاب الجماعي". وأضافت أن هذه السياسات الممنهجة أدت إلى مقتل آلاف المدنيين، أغلبهم من الأطفال، وتدمير البنية التحتية الحيوية في القطاع المحاصر.
وأكدت أن "القوات الإسرائيلية تنتهك بشكل صارخ اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وهو ما يستدعي تفعيل آليات المساءلة الدولية بشكل فوري"، مجددة دعوتها لدعم تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية الجارية بشأن الاتهامات الموجهة إلى مسؤولين إسرائيليين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ودعت المنظمة الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى احترام وحماية الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، والتوقف عن تجريم التضامن مع الفلسطينيين أو انتقاد سياسات إسرائيل.
قمع التضامنوسلط تقرير العفو الدولية الضوء على تصاعد وتيرة قمع التضامن العالمي مع غزة، وأشار إلى أن المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين قوبلت بقمع غير مسبوق، وأن السلطات قامت باعتقال الطلاب والناشطين ولاحقت المدافعين عن حقوق الإنسان.
وأوضح التقرير أن السلطات في الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة لجأت إلى استخدام قوانين الأمن ومكافحة الإرهاب لتبرير قمع المظاهرات السلمية أو الحد من انتشارها.
وأوضح مكتب أمنستي العالمي، للجزيرة نت، أن الأمور في أوروبا مقلقة. وقال -في بيان- إن الأوضاع مضطربة على مستوى عالمي، وإن دولا أوروبية عدة تبنّت إجراءات تحدّ من حرية التعبير المرتبطة بالتضامن مع الفلسطينيين أو بانتقاد الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
في ألمانيا تم تجريم شعار "من النهر إلى البحر"، وأفضى ذلك إلى إدانات قضائية. وتم حظر غالبية الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، وفرضت قيود على اللغة المستخدمة في المظاهرات، ووردت تقارير عن استخدام مفرط للقوة من قبل الشرطة، بالإضافة إلى حظر وتفريق مؤتمر "فلسطين" في برلين. قيدت الحكومة البريطانية حرية التعبير المتعلقة بفلسطين. فتحت فرنسا تحقيقات مع العديد من الأفراد بتهمة "تمجيد الإرهاب". وواجه المتضامنون قيودا مفرطة، وتم تغريم متظاهرين سلميين. في إسبانيا جرى التحقيق مع ناشطين بتهم مماثلة. وفي النمسا قامت الشرطة بتفريق احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعتي فيينا والجامعة التقنية بفيينا. تعرض المتظاهرون في السويد لمضايقات وعنف وملاحقات قضائية. صوّت البرلمان الهولندي لمصلحة حظر هتاف "من النهر إلى البحر"، وأبدى وزير العدل رغبته في استكشاف قيود على الحق في التظاهر.إعلان
أما في الولايات المتحدة، فشهدت الجامعات في جميع أنحاء البلاد احتجاجات للطلبة والموظفين ضد الحرب على غزة والتواطؤ الأميركي مع إسرائيل، وطالب المحتجون بوقف إطلاق النار وإنهاء إمدادات الأسلحة وسحب الاستثمارات من الشركات المستفيدة من الصراع.
وانتقدت العفو الدولية وخبراء الأمم المتحدة استدعاء الشرطة لقمع هذه الاحتجاجات. وتم تقديم عشرات مشاريع القوانين في الكونغرس والولايات لتقييد الحق في الاحتجاج.
وفي الشرق الأوسط واجه المتضامنون مع الفلسطينيين قيودا وقمعا. ففي الأردن، اتهم المئات بموجب قانون الجرائم الإلكترونية بسبب انتقاد السلطات أو التعبير عن التضامن مع الفلسطينيين. وفي مصر، نفذت السلطات حملات اعتقال جماعية قبل الاحتجاجات وقامت بتفريق المظاهرات بالقوة، وظل العشرات رهن الاحتجاز بسبب تعبيرهم عن تضامنهم مع غزة.