سودانايل:
2024-11-06@01:30:51 GMT

الهجرة الأفريقية: شايل جبل مرة بلا وقاية (1-2)

تاريخ النشر: 26th, May 2024 GMT

عبد الله علي إبراهيم
تواترت واقعتان في الأسبوع الماضي شديدتا الصلة بسياسات الأرض ونزاعاتها في منطقة الساحل الأفريقي، والتي هي أصل الحرب القائمة في السودان حالياً. فقد كتبت الـ"فورين بوليسي" تتساءل في عنوانها إن كانت غانا هي الهدف التالي لحركة الجهاديين. كما تخطفت الصحافة تقرير الـ"واشنطن بوست" في 20 مايو "دول شمال أفريقيا ترمي بالمهاجرين في الصحراء بدعم من الاتحاد الأوربي".


أثارت المقالتان قضايا لا غناء عنها متى أردنا تحسين معرفتنا بالهجرة الأفريقية من ساحل القارة بخاصة، إذ رفعتا عن هذه الهجرة الحجاب الذي أسدله عليها التركيز المبالغ فيه على دراسة وجهتها الأوروبية وعواقبها، كأنه لا مسارات لها داخل القارة. وأثارتا كذلك عامل الهوية في دراسة هذه الهجرة، ونعني بذلك النزاع على الأرض بين المزارعين والرعاة، والذي تزيد سياسات الدولة حياله من ضراوته.
جاء في الـ"فورين بوليسي" أن جماعة "النصرة" (وهي وثيقة الصلة بتنظيم "القاعدة") مددت نشاطها أخيراً إلى الأجزاء الشمالية من بلدان أفريقية مشاطئة للمحيط الأطلنطي مثل غانا، بعد احتلالها نصف بوركينا فاسو وأجزاء من مالي والأرض على طول نهر النيجر بينهما. ومع قناعة غانا بأنها بمنأى عن نشاط "النصرة" فإن الدلائل تشير إلى أن الجهاديين استخدموا شمالها لتسوقهم وكملاذ يؤمنون به ظهرهم. وكانت غانا مع دول على ساحل الأطلنطي قد تعاقدت بـ"مبادرة غانا" (2017) كهيئة إقليمية لمنع اندلاق الإرهاب من دول الساحل إلى الدول المشاطئة بتمويل من الاتحاد الأوروبي. وكثفت غانا من وجودها العسكري على حدودها الشمالية وعززته، وتكفّل الاتحاد الأوروبي بالإسناد بالاستخبارات من الجو والحرب الإلكترونية من خلال الـ21 مليون دولار التي خصصها لدعم القوات المسلحة.
تطعن واقعة غانا في المفهوم الغالب الذي يقول بأن الأيديولوجيا (الإسلام) هي الدافع من وراء التحاق شباب المسلمين بالحركات الجهادية. فمن رأي البحث المستجد في المسألة أن هوية هؤلاء الشباب، لا الأيديولوجية، هي الحكم في اختيارهم سبيل الجهاد. فيقبل على الحركة الجهادية شباب من شعب الفلاني الذين لا تعترف غانا بمواطنتهم مع أنهم يشكلون واحداً في المئة من سكانها. ومعلوم أن أصل الفلاني هو غينيا، وبدأوا هجراتهم كبادية إلى غرب أفريقيا منذ القرن الـ11 حتى بلغوا إثيوبيا. وانتهت منهم جماعة قليلة نسبياً إلى غانا لم تطل إقامتهم بها سوى لجيلين. وهم يلقون التحقير في غانا كجماعة مجبولة على الجريمة. وهو استحقار يغذي دعوة الجهاديين لهم بالانضمام إلى ركابهم.
ورأت الأكاديمية ميري إسترادا إن دراسات الهجرة الأفريقية أغفلت اعتبار الهوية في تشخيص ديناميكيتها وعواقبها. فنشأت بهذه الهجرة نقيضة ديمغرافية بين الساكن الأصيل والوافد من حيث الحقوق. وجرى التهوين من الأجنبي حتى تواثقت الحكومات على أن طرده أولى. فدخل الفلاني فاقد الحقوق لأجنبيته في صراع خاسر حول الأرض مع المزارعين الغانيين "الأصلاء"، يفاقم منه ازدياد نفرهم، علاوة على الآثار الوخيمة على البيئة بسبب تغير المناخ. ولم تنجح قوانين الجنسية الغانية في تكييف وضعية الأجنبي حيال الأصلي من السكان. ومن ذلك قانون 2012 الذي شرع طرد هؤلاء الغرباء من غانا. ولم يكتف القانون بالطرد فحسب، بل خول للدولة الاستيلاء على ماشيتهم. وهذا ما ساق الفلاني إلى مقاومة هذه الإجراءات بحقهم فقتلوا بقر المزارعين وحرقوا بيوتهم.
ثم جاءتهم الحركة الجهادية من باب تمردهم على جور فقدان الهوية، لا من باب الأيديولوجيا. وكانت غانا مثلاً أبعدت 250 طالب لجوء فلاني إلى بلدهم (بوركينا فاسو) في يوليو (تموز) الماضي بتهمة تهديد أمن البلاد. فنشرت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" بياناً دعت فيه للاحتجاج على الإرجاع القسري لأولئك اللاجئين، ودعت لتضريج غانا بالدم كما ضرجت الفلاني. وطالما كانت الهوية هي سبب التحاق شباب الفلاني بالحركات الجهادية، صح لغانا، في قول الخبراء، أن تتوقف عن اضطهاد الفلاني ضمن إجراءات كثيرة عليها اتباعها لتعزيز موقفها من دون أن تصبح ساحة للجهاديين. فبوسع غانا، في قول الباحث النرويجي تور بنجامنسن، أن تتعلم من خيبة جاراتها في وجه الجهاديين بألا تجعل المواجهة نوعاً من مكافحة الإرهاب الذي تغلب عليه العسكرة بقيادة الغرب كما كانت عليه الحال في الساحل.
أثار تقرير الـ"واشنطن بوست" مسألة بؤس دراسات الهجرة الأفريقية من زاوية تركيزها على وجهتها الأوربية وذيولها من دون وجهاتها الأفريقية. فعرض لدافع الاتحاد الأوروبي لتمويل دول شمال أفريقيا لإلقاء المهاجرين الأفارقة في الصحراء، وهو الأمر المنافي لحقوق الإنسان. لكنها خطة، في قوله، أملتها سياسات أوروبية داخلية أرادت بها قوى الوسط ويمين الوسط الأوروبي وقف زحف الدوائر اليمينية إلى سدة الحكم في دول الاتحاد، من فوق موجة العداء العام للهجرة الأفريقية إلى أوروبا، والتي تعالت في العقد الأخير وصخبت. وهذا الإجحاف الأوروبي بطالبي الهجرة الأفريقيين هو ما أراد به الوسط ويمين الوسط ألا يبدو أقل صرامة بوجه هذه الهجرة من دون اليمينيين. وعلق أحدهم على أن الاتحاد الأوروبي بذاك اقترب قليلاً قليلاً من فنتازيا اليمين المتطرف، الذي يريد أوروبا قلعة لا تخترق أسوارها. ولم يعد الاتحاد الأوروبي، وهو يقف وراء هذه الانتهاكات بحق طالبي اللجوء، يتذكر مذهبه في الحوكمة الرشيدة وحقوق الإنسان، بعد أن أوكل لحكومات غيره أن تكون ديدباناً شديد النكال بالمهاجرين عند بوابته.
وخبر الـ"واشنطن بوست" مع ذلك لا يخرج عن النظرة التقليدية للهجرة الأفريقية وكأنها لوجهة واحدة هي أوروبا. وهي النظرة التي خرج بنجامنسن لنقضها. فالهجرة الأفريقية داخل أفريقيا، التي كان السودان ميداناً لها عبر بوابة دارفور، أغزر بكثير من تلك التي مقصدها أوروبا. فلا تزال هجرة 80 في المئة من الأفارقة إلى أكناف أفريقيا، حتى مع ازدياد وتائر الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا منذ 2015. ولهذا التحيز بقيت دراسة الهجرات الداخلية في القارة بلا أسبقية لها في البحث. ولا يزال الفهم يقضي بأن الهجرة الأفريقية استثنائية وغير تاريخية.
ونواصل

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی الهجرة الأفریقیة هذه الهجرة

إقرأ أيضاً:

ثلاثة ملفات تقض مضاجع الاتحاد الأوروبي حال فوز ترامب

وكتبت الصحيفة في مقالتها: "يستعد أقرب حلفاء واشنطن في أوروبا لاحتمال قطع العلاقات عبر الأطلسي، إذا فاز دونالد ترامب في الانتخابات المقررة يوم الثلاثاء.

وكاحتياط ضد أي تغيير محتمل في توجهات البيت الأبيض بشأن أوكرانيا، حاول المسؤولون الأوروبيون المضي قدما في حزم المساعدات قبل انتخابات نوفمبر.

كما استلمت القيادة الجديدة لحلف الناتو بعض مسؤوليات من البنتاغون فيما يتعلق بتنسيق المساعدة العسكرية لكييف".

بالإضافة إلى ذلك، ووفقا لعضو البرلمان الألماني توماس إرندل، يجب على أوروبا أن تتحمل المزيد من المسؤولية في الأمور المتعلقة بأمنها، لأن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن ربما يكون "آخر رئيس عبر الأطلسي بالمعنى التقليدي لهذه الكلمة".

وكما لاحظت صحيفة واشنطن بوست، يعترف المسؤولون الأوروبيون بأن فقدان الدعم الدفاعي الأمريكي من شأنه أن يوجه "ضربة ساحقة" للاتحاد الأوروبي نفسه. وبحسب الصحيفة، فقد أعد المسؤولون الأوروبيون أيضا مسودة للتعريفات التجارية الانتقامية في حال بدأ ترامب مرة أخرى في فرض رسوم جمركية على منتجات الاتحاد الأوروبي.

في نهاية يوليو الماضي، ذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن الاتحاد الأوروبي يعكف على تطوير استراتيجية تجارية في حال إعادة انتخاب ترامب، تتضمن إمكانية فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات الأمريكية في حالة فشل المفاوضات بشأن تحسين التجارة مع واشنطن.

وكان ترامب قد وعد في وقت سابق، بأنه قادر على التوصل إلى تسوية تفاوضية للصراع الأوكراني. وصرح مرات كثيرة بأنه سيتمكن من حل الصراع في أوكرانيا خلال يوم واحد. 

مقالات مشابهة

  • أول رد من طهرن على قرار الاتحاد الأوروبي حظر الخطوط الجوية الإيرانية
  • اللواء عثمان استقبل سفيرة الاتحاد الأوروبي مع وفد
  • «الدبيبة» يستقبل سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا
  • مصر تستضيف البطولة الأفريقية للتجديف بمشاركة 13 دولة
  • «المنفي» يستقبل سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا
  • الاتحاد الأوروبي يؤشر ثغرة بقانون التقاعد والضمان الاجتماعي العراقي يقصي مستفيدين
  • مرشّح لرئاسة المفوضية الأفريقية: لن نفتح الباب لإسرائيل
  • البرلمان الأوروبي يستجوب 26 مرشحا للمناصب العليا في الاتحاد الأوروبي
  • وفد مختبر دراسات الهجرة الأفريقية: سنكون “سفراء” لنقل إنجازات الحكومة الليبية
  • ثلاثة ملفات تقض مضاجع الاتحاد الأوروبي حال فوز ترامب