عصب الشارع - صفاء الفحل
في ذكرى مايو
كنت أتمنى أن يجلس قائد الإنقلاب الكيزاني (البرهان) في هذه الليلة ونحن نستعيد ذكرى إنقلاب الراحل جعفر النميري في هذا اليوم من العام تسعة وستون من القرن الماضي وأن يكون الأمر له درسا وعبرة عن الغدر الكيزاني وأن تعيد له الذكرى بعضا من وعيه المفقود، فقد كانت رحلة ذلك الرجل طوال ستة عشر عاما مليئة بالأحداث التي تفضح ذلك الغدر والمكر والدهاء وتسجل بصفحات من نور ذكرى قادة عظام قادوا هذا الوطن رغم بعض (الأخطاء) التي سقطوا فيها.
ورغم أنني ضد الإنقلابات العسكرية بكافة أنواعها ومسمياتها وأعتبرها سببا أساسيا في تدهور البلاد إلا أنني ما زلت أحترم بعض مواقف ذلك الرجل الذي رحل وهو لا يملك شبر واحد من أرض المليون ميلا رغم إنجازاته العظيمة فكافة مصانع السكر والجسور والطرق السريعة والعديد من أسس النهضة الحديثة كانت على يديه وهو أمر لا يختلف عليه أو ينكره مكابرا بالإضافة إلى تواضعه وقوة شخصيته التي رفعت إسم السودان عاليا في المحافل الدولية، أما عن نزاهته وعفة يده فالحديث يطول وتحتاج لمجلدات لتخليدها.
لم يكن نميري كما يحاول الإسلاميون القول انه بدأ انقلابه (شيوعي أحمر) بل كان وطنيا غير متحزب والدليل أن المجموعة الشيوعية من رفقائه داخل المجلس الانقلابي بقيادة هاشم العطا إنقلبت عليه بعد مدة وجيزة إلا أنه تمكن من السيطرة على الأوضاع مرة أخرى، ورفض كافة الحواضن السياسية الحزبية وأسس ما يسمى بالإتحاد الإشتراكي الذي قاد البلاد لمدة كانت من أزهى فتراته.
العد التنازلي لإنقلاب النميري بدأ بعد ما يسمى بالمصالحة الوطنية والتي أدخلت الحركة الإسلامية كحاضنة سياسية له إستطاعت السيطرة عليه وعملت على (تمكين) قواعدها في مفاصل الدولة ثم كانت قاصمة الظهر بإقناعه بتنفيذ (قوانين سبتمبر) على أساس أنها الشريعة الإسلامية وأنه سيكون إمام مسلمي العصر الحديث ثم انقلبوا عليه عندما فاق من غيبوبته وإكتشف الخدعة التي وقع فيها فسارعوا بتحريك الشارع بما عرف ب (ثورة أبريل) وهم يمهدون للانقضاض على السلطة بصورة كاملة وجاء الإنقلاب الكيزاني بعد ذلك ليدمر كل البلاد لمصلحة مشروعهم الفاشل.
تمر علينا تلك الذكرى ونحن نحصد ثمار ذلك الخبث الطويل حروبا ونزوحا ودمارا ولكنه أيضا سيكون النهاية لذلك السرطان وسيبدأ بإذن الله السودان الجديد الذي نحلم به جميعا
ومشوار الثورة الطويل لن يتوقف.
والقصاص يبقى أمر حتمي
والعزة والخلود للشهداء ..
الجريدة
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً: