العطا وقناة الحديث لمن توجه الرسائل…؟
تاريخ النشر: 26th, May 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
يقول الفيلسوف و المفكر الاقتصادي الانجليزي جون استوارت ميل عن الحقيقة و التحدي لها لكي تستمر أهميتها ( إننا إذا أسكتنا صوتا فربما نكون قد أسكتنا الحقيقة، و إن الرأي الخاطيء ربما يحمل في جوانحه بذور الحقيقة الكامنة، و إن الرأي المجمع عليه لا يمكن قبوله على أسس عقلية، إلا إذا دخل واقع التجربة و التمحيص، و إن هذا الرأي ما لم يواجه تحديا من وقت لأخر فإنه سيفقد أهميته و تأثيره)
استمعت للقاء الذي أجرته الأستاذة لينا يعقوب مديرة مكتب قناة "الحديث" في السودان، مع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام و عضو مجلس السيادة بقاعدة وادي سيدنا، و رغم أن الحوار أخذ جوانب شتى تتعلق بالحرب الدائرة في البلاد، و من صياغة الأسئلة و التركيز على جزء من محاورها، يبين أنها تحمل إجابات لأسئلة تتعلق بتعقيد المشكلة السياسية، و الرسائل موجهة إلي جهات خارجية أكثر من أنها موجهة للرأي العام السوداني، مما يؤكد أن الخارج يلعب دورا مهما في هذه الحرب و له أثر مباشر في استمرايتها.
اللقاء تناول العديد من المحاور لكنه ركز على أربع منها.. الأول عن الإسلاميين و دورهم في الحرب، و هل دخولهم الحرب من خلال الاستنفار بهدف أن يكون لهم دورا سياسيا في المستقبل ؟ الثاني لاستنفار الشعبي و ما هو الهدف منه؟ و كيفية السيطرة عليه من قبل الجيش؟ و هل يمكن أن يؤدي إلي حرب أهلية في المستقبل؟.. و الثالث هو فكرة بناء علاقات إستراتيجية للسودان مع الدول الكبر؟ و أثر ذلك على مستقبل السودان؟.. و الرابع تصور الحكم و تشكيل حكومة انتقالية.. هل ترجى عملية تشكيل الحكومة إلي ما بعد الحرب أم أنها سوف تشكل الآن و تستمر كفترة انتقالية؟ هي بالفعل أسئلة مهمة و تبعث رسائل للذين يبحثون عن الإجابة عليها...
أن الحوار كان مرتبا جيدا، و أسئلته موضوعة بعناية، و الانتقال من محور لآخر لا يشكل رهقا للعقل المتابع، لآن المحاورة أعتمدت على مداخل جيدة.. يؤكد المهنية العالية للأستاذ لينا يعقوب في إدارة الحوار، و رغم أن أغلبية الشعب السوداني يتخوفون من سياسة " قناة الحدث" لأنها تبث من دولة الأمارت، لكن طبيعة الأسئلة نفسها محاولة جريئة من المحاورة لكي تقدم من خلالها إجابات على أسئلة يطرحها المجتمع الدولي، و أيضا دول الإقليم و خاصة الذين يقفون مع الميليشيا و يدعونها... و أي متابع للشأن السوداني منذ سقوط الإنقاذ في 11 إبريل 2019م، يجد هناك قوى سياسية بنت خطابها السياسي على تخويف دول المحيط و الإقليم من الإسلاميين الذين يشكلون لهم تحديا سياسيا، و أصبح الخطاب يعتمد على المنهج التبريري بهدف أن القوى السياسية التي سيطرت على الساحة السياسية في الفترة ما قبل الحرب لا تريد أن تتحمل الأخطاء و الفشل، و لابد من إيجاد شماعات تعلق عليها أخطائها، و ظل خطاب التبرير مستمرا حتى أندلعت الحرب...
أن الأستاذة لينا أختارت أسئلتها بعناية، أيضا أختارت اليوم الذي تجري فيه المقابلة بعناية، قبل أن يبدأ مؤتمر " تقدم" التأسيسي بساعات في أديس أبابا، و هؤلاء هم المصدر الذي يحاول تخويف المجتمع الدولي و دول الإقليم من نتائج الحرب المستقبلية، و خاصة من الإسلاميين و المقاومة الشعبية.. رغم أن الولايات المتحدة و الدول الأوروبية أقتنعت و تأكدت مع من يقف الشعب السوداني، لذلك قللت من الاجتماعات و النصائح التي كانت تقدمها إلي بعض الأحزاب السودانية التي فضلت أن تعمل من خارج السودان...
أن اللقاء كان إيجابيا و أسئلة متوقعة في ظل المتغييرات التي بدأت تحدث في قناعات الخارج، و عكس ما يعتقد بعض الناس بأن قناة " الحدث " تريد أن تحرج قيادة الجيش، بل هي فرصة أن ترسل فيها قيادة الجيش الرسائل التي تعتقد أنها مهمة، و أيضا توضح فيها رؤيتها على بعض المخاوف غير المبررة.. و البعض يريد من خطاب الترهيب و التخويف من الإسلاميين و المقاومة الشعبية الضغط على قيادة الجيش أن تقبل التفاوض و الجلوس مع الميليشيا، أي الوصول إلي "تسوية سياسية" اعتقادا منهم أن التسوية سوف ترجعهم مرة أخرى لفترة ما قبل الحرب، أو ترجعهم مرة أخرى لتسوية مع الجيش.. لكن حديث الفريق أول ياسر العطا كان واضحا، بأن القيادة الآن تعكف على تعديل في الوثيقة الدستورية بهدف تشكيل مجلس السيادة و اختيار رئيس للوزراء مستقبل توكل إليه مهمة أختيار مجلس الوزراء.. أن تكون الحكومة من التكنوقراط.. و يكون الباب بالفعل قد تم إغلاقه في وجه الراغبين في السلطة، و يصبح التفكير السياسي لصناعة الدستور و الانتخابات العامة. و المجتمع الدولي لأن يرفض فكرة الانتخابات العامة و أن يرجع القرار للشعب...
أن اللقاء كان مفيدا جدا، و استطاع الفريق أول ياسر العطا أن يقدم إجابات وافية. و هي لها جانب أخر؛ سوف تشغل الناس أكثر من الذي يجري الآن في أديس أبابا، باعتبار أن ما طرحه ياسر العطا يشكل أجندة جديدة خاصة تعديل الوثيقة، و أختيار رئيس الوزراء المستقل، و هي موضوعات مثيرة للحوار، القضية الأخرى؛ بدل الانتظار لمعرفة نتائج المؤتمر التأسيسي لتحالف " تقدم" تصبح تقدم هي التي تفكر في الذي طرحه العطا، باعتبار أنه يشكل تشويشا على عقل الخصم، و تجعله يتعامل بردة الفعل، و ليس طرح موضوعات تشغل عقل الأخرين. لذلك جاء اللقاء مفيدا، و في نفس الوقت يؤكد على مهنية الأستاذة لينا يعقوب.. نسأل الله حسن البصير..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: یاسر العطا
إقرأ أيضاً:
ما أهمية إعلان الجيش السوداني تحرير الخرطوم بحري؟
الخرطوم– بعد معارك دامية في شمال مدينة الخرطوم بحري -ثالث مدن العاصمة السودانية- انطلقت قبل نحو 4 أشهر، استعاد الجيش السوداني بمواجهات محدودة مع قوات الدعم السريع وسط وجنوب المدينة ومدخلها إلى الخرطوم، واقترب من مقر القصر الجمهوري، وهذا يعجل بتمدده لتحرير مقار رمزية ووزارات والمطار الدولي حسب مراقبين.
ويأتي هذا التطور بعد أيام من استعادة الجيش السيطرة على مصفاة الجيلي لتكرير النفط (70 كيلومترا شمال الخرطوم)، وفك الحصار على سلاح الإشارة في أقصى جنوب الخرطوم بحري ومقر القيادة العامة في العاصمة، ليبدأ الجيش في تنفيذ المرحلة الثالثة من العملية العسكرية التي أطلقها في 26 سبتمبر/أيلول الماضي.
وأكد عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للجيش ياسر العطا في تصريح له الأربعاء أن "الخرطوم بحري صارت نظيفة وخالية من التمرد، من مصفاة الجيلي شمالا وحتى جسر المك نمر جنوبا".
وأوضح العطا خلال زيارته الخرطوم بحري أن المدينة باتت آمنة، "وتبقت جيوب محدودة تعمل القوات المسلحة لتطهيرها، وسنعمل بجد لتحرير كل البلاد من التمرد" حسب قوله.
ويقدم هذا التقرير شرحا لموقع الخرطوم بحري وأهميتها الاقتصادية والعسكرية، وتداعيات تحريرها من قوات الدعم السريع على مجريات العمليات العسكرية في العاصمة وعلى سكان المنطقة.
إعلان أين تقع الخرطوم بحري وما حدودها الجغرافية؟تمتد حدود المدينة من شاطئ النيل الأزرق جنوبا وحتى منطقة قري على حدود ولاية نهر النيل من ناحية الشمال، وتعد البوابة الشمالية للعاصمة، وتحدها من جهة الشرق محلية شرق النيل، ومن الغرب مجرى نهر النيل بعد التقاء رافديه في المقرن، وتبلغ مساحتها 5 آلاف و60 كيلومترا مربعا، وهي بذلك تغطي ربع مساحة ولاية الخرطوم.
وترتبط الخرطوم بحري بالعاصمة الخرطوم بـ4 جسور: هي المنشية، والنيل الأزرق، والقوات المسلحة (كوبر)، وجسر المك نمر، كما ترتبط مع أم درمان عبر جسري شمبات والحلفاية.
وتعرف الخرطوم بحري اختصارا لدى سكانها باسم "بحري"، وتقع ضمن المثلث الحضري الذي تتكون منه العاصمة المثلثة، إلى جانب الخرطوم التي تقع جنوبها، وأم درمان التي تقع من الناحية الغربية لها.
وتعتبر "بحري" أصغر من الخرطوم وأم درمان من ناحية المساحة والسكان، وأحدثهما تاريخيا، لكنها لا تقل عنهما أهمية، فهي واحدة من أكبر المناطق الصناعية في السودان، ونقطة وصل مهمة تربط العاصمة بشمال السودان عبر السكك الحديدية، وجنوبه حتى منطقة كوستي ودولة جنوب السودان بالبواخر النيلية، كما أنها تمثل الوجه السياحي الهادئ للعاصمة.
الخرطوم بحري تعد الضلع الثالث للعاصمة مع الخرطوم وأم درمان (الجزيرة) ما الأهمية الاقتصادية والسياسية للمدينة؟تعد الخرطوم بحري الأكبر بين ضلعي العاصمة من الناحية الصناعية، حيث توجد بها أكبر منطقة صناعية بالولاية، تضم منشآت للصناعات الخفيفة الغذائية ومطاحن الغلال والأدوات المنزلية والملابس، إلى جانب الصناعات الكيميائية والمعدات والآليات.
وظلت المدينة بعيدة إلى حد ما عن الأجواء السياسية في العاصمة المثلثة، باستثناء سجن كوبر المركزي الذي يضم أكبر معتقل سياسي في البلاد، لكنها برزت سياسيا عندما أطلقت عليها الولايات المتحدة صواريخ كروز في عام 1998، لتصيب مصنع الشفاء للأدوية بالمنطقة الصناعية وتدمره، كرد من واشنطن على التفجيرات التي تعرضت لها سفارتاها في دار السلام ونيروبي.
إعلانوكان الرئيس الأميركي بيل كلينتون قال في تفسيره لاستهداف المصنع إن له علاقة بالشبكة التي يديرها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وإن المصنع كان ينتج مواد تدخل في صناعة أسلحة كيميائية.
ومن جهة أخرى، تتخذ طائفة الطريقة الختمية الصوفية التي يستند عليها الحزب الاتحادي الديمقراطي، من بحري مقرا رئيسا لها.
ماذا يعني استعادة الجيش السيطرة على الخرطوم بحري؟يوضح الخبير الأمني والعسكري أبو بكر عبد الرحيم للجزيرة نت أن إعادة السيطرة على بحري يؤمن ولاية نهر النيل المتاخمة لها، بعد انتشار قوات الدعم السريع في قرى بمنطقة حجر العسل في البلدات المتاخمة لمصفاة الجيلي.
وأضاف أن سيطرة الجيش على المدينة تقلل المخاطر على أم درمان، حيث كانت قوات الدعم السريع تقصف من مواقع سيطرتها أحياء في محلية كرري شمال أم درمان، مما أوقع مئات الضحايا من القتلى والجرحى خلال الشهور الماضية.
كما تجدر الإشارة إلى أنه يوجد في شمال بحري مقر سلاح الأسلحة في منطقة الكدرو، وسلاح الإشارة على النيل الأزرق في جنوب المدينة، حيث باتت الطرق الآن سالكة للارتباط مع قواعد الجيش في منطقتي حطاب والعليفون في شرق النيل، وهذا يسرّع تحرير محلية شرق النيل، التي لا تزال تنتشر فيها الدعم السريع حسب الخبير.
البنك الزراعي بالخرطوم بحري تمت سرقته وتخريبه (الجزيرة) ما تداعيات تحرير بحري المحتملة على الأوضاع العسكرية في الخرطوم؟يعتقد الخبير العسكري أن سيطرة الجيش على جسر المك نمر (550 مترا)، الذي يبعد أقل من كيلومتر من القصر الجمهوري سيجعل تحريره مسألة وقت، بعدما بات محاصرا بتمدد الجيش غربا من مقر قيادته العامة بعد فك الحصار عنها، وزحف القوة المتحركة من منطقة المقرن شرقا.
ويعني ذلك أيضا أن كلا من وزارات الدفاع والخارجية والمال والداخلية والحكم الاتحادي والصحة وكل المؤسسات بشارع النيل، باتت تحت مرمى نيران الجيش.
وحسب الخبير فإن تحرك الجيش في أحياء بحري، وفي منطقتي امتداد ناصر والرياض في شرق الخرطوم، بعد فك الحصار عن مقر القيادة، وانفتاح قوات سلاح المدرعات نحو وسط الخرطوم، سيؤدي إلى محاصرة قوات الدعم السريع وتحرير مطار الخرطوم وأحياء الخرطوم القريبة من وسط العاصمة وشرقها.
إعلانكما أن قوات الجيش في شرق بحري يمكنها عبور جسر كوبر بعد إخراجها قوات الدعم السريع إلى أحياء شرق الخرطوم، وهذا يضغط على القوات خصوصا بعد تحرير جسر المنشية، ويدفعها إلى الهرب أو الموت، لعدم وجود خيارات لمواصلة القتال في مساحات محدودة محاصرة.
ما أثر عودة الأمن على سكان بحري؟يقول الضابط الإداري عمر البادرابي الذي عمل لسنوات طويلة في المدينة، إن تحرير بحري سيمكن أكثر من مليون مواطن من العودة إلى ديارهم، بعد أن لجؤوا إلى دول مجاورة أو نزحوا داخليا.
ووفقا لحديثه للجزيرة نت فإن غالبية منازل المواطنين في شمال وجنوب ووسط المدينة في حالة جيدة، لعدم وقوع اشتباكات مسلحة قريبة منها، لكن ممتلكات المواطنين وأثاث منازلهم تعرضت للنهب من قبل قوات الدعم السريع واللصوص.
وأضاف أن الأضرار في محطة المياه يمكن معالجتها في وقت وجيز حال توفر قطع الغيار، لكن أكثر المناطق تضررا هي شمبات والصافية وكافوري.
يُذكر أن أعدادا مقدرة من المواطنين ومنذ تحرير الأجزاء الشمالية من بحري، في الكدرو والحلفايا والدروشاب، قد عادوا إليها من مصر ومحلية كرري بأم درمان، ومدن الشمال والشرق، وعادت الحياة إلى المنطقة خلال الشهرين الأخيرين.