وهو تصعيد هائل من شأنه أن يُحدِثَ تأثيرات مزلزلة ستضرب بشكل رئيسي اقتصاد العدوّ الصهيوني الذي يعاني بالفعل من مشاكلَ لا تتوقف على مدار الأسبوع نتيجة تداعيات الحرب بما فيها التأثيرات التراكمية للمراحل السابقة من الحصار البحري اليمني، في الوقت الذي لا تجد فيه الولاياتُ المتحدة سوى التعبير عن القلق بعد أن أثبتت خلال الأشهر الماضية فشلًا ذريعًا في محاولة الحد من تصاعد نشاط الجبهة اليمنية المساندة لغزة.

 

جبهاتُ بحرية جديدة:

 

الحربُ البحرية اليمنية "تفتح جبهةً جديدةً قُبالَةَ شواطئ إسرائيل وغزة".. هكذا وصفت مجلة "نيوزويك" الأمريكية يوم الخميس الماضي، إعلانَ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، عن تنفيذ عملية في البحر الأبيض المتوسط، وهي العملية التي أوضح العميد يحيى سريع ناطق القوات المسلحة لاحقًا أنها استهدفت السفينة "إيسيكس" الإسرائيلية بعدد من الصواريخ البحرية؛ الأمر يضع جبهة العدوّ في مواجهة "القلق" الذي عَبَّر عنه مسؤول دفاعي كبير الأسبوع الماضي بخصوص امتلاك اليمن القدرة على الوصول إلى البحر المتوسط؛ فالعملية تتجاوز بالأعداء مستوى القلق إلى مستوى الاستعداد لإحصاء المزيد من الخسائر؛ لأَنَّ الوصولَ قد أصبح أمرًا واقعًا، وليس على المستوى الأسلحة فحسب، بل على مستوى التغطية الاستخباراتية فالسفينة "إيسيكس" وبحسب قواعد بيانات تتبع الملاحة البحرية هي ناقلة غاز مسال مملوكة ومدارة من قبل شركة "زودياك ماريتايم" التابعة جزئيا لرجل الأعمال الصهيوني إيال عوفر؛ ما يعني أن الوصول الاستخباراتي الذي تمتلكه القوات المسلحة اليمنية دقيق للغاية في جبهة البحر المتوسط مثلما هو في البحر الأحمر والمحيط الهندي.

ولا يخفي أن إعلان القوات المسلحة عن استخدام "الصواريخ" بالذات في هذه العملية يمثل مفاجأة؛ فالعديد من التقارير الأمريكية كانت قد سلطت الضوء سابقًا على امتلاك اليمن طائرات مسيرة تصل إلى المتوسط، لكن إطلاق صواريخ بالستية على أهداف بحرية في البحر المتوسط هو أمر لا تستطيع الولايات المتحدة بالذات أن تتظاهر بأنه أمر عادي، وهي التي لا تنفك تؤكّـد أن اليمن هو في الأَسَاس أول من يطلق الصواريخ البالستية على السفن في التأريخ!

"الجبهة الجديدة" في المتوسط والتي أصبحت أمرًا واقعًا وأكثرَ من مُجَـرّد تهديد محتمل، تتميز عن جبهات البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي (والتي ما يزال العمل فيها مُستمرًّا بحزم) بأنها تمثل الطريق الوحيد المتبقي للعدو الصهيوني لاستقبال السفن؛ فبعد إغلاق طريق باب المندب أصبح موانئ حيفا وأشدود هي المعنية باستقبال كُـلّ الواردات البحرية عن طريق البحر المتوسط، وهذا يعني عدة أمور:

أولها: أن هناك كثافةً في السفن المرتبطة بالعدوّ في هذه الجبهة، على عكس الجبهات الأُخرى التي انحسرت فيها حركة هذه السفن خلال الأشهر الماضية، وقياسًا على تجربة الجبهات الأُخرى، فَــإنَّ كثافة حركة الملاحة الصهيونية في المتوسط ستقل؛ بسَببِ التدابير الأمنية التي ستضطر السفن بشكل حتمي لاتِّخاذها (بدءًا من التمويه وحتى رفض الوصول إلى موانئ العدو) علمًا بأن العديد من الشركات قد اتخذت منذ مدة قرار تفريغ حمولتها في اليونان وأجبرت العدوّ على نقلها إلى موانئه بسفن أُخرى.

الأمر الثاني: هو أن كثافة حركة الملاحة الصهيونية عبر البحر المتوسط يعني كثافة العمليات اليمنية، وهو ما توعد به قائد الثورة في خطابه الأخير بوضوح عندما تحدث عن زيادة زخم الضربات خلال الفترة القادمة، وهو ما سيجبر شركات الشحن على تقليل كثافة سفنها، خُصُوصاً بعد أن أثبت العدوّ ورعاته الأمريكيين خلال الأشهر الماضية فشلًا ذريعًا في محاولة حماية السفن المستهدفة من الهجمات اليمنية؛ فكل ما يتطلبه الأمر هو وصول طائرة مسيرة واحدة أَو صاروخ واحد فقط، ولا يستطيع العدوّ الصهيوني أَو الولايات المتحدة أن تضمن للسفن عدم حصول ذلك مطلقا.. ليس بعد الفشل الذريع في البحر الأحمر وخليج عدن!

وحتى على فرض اقتناع بعض شركات الشحن بمواصلة الإبحار إلى موانئ العدوّ، فَــإنَّ تكاليف الشحن والتأمين لهذه الرحلة الخطرة ستقلل فائدة وصول بعض البضائع بالنسبة للمستهلكين في الأراضي المحتلّة، وسيكون التضخم هو الجزء الأكبر من الحمولات التي يتم تفريغها.

وبالتالي فَــإنَّ مسألة تضرر الاقتصاد الصهيوني بتداعيات وصول العمليات اليمنية إلى المتوسط، هي في الواقع مسألة وقت فقط، وهو ضرر لن يستطيع تحمله؛ لأَنَّه لا يملك هذه المرة طريقًا بحريًّا آخر يوجه إليه ما تبقى من حركة الملاحة ويتحمل التكاليف الإضافية والتأخيرات، ومع ذلك فالأمر لا ينتهي عند هذا الحد، فالبيان الأخير للقوات المسلحة، فتح أَيْـضاً جبهة أُخرى على العدوّ، وهي جبهة معاقبة شركات الشحن التي تتعامل معه وحظر جميع سفنها من العبور في المنطقة، حَيثُ تم استهداف السفينة "يانيس" في البحر الأحمر؛ لأَنَّ الشركة اليونانية التي تديرها أرسلت ثلاث سفن إلى كيان العدوّ بداية الشهر، وبحسب بيانات مواقع تتبع الملاحة فَــإنَّ هذه الشركة تملك أَيْـضاً السفينة "سيكلاديس" التي استهدفتها القوات المسلحة نهاية إبريل الماضي بعد انتهكت الحظر البحري وقامت بالتمويه لتصل إلى ميناء أم الرشراش.

هذه المعلومات تعني مجدّدًا أن القوات المسلحة تملك اطلاعًا استخباراتيًّا دقيقًا للغاية عن الشركات التي تتعامل مع العدوّ الصهيوني، وعن أساطيلها البحرية؛ وهو ما يعني أنه حتى لو وعد العدوّ ورعاته شركات الشحن بحماية سفنها المتجهة إلى "إسرائيل" في البحر المتوسط، فسيكون عليه أن يعدها أَيْـضاً بحماية بقية أسطول سفنها التي ستصبح بموجب العقوبات اليمنية تحت طائلة الاستهداف في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي، وهو وعدٌ لا يمكن قطعُه.

ولتوضيح الصورة أكثر، فَــإنَّ شركة "إيسترن ميديتيرينيان ماريتايم" اليونانية التي تم استهداف سفينتها "يانيس" تدير حَـاليًّا 75 سفينة أُخرى، بحسب مواقع ملاحية، وَإذَا استمرت بإرسال سفن إلى موانئ فلسطين المحتلّة فَــإنَّ أسطولها البحري سيكون كله معرض للاستهداف؛ الأمر الذي يفرض خيارًا واضحًا وبسيطًا بالنسبة لشركة الشحن وهو إما الحرص على المكسب المحدود الذي تجنيه من نقل بضع شحنات إلى العدوّ الصهيوني كُـلّ شهر، أَو الحرص على سلامة الأسطول بأكمله.

ويمكن تطبيق الأمر نفسه على بقية الشركات، وخُصُوصاً تلك الكبرى التي تملك عدداً أكبر من السفن، مع العلم أن خطوة "العقوبات" اليمنية لا تهدف للإضرار بالشركات نفسها (التي لديها خيارُ الحفاظ على مصالحها من خلال وقف التعامل مع كيان العدو) بل لإحكام الحصار على العدوّ، وَأَيْـضاً لتثبيت حقيقة مهمة هي أن الإبادة الجماعية في غزة ليست مُجَـرّد أزمة بسيطة يمكن أن تستمر بدون تداعيات واسعة، وأن استمرارَ التعامل التجاري مع الكيان الصهيوني يحمل أية جهة أَو شركة متورطة مسؤولية استمرار تلك الإبادة الوحشية.

 

اقتصاد العدوّ بلا حماية أمام التصعيد اليمني:

 

الأسبوع الماضي أفادت تقارير صحافية عبرية بأن شركة النقل العملاقة في كيان العدوّ "تابورا" عانت من انخفاض إيراداتها بنسبة 50 % خلال شهري إبريل ومارس؛ بسَببِ تعطل ميناء أم الرشراش، حَيثُ كانت الشركة تقوم بنقل السيارات التي يستقبلها الميناء من الشرق إلى مختلف الأراضي المحتلّة، وقد كان آخر دخول لسفينة سيارات إلى الميناء في نوفمبر الماضي، بحسب الإدارة.

في الوقت ذاته وبعد عدة موجات من ارتفاع مختلف أسعار السلع في أسواق العدوّ نتيجة زيادة تكاليف الشحن والتأخيرات الناجمة عن الحصار اليمني، أعلنت شركة "أوسيم" الإسرائيلية التي تعتبر من أكبر شركات المواد الغذائية في كيان الاحتلال، فرض زيادة جديدة تصلُ إلى 6 % على أسعار منتجاتها، وذلك بعد زيادة سابقة كانت قد وصلت إلى 9 %؛ بسَببِ ما قالت إنه ارتفاع تكاليف الحصول على المواد الخام وبالتالي ارتفاع تكاليف الإنتاج، وهو أحد تداعيات الحصار البحري اليمني أَيْـضاً.

وفي منتصف الشهر الجاري أعلنت شركة "زيم" الصهيونية للشحن عن رفع كلفة شحن الحاوية الواحدة سعة 20 قدمًا من الشرق إلى موانئ فلسطين المحتلّة من 3.100 دولار، إلى 4.260 دولارًا، وهي زيادة تتجاوز نسبتها 37 % تترافق مع زيادات مماثلة في تكاليف الشحن إلى الولايات المتحدة وبريطانيا أَيْـضاً.

هذه النماذج من التداعيات المُستمرّة تثبت بكل وضوح أن التأثيرات المباشرة للحصار البحري اليمني مُستمرّة بشكل تصاعدي وبدون توقف منذ نوفمبر الماضي، وأن العدوَّ لم يجد أية وسيلة لكسر هذا الحصار أَو احتوائه برغم الاستعانة بأمريكا وبريطانيا وأُورُوبا، وبالتالي فَــإنَّ اليمن يملك بالفعل زمام التصعيد.

ووفقًا لهذه البيانات (بالإضافة إلى أرقام أُخرى تم تسليط الضوء عليها في تقارير سابقة)، فَــإنَّ وصول العمليات اليمنية إلى البحر المتوسط وحظر سفن الشركات التي تتعامل مع العدوّ، سيزيد بدون شك ارتفاع الأسعار بشكل أكبر من كُـلّ الموجات السابقة مجتمعة، وسيخلق أزمة خانقة للعدو على مستوى استيراد البضائع، وَأَيْـضاً على مستوى العلاقة التجارية مع الشركات الأجنبية التي عليها أن تعلم أن كونها أجنبية لن يعفيها من تحمل تداعيات استمرار تعاملها مع كيان العدوّ.

وبإضافة ذلك إلى حالة التدهور الاقتصادي المتزايد الذي يعانيه العدوُّ؛ نتيجةَ تداعيات الحرب بشكل عام (عجز الميزانية، وانخفاض التصنيف الائتماني، وانخفاض الاستثمارات الأجنبية، وزيادات في الضرائب، وهبوط عملة الشيكل) فَــإنَّ التصعيد اليمني سيشكِّلُ أكثرَ من مُجَـرّد مشكلة اقتصادية إضافية، بل سيفرض في الواقع عقوبات اقتصادية استراتيجية ذات تأثير طويل الأمد من شأنها أن تجعلَ بقية التداعيات الاقتصادية للحرب أثقلَ بكثير مما هي عليه الآن.

المسيرة

 

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: فی البحر الأحمر القوات المسلحة البحر المتوسط شرکات الشحن کیان العدو إلى موانئ المحتل ة أ ی ـضا ف ــإن

إقرأ أيضاً:

ضربات أميركية لمنشآت بمحافظة عمران اليمنية

قالت القيادة الوسطى الأميركية (سنتكوم) إنها نفذت ضربات ضد أهداف تابعة لأنصار الله (الحوثيين)، وهو ما أكده الحوثيون بعد إعلانهم أن غارات أميركية بريطانية استهدفت مناطق شمال العاصمة صنعاء.

وقالت القيادة الوسطى الأميركية إنها نفذت اليوم الأربعاء "ضربات دقيقة على منشآت تخزين أسلحة تقليدية متطورة تحت الأرض تابعة للحوثيين"، وأضافت أنهم "استخدموا هذه المرافق لشن هجمات على سفننا الحربية وأخرى تجارية".

من جهتها، قالت وسائل إعلام تابعة للحوثيين إن 5 غارات أميركية بريطانية استهدفت مديرية حرف سفيان بمحافظة عمران شمال العاصمة اليمنية صنعاء.

ومساء الاثنين الماضي، أعلن الحوثيون استهداف حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس هاري ترومان" شمالي البحر الأحمر، ومهاجمة أهداف وسط وجنوب إسرائيل، في 4 عمليات نفذت بصواريخ ومسيّرات.

???? بيان القوات المسلحة اليمنية بشأن استهداف حاملة الطائرات الأمريكية (ترومان) شمالي البحر الأحمر، وتنفيذ ثلاث عمليات عسكرية ضد أهداف في يافا وعسقلان المحتلتين 06-07-1446هـ 06-01-2025م #التصعيد_بالتصعيد #فلسطين_قضيتنا_الأولى #معركة_الفتح_الموعود_والجهاد_المقدس pic.twitter.com/y1aqmlshcT

— قناة المسيرة (@TvAlmasirah) January 6, 2025

إعلان

وتضامنا مع غزة، بمواجهة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، يهاجم الحوثيون منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023 سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بها في البحر الأحمر بصواريخ وطائرات مسيّرة كما يهاجمون أهدافا في إسرائيل.

وردا على هذه الهجمات، بدأت واشنطن ولندن منذ مطلع العام الماضي، شن غارات جوية وهجمات صاروخية على مواقع للحوثيين في اليمن.

وهو ما قابلته الجماعة بإعلان أنها باتت تعتبر السفن الأميركية والبريطانية كافة ضمن أهدافها العسكرية، وتوسيع هجماتها إلى السفن المارة من بحر العرب والمحيط الهندي أو أي مكان تصله أسلحتها.

مقالات مشابهة

  • سمير فرج : حرب قادمة على الغاز في البحر المتوسط (فيديو)
  • رالي داكار 2025| الراجحي ينألق ويفوز بالمرحلة الرابعة.. والعطية يتراجع بشدة
  • سمير فرج : احتياطي الغاز في البحر المتوسط مستمر حتى 2050
  • ضربات أميركية لمنشآت بمحافظة عمران اليمنية
  • “البحوث الزراعية” يعزز التعاون العلمي مع دول حوض البحر الأبيض المتوسط
  • وسائل اعلام صهيونية: العمليات اليمنية تضاعف أزمة النقل الجوي في “اسرائيل”
  • اسرائيل تنشر خريطة لاحلامها التوسعية وتوجه صفعة لباعة حل الدولتين .. والاردن اول الغاضبين
  • فيما يترقب مفاجآت العام الجديد: فاعلية العمليات اليمنية تربك حسابات العدو
  • العمليات اليمنية في المرحلة الخامسة من التصعيد.. لا هوادةَ في ضرب الكيان
  • مفتي ليبيا يشيد بصلابة اليمنيين في مواجهة اسرائيل لا يفل الحديد الا الحديد