لبنان ٢٤:
2025-03-16@09:36:41 GMT

أسئلة بريئة وخبيثة تسبق مجيء لودريان

تاريخ النشر: 26th, May 2024 GMT

أسئلة بريئة وخبيثة تسبق مجيء لودريان

كثيرة هي الأسئلة التي تسبق مجيء الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان إلى لبنان. ومن بين هذه الأسئلة ما هو بريء، ومنها ما هو خبيث. لكن كلاهما يبدوان محقّين في نظر الجهة التي تطرح تلك الأسئلة، التي يعتقد كثيرون أنها ستبقى من دون إجابات واضحة، وذلك بسبب كثافة الدخان المتصاعد من الجنوب المثخن بالجراح نتيجة القصف الإسرائيلي الجبان، والذي هو رجع لصدى الاعتداءات اليومية في حق أطفال غزة، والتي كانت الأعنف بعد قرار محكمة العدل الدولية بإجبار تل أبيب على وقف اعتداءاتها على رفح، وكان حري أن يُقال وقف الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة كله وعلى القرى الجنوبية، التي تساوت مآسي أهلها بأهل غزة الصامدين.

ومن بين هذه الأسئلة البريئة يأتي السؤال المحوري، الذي تطرحه أغلبية الشعب اللبناني، وقد تحدّد الإجابة عنه مسار المهمة الجديدة للورديان في زيارته السادسة للبنان، ومدى نجاحها أو فشلها، وهو التالي: هل تستطيع فرنسا إقناع "حزب الله" بأن فصل الأزمة اللبنانية، وبالتحديد الأزمة الرئاسية، عن مسار ما يحصل في غزة، هو الخيار الأفضل للبنان على المديين القريب والبعيد، وهل في إمكان باريس إحداث الخرق المطلوب رئاسيًا بمعزل عمّا تريده واشنطن وتعمل له، وإن كان التنسيق قائم بينهما على مستوى سفيري بلديهما في لبنان من ضمن عمل "اللجنة الخماسية"؟ وقبل طرح السؤال الأول جاء الجواب في كلام الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله في مناسبة عيد التحرير، فكان جوابه واضحًا وردًّا على كل الأسئلة التي يمكن أن تطرح على "حارة حريك"، بالنسبة إلى موقفها من مسألة الفصل بين العمليات التي تنطلق من الجنوب ضد الجيش الإسرائيلي في إطار ما يُسمّى بحرب الاسناد أو المشاغلة، وهو قالها في شكل نهائي وحاسم وجازم بأن عمليات "المقاومة الإسلامية" التي تلحق بالعدو خسائر فادحة لن تتوقف ما دامت الحرب على غزة مستمرّة وقائمة. أمّا الجواب عن السؤال البريء الثاني فجاء من "عين التينة"، حيث نُقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري كلام قاله لزواره، وفيه أنه متمسك بالحوار، الذي دعا إليه أكثر من مرّة، وهو يختلف كثيرًا عمّا أسمته "اللجنة الخماسية" في بيانها الأخير، "مشاورات" فهمها كل فريق على ذوقه ووفق ما تقتضيه مصلحته، مؤكدًا أن لا رئيس للجمهورية إن لم يسبقه حوار شامل وموسع، على أن يطرح كل فريق على طاولة هذا الحوار أفكاره وهواجسه ومرشحه الرئاسي. فإذا تمّ التفاهم على تسوية رئاسية جامعة تُدعى الهيئة العامة لمجلس النواب إلى جلسة انتخابية مفتوحة لترجمة ما تمّ التوافق عليه في الجلسات الحوارية في صندوقة الاقتراع، والتي سينتج عن عملية التصويت انتخاب رئيس جديد للجمهورية بتوافق جميع المكونات السياسية في البلد. أمّا إذا لم يتوصّل المتحاورون إلى قواسم رئاسية مشتركة فيدعى النواب إلى جلسة مفتوحة وبدوارت متتالية، وليفز المرشح الأوفر حظًا، والذي يستطيع أن يحصل على 65 صوتًا في أي جلسة بعد الجلسة المفتوحة الأولى.    
أمّا الأسئلة غير البريئة التي يطرحها عدد من السياسيين اللبنانيين فهي تتمحور حول الدور الفرنسي بالذات، إذ يقول هؤلاء للرئيس ايمانويل ماكرون ولغيره من الرؤساء، الذين يسعون، وكل وفق ما يراه منسجمًا مع مصلحة بلده في المنطقة، أن اللبنانيين قادرون على حلّ مشاكلهم بأنفسهم، خصوصًا إذا ما رُفعت عنهم التدخلات الخارجية، التي تملي إرادتها على بعض الذين يتماهون معها، سياسيًا ومصلحاتيًا. ولكن، على ما يبدو، فإن طارحي هذه الأسئلة قد سها عن بالهم أن لودريان بذاته قال لهم ولغيرهم من اللبنانيين، وكرره أكثر من مرة، وهو أن لا أحد من الدول الشقيقة أو الصديقة قادرٌ على مساعدتهم إن لم يساعدوا هم أنفسهم أولًا.   المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

من حفرة السؤال السوري

«أختي في جبال العلويين، هلع أنْ يكسر بابك في الليل وحش ضاحك لا يحبُّ من أسماء الله إلا المنتقم»، كتب الشاعر السوري جولان حاجي.

ترددتُ طويلًا في الكتابة عن الشأن السوري بعد تلك الليلة (المريبة) التي خلعتْ فيها جدرانُ دمشق صورةَ الزعيم التاسع عشر في تاريخها منذ الاستقلال، وأعلنتْ نهاية «الأبد»... إلى الأبد؟! الحيرة المتلعثمة بين البشرى والحذر أفضتْ بي إلى قناعة مؤقتة بأن أفضل ما يمكن أن نمنحه للسوريين، نحن الواقفين خارج إطار معاناتهم، هو صمتنا الذي لا نمن به على أحد.

ربما هي المرة الأولى التي لا يكون فيها الصمت عبئًا على الضمير، بل على العكس. فلندع أصدقاءنا السوريين يجربون لحظتهم التاريخية الجديدة وحدهم، كما كانوا وحدهم دائمًا، وأن نكفَّ عن الاعتقاد -كما يحدث كل مرة- بأننا مدعوون للمشاركة بتعليقاتنا وآرائنا في حفلة التنظير على رؤوس الضحايا/ الناجين. يكفي الانتظار على حدود الصمت حتى انقشاع الضباب عن المشهد لنعرف هوية سوريا الجديدة، سوريا ما بعد الثامن من ديسمبر ٢٠٢٤.

لكن الانتظار لم يدم طويلًا حتى شهدنا الجريمة المروعة التي لحقت بالمدنيين في الساحل خلال الأيام الماضية، الجريمة التي أعادت توزيع الملف السوري من جديد على مائدة الرأي العام العربي، ليس من أجل تقديم الإدانة الأخلاقية ضد المجزرة ومرتكبيها من العصابات التكفيرية فقط، ولا من أجل إعلان التعاطف البارد مع ضحاياها فحسب، بل لتأكيد ما أكدته طبيعة المجزرة ودوافعها وحمولاتها بأن سوريا لا تزال منذ مارس 2011 امتحانًا عربيًا لا مفرَّ منه.

نكتب ونفكر بسوريا لأن معنى وجودنا واستمرارنا عربًا في التاريخ عالق في حفرة السؤال السوري، في هذا «الفوات الحضاري» الطويل. يكفي أن نحلل المعجم الطائفي العفن الذي تلفظ به القتلة مصورين جريمتهم لندرك في أي درك حضاري يقع العرب اليوم، ولندرك أن «الدعشنة» ليست مجرد ظاهرة إرهابية في شكل فصيل مسلَّح، بل أيديولوجيا كامنة تحت الجلد وخلف اللغة، وتظهر تجلياتها بوضوح في العنف اللغوي الذي يصبغ صفحات الكلام على مواقع التواصل الاجتماعي.

مذبحة العلويين المصورة في الساحل السوري، قبل أيام من إعلان الدستور، أدخلت المشهد الكارثي في تعقيد سياسي واجتماعي مضاعف، إذ لم يكد حجر المأساة السورية يجف حتى سُفك فوقه دم جديد باسم الله وتحت صيحات «الله أكبر».

سؤال فلسفي قديم ويتجدد: من أين يأتي كل هذا العنف الشبِق؟ وكيف يصبح الغباء طاقة شريرةً إلى هذا الحد؟ إنه سؤال لا يخص السوريين وحدهم في هذه المرحلة، لكنه يجعل من تاريخهم المعاصر منجمًا مثيرًا لدراسات العنف وأصوله، حتى لو بدا من السهل تفسير ذلك المنزع الانتقامي تفسيرًا نفسيًا كتعبير عن «ميول عدوانية مقموعة».

خلال السنوات الأخيرة شهد السوريون في بلادهم تقريبًا كل صنوف العنف والعسف وأشكال هتك السيادة التي يمكن لبلد ما أن يتعرض لها في تاريخه: استبداد سياسي دموي بنزعة إبادية سرعان ما حوَّل الثورة عليه إلى حرب أهلية تسللت إليها جماعات سلفية جهادية وعززتها تدخلات أجنبية حولت بدورها الجغرافيا السورية إلى ساحة صراع دولي وإقليمي مفتوح، وصولًا إلى التطور الأخطر المتجاهل إعلاميًا، المتمثل في احتلال إسرائيلي جديد يتمدد شيئًا فشيئًا نحو عاصمتها، عاصمتها «الأموية». زلزال من العنف، أو هو الطوفان في بلاد البعث، كما تنبأ به المخرج السوري الراحل عُمر أميرلاي، الطوفان الذي قلَّب تربة المجتمع السوري على مدى 14 عامًا، تاركًا صدوعًا هائلة يتطلب علاجها عقودًا من الزمن في المسار الطبيعي لأي مجتمع يتعافى.

يبقى سؤال العدالة المشفوعة بالصفح هو سؤال المرحلة الأصعب في سوريا الجديدة. حتى لو كان الصفح نفسه «معضلة وقيمة» في آن معًا كما كتب المفكر السوري ياسين الحاج صالح: «معضلة لأننا نحتاج إلى طاقة وقوة نفس لا يَسهُلُ استجماعهما كي نصفح بِرضا ودون شعور بالغبن؛ وقيمة لأنه إذا استطعنا استجماعَ طاقاتنا النفسية كي نصفح بإخلاص فإننا نُسطِّرُ مثالاً يُحتذى. القيمُ تَصنعُها الأقاصي، هي كلها أقاصٍ في واقع الأمر، مُثُلٌ عُلْيا، وليست متوسطات حسابية أو معدلات إحصائية. ولذلك القيم كلها صعبة، والصفحُ من أشدها صعوبة».

الحقيقة أن ياسين الحاج صالح، هذا المثقف المناضل الذي سرق النظام الأسدي 16 عامًا من شابه في السجن، قبل أن تختطف الحرب منه زوجته سميرة وأصدقاءه رزان ووائل وناظم، الذين يكتب عنهم ولهم باستمرار، يجسد في تجربته الشخصية مثالًا يُحتذى لمعنى الصفح كقيمة قصوى مناقضة تمامًا لمبدأ الثأر، بما يجعل من ذاكرة الظلم والقهر فضيلةً تحمي ضحية الأمس من إغراء الانتقام الذي قد يجعل من السجين تلميذًا آخر للسجان.

مقالات مشابهة

  • بسمة وهبة تُحرج نجلاء بدر بسؤال جريء.. وردّ فعل غير متوقع
  • كبيرة ومتنوعة.. عون يكشف عن التحديات التي يواجهها لبنان
  • في عملية تواصل ناجحة.. وكالة عدل ترد على الأسئلة الأكثر شيوعا وسط المكتتبين
  • الأسئلة الثلاثة الكبرى والأهداف من خلق الخلق .. علي جمعة يجيب
  • من حفرة السؤال السوري
  • التيّار غير مقتنع بشفافية التعيينات... وكلمة لباسيل اليوم
  • وفد من تجمّع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين زار وزير العمل محمّد حيدر
  • كاتس: إسرائيل ستبقى في المواقع الخمسة التي أنشأتها في جنوب لبنان
  • الاسمر: لدمج الرواتب التي تعطى كمساعدات في القطاع العام ضمن أساس الراتب
  • سليمان من قصر بعبدا: المعادلة التي تُفيد البلد هي معادلة الجيش والشعب