فورين بوليسي: هكذا خسرت ألمانيا العرب
تاريخ النشر: 26th, May 2024 GMT
قالت مجلة فورين بوليسي إن ألمانيا سعت -على مدار عقود من الزمن- إلى التوفيق بين مسؤوليتها التاريخية تجاه إسرائيل وعلاقاتها الودية مع العالم العربي، وطورت بصمة كبيرة في مجال القوة الناعمة، ولكن دعمها الذي لا لبس فيه لإسرائيل أدى إلى تآكل بصمة قوتها الناعمة في هذه في المنطقة.
وانطلقت المجلة -في مقال للكاتب رويري كيسي- من الجدل الذي أثاره سفير ألمانيا لدى تونس بيتر بروغل، عندما وصف الإسرائيليين بأنهم ضحايا "الإرهاب الفلسطيني".
وغادر بروغل الحدث على عجل، وكتب بعض التونسيين على الإنترنت أن بروغل برر قتل إسرائيل المدنيين في غزة، ولكن السفارة زعمت أن بروغل أعرب عن تعاطفه مع جميع الضحايا، وقالت مع ذلك "لا يمكننا أن نتجاهل أن هذا التصعيد كان سببه الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل".
صورة ألمانيا تعانيوقال الكاتب إن عملية التوازن التي كانت تقوم بها ألمانيا بين إسرائيل والعرب تعثرت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بعد أن صُدمت ألمانيا بالهجوم الذي تعرض له اليهود، ودعمت الهجوم الإسرائيلي على غزة من دون قيد أو شرط.
وتواصل برلين -حسب الكاتب- تأكيد نفسها بصفتها واحدة من أقرب الحلفاء السياسيين والعسكريين لإسرائيل، بعد قتل أكثر من 35 ألف فلسطيني في غزة خلال أكثر من 7 أشهر من القصف الإسرائيلي على القطاع الذي يعاني مجاعة واسعة النطاق، وقد أدى رد فعل ألمانيا المتصلب هذا إلى تشويه سمعتها بسرعة في جميع أنحاء المنطقة العربية.
وأوضح الكاتب أن أغلبية من الجمهور العربي كانت لديها آراء إيجابية عن السياسة الخارجية الألمانية، قبل أن يظهر استطلاع للرأي -أجراه معهد الدوحة في يناير/كانون الثاني الماضي- أن 75% من المشاركين لديهم رأي سلبي بشأن موقف برلين من الحرب الإسرائيلية على غزة.
وذكّر رويري كيسي بأن المستشار أولاف شولتس قال بعد 5 أيام من السابع من أكتوبر/تشرين الأول، في خطاب أمام البوندستاغ، إنه "لا يوجد في هذه اللحظة سوى مكان واحد لألمانيا، وهو إلى جانب إسرائيل"، ورخصت ألمانيا زيادة في صادرات الأسلحة إلى إسرائيل بنحو 10 أضعاف، لتصبح ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى البلاد منذ بداية الحرب، بعد الولايات المتحدة.
وبينما أعربت شخصيات عامة في ألمانيا عن تضامنها مع إسرائيل، قامت الشرطة بقمع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين وفرقتها بالعنف وحظرتها على أساس معاداة السامية، وألغيت الجوائز والتمويل وبعض الأحداث، مثل إلغاء جائزة الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي التي كانت ستقدم في معرض فرانكفورت للكتاب.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، لاحظ عالم الاجتماع عمرو علي شيئا لم تسبق له رؤيته من قبل، وهو أن الشباب في جميع أنحاء العالم العربي ينشر يوميا عن ألمانيا ولم تكن أي من انطباعاتهم إيجابية، وهو يربط ذلك بإعادة توجيه السياسة العالمية، حيث أصبح الدعم الغربي لإسرائيل مصدرا لنفاق لا يطاق بالنسبة لكثيرين في الجنوب العالمي.
ومن غير المرجح أن يؤثر هذا التغيير في الرأي العام على علاقات ألمانيا السياسية والاقتصادية مع الدول العربية، ولكنه قد يسهم في تقويض قوة برلين الناعمة في المنطقة.
قضية دولةوفي هذا السياق، قال 9 موظفين حاليين وسابقين في 6 مؤسسات ألمانية تعمل في 5 دول في الشرق الأوسط لمجلة فورين بوليسي، مشترطين عدم الكشف عن هوياتهم، إن موقف ألمانيا المتشدد بشأن الحرب على غزة قد عرّض عملهم مع الشركاء والمجتمعات المحلية للخطر، وأضر بالثقة والمصداقية التي استغرق تطويرها سنوات أو عقودا.
وفي العقد الأول من القرن 21، ومع فشل عملية أوسلو، اقتربت ألمانيا من إسرائيل في المسائل الأمنية -حسب الكاتب- وأصبحت سياستها الخارجية مرتبطة بالمخاوف الداخلية بشأن معاداة السامية والمشاعر المعادية لإسرائيل بين المسلمين في ألمانيا، حتى إن بعض السياسيين قالوا إنها أعاقت محاولات البلاد للتغلب على تاريخها.
وقد لخصت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل موقف ألمانيا خلال خطاب ألقته أمام الكنيست عام 2008، عندما قالت إن أمن إسرائيل هو "قضية الدولة" في ألمانيا، ليكرر شولتس وآخرون ذلك بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي الأشهر التي تلت السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ركز القادة الألمان اهتمامهم على ضحايا هجوم طوفان الأقصى ومصير الأسرى في غزة وتصاعد معاداة السامية، وما اعتبروه تهديدا وجوديا لأمن إسرائيل، وواصلت برلين رفض الدعوات لوقف إطلاق النار، رغم المستويات التاريخية من القتل والتدمير الذي تقوم به إسرائيل في غزة.
ومع ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين في غزة إلى أكثر من 20 ألفا في يناير/كانون الثاني، نفى روبرت هابيك، نائب المستشار الألماني، أن إسرائيل تستهدف المدنيين، ووصفت ألمانيا قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا على إسرائيل في محكمة العدل الدولية بأنها "أداة سياسية" وجمدت تمويلها للأونروا بعد أن زعمت إسرائيل أن بعض موظفي الأونروا شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ثم أعادت التمويل بعد ذلك.
غضبوبعد عدة أسابيع من الاحتجاجات على بروغل في تونس، رُسم صليب معقوف على جدران الفرع المحلي لمعهد غوته بالمدينة، وألغت المنظمة سلسلة من الزيارات المدرسية وعرض فيلم في العاصمة، كما ألغت فعاليات في بيروت ورام الله بسبب مخاوف أمنية، وأعاد الفنان المصري محمد عبلة جائزة من المعهد احتجاجا على دعم ألمانيا لإسرائيل.
وقال 3 موظفين حاليين وسابقين في منظمة التنمية الألمانية للمجلة إن تواطؤ ألمانيا في الحرب على غزة قد تسبب في غضب داخل الوكالة التي لم تتخذ موقفا علنيا بشأن الحرب، حتى بعد أن وضعت إسرائيل أحد موظفيها الفلسطينيين قيد الاعتقال الإداري.
ووصف أحد الموظفين "الأجواء الاستبدادية" التي دفعت بعضهم إلى الخوف من التحدث علنا، ودفعت آخرين إلى الاستقالة، وقال المصدر عن تصرفات ألمانيا "أنت تمول القصف من جهة، وتقدم القليل من المساعدات لإظهار أنك إنساني" من جهة أخرى.
وقالت الوزارة الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية -التي تمول عمل المنظمة في الخارج- إن المنظمات الشريكة تخضع "لتدقيق دقيق" وتتحقق بشأن أي تصريحات معادية للسامية، أو تنكر حق إسرائيل في الوجود، أو تدعم حركة المقاطعة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات السابع من أکتوبر تشرین الأول إسرائیل فی على غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
اتفاق بين الأكراد ودمشق حول إدارة سد تشرين الاستراتيجي
اتفقت الإدارة الذاتية الكردية وسلطات دمشق، الخميس، على تشكيل إدارة مشتركة لسد استراتيجي في شمال سوريا، وفق ما أفاد مصدر كردي، في خطوة تندرج ضمن اتفاق ثنائي يقضي بدمج مؤسسات الإدارة الذاتية في الدولة السورية.
وقال مصدر كردي لوكالة "فرانس برس": "تمّ الاتفاق بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية على إدارة سد تشرين وفق صيغة يتفق عليها الطرفان، على أن تنسحب القوات العسكرية (الكردية) بشكل كامل من منطقة السد، ويخضع من الناحية الأمنية لسيطرة الأمن العام" التابع للسلطة الجديدة.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكري للإدارة الذاتية، على سدّ تشرين في ريف مدينة منبج في محافظة حلب.
وبعد أيام من وصول السلطة الجديدة إلى دمشق في الثامن من ديسمبر، تعرّض السد لضربات متكررة شنتها مسيرات تركية وأسفرت عن مقتل العشرات من المدنيين، وفق ما أعلن الأكراد والمرصد السوري لحقوق الانسان.
كما شنت فصائل سورية موالية لأنقرة هجمات ضد المقاتلين الأكراد في محيطه.
وللسد أهمية استراتيجية إذ يوفر الكهرباء لمناطق واسعة في سوريا، كما يعد مدخلا لمنطقة شرق الفرات الواقعة تحت سيطرة الإدارة الكردية.
ويأتي الاتفاق وفق المصدر الكردي، "تنفيذا للاتفاق الموقع بين قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع"، في 11 مارس، والذي تبعه الشهر الحالي انسحاب المئات من القوات الكردية من حيين ذات غالبية كردية في مدينة حلب، وتقليص الوجود العسكري لفصائل موالية لأنقرة في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية.
ولم يصدر أي بيان من دمشق بشأن الاتفاق حول سد تشرين.
وبحسب المرصد السوري، ينص الاتفاق على أن تشرف الإدارة الذاتية على "تنفيذ أعمال ترميم وإصلاح للسد، بالتنسيق مع جهات دولية لضمان استدامته واستمرار خدماته الحيوية".
وقال المرصد إن عناصر من الأمن الداخلي الكردي ستشارك في فرق حماية المنشأة مع عناصر أمن من السلطة الجديدة.
وتسيطر الإدارة الذاتية الكردية على مساحات واسعة في شمال وشرق سوريا.
ورغم الاتفاق مع الشرع، وجهت الإدارة الذاتية انتقادات حادة الى الحكومة التي شكّلها، وقالت إنها لن تكون معنية بتنفيذ قراراتها، باعتبار أنها "لا تعبر عن التنوع" في سوريا.