اليتيمُ مِن البشرِ هو مَن ماتَ أبوهُ وهو صغيرٌ لم يبلغِ الحُلمَ، وهو مِن الحيوانِ الذى فقَدَ أُمَّهُ، فكلاهما فقَدَ الكاسِبَ، فإذا بلغَ زالَ عنهُ وَصفُ اليُتم، وقد جاءَ الأمرُ بالإحسانِ إلى اليتيمِ فى غيرِ موضعٍ مِن كتابِ اللهِ تعالى، منها قولُه سبحانه وتعالى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} [النساء: 36].
ونلحظُ أنَّ الأمرَ بالإحسانِ لليتامَى جاءَ بعدَ الأمرِ بالإحسانِ إلى ذوِى القربَى، وهذا له دلالةٌ مُهمةٌ، وهى شدةُ اعتناءِ القرآنِ الكريمِ بأمرِ الأيتامِ، فالأمرُ بالإحسانِ إلى الأقاربِ عامٌّ يشملُهُم جميعاً ومَن فيهم مِن الأيتامِ، ثم يأتى بعده الأمرُ بالإحسانِ إلى اليتامَى حتى تتسعَ دائرةُ الإحسانِ إلى اليتامى فتشملُ اليتامَى مِن غير الأقرباءِ أيضاً.
وفى ذكر لفظِ (اليتامى) إشارةٌ إلى استحضارِ هذا الوصفِ الذى يَقتضِى العطفَ عليهم، والإحسانَ إليهم، والبرَّ بهم.
وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى أنَّ الإحسانَ إلى اليتامَى هو من حقيقةِ البرِّ الذى يَنبغى أنْ تتحلَّى بهِ النفوسُ فقال سبحانه: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِى الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون} [البقرة: 177].
بل وصلَ الأمرُ إلى أنْ ندَبَ الشرعُ الشريفُ لمن يقتسمونَ مِيراثاً أن يجعلوا منه شيئاً للأقاربِ واليتامَى والمساكينِ الذين ليس لهم نصيبٌ فى الميراثِ سداً لحاجتِهم، فقال سبحانه: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [النساء: 8]؛ بيَّنَ العلماءُ أنَّه ليسَ معنَى (حَضَرَ الْقِسْمَةَ) حُضورَهُم وقتَ تقسيمِ التركةِ، وإنما المرادُ عِلمُ الورثةِ بحالِ أولئكَ المحتاجِينَ مِن الأقاربِ واليتامَى والمساكين، فيُندبُ حيئنذٍ أنْ يُعطوهم شيئاً من الميراثِ إعانةً لهم، وأن يقولوا لهم قولاً جميلاً، كأن يقولوا لهم مَثَلاً: خُذوا هذا المالَ باركَ اللهُ لكُم فيهِ، أو بأنْ يَعتذروا لِمَن لم يُعطوه شيئاً.
وقد أمرَ القرآنُ الكريمُ بإحسانِ معاملةِ اليتيمِ وعدمِ قهره وإذلالِهِ، قال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9]، وحثَّ سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على كَفالتِهِ فقال: «وأنا وكافلُ اليتيمِ فى الجنَّةِ هكذَا» وأشارَ بالسَّبابةِ والوُسطَى، وفَرَّجَ بينهما شيئاً. [البخارى]، أى: فرَّق صلى الله عليه وسلم بين أصبعَيْهِ لبيانِ التفاوتِ بينَ الأنبياءِ وغيرِهِم.
وإذا كانَ اليتيمُ قد فقدَ أباهُ بعدَ أنْ كانَ حياً، فثَمَّ أطفالٌ آخرونَ لا يُعرفُ لهم آباءٌ، وهم اللُّقطاءُ، وهؤلاء الأطفالُ لهم آباءٌ أحياءٌ طَرحُوهم خوفاً من العَيْلة [الفقرِ والحاجة] أو فراراً من التُّهمةِ أو غير ذلك، وإذا وجدَ اليتيمُ أُماً تُربِّيهِ أو قريباً يكفلُهُ، فهؤلاءِ لا يجدون مَن يُربِّى أو يكفلُ، وهؤلاءِ الأطفالُ يدخلون فى عمومِ الأمرِ بكفالةِ الأيتامِ والإحسانِ إليهم؛ فهم قد فقدوا آباءَهم حُكْماً كما فقدَهُمُ الأيتامُ حقيقةً.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: اليتامى المساكين الإحسان العطف ال ق ر ب ى و ال
إقرأ أيضاً:
عالمة أزهرية لـ«ياسمين عز»: خمسة وخميسة لمنع الحسد خرافات
قالت الدكتورة هبة عوف أستاذ التفسير بجامعة الأزهر، إن هناك بعض التصرفات التى ليس لها علاقة بالشرع والدين منها "خمسة وخميسة"، لمنع الحسد، لافتة إلى أنه عندما يقع أحد فى الحسد عليه أن يقوم بقراءة المعوذتين.
وقالت أستاذ التفسير بجامعة الأزهرـ خلال حوارها مع الإعلامية ياسمين عز، ببرنامج "كلام الناس"، عبر قناة "mbc": "دلوقتى عندنا مشكلة تلاقى الحسد فى الوجه دون حياء، لما تلاقى ده حصل معاك قول ما شاء الله لا قوة بالله، واقرأ المعوذتين فى سرك".
هل يجوز للزوجة أخذ وسائل منع الحمل بغير موافقة الزوج؟.. دار الإفتاء تجيب هل يجوز تمييز الابنة في العطية؟.. الشيخ خالد الجندي يجيبوأكدت أستاذ التفسير بجامعة الأزهر، أن هناك واقعة حسد حدثت وذهبوا لسيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم-، فى الحديث الشريف، عن أبي أمامة سهل بن حنيف أنه قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة (يعني من شدة بياضه) فلبط (أي صرع وسقط على الأرض) سهل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول الله هل لك في سهل بن حنيف والله ما يرفع رأسه، فقال: هل تتهمون له أحداً؟ قالوا: نتهم عامر بن ربيعة.
قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامراً، فتغيظ عليه وقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟! ألا بركت، اغتسل له، فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه فراح سهل مع الناس ليس به بأس. رواه مالك وأحمد وابن ماجه.