التغير المناخي والضرورات الوطنية الملحة
تاريخ النشر: 25th, May 2024 GMT
لم يعد الحديث عن التغير المناخي في العالم ضربا من التكهنات، إنه أمر واقع يؤثر في العالم كما لم يؤثر من قبل، بل ويلح على الحكومات لاتخاذ إجراءات وقائية جماعية وفردية. وفي هذا السياق نظمت كلية الدفاع الوطني بأكاديمية الدراسات الاستراتيجية والدفاعية الأسبوع الماضي برنامجا مهما ناقش «التغير المناخي والحياد الصفري» وهو برنامج ضمن برامج عديدة تنظمها الجهات المعنية في سلطنة عمان لدراسة الظاهرة ووضع مسارات عملية للتعامل معها.
وتتأثر سلطنة عمان مباشرةً بالتغيرات المناخية التي يشهدها العالم سواء من خلال أنماط الطقس التي لا يمكن التنبؤ بها، والتهديد الذي يتعرض له التنوع البيولوجي، ومع تسارع هذه التغيرات وحدتها يبدو أن على سلطنة عمان وضع هذا الأمر ضمن أولويات أمنها الوطني وبذل كل الجهود الممكنة من أجل بناء الاستراتيجيات الوطنية للتقليل من الأخطار المحدقة نتيجة ما يشهده الكوكب من متغيرات حقيقية.
ويشكل تغير المناخ، الناجم عن الزيادة المستمرة في انبعاثات الغازات الدفيئة، تهديدا كبيرا لبيئتنا وأسلوب حياتنا. ووفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فإن درجات الحرارة العالمية في طريقها للارتفاع بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول عام 2040 إذا استمرت الاتجاهات الحالية. وستؤدي هذه الزيادة إلى تفاقم وشدة الظواهر الجوية المتطرفة، وارتفاع مستوى سطح البحر، واختلال النظم البيئية وفق ما تقول الهيئة. أمّا سلطنة عُمان فإنها تتأثر منذ عدة سنوات بالتغيرات المناخية خصوصًا في زيادة عدد الحالات المدارية، التي وصلت أحيانا إلى أعاصير من الدرجة الخامسة، وبمنخفضات جوية أو أخاديد من منخفضات جوية وصل تأثيرها التدميري إلى مستوى أعاصير كما هو الحال لمنخفض «المطير» ما يعني أننا في مواجهة مباشرة مع تأثيرات المتغيرات المناخية وأن على الجميع العمل من أجل الحد من شدة التأثيرات سواء عبر بناء الوعي الجمعي أو عبر بناء الاستراتيجيات الوطنية أو عبر المساهمة في التقليل من الانبعاثات الكربونية.
إن التنمية المستدامة في سلطنة عمان على المحك في ظل كل هذه المتغيرات المناخية التي تتأثر بها سلطنة عمان ضمن ما يتأثر بها العالم أجمع؛ لذلك لا بد من الانتقال إلى مرحلة العمل الجماعي من أجل الهدف الوطني عبر الاستراتيجية الوطنية التي تشمل البرنامج الوطني للحياد الصفري وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز الممارسات المستدامة في جميع القطاعات.. وفي هذا السياق، فإن سلطنة عمان في حاجة اليوم للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون الذي يمكن عبره تحقيق هدفين: الأول معالجة المخاطر البيئية، وثانيا توفير فرص حقيقية للتنوع الاقتصادي وخلق فرص عمل نحن في أمس الحاجة إلها.
إن موضوع الحياد الصفري، الذي تتم عبره الموازنة بين كمية الغازات الدفيئة المنبعثة مع الكمية المزالة من الغلاف الجوي، خطوة أساسية في مكافحة تغير المناخ، ووضعت سلطنة عمان خريطة طريق للوصول إلى هذه المرحلة في عام 2050 وهي جادة في هذا المسير عبر العديد من المبادرات وبناء السياسات والأنظمة التي تعزز التكنولوجيات الخضراء والممارسات المستدامة، وإعطاء الأولوية للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
والوعي العام مهم جدا لنجاح كل هذه البرامج والمبادرات الوطنية، فموضوع الكربون يتعلق بالممارسات الفردية كما يتعلق بممارسات الشركات الكبرى والدول؛ لذا فإن الجميع مطالب بالعمل على تقليل بصمته الكربونية التي يمكن أن تدفع العمل الجماعي نحو الأمام.
والخبر الذي على الجميع أن يعيه تماما: إن موضوع التغير المناخي بات واقعا نعيشه في حياتنا ويؤثر فيها بشكل كبير.. وبشكل كارثي في بعض الأحيان، ولا خيار إلا أن نتعامل مع الأمر ونعمل بشكل علمي على تقليل خسائره من خلال تبني الممارسات المستدامة والاستثمار في التقنيات الخضراء.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التغیر المناخی سلطنة عمان
إقرأ أيضاً:
سلطنة عُمان تنجح في إجراء أول عملية فصل لتوأم سيامي
العُمانية: نجحت سلطنة عُمان في إجراء أول عملية فصل توأم ملتصق من نوع "أمفالوإيشيوباگوس" (Omphaloischiopagus)، أحد أندر أنواع التوائم الملتصقة التي تتشارك في منطقة الحوض مع ارتباط في الأمعاء والجهاز البولي والأوعية الدموية، واستمرت العملية 19 ساعة، ويخضع التوأم العُماني بعد العملية لرعاية طبية مكثّفة وسط تحسُّن مستمر في وضعهما الصحي.
وأُجريت العملية بإشراف مباشر من معالي الدكتور هلال بن علي السبتي وزير الصحة، وضمّ الفريق الطبي عددًا من الأطباء المختصين في مجالات متعددة، ونخبة من الجرّاحين والمجموعات الطبية من المستشفى السُّلطاني ومستشفى خولة ومستشفى المدينة الطبية للأجهزة العسكرية والأمنية ومستشفى نزوى الذين عملوا بتنسيق متكامل ضمن خطة طبية متطورة لضمان النتائج الفضلى.
وتطلبت العملية جهودًا طبية متكاملة بمشاركة مجموعات عُمانية متخصّصة في مختلف المجالات الجراحية والطبية المساندة، ما يعكس التطور الذي وصلت إليه الخدمات الصحية في سلطنة عُمان، ومرت بمراحل دقيقة، بدأت بالتقييم الشامل، والتحضير الجراحي على عدّة مراحل، تلاها إجراء عملية الفصل وإعادة بناء الأنسجة، وأخيرًا مرحلة ما بعد الجراحة ورعاية طبية مكثفة لضمان تعافي التوأم واستقرارهما الصحي.
ويمثّل هذا النجاح الطبي علامة فارقة في القطاع الصحي في سلطنة عُمان، ويؤكّد على قدرة الكفاءات العُمانية على تنفيذ أكثر العمليات الجراحية تعقيدًا وفق أعلى المعايير الطبيّة العالميّة، ما يعزز مكانة سلطنة عُمان في مجال الجراحات المتقدمة.
وقال الدكتور محمد جعفر الساجواني طبيب استشاري أول جراحة أطفال بالمستشفى السُّلطاني، رئيس الفريق الطبّي في عملية فصل التوأم السيامي إنّ التوائم الملتصقة من الحالات النادرة جدًا، ولسوء الحظ فإن الكثير من الأطفال لا يعيشون إما قبل الولادة أو أثناءها أو بعدها نتيجة التشوهات الخلقية التي لديهم، وهناك العديد من حالات الالتصاق الأخرى إلا أنّ الالتصاق في منطقة الحوض من الحالات القليلة جدًا خاصة لدى البنات وهو ما يزيد من تعقيدها لوجود العديد من الأجهزة في هذه المنطقة المعقّدة.
وأضاف: كنّا نتابع الحالة أثناء الحمل وتمّ التواصل مع أطباء الحوامل، وقررنا أن يتم إجراء العملية وعلاجهم في سلطنة عُمان، وجرت الولادة بكل يُسر، وتمّ نقل التوأم إلى العناية المركزة للأطفال الخدّج، مشيرًا إلى وجود بعض التحدّيات التي استطعنا تجاوزها خلال 11 شهرًا من التحضيرات والاجتماعات والأشعّات لمعرفة مكان الالتصاق والأجهزة المشتركة بين التوأم.
وأضاف أنّ ما ساعدنا في التحضير للعملية هو التخصُّصات والكفاءات العُمانية الموجودة في سلطنة عُمان حيث أجرينا العملية في السابع من فبراير الماضي، وبحمد الله وتوفيقه تمّ فصل التوأم بنجاح.
من جانبه أشار الدكتور مهند محمد بطل طبيب استشاري جراحة أطفال إلى العلامة الفارقة الذي يمثّله النجاح الطبي في القطاع الصحي العُماني، مما يؤكّد على قدرة الكفاءات العُمانية على تنفيذ أكثر العمليات الجراحية تعقيدًا وفق أعلى المعايير الطبية العالمية، ويعزز مكانة سلطنة عُمان في مجال الجراحات المتقدمة.
ووضّح الدكتور علي بن طالب الجابري طبيب استشاري أول عناية مركزة حديثي الولادة، رئيس قسم العناية المركزة لحديثي الولادة أنّ أطباء النساء والولادة اكتشفوا الحالة مبكرًا، ثم تم التنسيق مع أطباء العناية المركزة لتكون ولادتهما آمنة بعملية قيصرية، وتكلّلت الجهود بعمل مؤسسي وتخطيط لمدة ما يقارب سنة، بدأت بمتابعة يومية لحالة التوأم وما بها من مضاعفات تم التغلب عليها، وبعدها خطّط أطباء الجراحة والتخدير والتجميل والأشعة لإجراء العملية، مؤكّدًا على أنّ هذا النجاح هو نجاحٌ للنظام الصحي ونجاحٌ للأطباء العُمانيين القادرين على تنفيذ هذا النوع من العمليات النادرة.
وقالت الدكتورة نوال بنت عبد الله الشرجية طبيبة استشارية جراحة مسالك بولية أطفال إنه في حالة التوأم السيامي الملتصق من الحوض، تكون هناك التصاقات في المسالك البولية وفي الحوالب وهذه من أبرز التحدّيات التي واجهناها خلال الجراحة، مؤكّدة على أن وجود فريق متميز من أطباء الأشعة ساعد في كشفها واستطعنا التعامل معها وخططنا لها منذ 11 شهرًا.
من جانبه أشار الدكتور مسعود بن ناصر العبدلي طبيب استشاري جراحة عظام أطفال بمستشفى خولة إلى أنه جرى تكوين فريق جراحة عظام الأطفال من مختلف التخصُّصات المعنية بجراحة عظام الأطفال منها جراحة العمود الفقري وجراحة الحوض من مختلف المستشفيات، مضيفًا أنه عُقد الكثير من الاجتماعات التحضيرية لمناقشة التفاصيل سواءً داخل الفريق نفسه أو مع التخصُّصات الأخرى للاستعداد لهذه العملية، وتمثّل دور جراحي عظام أطفال في فصل التوأم في منطقة الحوض وعمل قطع حوضي لتقريب الأطراف السفلية مع بعضها.
ولفت الدكتور شيخان بن ناصر الهاشمي، طبيب استشاري جراحة ترميم وتجميل أطفال بمستشفى خولة إلى أن حالة الالتصاق السيامي من الحالات النادرة على مستوى العالم وهذه الحالة تتمثل في الالتصاق في منطقة الحوض وهي من أكثر الحالات نُدرة إذ تتطلب تحضيرًا مبكرًا، فالفائدة الأساسية في عملية فصل التوأم السيامي هي تحضير الأنسجة بحيث تتمكن كل طفلة من المحافظة على الأنسجة الحيوية والأعصاب والشرايين الرئيسة الخاصة بها، وهذا ما تم ولله الحمد من خلال تحضير الأنسجة وترميم عضلات منطقة الحوض مع المحافظة على الأنسجة الأساسية المهمة.
وبينت الدكتورة رملة مال الله القصاب طبيبة استشارية أولى تخدير وعناية مركزة، مديرة فريق التخدير لعملية فصل التوأم أنّ التخدير في أي عملية جراحية من أهم المراحل التي تضمن نجاحها، إذ تم التحضير من قبل فريق التخدير في لحظة قرار عمل العملية في المستشفى السُّلطاني، والبدء بتشكيل فريق تخدير بكل عناية من أطباء فنيين وممرضي تخدير إضافة إلى مراجعة جميع بروتوكولات التخدير في مثل هذه العمليات الجراحية خاصة وأنها أول عملية تُجرى من هذا النوع.
ووضّحت الدكتورة فرحانة بنت إسحاق العثمانية طبيبة استشارية في العناية المركزة للأطفال بالمستشفى السُّلطاني أنّ إجراء هذا النوع من العمليات يستغرق مدة طويلة ويسبب مضاعفات والتهابات، ولكن تعاملنا مع الحالة بتميز، وجرى تقديم العناية الصحية اللازمة.
وأعرب سعيد المصلحي، والد التوأم عن شكره لحضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظّم /حفظهُ اللهُ ورعاهُ/ مشيدًا بتفاني واحترافية الفريق الطبي وكل من أسهم في إجراء هذه العملية النوعية التي تكللت بالنجاح.
وقالت رقية بنت عبدالله الجردانية، ممرضة، ومسؤولة جناح العمليات: عقدنا العديد من الاجتماعات والتحضيرات للتجهيز لاحتياجات إجراء هذه العملية، وتمّ التنسيق مع الفرق الأخرى ومن مستشفى خولة الذين قدّموا لنا الدّعم من كوادر واحتياجات حتى انتهاء عملية فصل التوأم.
يذكر أنّ نسبة حدوث التوأم الملتصق عالميًّا تقدر بحالة واحدة لكل 200,000 إلى 1,000,000 ولادة، بينما يُعدُّ نوع "أمفالوإيشيوباگوس" من أندر الحالات المسجلة، ما يجعل هذا النجاح الطبي العُماني إنجازًا استثنائيًّا.