لجريدة عمان:
2025-02-04@11:52:31 GMT

طه حسين ونزار وزمن الترند!

تاريخ النشر: 25th, May 2024 GMT

يبدو أن هذا هو زمن «التريندات» المُهَرْوَلِ إليها على حساب كبار الأدباء العرب. إذْ لم تمضِ ثلاثة أسابيع على تريند السؤال العجيب الذي طرحه الروائي المصري يوسف زيدان على الباحث السوري فراس السواح: «هل أنت أهمّ أم طه حسين؟» وجواب الأخير: «أنا أهم، وأنت أهم»، حتى باغتنا الباحث السعودي في التاريخ (وليس الأدب) رضا الشملاني بتصريحشه في حوار تليفزيوني قبل عدة أيام أن نزار قباني ليس بشاعر!

بادئ ذي بدء، ينبغي أن أقول إنه لا أحد فوق النقد مهما بلغ شأوه في الثقافة والعلم والتنوير، فلا طه حسين منزّها عنه، ولا نزار قباني، ولكن عندما يكون النقد نقدًا بالفعل، وليس إلغاء للوجود أو محوًا للتاريخ، أو مجرّد ترّهات هدفها استغلال شهرة المنقود الكبيرة لركوب موجة الترند.

فزيدان طرح سؤاله الغريب ذاك في مؤتمر نُظِّم أصلًا احتفاء بعميد الأدب العربي عنوانه «خمسون عامًا على رحيل طه حسين» (أقيم في المتحف المصري الكبير يومي 4 و5 مايو الجاري)، ولذا؛ فإن ذلك السؤال وإجابته بَدَوَا خارج السياق تماما.

أما رضا الشملاني فقد سخر في مقابلته لبرنامج «سؤال مباشر» في قناة العربية من قباني قائلا إنه لا يعده شاعرا أصلا، وذكر عدة أسماء لشعراء شعبيين سعوديين قائلا: إن أضعف قصائدهم هي أفضل من شعر نزار! بل إنه استدعى من التاريخ أحد أشهر شعراء المعلقات العرب في سياق المقارنة قائلا: «يموت عمرو بن كلثوم مرة أخرى لو سمع «خمبقة» نزار»!

في الواقع، يمكن الزعم أن طه حسين تنبأ بهذا الجحود الذي يمكن أن يلقاه الأديب في حياته وبعد مماته، في كتابه «حافظ وشوقي» حين قال: «...أنا أشد الناس رثاء للكُتَّاب والشعراء والأدباء وأصحاب الفن الجميل عامة، فحظوظهم سيئة في حياتهم من غير شك، وقلما ينصفهم التاريخ بعد الموت، هم يثيرون في نفوس الأحياء ضروبا من الحقد وألوانًا من الضغينة»، إلى أن يقول: «ولكن التاريخ ليس أشد إنصافا، ولا أدنى إلى العدل من آراء الأحياء المعاصرين؛ لأن الناس دائما طوع شهواتهم وعبيد أهوائهم، وهم متأثرون بهذه المؤثرات المختلفة التي تضطرهم إلى ظلم الأحياء، ولا تعفيهم من ظلم الموتى».

أما نزار قباني فقد كان يعرف أن أي شاعر لا يمكن أن يحبّه الجمهور دون أن يدفع ضريبة لذلك. يقول في كتابه «قصتي مع الشعر»: «هذا الحب بيني وبين الجمهور صار صليبًا ثقيلًا على كتفي، فكلما اتسعت قاعدتي الشعرية زاد خصومي، كلما امتلأت القاعات، وسُدَّتْ الأبواب، وامتدّت الأوتوغرافات إليَّ، اشتدت المقاومة وكثر المقاومون، كلما ارتفعت نسبة توزيع كتبي وعدد قرائي، أشعر أنني اقترفتُ ذنبًا كبيرًا لم يقترفه شاعرٌ قبلي. إذن فأنا أسكن بين أسنان التنين. ويبدو أن هذا هو مكاني الطبيعي، إذْ لا يوجد شعرٌ حقيقي خارج التحدي والمغامرة. والغريب أنه كلما ضغطتْ أسنانُ التنين على لحمي شعرتُ أني أكثر قوة وعافية، وكلما زاد نقادي شراسةً زاد التفاف الجماهير حولي»، وهو ما لمسناه بالفعل خلال الأيام الماضية من حجم الدفاع الكبير عن شاعريته من جهة، والهجوم الكبير على منتقدِه من جهة أخرى.

يوسف زيدان لم يستطع تحمّل تسونامي الدفاع الكبير عن عميد الأدب العربي الذي جوبه به في وسائل التواصل الاجتماعي، لذا فقد خرج في اليوم التالي لـ «ترند طه حسين» معتذرا، وزاعما أنه كان والسواح يمزحان بذلك السؤال وتلك الإجابة، وأنهما في الحقيقة يقدّران العميد ويعرفان أهميته في الأدب العربي، مضيفا أن كلامهما اقتُطِع من سياقه، متناسيا أنه هو نفسه من اقتطع هذا الجزء الذي مدته دقيقة ونصف ووضعه على صفحته، ثم تناقله المغردون منها.

أما رضا الشملاني فلم يعتذر أو يوضّح ملابسات تصريحه بعد، لكن الهجوم الشديد الذي تعرض له، ومن قبله الهجوم الشديد على زيدان والسواح، يدلّان على أن طه حسين ونزار قباني (وهُما مَنْ هما في الأدب العربي) ليسا لقمتين سائغتين، وأنهما قادران وهما راقدان في قبريهما على الدفاع عن مكانتيهما في قلوب الناس.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأدب العربی نزار قبانی طه حسین

إقرأ أيضاً:

بوشكين.. الشاعر الخالد

 

عيسى الغساني

الأدب كان ولا يزال القوة الأخلاقية الدافعة والمُحركة للنبل الإنساني والسمو الفكري وتعزيز قيم الكرمة الإنسانية، في ضمير ووجدان الفرد والمجتمع؛ فالحضارات في أوج نهوضها يكون وقودها الأدب الرفيع والقيم الإنسانية الخالدة، ويبرز إلى الواجهة الأدباء والمفكرون والفلاسفة بمختلف تجلياتهم الأدبية.

الروايات والقصص والشعر ليست سوى كلمات تشكل جملاً لتعطي معنى وتلك الكلمات والجمل والعبارات توقد شعلة الروح لتضيء نورًا يشع إلى خارجها. يقول الأديب والمُفكِّر اللبناني ميخائيل نُعيمة "الأدب هو الشعلة التي تُضيء الدروب المظلمة للإنسانية، وتفتح الأبواب المغلقة في وجه الحقيقة"، وكل شعوب الأرض بمختلف مشاربهم وأهوائهم شركاء في ما يقدمه الأدباء؛ ذلك أن الفكر الإنساني والأدبي، يتوارث ويتناقل ويؤثر ويتأثر به، أيًّا كانت اللغة أو المكان الذي أتى منه.

وشاعر روسيا الفذ وأديبها العملاق فكرًا وروحًا وتأثيرًا ألكسندر بوشكين (1799- 1837) والفتيَّ المتَّقِد والمتوهِّج روعةً وجلالًا والذي بعد مُضي أكثر من 200 سنة على وفاته، لا يزال ذلك الضياء يشع نورًا يضيء دروبًا للسالكين في أعماق الروح، كما تتساقط حبيبات الثلج على موسكو بلونها الصافي حتى يخالها الناظر حبات ألماس.

تلك التجليات في "قصيدة النبي"، حاضرة في الوجدان الإنساني، ليس من كونه مؤسسًا للأدب الروسي الحديث فحسب؛ بل مؤسس لمدرسة أدبية إنسانية في أعماقها الإنسان حاضرًا بذاته وقيمه.

بوشكين أخذ أفضل ما في الشرق والغرب، أخذ القيم الصافية والصادقة التي تجعل حرية الإنسان وكرامته هي غذاء في كل ما قدمه من شعر وأدب.

يقول بوشكين: "الشعر هو روح الأمة؛ حيث يُعبِّر عن أعمق مشاعرها وآمالها.. الأدب هو التاريخ الحي للأمة". وفي "قصيدة النبي" تتجلى قوة الكلمات وأثرها: "وأضرم نفوسهم بالكلمة السماوية، اذهب وانطق بالحق النقي، لا تخشى، ولا تساوم، ولا تنحرف".

هذه القصيدة تمثل عُمقًا روحيًا داخليًا ذا بُعد صُوفيٍّ، والرسالة هنا أن الشاعر ليس كاتبًا فحسب؛ بل صاحب رسالة أخلاقية تنبضُ بالحق، وتكون مُلهمة للمجتمع.

يري بوشكين في "مرثية النصب"- التي كتبها لنفسه- أن إرثه الشعري سيظل خالدًا، وأن كلماته ستعيش في ذاكرة الأجيال أكثر من أثر مادي أو نصب تذكاري، وأن نَثْرَهُ وشِعْرَهُ وكلماتهُ ستكون مصدر إلهامٍ لكل الأمم.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • المفكر التونسي منصور مهني: العالم العربي بحاجة إلى منهجية واضحة لتطوير حركة الترجمة
  • بوشكين.. الشاعر الخالد
  • عدسة سانا.. لقطات للجامع الأعلى الكبير في مدينة حماة، أحد أقدم المساجد في التاريخ الإسلامي.
  • الحجاب مش تدين ولبست بدلة رقص.. نهال عنبر تكشف سرا أخفته 4 سنوات
  • الهروب الكبير؛ ليس من الخرطوم، ولكن من الضعين والجنينة!
  • مصطفى بيومي.. رحل راهب الأدب الذي طالما أهتم بـ"ملح الأرض"
  • النيابة الإدارية: طبيبة كفر الدوار خالفت القسم وحاولت ركوب الترند
  • موبايلي تعلن استقالة سلمان البدران وتعيين نزار بانبيله
  • "مش قادر أنسى" لمسلم تتصدر الترند.. والجمهور يشيد بالإحساس والتوزيع الموسيقي المبهر
  • رغم الاحتياطي الكبير.. العراق يستورد الغاز بمليارات الدولارات