جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-23@18:45:30 GMT

مجلس الشورى.. والقيمة الحقيقية

تاريخ النشر: 25th, May 2024 GMT

مجلس الشورى.. والقيمة الحقيقية

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

لا شك أنَّ للأوطان في كل أنحاء العالم منجزات تفخر بها وتعتز بتحقيقها، ونحن هنا في سلطنة عُمان بلا أدنى تردد لدينا الكثير مما نفخر به من صروح شامخة ومنابر تشهد على نهضتنا المباركة، والمسيرة المظفرة التي انطلقت في عام 1970 وما زالت مستمرة مُتجددة حيَّة تشهد العديد والعديد من الإنجازات التي ترسم ملامحها في كل فترة زمنية من أعوامها التي قاربت على بلوغ عقدها السادس.

لقد اقتضت الرؤية الثاقبة للسلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- أن تكون تجربة الشورى العُمانية مُتفردة، وأرادها جلالته رحمه الله نموذجًا خاصًا لسلطنة عُمان التي تأصل شعبها على هذا النهج منذ القدم في جلسات البرزة ومجالس الحكام وأعمال القضاء وفي السبلة وفي كل مكان يتجمع فيه النَّاس ليتشاوروا فيما بينهم ويتناقشوا (ويتفاكروا) لما فيه صالحهم العام.

ومنذ إنشاء مجلس الزراعة والصناعة في عام 1979، ثم المجلس الاستشاري للدولة الذي انتقلت له اختصاصات المجلس السابق، وصولًا إلى إنشاء مجلس الشورى المنتخب بشكل كامل، تدرّجت التجربة الشوروية العُمانية بصلاحياتها إلى أن توجت في العهد الميمون لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بإصدار قانون مجلس عُمان، والذي حدد الاختصاصات بين السلطان وبين صلاحيات مجلس عُمان في التشريع والمتابعة.

إن الدور الذي يقوم به مجلس الشورى في مسيرة التنمية لهو دور مُهم وحيوي ولا ينبغي الاستهانة به، وعلى العكس من ذلك يجب المحافظة على وجود مثل هذه الممارسة الديموقراطية والسعي لتطويرها وتمكينها بحسب الحاجة والظروف؛ فالتاريخ يشهد أنَّ لهذا المجلس مواقف وطنية ودورًا محوريًا خلال سنوات النهضة المباركة، كما أن له مساهمة فاعلة في دعم مسيرة البناء والتنمية في البلاد، وعلينا أن ننظر بتفاؤل لما هو قادم من تمكين أكبر لهذا المجلس مع ضرورة النظر إلى ما هو موجود الآن ومناسبته للواقع الحالي.

إن وجود ممارسة نيابية أمر مُهم ومكسب لأي شعب؛ لأن هذه الممارسة تعني مشاركة الشعب في إدارة الدولة وامتلاك المواطن الحق في تقديم رأيه في كل القضايا التي تخص الوطن والمشاركة في صياغة حاضر ومستقبل وطنه، وهذا الحق لا يجب التنازل عنه، ولا ينبغي التقليل من أهميته؛ بل يجب أن يكون منطلقاً لممارسة صحيحة لهذا الدور الوطني بعيدًا عن التجاذبات والنزاعات السياسية والطائفية والمصالح الخاصة، وأن يكون وفق المنهجية التي وضعها القانون والإطار الذي حدده بما لا تتجاوز فيه السلطات جميعها صلاحياتها التي حددت وبما يتوافق مع الرؤية المتكاملة للدولة العصرية التي تقوم على احترام القانون.

لقد قام مجلس الشورى بدور مُهم خلال المراحل السابقة من تاريخ سلطنة عُمان الحديث ومازال مستمرًا في تقديم دوره الرائد فيما أنيط له من اختصاصات وما منح من صلاحيات، ولا شك أنَّ هذه الصلاحيات سوف تتوسع في المستقبل مثلما حدث لهذه التجربة منذ بدايتها، وحتى نسرع من وتيرة الصلاحيات الممنوحة لنصل إلى درجة التمكين الكامل علينا كمجتمع أن نقوم بعمل متكامل يتناغم مع فكر القائد، وأن نقوم بدورنا على أكمل وجه وأن نكون بمقدار الثقة التي وضعت فينا وتقديم الكفاءات الوطنية لعضوية المجلس وتغليب مصلحة الوطن على جميع المصالح، لأن ذلك هو طريقنا للحصول على مجلس ممكن.

إنَّ النماذج العالمية من المجالس والبرلمانات؛ سواء القريبة منَّا أو البعيدة، هي تجارب يمكن الاستفادة منها ودراستها بشكل دقيق لاستخلاص المفيد منها وتطبيقه ومعرفة سلبياتها وتجنبها. وقد شهد التاريخ الكثير من التجارب التي أسيء فيها استخدام هذه المجالس إلى درجة أوصلت البلاد إلى مستوى متدنٍ من التقدم والتطور؛ بل في كثير من الأحيان وصل الحال إلى أن كانت سببًا في فقدان حقوق المواطنين وفساد نظام الدولة وتدهور التنمية وتوقفها، وكل ذلك نتاج ممارسات خاطئة في ظل وجود تحزبات سياسية وطائفية وعرقية تسعى لمصالحها دون النظر للمصلحة العامة.

إن امتلاكنا هذه التجربة المتفردة هو بحد ذاته نجاح يجب البناء عليه ودعمه وتطويره، ولا يُمكن بأي حال من الأحوال أن نستمع لبعض الدعوات التي لا تُدرك معنى وجود حياة نيابية وتطالب بإلغاء المجلس وتقلل من أهمية وجوده، وعلينا أن نقف بوعي كامل ضد ذلك حفاظًا على حقوق الشعب في رسم حاضره ومستقبله ومشاركته في بناء وتنمية وطنه، وهذه المساهمة لن تكون إلا عندما نصل لوعي حقيقي بأهمية هذا المجلس الذي ولد ليستمر ويكبر.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مجلس الأمن الذي لم يُخلق مثله في البلاد!

(في أمر جلل يهز العالم والإنسانية: 93,3% نعم و 6,7% لا. فنطبق على العالم حكم %6,7 !!!)

هل عرف العالم إفلاسا أكثر من هذا للمنظومة الدولية، أخلاقيا وفكريا وديمقراطيا وقانونيا، عندما يعارض طرف واحد إجماع 14 عضوا في مجلس "الأمن" قرارا إنسانيا بالدرجة الأولى لوقف الإبادة الجماعية لشعب أعزل، إلا من قوة إرادته على الصمود والثبات في أرضه ومنازلته للمحتل بأقصى مما جاد الله عليه من ذكاء ووسائل إصرار وتوفيق في التصويب والتنكيل بالعدو!؟

يتجلى الإفلاس الأخلاقي عندما يرى العالم هذه الفظائع من الإجرام تطال  النساء والأطفال بالدرجة الأولى (70 بالمائة من ضحايا الحرب)، ثم يسلم لعنجهية الراعي والداعم المستمر للإبادة في غزة، الإدارة الأمريكية.

إذن سموه ما شئتم إلا أن يكون مجلس "أمن" ! أين الأمن للضعفاء وللمحرومين وللمضطهدين! هذا مجلس تواطؤ ومجلس شرعنة قانون الغاب ومجلس تكريس منطق دوس القيم وكل المثل الانسانية من أجل شهوة متعطشين لسفك الدماء! ينبغي لأحرار العالم من دول ومنظمات وهيآت دولية ومجتمعية الثورة على هذا المنطق الاستعماري الذي تكوى به الانسانية منذ عقود من الزمن!

يتجلى الإفلاس الأخلاقي عندما يرى العالم هذه الفظائع من الإجرام تطال النساء والأطفال بالدرجة الأولى (70 بالمائة من ضحايا الحرب)، ثم يسلم لعنجهية الراعي والداعم المستمر للإبادة في غزة، الإدارة الأمريكية.ويدل هذا التصويت على الإفلاس الفكري للمنظومة الحداثية الغربية التي صدعت العالم لعشرات السنين، بعد الحرب العالمية الثانية بمشروعها "المبشر" بإنقاذ البشرية من التخلف ومن الكراهية ومن القمع والاستبداد ومن الإرهاب، فإذا هي تكشف عن حقيقتها بالدوس على ذلك كله، وإستدعاء عمقها الصليبي الاستعماري بتوظيف القوة، كل أنواع القوة المادية والاستخباراتية والابتزازية وغيرها من أجل التنكيل الممنهج بكل مطالب بحقه في الحرية وفي الانعتاق من الظلم والاستغلال والاحتلال.

كما يدل هذا التصويت على الإفلاس الديمقراطي السياسي، إذ كيف تتحكم نسبة 6,7% تمثلها الإدارة الأميركية في مصير شعب بأكمله تحت الإبادة الجماعية المستمرة  وترفض إيقاف الحرب ونتجاهل 93,3% من أصوات ممثلي باقي دول العالم التي صوتت لإيقاف الحرب!!

كما يعبر هذا التصويت عن الإفلاس القانوني للمنظومة الدولية حين تعطل المحاكم الدولية كالمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ومهام المقررين الأمميين من أجل نزوات استعلائية تسلطية استعمارية موروثة من عهد بائد سيء الذكر، لخمسة من دول العالم، ويتم تجاهل رأي 188 دولة أخرى من بين 193 دولة عضوة الآن في الأمم المتحدة.

وإنك لتعجب أشد العجب وأنت تفتح الموقع الرئيس للأمم المتحدة على الأنترنيت وتجد التقديم التالي بالأحرف الكبيرة:

"الأمم المتحدة: السلام والكرامة والمساواة على كوكب ينعم بالصحة.

تعريف بنا: مكان واحد حيث يمكن لدول العالم أن تجتمع معا، وتناقش  المشكلات الشائعة
و تجد حلولا مشتركة".

﴿أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ۝٦ إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ ۝٧ ٱلَّتِی لَمۡ یُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِی ٱلۡبِلَـٰدِ ۝٨ وَثَمُودَ ٱلَّذِینَ جَابُوا۟ ٱلصَّخۡرَ بِٱلۡوَادِ ۝٩ وَفِرۡعَوۡنَ ذِی ٱلۡأَوۡتَادِ ۝١٠ ٱلَّذِینَ طَغَوۡا۟ فِی ٱلۡبِلَـٰدِ ۝١١ فَأَكۡثَرُوا۟ فِیهَا ٱلۡفَسَادَ ۝١٢ فَصَبَّ عَلَیۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ ۝١٣ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ ۝١٤﴾ [الفجر ]

*مسؤول مكتب العلاقات الخارجية بجماعة العدل والإحسان/ المغرب

مقالات مشابهة

  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • فؤاد باشا
  • معاشات شهر ديسمبر 2024.. موعد الصرف والقيمة
  • مجلس الأمن الذي لم يُخلق مثله في البلاد!
  • مجلس الشورى يدين استخدام أمريكا “للفيتو” ضد مشروع قرار وقف الحرب على غزة
  • “الشورى” يدين استخدام أمريكا “للفيتو” ضد مشروع قرار وقف الحرب على غزة
  • رئيس مجلس الشورى يعزي رئيس مجلس النواب في وفاة شقيقته
  • أمير منطقة القصيم يستقبل عددًا من أعضاء مجلس الشورى
  • أمير القصيم يستقبل منسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام بالمنطقة وعددًا من أعضاء مجلس الشورى
  • “البديوي”: نشيد بالجهود التي تبذلها وزارات الدفاع بدول المجلس لتبادل الخبرات والتجارب