احتمالات أن يفعل بايدن الصواب في غزة
تاريخ النشر: 25th, May 2024 GMT
نيكولاس كريستوف
ترجمة - أحمد شافعي
في خطاب ألقاه في وارسو قبل عامين، صرَّح الرئيس بايدن بأن «المعركة الكبرى من أجل الحرية» هي المعركة الجارية «بين نظام قائم على القواعد ونظام تحكمه القوة الغاشمة».
وسنرى الآن هل كان يعني ما قاله.
بأغلبية كبيرة هي ثلاثة عشر صوتا في مقابل صوتين، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل «بالإيقاف الفوري لهجمتها العسكرية» في رفح وفتح المعابر الحدودية لـ«تقديم المساعدات الإنسانية دون عوائق».
ينبغي أن يكون هذا أمرا يسيرا، فهو يقدم لبايدن فرصة لإنقاذ سياسته الفاشلة في غزة، ففي هذه الحالة، فإن بايدن والمحكمة الدولية متفقان بشكل أساسي: فكلاهما يعارض الغزو الشامل لرفح، وكلاهما يريد أن تسمح إسرائيل بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية. لكن على مدى سبعة أشهر، سمح بايدن لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتجاهله واستغلاله، والسؤال الآن هو ما إذا كان حكم المحكمة سيساعد بايدن على العثور على حيلة للضغط على إسرائيل للامتثال للقرار.
نفوذ بايدن واضح: فبوسعه أن يعلق تزويد إسرائيل بجميع الأسلحة الهجومية ما دامت تتحدى القانون الدولي، استنادًا إلى توقفه عن نقل القنابل الضخمة. ومن شأن هذا أن يتيح نقل الأسلحة الدفاعية حتى لا تكون إسرائيل في خطر كبير أمام صواريخ أو تهديدات أخرى، وقد دعا أربعون عضوا ديمقراطيا في مجلس النواب الشهر الماضي إلى هذه الخطوة، ومنهم نانسي بيلوسي.
عندما واجه الرئيس رونالد ريجان موقفًا مماثلًا أثناء الغزو الإسرائيلي الكارثي للبنان في عام 1982 (الذي أدى إلى صعود حزب الله)، علق بعض عمليات نقل الأسلحة ونبه إلى أن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية أصبحت في خطر، ونجح قراره. ولعل الحمض النووي الخاص ببايدن لا يسمح له بفرض ضغط مماثل.
برغم أن بايدن ينعم بمعرفة عميقة بالعلاقات الدولية وأشرف بشكل عام على سياسة خارجية ذكية، وخاصة في آسيا، فقد أخطأ في التعامل مع الشرق الأوسط وألحق ضررا بسلطة أمريكا المعنوية.
فعندما يدافع عن «النظام الدولي القائم على القواعد» في أوكرانيا ضد عدو ينتهك القانون الدولي، ويقوض أعراف الحرب ويهاجم البنية الأساسية لإرغام المدنيين على المعاناة، ولكنه يقدم الأسلحة والحماية الدبلوماسية لحرب نتنياهو في غزة، فلا يرى العالم في ذلك إلا نفاقا.
ولكي أكون صريحا، فإن سياسة بايدن في غزة فاشلة أخلاقيًا وعمليًا وسياسيًا. فقد جعلت الولايات المتحدة متواطئة في قتل المدنيين، وفي تجويع الأطفال. فقوض ذلك موقفنا في أوكرانيا. وفي رأيي أن ذلك لم يساعد إسرائيل في القضاء على حماس، أو استعادة الرهائن، أو تحسين أمنها على المدى البعيد، وقد يضر باحتمالات فوز بايدن بولايات رئيسية مثل ميشيجان.
ثمة فرصة واحدة أمام فشل بايدن، تتمثل في الرصيف المؤقت الذي أمر الجيش الأمريكي بإنشائه لتوصيل المساعدات إلى غزة.
بدلا من الضغط على إسرائيل بقوة لتسمح لآلاف الشاحنات على الحدود بدخول غزة، قامت إدارة بايدن في ديسمبر بمنع فعلي لقرار من الأمم المتحدة كان من شأنه أن يؤسس لها نظامًا للالتفاف على عنق الزجاجة المتمثل في التفتيش الإسرائيلي، فمات الأطفال جوعا.
ثم أرسل بايدن الجيش الأمريكي لإنشاء الرصيف بتكلفة تبلغ 320 مليون دولار. وبعد أكثر من شهرين، أصبح الرصيف جاهزا، ولكن لا يوجد نظام جيد لإيصال الطعام إلى من يحتاجون إليه - ولذلك لم يحدث الرصيف فارقا ذا شأن. فكان بمثابة لفتة باهظة الثمن، وبديلًا للعمل وليس حافزًا له.
في الوقت نفسه، يحذر برنامج الغذاء العالمي من وجود مجاعة شاملة الآن في أجزاء من غزة. وتشير الأمم المتحدة إلى أن الوضع تدهور منذ أن بدأت إسرائيل عمليتها في رفح. وقال برنامج الأغذية العالمي هذا الأسبوع إنه «لا يكاد يصل أي وقود أو مساعدات إلى أي جزء من غزة»، مضيفًا أن «العمليات الإنسانية في غزة على وشك الانهيار».في دفاعها أمام المحكمة، أوضحت إسرائيل نقطة مشروعة: «تبقى حقيقة هي أن مدينة رفح تمثل أيضًا معقلًا عسكريًا لحماس، التي لا تزال تشكل تهديدًا كبيرًا لدولة إسرائيل ومواطنيها». لقد شكّل الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر صدمة للإسرائيليين، وأنا أتفهم تصميمهم على استئصال كل بقايا حماس.
ولكن كما قلت، من غير المرجح أن تؤدي تسوية رفح بالتراب إلى تحقيق ذلك أو إلى استعادة الرهائن (تعتقد الولايات المتحدة، حسبما تردد، أن قادة حماس موجودون في خان يونس، وليس في رفح). وإطالة أمد هذه الحرب يصب في مصلحة نتانياهو، ولكن ليس في مصلحة الإسرائيليين أو الأمريكيين أو الفلسطينيين.
عندما سعى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية هذا الأسبوع إلى إصدار أوامر اعتقال لقادة من إسرائيل ومن حماس على حد سواء بتهمة ارتكاب جرائم حرب، استشاط بايدن غضبًا واصفًا هذا الإجراء بأنه «شائن». وكنت أتمنى لو تركز اهتمامه بدلا من ذلك على إيصال الغذاء إلى الأطفال المتضورين جوعا، ولكنه الآن سنحت له الفرصة مرة أخرى لدعم القانون الدولي والبدء في تخليص نفسه من سياسة كابوسية. بدون أي خطة واضحة لغزة في ما بعد الصراع أو للضفة الغربية أيضا، فإن سياسة بايدن في الشرق الأوسط باتت مهلهلة. ومن الممكن لهدفه المتمثل في التوصل إلى اتفاق ثلاثي بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة أن يتشكل وينشئ طريقًا للخروج من هذه الفوضى، لكن يبدو أن هذا هدف بعيد المنال، ولا توجد خطة بديلة واضحة.
لذلك أقول إن الوقت قد حان لكي يتصرف بايدن بحزم ويحجب جميع الأسلحة الهجومية كنهج غير كامل قد لا يعدو محض خطوة نحو تخفيف الكارثة الإنسانية، وإنهاء الحرب والحفاظ على «النظام القائم على القواعد» الذي يقول بايدن إنه يؤمن به.
نيكولاس كريستوف من كتاب أعمدة الرأي في نيويورك تايمز منذ عام 2001 وفاز بجائزتي بوليتزر.
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
عقوبات أم مساومات.. من بايدن الى ترامب: كيف تستخدم واشنطن العراق لخدمة مصالحها؟
بغداد اليوم - خاص
في دهاليز السياسة الأمريكية، حيث تُدار الحروب بقرارات رئاسية، ويُرسم مصير الدول بمصالح الشركات الكبرى، يبرز العراق كأحد أبرز الساحات التي تُستخدم لتصفية الحسابات السياسية والاقتصادية.
منذ سنوات، تحولت بغداد إلى نقطة ارتكاز في الاستراتيجيات الأمريكية، ليس كحليف حقيقي، بل كورقة تُستغل كلما دعت الحاجة. واليوم، تحت إدارة دونالد ترامب، يتعرض العراق لموجة جديدة من الضغوط تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية للولايات المتحدة، بينما تُقدَّم على أنها حملة لضبط النفوذ الإيراني.
لكن خلف هذه الإجراءات، تتوارى أزمات داخلية أمريكية خانقة، ومحاولات مستميتة للتغطية على فشل الإدارات السابقة، وعلى رأسها إدارة جو بايدن، التي تركت إرثًا من الإخفاقات في الشرق الأوسط، إلى جانب أزمة اقتصادية تهدد بانهيار غير مسبوق للاقتصاد الأمريكي.
الضغوط الأمريكية.. لعبة سياسية أكثر من مواجهة حقيقية
كل ما يفعله ترامب في الشرق الأوسط، والضغوط التي يمارسها على العراق، لا تعكس بالضرورة استراتيجية أمنية واضحة أو سياسة خارجية ثابتة، بل هي مجرد أدوات يستخدمها لخدمة مصالحه السياسية والاقتصادية.
الأمر الأول: محاولة التغطية على إخفاقات إدارة بايدن، حيث توجد أدلة على أن بايدن، خلال فترة حكمه، تواطؤ مع جهات شرق أوسطية وسمح بتمدد النفوذ الإيراني في العراق، مما جعل الجمهوريين يستخدمون هذا الملف لإظهار ضعف الديمقراطيين في إدارة السياسة الخارجية.
الأمر الآخر: الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تضرب الولايات المتحدة، والتي باتت تُشكل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار المالي الأمريكي، حيث تظهر أرقام التسريح الجماعي للموظفين في الشركات الكبرى والمؤسسات الصناعية كدليل على حجم الأزمة. ترامب، الذي يواجه ضغوطًا داخلية متزايدة، يسعى إلى تحويل الأنظار عن الداخل الأمريكي، عبر افتعال أزمات خارجية تشغل الرأي العام، ويأتي العراق في مقدمة هذه الملفات.
مصرف الرافدين في عين العاصفة: اتهامات بلا أدلة
ضمن سلسلة الضغوط، يأتي ملف مصرف الرافدين كواحد من أبرز الأهداف الأمريكية، حيث تتهم واشنطن العراق وإيران بالتورط في تمويل أنشطة مشبوهة ودعم الحرس الثوري، وهي اتهامات لم تستند إلى أدلة قانونية واضحة، بل جاءت في سياق حملة تضييق اقتصادي على بغداد.
الحكومة الأمريكية تدرك جيدًا أن هذه التعاملات تتم ضمن الأطر القانونية والتجارية الدولية، لكنها تسعى إلى خلق حالة من الهلع المالي والاقتصادي داخل العراق، لإجبار بغداد على الخضوع لخيارات أمريكية محددة.
لكن المفارقة هنا، أن الإدارة الأمريكية نفسها لا تملك القدرة على إغلاق هذا الملف، ولا حتى تقديم بدائل اقتصادية للعراق، مما يجعل الضغوط أشبه بأداة ابتزاز سياسي، أكثر منها إجراءً اقتصادياً ذا أثر حقيقي.
الاقتصاد العراقي بين واشنطن والحاجة لدول الجوار
العراق، الذي يعتمد بشكل كبير على الغاز والكهرباء المستوردين من إيران، لم يجد أي خطط بديلة قدمتها الولايات المتحدة، بل تُرك يعتمد على منظومة اقتصادية هشة، جعلته مضطرًا إلى تعزيز علاقاته الاقتصادية مع دول الجوار، رغم الضغوط الخارجية.
الولايات المتحدة، التي كانت تمتلك فرصة تاريخية لإعادة بناء الاقتصاد العراقي على أسس متينة بعد 2003، تركت البلاد متخلفة اقتصاديًا، باستثناء الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل.
هذا الفشل الأمريكي في تقديم حلول حقيقية، يجعل أي ضغوط لمنع العراق من التعامل مع إيران أو أي دولة أخرى، أقرب إلى محاولة خنق بغداد اقتصاديًا، دون تقديم بدائل ملموسة.
الملف العراقي: ساحة لخدمة مصالح ترامب الاقتصادية
تحت غطاء مواجهة النفوذ الإيراني، تسعى واشنطن إلى تمرير صفقات اقتصادية لصالح شركات أمريكية مرتبطة بدوائر النفوذ داخل إدارة ترامب. فالضغوط التي تُمارس على الحكومة العراقية لا تهدف فقط إلى عزل إيران اقتصاديًا، بل إلى إجبار العراق على تقديم امتيازات لشركات أمريكية محددة، في قطاعات الطاقة والاستثمار والمقاولات.
الرئيس الأمريكي، الذي يواجه انتقادات متزايدة بسبب سياساته الداخلية، يحاول إعادة فرض الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على العراق، عبر صفقات تخدم دوائر النفوذ الاقتصادي داخل البيت الأبيض.
ازدواجية المعايير: واشنطن ليست جادة في مواجهة إيران
لو كانت الولايات المتحدة جادة حقًا في محاصرة إيران، لكانت المواجهة مباشرة، بدلاً من استخدام العراق كأداة ضغط. فالواقع يشير إلى أن واشنطن، رغم كل تصريحاتها، لا تزال تدير علاقتها مع طهران وفق حسابات دقيقة، وتستغل العراق فقط كوسيط لتطبيق استراتيجياتها.
الأمر لا يتعلق فقط بفرض عقوبات أو إغلاق ملفات مالية، بل هو جزء من سياسة أمريكية طويلة الأمد، تُبقي العراق في حالة من الفوضى الاقتصادية والسياسية، حتى يظل بحاجة دائمة إلى التدخل الأمريكي.
إلى أين يتجه العراق وسط هذه الضغوط؟
المشهد الحالي يعكس حقيقة واضحة: واشنطن تستخدم العراق كورقة ضغط لخدمة أجنداتها الداخلية والخارجية، دون أن تقدم حلولًا واقعية لمشكلاته الاقتصادية والسياسية. ومع استمرار هذه الضغوط، تجد بغداد نفسها أمام خيارين:
إما الخضوع لهذه السياسات، والاستمرار في حالة الارتهان الاقتصادي والسياسي، أو تبني سياسة أكثر استقلالية، عبر تنويع شراكاتها الاقتصادية وتقليل الاعتماد على واشنطن، لصياغة معادلة أكثر توازنًا في علاقاتها الدولية.
لكن هذه الخطوة ليست سهلة، إذ تتطلب إجماعًا داخليًا، وإرادة سياسية قادرة على مقاومة الابتزاز الأمريكي، والبحث عن حلول عملية تُخرج العراق من هذه الحلقة المفرغة.
المصدر: قسم التحليل والمتابعة في وكالة بغداد اليوم