الهزيمة يتيمة أما النصر فله ألف أب، هذه المقولة الصحيحة والمريرة تنطبق أشد الانطباق على النظام العربي الرسمي المتداعي، هذا النظام خذل الشعب الفلسطيني في طوفان الأقصى ٨ أشهر تقريبًا وترك ولا يزال غزة تموت جوعًا وعطشًا، ووقف النظام الرسمي عاجزا عن استخدام عشرات الأسلحة وأوراق الضغط التي لديه لفرض وقف إطلاق النار أو دخول المساعدات.

لكن هذا النظام نفسه تتنافخ وتتنافس وحداته السياسية الآن فيما بينها،، كل منها ينسب لنفسه شرف الانتصارات الدولية التي تحققت لفلسطين في ظرف أسبوع واحد، حيث حققت القضية الفلسطينية ٣ انتصارات:

الأول هو طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر باعتقال نتنياهو كمجرم حرب.

النصر الثاني هو إعلان النرويج وأيرلندا وإسبانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهي خطوة كان سبقها نصر مبكر تمثل في تصويت ١٤٣ دولة على قرار بالاعتراف بدولة فلسطين.

النصر الثالث هو قرار محكمة العدل الدولية الجمعة الذي يأمر إسرائيل بوقف الحرب والهجوم على رفح وفتح المعابر لدخول المساعدات للقطاع.

النصر الأول الذي هو سابقة أولى سيخضع فيها زعيم أهم حليف للولايات المتحدة للمحاسبة على جرائمه، تم تكريسه بإعلان النرويج وألمانيا ودول أخرى أنها ستلقي القبض على نتنياهو إذا صدر أمر الاعتقال رسميا، النصر الثاني تم تكريسه بإعلان عواصم أوسلو، دبلن، ومدريد تصميمهم على المضي قدمًا في الاعتراف، وتحدثت نائبة رئيس الوزراء الإسبانية عن دولة فلسطين من النهر إلى البحر وتحدي وزير خارجيتها: «لا أحد سيرهبنا كي نمتنع عن المطالبة بوقف الحرب والاعتراف بدولة فلسطين والقدس الشرقية عاصمة لها،

النصر الثالث من قرار المحكمة الدولية قبل ٣ أيام تكمن أهميته في أنه يوحي بأن قضاة المحكمة يتجهون فيما يتعلق بدعوى جنوب إفريقيا الأساسية نحو قرار يرى إسرائيل مذنبة في تهمة الإبادة الجماعية.

مستشارون للرئيس الفلسطيني قالوا إن هذه الانتصارات هي نتيجة جهود السلطة مع المجتمع الدولي، ولم يستطع هؤلاء والأمر كذلك أن يفسروا لماذا كان الوضع الفلسطيني -قبل السابع من أكتوبر وبعد ٣٠ سنة من إخفاق اتفاقية أوسلو- بائسًا لدرجة أن الرئيس عباس في خطابه أمام الجمعية العامة قبلها بأيام وقف يطلب المجتمع الدولي أن يحمي الشعب الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي.

مستشارون وإعلاميون في دول مشرقية وخليجية نسب كل منهم لنفسه أو لحكومته الفضل في الاعتراف الدولي بدولة فلسطين. الحقيقة أن هذه الانتصارات ليست من صنع فتح أو حماس وليست بالقطع من صنع النظام العربي الرسمي وكيف يكون وهو كنظام سلّم مقاديره للولايات المتحدة تفعل به وبأمته وبالقضية الفلسطينية ما تشاء.

لا بد من الاتفاق أولًا بأن الإنجازات الدبلوماسية لصالح فلسطين ليست هدايا عيد الميلاد وقادة النرويج وإسبانيا وأيرلندا ليسوا بابا نويل، هذه أعمال سياسية بامتياز تقف وراءها مصالح سياسية تحدد توقيتاتها موازين قوى جديدة.

تاريخيا يكشف تطور الاعتراف السياسي بالقضية الفلسطينية عن ارتباط هذا الاعتراف بخلق العرب أو الفلسطينيين حقائق جديدة في مسار الصراع تجعل من صالح الدول أن تخفف انحيازها لإسرائيل حفاظا على مصالحها الهائلة في الإقليم أو على صورتها أمام شعوبها وناخبيها.

لم يصبح عرفات وكوفيته الشهيرة رمزًا للقضية الفلسطينية في النصف الثاني من الستينيات يقدمه زعيم العالم العربي جمال عبدالناصر وقتها بحماس لبري جنيف وشواين لاي كقائد لحركة تحرر وطني وليس كممثل لمجموعة من اللاجئين إلا بعد التحول في النضال الفلسطيني من عهد زعماء الخطب المنبرية «من أمين الحسيني إلى الشقيري» إلى عهد وخيار المقاومة المسلحة لحركة فتح وإطلاق الرصاصة الأولى على الاحتلال الإسرائيلي في ديسمبر 1965.

لم يدع عرفات إلى منبر الأمم المتحدة مخاطبًا العالم كله كقائد لمنظمة التحرير وللشعب الفلسطيني إلا عام ١٩٧٤ أي بعد نصر العرب العسكري النظامي الأهم في حرب أكتوبر ٧٣ الذي كسر نظرية الجيش الذي لا يقهر وما تبعه من ارتفاع كبير في شأن العرب دوليا، في هذا الصعود العربي الذي تم على وقع تغير موازين القوى الاستراتيجي بعد عبور قناة السويس وانطلاق عمليات المقاومة الفلسطينية من جنوب لبنان تم الاعتراف باللغة العربية لغة رئيسية من لغات الترجمة الست الرسمية في الأمم المتحدة، وفي هذا السياق الزمني والموضوعي الذي ارتفع فيه صوت خيار المقاومة المسلحة صدر أخطر قرار ضد المشروع الصهيوني منذ ٤٨ وهو قرار الجمعية العامة بأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري،وبعد خروج مصر من الصراع واحتلال لبنان ٨٢ وإجبار منظمة التحرير على الخروج بجزء بسيط من مقاتليها إلى تونس وتراجع خيار المقاومة تضاءل قدر منظمة التحرير واهتمام العالم بفلسطين تماما حتى جاءت الانتفاضة الأولى ٨٧ -٩١ التي وإن كانت مقاومة شعبية ومدنية إلا إنها تضمنت أعمال مقاومة مسلحة،، هنا تدخل الأمريكيون وعقدوا مؤتمر مدريد للسلام بعد أن هزمت وفشلت إسرائيل في قمع الانتفاضة لمدة خمس سنوات.

لكن قبول عرفات نزع سلاح المقاومة والتوقيع لاحقا على أوسلو٩٣ أعطى إسرائيل الفرصة لتوسيع الاستيطان في الضفة وسرقة معظم أراضي القدس وإماتة القضية الفلسطينية لدرجة أن السنوات الخمس الانتقالية التي يفترض حسب أوسلو أن تقود لدولة فلسطينية مرت وانتهت إلى لا شيء.

كانت الانتفاضة الثانية ٢٠٠٠ إلى ٢٠٠٥ محتومة وعادت القضية بعدها إلى جدول الأعمال الدولي بعد طول انزواء بسبب إحياء خيار المقاومة بدعم خفي من عرفات الذي أدرك خطأه في التخلي عن البندقية.

استوعب محمود عباس خليفة عرفات درس حصار أبو عمار لمدة تقرب من ٤ سنوات في رام الله وتسميمه وقتله من قبل إسرائيل فقام عمليا بوقف الانتفاضة ٢٠٠٥ باتفاق مع شارون تعهد فيه بنزع السلاح وإسقاط خيار المقاومة ودخل بكل قوته في عملية التنسيق الأمني مع الاحتلال فماتت القضية وبدأ التطبيع مع الدول العربية ينتشر انتشار النار في الهشيم من صفقة القرن يونيو ٢٠١٩والاتفاقات الإبراهيمية «مشروع ترامب».. إلى صفقة بهارات للتطبيع الشامل مع السعودية وإسرائيل «مشروع بايدن» سبتمبر ٢٠٢٣ مع وعد محدود بتحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين!

في الـ٢٥ من سبتمبر ٢٠٢٤ أعلن نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة رسميا موت القضية الفلسطينية ورسم خريطة إسرائيل من النهر إلى البحر لا يوجد فيها ذكر لفلسطين وأعلن عن شرق أوسط جديد يستبدل قاعدة الأرض مقابل السلام بقاعدة السلام مقابل السلام متباهيا «أن ذلك يتم دون أن أتنازل عن بوصة واحدة من الأرض للفلسطينيين أو أسمح لهم بدولة».

بعد أقل من أسبوعين وفي ٧ أكتوبر يعيد خيار المقاومة إحياء القضية ويثبت استحالة تجاوز الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة فعندما شنت المقاومة فيه هجومها، تحرك العالم كله بعدها!

العرب الذين كانوا سيطبعون مجانًا قالوا إنهم لن يطبعوا إلا إذا تم التعهد بمسار سياسي يقود لدولة فلسطينية والعالم الذي غصت شوارعه يوميا بحراك طلابي وشعبي يؤيد القضية الفلسطينية ويطالب بإنهاء حرب الإبادة العرقية الإسرائيلية لغزة، صمود المقاومة وصمود للحاضنة الشعبية جعل إسرائيل دولة مقصية منبوذة ومكروهة بات قادتها مجرمين دوليين، الدولة التي أفلتت من العقاب ثلاثة أرباع القرن تعيش أسوأ كوابيسها إذ باتت إسرائيل الدولة الثالثة في العالم التي يصدر ضد قائدها السياسي طلب أمر اعتقال، النصر السياسي وتصدر فلسطين جدول أعمال العالم لا يمكن نسبه إلى نظم سياسية عربية مشرقية ولا خليجية تركت غزة وحيدة كما تركت عرفات في بيروت وحيدا، وليس للسلطة الفلسطينية التي ذهب نحو نصف أراضي الضفة الغربية تحت بصرها في سنوات أوسلو الثلاثين.

النصر للشعب الفلسطيني ولخيار المقاومة وحمل السلاح أيا من يقف تحت رايته، هذه الراية التي كانت الرائدة في رفعه وتقديم التضحيات فيه حركة فتح وفصائل منظمة التحرير ردحا من الزمن وترفعه الآن حماس والجهاد والشعبية ومجموعات وكتائب مستقلة وطلائع متمردة من شباب فتح الرائع في شهداء الأقصى.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة خیار المقاومة بدولة فلسطین

إقرأ أيضاً:

محمد الضيف.. الشبح الذي قاد كتائب القسام إلى طوفان الأقصى

جعلت قدرته على المراوغة وقيادته لكتائب القسام من محمد الضيف رمزًا للكفاح المسلح الفلسطيني حتى طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣. 

وعلى مدى العقود، تمكنت إسرائيل من اغتيال العشرات من قادة المقاومة الفلسطينيين، بمن فيهم العديد من قادة كتائب القسام مثل صلاح شحادة وعماد عقل ويحيى عياش، إلا أن الضيف نجا من محاولات الاغتيال وواصل القتال.

تحت قيادته، تحولت الجناح العسكري لحركة حماس من مجموعات صغيرة من المقاتلين ضعيفي التسليح إلى قوة شبه عسكرية. ورغم أن الضيف كان متمركزًا في غزة، إلا أن الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية كانوا يهتفون باسمه في السنوات الأخيرة طلبًا للمساعدة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وأصبحت هتافات عربية مقفاة بدأت في القدس المحتلة شائعة بشكل خاص خلال الحرب على غزة: "حُط السيف جنب السيف، إحنا رجال محمد الضيف".

يُعرف بلقب "الشبح" نظرًا لقدرته الفائقة على التواري عن الأنظار والنجاة من محاولات الاغتيال المتكررة التي استهدفته على مدار عقود. ورغم السرية التي تحيط بشخصيته، إلا أن تأثيره لا يمكن إنكاره.

وُلد محمد الضيف، واسمه الحقيقي محمد دياب إبراهيم المصري، في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة عام 1965 لعائلة فلسطينية هجّرت من قريتها الأصلية خلال نكبة 1948. نشأ في بيئة تعاني من الفقر والقمع الإسرائيلي، مما عزز لديه الوعي السياسي والميل إلى الكفاح المسلح.

درس الضيف العلوم في الجامعة الإسلامية في غزة، حيث بدأ نشاطه في صفوف الجماعة الإسلامية التي شكلت لاحقًا النواة الأولى لحركة حماس. في أواخر الثمانينيات، انضم إلى كتائب القسام، وأثبت قدراته العسكرية والتنظيمية، ليصعد سريعًا في صفوف المقاومة.

بعد اغتيال القائد صلاح شحادة عام 2002، تولى الضيف قيادة كتائب القسام، ومنذ ذلك الحين، شهدت الكتائب تطورًا نوعيًا في قدراتها العسكرية. كان له دور محوري في تطوير الأنفاق الهجومية، الصواريخ بعيدة المدى، والطائرات المسيرة، مما عزز قدرة المقاومة على مواجهة إسرائيل.

ورغم خسارته أفرادًا من عائلته في إحدى الغارات، بما في ذلك زوجته وابنه عام 2014، ظل الضيف متمسكًا بخياره العسكري، موقنًا بأن النصر لن يتحقق إلا عبر المقاومة.

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية يثمن الموقف المصري الرافض لتهجير الشعب الفلسطيني ودعم القضية الفلسطينية
  • سلوت عن مستقبل محمد صلاح مع ليفربول: «الجميع يريد الحصول على خدماته»
  • سياسي أنصار الله: دماء القادة الشهداء هي مشعل المقاومة ووقود حركتها والطوفان المتجدد الذي لن يتوقف إلا بزوال إسرائيل
  • محمد الضيف.. الشبح الذي قاد كتائب القسام إلى طوفان الأقصى
  • خبير: إسرائيل تسعى لتنفيذ التهجير القسري كوسيلة لتصفية القضية الفلسطينية
  • زكريا الزبيدي حرا.. التنين الفلسطيني الذي هزم الصياد
  • سياسي أنصار الله: دماء القادة الشهداء مشعل المقاومة ووقود حركتها والطوفان الذي لن يتوقف إلا بزوال إسرائيل
  • مختار غباشي: إسرائيل تسعى لتنفيذ التهجير القسري كوسيلة لتصفية القضية الفلسطينية
  • زكريا الزبيدي حر .. التنين الفلسطيني الذي هزم الصياد
  • الشعب الفلسطيني لا يريد حماس