الجديد برس| بقلم – أيهم السهلي
منذ شنّت إسرائيل حربها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، يستوقف المتابع المشهد الشعبي في العالم العربي، الراكن والساكت عن المجزرة؛ والرسمي المتآمر على الشعب الفلسطيني وحقوقه ومقاومته، والمقاومات الأخرى في المنطقة. سكوت أو خرس بات واضحاً جلياً لا يمكن تغطيته، رغم المحاولات الرسمية لإظهار العكس، عبر البيانات والخطابات التي قيلت وتقال في المنابر العربية والدولية.
هذا حالنا باختصار وتكثيف شديدين. إذاً، لماذا تجرّب الرسمية العربية إظهار أنها متفاعلة مع الحدث، وأنها لا تقبل بما تفعله إسرائيل في فلسطين؟ أجرّب قبول فكرة أنها تخشى من شعوبها، ولكنني أتذكّر الواقع، وأتذكّر سنوات للوراء، فأجدني لا أتقبّل ذلك، لما لهذا الأمر من دلائل عدة، تدحض فكرة احترام الأنظمة لشعوبها.
وفي محاولة أخرى للإجابة، أذهب للتفكير في الشعوب التي لم تخرج للتظاهر غضباً، فالمجزرة في قطاع غزة قريبة جدّاً من كل بلدان العرب وشعوبها، فصرخات المكلومين في فلسطين مفهومة للعرب باللغة، وبحجم الجريمة، وبالفوقيّة التي تبديها إسرائيل على الدم الذي تستبيحه. يشاهد المواطن العربي كل هذا، إمّا عبر التلفاز، وإمّا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي (رغم الحجب، المعلومات متوافرة)، ولكن المصيبة، كما أظن، أن حديث المجزرة ليس «ترند» وليس من أولويات اليوم لدى شعبنا العربي، وهو لا يكاد يغري الشارع بالحديث، ربما لأنه يشعر الناس بقلة الحيلة، بالضعف، يشعرهم بالعار. هل في الأمر تجنٍّ على شعوبنا؟ لا أظن، ولم أصل إليه بعد!
هل من المعقول أن يُقتل بعض الشعب العربي، بينما باقي الشعب لا يدري، أو يدري ويلتزم الخرس ولا يخرج حتى في تظاهرة؟ وهي لن تقدّم ولن تؤخّر في حياة الناس في فلسطين، ولكنها ستعطيهم معنويات بأن بقية جسدهم الممتد من المحيط إلى الخليج موجود، يشعر بهم، ويتداعى لهم. طبعاً من المعروف أن الحكومات العربية هي التي تمنع هذه التظاهرات، وتمنع هذا النوع من التجمهر، مرة أخرى، هل لأنها تخاف من شعوبها؟ هنا ربما، ربما نعم، تخاف من صوت وهتاف يهتف ضدها، ويذكّرها بالذي لا تريد تذكّره، الشعب الذي تمرّد يوماً، وقال «لا». فحين هب نسيم «الربيع» قامت الشعوب، وقالت «لا»، وتظاهرت رغم أنف حكوماتها، وقالت ما أرادت، مع أنها لم تفلح في إكمال المهمّة، وعادت الأمور أسوأ ممّا كانت، إلا أنها قامت في يوم من الأيام.
واليوم، بينما تقتل إسرائيل بهذه الوحشية، وتدمّر، ولا تسأل عن أحد، أمعقول أن عربياً لم يعرف بعد أن الشعب الفلسطيني بصموده يحمي الأمّة كلها، والمقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية، تحارب عن الأمّة كلها؟ أمعقول أن عربياً لم يدرك بعد أن إسرائيل ستحكمه وبلده إن انتصرت في فلسطين؟
ربما بين الشعب من لا يعرف، رغم يقيني أن الحس الحقيقي لشعوبنا يميل حيث الحق، ولكن في الإجابة عن المعقول واللامعقول، فبلى الحاكم العربي يدرك ويعرف ما يفعله الشعب الفلسطيني، ولكنه يدرك أيضاً أنه بات محكوماً من إسرائيل وأميركا، من كثرة ما فرّط وتنازل وسكت. لذا هو مكمل في الانصياع، وسينصاع أكثر، ويسلّم ويطبّع باسم «إقطاعيته»، مع إدراكه أن شعبه لا يريد هذا التطبيع.
ونحن العرب، الشعوب أقصد، مع قبولنا واستمرارنا بالسكوت والهوان، ستكمل بعض بلادنا رهينة بيد حاكم تحكمه إسرائيل، وها نحن نؤكد يومياً ما ذهب إليه إبراهيم اليازجي حين قال:
«ألِفتُم الهون حَتّى صارَ عِندَكُمُ… طَبعاً وَبَعضُ طِباعِ المَرءِ مُكتَسَبُ
وَفارَقَتْكُم لِطول الذُلِّ نَخوَتكُم… فَلَيسَ يُؤلِمُكُم خَسفٌ وَلا عَطبُ».
وما دام أن الحاكم العربي يراهن على هزيمة المقاومة، لأنها متمردة و«تصدّع رأسه»، لا ينتبه ولا يضع احتمالاً بأن المقاومة قد تنتصر، وقد فعلتها في لبنان سابقاً. ولا ينتبه إلى أن أحد أقوى جيوش العالم، بعد 8 شهور من القتال، لم ينتصر، لا عسكرياً ولا سياسياً، والأمور في العالم تنقلب عليه يوماً بعد يوم، وهي تقول بالفم الملآن «كفى» (لم تقلها في شوارع العرب، إلا اليمن).
إنّ الحاكم الذي يراهن على هذه القوة الكبرى في العالم، مهزوم بلا شك، وسيقع في وقت لن ينجده فيه أحد، لأن الشعوب المنومة اليوم، ستستيقظ، «فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب».
سيخرج العرب إلى الشوارع يوماً، سيخرجون، وسيسقطون القاعد على عروشهم، وسيسقطون معه آلهتهم القاعدة في فلسطين، أو سيحدث العكس، يسقط الاحتلال بأمر فلسطين، فيسقطون في العواصم الأخرى.
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية: الشعب الفلسطینی فی فلسطین
إقرأ أيضاً:
فلسطين تحذر من خطورة إجراءات الاحتلال الإسرائيلي لتقويض مؤسساتها
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
حذرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، اليوم /الجمعة/ من خطورة سياسة وإجراءات الاحتلال الإسرائيلي ضد مؤسسات دولة فلسطين.
وقالت الوزارة - في بيان أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) - إن قرار ما تسمى "وزارة التعاون الإقليمي الإسرائيلية" بوقف تعاملها مع المؤسسات الفلسطينية، يعد سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى تقويض أي فرصة للتعاون والتنمية في فلسطين، خاصة في ظل سيطرة الاحتلال على المعابر وتحكمه بموارد الشعب الفلسطيني.
واعتبرت هذا القرار جزءًا من "العدوان الإسرائيلي الشامل" على الشعب الفلسطيني، وامتدادًا لسياسات حكومات نتنياهو التي تنقلب على الاتفاقيات وتسعى لإضعاف مؤسسات الدولة الفلسطينية، مشيرة إلى استمرار الاقتحامات، واحتجاز الأموال، وجرائم الإبادة والتهجير، والاستيلاء على الأراضي، وهدم المنازل، وفرض العزلة، وتسريع وتيرة الضم والاستعمار.
وأكدت الوزارة أن مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية تمثل التجسيد المستمر لدولة فلسطين على الأرض وعاصمتها القدس الشرقية، مستندة في وجودها إلى الاتفاقيات الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، والاعتراف الدولي الواسع، وعضويتها في منظمات دولية، بالإضافة إلى شرعيتها المستمدة من الشعب الفلسطيني وتضحياته، وطالبت المجتمع الدولي بالتعامل بحزم مع جرائم الإبادة الإسرائيلية ومساعي الاحتلال لمحاصرة وإضعاف مؤسسات الدولة الفلسطينية، وتحدي الإرادة الدولية في إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وإنهاء الاحتلال.