عزام أحمد وماتيو أيكينز.

تصوير: بريان دينتون

ترجمة: بدر بن خميس الظفري

مكث الصحفيون أكثر من عام، بما في ذلك أشهر قضوها في ساحات القتال السابقة في أفغانستان، للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبتها القوات المدعومة من الولايات المتحدة.

نشر في 22 مايو 2024.

دخلت القافلة إلى معقل طالبان، وهو صحراء بيضاء مليئة بالحجارة، حيث أمر ضباط الشرطة الأفغانية عبر مكبرات الصوت في المسجد المحلي الجميع بالتجمع قائلين: إن القائد موجود هنا.

تجمع العشرات في الساحة الطينية للاستماع إلى عبد الرازق، أحد أهم شركاء أميركا في الحرب ضد طالبان، وهو يقف أمام الحشد مشيرا إلى سجينين اثنين أحضرهما معه.

ركع السجناء وأيديهم مقيدة بينما كان عبد الرازق يتحدث إلى رجاله. رفع اثنان من ضباطه بنادقهم وفتحوا النار، مما أدى إلى موت السجينين فورا على أرض ملطخة بدمائهم. وبعد صمت طويل، وعلى حسب قول ثلاثة شهود من أقارب القتيلين، خاطب عبد الرازق الحشد بعد قتلهما في شتاء عام 2010 قائلا: "سوف تتعلمون احترامي ورفض طالبان، لأنني سأعود وأفعل ذلك مراراً وتكراراً، ولن يمنعني أحد".

لسنوات عديدة، ظل القادة العسكريون الأميركيون يحتفون بعبد الرازق باعتباره شريكاً نموذجياً في أفغانستان، وحليفهم في المعركة ضد طالبان. وكما قال القادة الأميركيون في كثير من الأحيان: لو أن الجميع قاتلوا مثل عبد الرازق، لربما انتصرنا في هذه الحرب.

لقد حكم عبد الرازق ساحة المعركة الحاسمة في قندهار خلال فترةٍ كان فيها عدد القوات الأمريكية على الأرض أكبر من أي مكان آخر من رقعة الحرب، وترقى في النهاية إلى رتبة فريق بفضل دعم الولايات المتحدة. وكان جنرالات أميركيون يركبون الدراجات عبر أفغانستان يقومون بجولات منتظمة لزيارته، مشيدين بشجاعته ومعاركه الشرسة في الحرب والولاء الذي يحظى به من رجاله، الذين دربتهم الولايات المتحدة وحلفاؤها، وسلّحتهم ودفعت لهم رواتبهم.

لقد وقف الأمريكان إلى جانبه حتى النهاية، فعندما قُتل بالرصاص على يد قاتل سري من حركة طالبان في عام 2018، كان يسير بجوار القائد الأمريكي الأعلى في أفغانستان، الجنرال أوستن س. ميلر، الذي احتفى به ووصفه بأنه "صديق عظيم" و"وطني".

لكن بالنسبة لعدد كبير من المدنيين الأفغان، كان عبد العبد الرازق شيئا مختلفا تماما: لقد كان وحش أمريكا.

لقد اكتسب مهارته في ساحة المعركة بسبب سنوات من التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء، وإشرافه على أكبر حملة معروفة للاختفاء القسري خلال الحرب الأمريكية التي استمرت 20 عامًا في أفغانستان، وفقًا لتحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز حول آلاف الحالات خلال فترة حكمه.

حصلت صحيفة تايمز على مئات الصفحات من الوثائق التي كتبتها الحكومة السابقة المدعومة من الولايات المتحدة، وهي عبارة عن دفاتر مخفية تعود إلى أكثر من عقد من الزمن وتحمل أدلة على حملة الانتهاكات التي ارتكبها عبد الرازق. ووجدت صحيفة التايمز أن عبد الرازق حول الشرطة إلى قوة قتالية مخيفة دون قيود، وقام ضباطه باختطاف المئات، إن لم يكن الآلاف، من الأشخاص لقتلهم أو تعذيبهم في سجون سرية، ولم تتم رؤية معظمهم مرة أخرى.

لقد أسقطت ثقافة الخروج على القانون والإفلات من العقاب التي أوجدها عبد الرازق الوعود التي لا نهاية لها من جانب الرؤساء والجنرالات والسفراء الأميركيين بدعم حقوق الإنسان وبناء أفغانستان أفضل، وهذا ما يسهم في تفسير سبب خسارة الولايات المتحدة للحرب.

على مدار ما يقرب من عقدين من الزمن، لم ير الشعب الأمريكي سوى جزء من الحرب في أفغانستان، فقد كانت أجزاء كبيرة من البلاد وشعبها محظورة عن دخول الغرباء، وكان من المستحيل تأريخها بشكل كامل أثناء القتال. والآن بعد أن انتهى الأمر، لم تعد حركة طالبان تزرع القنابل على جوانب الطرق، واستبدل كثيرون بنادقهم من طراز AK-47 بدفاتر ورقيّة وببيروقراطية خانقة.

أمضت صحيفة التايمز أكثر من عام في زيارة أجزاء من أفغانستان التي كانت ذات يوم ساحات قتال نشطة، في محاولة لمعرفة ما حدث بالفعل خلال أطول حرب خاضتها أمريكا.

أجرينا مقابلات مع عدة مئات من الأشخاص الذين قالوا إن آباءهم وأزواجهم وأبنائهم وإخوانهم قد اختفوا في عهد عبد الرازق، قائد الشرطة المسؤول عن الأمن في مقاطعة قندهار، مسقط رأس حركة طالبان. لقد رأوا أن حكمه لم يكن أكثر من مجرد حملة وحشية ضد المدنيين، بتمويل من الولايات المتحدة.

لم تؤدي أفعاله إلى تشويه الجهود الحربية الأميركية فحسب، بل أدت إلى استياء عميق دفع الناس إلى دعم طالبان، وكشفت حقيقة السياسة الأمريكية هناك. في جميع أنحاء أفغانستان، قامت الولايات المتحدة برفع مستوى أمراء الحرب والسياسيين الفاسدين والمجرمين الكبار، وتمكينهم من خوض حرب ذات منفعة عسكرية غالبًا ما تبرر فيها الغاية الوسيلة.

وارتكبت حركة طالبان فظائع لا حصر لها ضد المدنيين، بما في ذلك الهجمات الانتحارية والاغتيالات والاختطاف للحصول على فدية.

لكن كان من الخطأ "الاحتفاظ بمجرم سيئ للغاية لأنه كان مفيدا في محاربة المجرمين الأسوأ"، كما قال الجنرال جون آر ألين، مضيفا أنه حاول الحد من التعاون مع عبد الرازق عندما كان يشرف على قوات التحالف في الحرب الأفغانية من 2011 إلى 2013.

ورغم أن تكتيكات عبد الرازق نجحت في بعض النواحي، حيث هُزمت حركة طالبان في قندهار وأكسبته إعجاب العديد من الذين عارضوها، فإن هذه الاستراتيجية كلفت ثمنا واضحا. لقد أثارت هذه السياسة عداء بعض السكان، لدرجة أن طالبان حولت وحشيته إلى دعاية وأداة تجنيد، وبثتها لجذب مقاتلين جدد.، مما جعل العديد من الأفغان يهاجمون الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة وكل ما تمثله.

يقول فضل الرحمن، الذي اختطف شقيقه أمام شهود في عهد عبد الرازق: "لم يكن أحد منا يؤيد طالبان، على الأقل ليس في البداية، لكن عندما انهارت الحكومة، ركضت في الشوارع مبتهجا بسقوطها."

حتى أولئك الذين هللوا للقسوة التي مارسها عبد الرازق ضد أعدائه، أعربوا عن أسفهم للفساد والإجرام الكبير الذي ساعد في تكريسه، وهو سبب رئيس في انهيار الحكومة الأفغانية في عام 2021. وبعد وفاته، قام قادته بتوسيع نطاق اعتداءهم، فابتزوا الناس العاديين وسرقوا من ممتلكات رجالهم و أجورهم.

يقول قاري محمد مبارك، الذي كان يدير مدرسة للبنات في قندهار وكان يدعم الحكومة في البداية: "ما جلبوه تحت اسم الديمقراطية كان نظاماً في أيدي عدد قليل من مجموعات المافيا. لقد أصبح الناس يكرهون الديمقراطية."

وكان العديد من القادة الأميركيين والدبلوماسيين وحلفائهم في أفغانستان يعلمون في ذلك الوقت أنهم كانوا يمولون حرباً انحرفت كثيراً عن القانون الدولي.

يقول هنري إنشر: "في بعض الأحيان كنا نسأل عبد الرازق عن حوادث انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان، وعندما نحصل على إجابات كنا نقول: "آه، نتمنى ألا نورط أنفسنا في جريمة حرب بمجرد سماعنا عنها".

ويضيف إنشر، وهو مسؤول في وزارة الخارجية شغل عدة مناصب في أفغانستان، بما في ذلك الممثل المدني الأعلى في قندهار في عامي 2010 و2011، عندما كان يعمل مع عبد الرازق، يضيف قائلا: "كنا نعرف ما كنا نفعله، لكننا لم يكن لدينا خيار".

ويضيف أيضا أنّ معظم القادة الأميركيين، بما في ذلك أكثر من اثني عشر شخصًا أجرت صحيفة التايمز مقابلات معهم، كانوا ينظرون إلى عبد الرازق على أنه الشريك الوحيد القادر على هزيمة طالبان في معقل التمرد، حيث كانت تجري هناك معركة ضارية من أجل السيطرة على الحكم.

يقول إنشر: "في هذه اللحظة، ربما نجحنا في السيطرة، ولكن ذلك لم يكن يعني شيئا، فالمشروع بأكمله كان معيبًا."

ويقول العديد من الأفغان إن عبد الرازق استخدم الأميركيين وقوتهم العسكرية لتحقيق ثأر شخصي، والانتقام من المنافسين الذين كانت قبيلته تقاتلهم منذ عقود.

وفي المقابلات التي أجريناها، اعترف العديد من كبار المسؤولين الأميركيين السابقين أنهم لم يفهموا هذه الاستراتيجية الأمريكية قط، وهذا يؤكد السمة المميزة لجيل من المقاتلين الأمريكان، وهي مدى ضآلة فهم الولايات المتحدة لاستراتيجية الحروب التي كانت تشنها.

أثارت الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام مخاوف جدية بشأن عبد الرازق وقواته، لكن التحقيقات المستقلة كانت محدودة، خاصة وأنه لم يكن بالإمكان دخول المنطقة خلال الحرب.

ولتحديد مدى الانتهاكات، قامت صحيفة التايمز بالبحث في أكثر من 50 ألف شكوى مكتوبة بخط اليد تم تدوينها في دفاتر حاكم قندهار منذ عام 2011 وحتى نهاية الحرب في عام 2021. ووجدنا فيها تفاصيل أولية لما يقرب من 2200 حالة من حالات الاختفاء المشتبه بها.

ومن هناك، ذهبنا إلى مئات المنازل في جميع أنحاء قندهار وتعقبنا ما يقرب من 1000 شخص قالوا إن أقربائهم قد اختفوا أو قتلوا أو اعتقلتهم قوات الأمن الحكومية.

وقد جمعت الصحيفة أدلة مفصلة عن 368 حالة اختفاء قسري وعشرات عمليات القتل خارج نطاق القانون المنسوبة إلى القوات المدعومة من الولايات المتحدة في قندهار. لقد أحصينا فقط الحالات التي تم تأكيدها من قبل شخصيْن على الأقل، والعديد منهم شهود عيان على عمليات الاختطاف، وكثيرًا ما تم توثيقها بتقارير الشرطة والإفادات الخطية والسجلات الحكومية الأخرى أيضًا.

وفي جميع حالات الاختفاء القسري، لا يزال الشخص مفقوداً.

يكاد يكون من المؤكد أن هذه الأرقام هي أقل بكثير من الفظائع التي ارتكبت خلال عهد عبد الرازق. لم نتمكن من تغطية قندهار بأكملها، التي يسكنها أكثر من مليون شخص. إنّ أكثر من 2000 حالة مشتبه بها وجدناها في دفاتر حسابات الحكومة كانت على الأرجح مجرد فكرة عما حدث بالفعل. معظم العائلات التي قابلناها لم تبلغ قط رسميًا عن فقدان أقربائهم، خوفًا من الانتقام أو خطر الطريق عند الذهاب للإبلاغ بسبب الحرب.

علاوة على ذلك، قال مسؤولون كبار سابقون إن الشرطة دمرت العديد من سجلاتها مع وصول حركة طالبان إلى مشارف مدينة قندهار في عام 2021. قد يكون من المستحيل معرفة العدد الدقيق للأشخاص الذين اختطفوا ولم يروا مرة أخرى.

لكن الأمر الواضح جدا هو المسؤول عن تلك الفظائع. إنها الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة وحدها هي التي شاركت باستمرار في عمليات الاختفاء القسري في قندهار، حسبما قال مسؤولون سابقون ومقاتلون وعائلات الضحايا.

يقول هاستي محمد، المسؤول الحكومي السابق عن منطقة بانجواي في قندهار: "لم تكن طالبان بحاجة إلى إخفاء الناس، لقد قتلوهم حيث وجدوهم. أما الحكومة فقد أخفت الناس لأن ما يفعلونه كان غير قانوني. لقد كانوا يختبئون من القانون".

وتمثل الحالات التي أكدتها صحيفة التايمز أكبر حملة اختفاء قسري في أفغانستان منذ اختفاء عشرات الآلاف بعد الانقلاب الشيوعي المدعوم من السوفييت في عام 1978، حسبما يُظهِـرُ تقييمٌ للانتهاكات السابقة.

وفي الوقت الذي كان يرثي فيه الضحايا أحبائهم المفقودين، كانوا يواجهون عجزهم، لأنه لم يكن بالإمكان المساس بعبد الرازق، وذلك بفضل الدعم القوي من الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو.

يقول العقيد روبرت والتماير، ضابط القوات الخاصة السابق الذي عمل مع عبد الرازق: "كنا نسأل أنفسنا: هل نصنع شيئًا هنا قد نندم عليه لاحقًا؟"

لكنه استطرد قائلا إنه لا يوجد أحد أفضل من عبد الرازق في قتال طالبان، مضيفًا أنه لم يشاهده قط يفعل أي شيء غير قانوني. وعندما أرسلت الولايات المتحدة عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين إلى أفغانستان خلال ما يسمى بالزيادة المعلنة في عام 2009، على أمل انتزاع السيطرة على الجنوب، كان دور عبد الرازق محورياً في هذه الجهود.

يضيف والتماير: "ربما كان عبد الرازق الشخص الأكثر أهمية في الحملة بأكملها".

ويقول إن الولايات المتحدة دفعت عبد الرازق لقيادة قوات الشرطة التي قاتلت إلى جانب القوات الأمريكية، لأنه "تقدم هو وقواته للقتال، وليس فقط لمشاهدة الأميركيين وهم يقاتلون".

يقول والتماير: "في الواقع، لقد أوجدنا عبد الرازق. إنك تنظر إلى كل حرب أمريكية وتجد الأمر نفسه. نحن من يصنع أسباب الندم".

"عمل عبد الرازق"

أسرع فضل الرحمن إلى متجر الدراجات النارية بمجرد تلقيه مكالمة تخبره باختطاف شقيقه الميكانيكي.

في حالةٍ من الذعر، أخبره عمال المتجر أن ثلاثة رجال بملابس مدنية توقفوا في سيارة تويوتا كورولا لا تحمل أية لوائح صباح يوم 3 سبتمبر 2016، وطلبوا من شقيقه إلقاء نظرة على مولد كهربائي في صندوق السيارة. ثم، على مرأى ومسمع من حشد من المتفرجين، هجم الرجال على شقيق فضل، أحمد، البالغ من العمر 28 عاما، وأدخلوه في السيارة وانطلقوا به مسرعين.

بالنسبة لفضل وجميع الحاضرين، كان الجناة واضحين: إنهم الشرطة. في عهد عبد الرازق، أصبحت قوات الأمن في قندهار مشهورة باختطاف أي شخص تشتبه في أنه يعمل مع متمردي طالبان، ولذلك اختفى الكثيرون ببساطة، بينما ظهر آخرون جثثا مشوهة ملقاة في الشوارع، فيما أُطلق سراح عدد قليل من المحظوظين أحياء، وهم يحملون جروحًا وروايات تعذيب.

قالت عائلات بعض المفقودين إن أقربائهم المخطوفين كانوا من طالبان، فيما أصرت عائلا أخرى على أن أقاربهم المفقودين لم تكن لهم علاقة بطالبان، بل كانوا ببساطة جزءاً من الطبقة العاملة: كانوا ميكانيكيين وخياطين وسائقي سيارات أجرة لا علاقة لهم بالحرب، على حد قول عائلاتهم.

جمع فضل الرحمن، في محاولة يائسة للعثور على شقيقه، كبار السن، وذهب مسرعا إلى مركز الشرطة المحلي. هناك، نفى الضباط اعتقال شقيقه، فتوجه إلى قصر المحافظ المدعوم أميركياً، وانضم إلى الطابور لتقديم الشكاوى.

تظهر دفاتر الحكومة المكتوبة بخط اليد التي استعرضتها صحيفة التايمز التماسه الموثق بالمجلد 4 من عام 2016، الإدخال رقم 591 – أحمد، ابن عبد الرحمن.

كان هناك آلاف العائلات مثل عائلته، وكلها لديها نفس السؤال الملح. ماذا فعلت الحكومة بأحبائهم؟

بعد تقديم شكواه، شعر فضل بالقلق. ماذا سيحدث إذا ما ضغط على الشرطة ضغطا كبيرا؟ كانت الشرطة تختطف الأشخاص وتخفيهم لمجرد الشك والاشتباه بهم، فكيف إذا اتهمهم أحد بممارسة الاختطاف علنًا.

يضيف فضل قائلا: "كانت الشرطة غاضبة، وكانوا يضربوننا ويقولون: لماذا تأتون دائما إلى هنا؟"

ومع ذلك، كانت هناك قوة أخرى تدفعه أقوى من الخوف، إنها والدته مليكة.

نادرا ما شوهدت النساء يطالبن بمطالب عامة في أفغانستان، الدولة المحافظة، خاصة في الجنوب. لكن فضل وأحمد كانا كل ما تملكه والدتهما مليكة، فقد توفي والدهما بسبب السرطان قبل أكثر من 20 عامًا، وتركها لتربيهما بمفردها.

تقول مليكة: "على مدى أشهر، من الصباح إلى الليل، كنت أذهب من الشرطة إلى مكاتب المحافظ وأنتظر أن ينظر إليّ أحد".

خارج المكاتب، كان الموظفون يتقاضون رسومًا بسيطة لكتابة شكاوى للأشخاص الذين كانوا أميين، مثل فضل ووالدته. لقد قدمت مليكة العديد من الالتماسات باسمها، اطلعت صحيفة التايمز على نسخٍ منها.

يقول أحد الالتماسات: "الرجاء المساعدة في العثور على ابني البريء وإطلاق سراحه". وحمل الالتماس توقيعات 11 من شيوخ المنطقة، كلهم يشهدون على أن ابنها لم يكن عضوا في حركة طالبان.

وسرعان ما تعرّف فضل ووالدته على عائلات أخرى تبحث عن المفقودين. إن إلقاء القبض على أحد أقاربهم للاشتباه في كونه متمردًا جعلهم جميعا يعانون من تشويه صورتهم كونهم أقرباء لشخص معارض. لكن وجود النساء منح العائلات شيئا من الفسحة والأريحيّة لتقديم مطالب.

صلاح الدين، نجل عالية، سائق عربة يد اختطف من خارج منزله أثناء سيره إلى المسجد.

قالت عالية: "لم أكن لأترك مكانا إلا وسأذهب إليه للعثور على ابني، لكن لم يكن لدينا أي فكرة عما إذا كان حياً أو ميتاً."

واختطف رجل ثالث، هو داود، في عام 2015. ومع عدم وجود عائلة مباشرة تبحث عنه، أصبحت جارته سيما، مناصرة له.

بعد شعور أحد الموظفين في قصر المحافظ بالضيق من عدد المرات التي عادت فيها العائلات، طلب من فضل أن يعد قائمة بالمفقودين. ساعد أحد الموظفين فضل في تدوين الأسماء في مجموعته الحاضرة التي كانت تمثل 17 عائلة في البداية.

وسرعان ما تم توسيع القائمة، المكتوبة على ورقة بيضاء عادية، وتوزيعها وتصويرها وإرسالها بالرسائل النصية.

ومثل أحمد، اختطف العديد من الضحايا من الشوارع أو من أماكن العمل على أيدي رجال مسلحين يرتدون ملابس مدنية أمام شهود عيان. وقد اختفى البعض ببساطة، مثل عبد الواحد، الذي رآه شقيقه الذي يعمل جزارا آخر مرة عندما أرسله إلى منزله حاملا بعض اللحم لتناول العشاء. وقبض على آخرين، مثل حبيب الرحمن، على أيدي ضباط يرتدون الزي الرسمي أثناء وجودهم مع رفقائهم.

وتشبث أقاربهم بأمل في أنهم ما زالوا على قيد الحياة في أحد مواقع الاحتجاز غير الرسمية العديدة، التي تديرها قوات عبد الرازق، والتي تسمى غالبًا "السجون الخاصة".

توجه الأهالي إلى الصليب الأحمر لرؤية صور الجثث مجهولة الهوية التي جمعت ودفنت، ثم إلى المشرحة لرؤية الجثث المكتشفة حديثا، التي تعرض بعضها للاختناق، أو إطلاق النار على رؤوسهم، أو أُلقي بها وأيديها مقيدة.

دفع بعض الأهالي رشاوي للعثور على إجابات. وكان معظمهم قد دفعوا أموالا لضباط شرطة عديمي الضمير، لكن دون جدوى. في أواخر عام 2016، أعيد أحد المفقودين، ليقدم أخيرًا وصفًا واضحًا لما كان يحدث لأقربائهم.

كان نزار أحمد البالغ من العمر 23 عاماً، قد اختُطف قبل شهر، بعد وقت قصير من وقوع هجوم بالقنابل استهدف أحد القادة التابعين لعبد الرازق، مما أدى إلى اضطراب في المنطقة. واقتاده رجلان يرتديان ملابس مدنية تحت تهديد السلاح.

قال أحمد إن مجموعة من الرجال، بعضهم يرتدي زي الشرطة، تناوبوا على ضربه داخل حاوية شحن، ووضعوا كيسًا بلاستيكيًا في فمه وسكبوا الماء على وجهه، مما أدى إلى اختناقه تقريبًا. وقال إن الأمر الأكثر خجلاً هو أنهم قاموا بلوي أعضائه التناسلية، مما أدى إلى إتلافها بشكل دائم. طلبت منه الشرطة الاعتراف، وسجلت اعترافه. قال: "بعد اعترافي، لم يعودوا يعذبونني".

وفي تلك الليلة، عصبت عيناه ونقل إلى مكان آخر. وقال إنه رأى من خلال نافذة ذات قضبان، قمة جبل طويلة وعلم أفغانستان باللون الأخضر والأحمر والأسود. (قال محقق شرطة سابق إن الموقع يبدو أنه محطة المنطقة 9 في مدينة قندهار).

وفي النهاية، تلقى والد نزار، محمد فضل الدين، مكالمة هاتفية من ضابط شرطة، على حد قوله، يطالبه بما يعادل 900 دولار، وهو مبلغ كبير، للإفراج عن ابنه. وافق محمد، وقام بتسليم الأموال إلى ورشة لتصليح السيارات وفقا للتعليمات، وأطلق سراح ابنه، على حد قوله.

وقال: "إنها معجزة"، معتبراً إطلاق سراحه علامة على أن الشرطة تعلم أن ابنه بريء.

قالت العائلات إن بعض أفراد الشرطة اعترفوا لهم سراً بأنهم أخذوا أقربائهم. لذا، قام فضل والآخرون بالصراخ في وجه كل مسؤول لقوه، إلا أن المسؤولين أصروا على أنه ليس هناك ما يمكنهم فعله.

قال فضل: "كانوا جميعاً يعرفون بالضبط ما كان يحدث"، إلا أن المسؤولين ردوا قائلين: "ليس لنا من الأمر شيء. هذا كله عمل عبد الرازق."

وأخيراً، حصل فضل على موعد للقاء حاكم قندهار، وانضمت الأمهات إلى أكثر من اثني عشر رجلاً للدفاع عن المفقودين المدرجين في قائمتهم وتوبيخ المسؤولين.

هناك غضبت مليكة، والدة فضل، واتهمت المسؤولين بالفساد والجبن، وسرقة أغلى ما في حياتها، إلا أن حراس المحافظ كانوا قد حذروها من التحدث بهذه الصراحة.

أجابت وهي تنظر إلى الحاكم، كما ينقل عنها من كان في التجمّع: "أنتم أيها الناس قد أخذتم ابني. إن كنت تريد قتلي فاقتلني، ولكني لن أمسك لساني".

ويبدو أن أسلوب الغطرسة ذلك قد أتى بثماره، فقد وصلت قائمة المفقودين إلى مكتب عبد الرازق نفسه، الذي دعاهم إلى اجتماع معه.

*ساهم عبد نافع وشير علي فرهاد في إعداد التقارير من قندهار. من إنتاج شون كاتانغي وليو دومينغيز ورومسي تايلور.

** عزام أحمد مراسل التحقيقات الدولية لصحيفة التايمز. وقد كتب عن فضائح وول ستريت، والحرب في أفغانستان، والعنف والفساد في المكسيك وأمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي.

** ماثيو أيكينز كاتب مساهم في مجلة نيويورك تايمز، ويغطي منذ عام 2008 الصراعات في أفغانستان والشرق الأوسط، والعمليات العسكرية الأمريكية في الخارج، والهجرة القسرية، والصراع على حقوق الإنسان. حصل عمله على جائزة المجلة الوطنية وجائزة بولك وجائزة ليفينغستُن. لقد كان جزءًا من فريق نيويورك تايمز الذي فاز بجائزة بوليتزر لعام 2022 للتقارير الدولية عن التحقيق في الضحايا المدنيين من الغارات الجوية الأمريكية. كما فاز مقطع الفيديو الذي أنتجه لهذا المشروع بجائزتي إيمي. يحكي كتابه الأول "العراة لا يخشون الماء" قصة رحلة سرية إلى أوروبا مع اللاجئين الأفغان.

*** خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المدعومة من الولایات المتحدة صحیفة التایمز نیویورک تایمز فی أفغانستان حرکة طالبان مما أدى إلى بما فی ذلک العدید من فی قندهار أکثر من على أن ما کان لم یکن فی عام

إقرأ أيضاً:

اندفاع الأمريكيين نحو الإسلام بسبب العدوان على غزة يثير تساؤلات إسرائيلية

أثارت ظاهرة تحوّل الأمريكيين للإسلام بصورة متزايدة في الولايات المتحدة في العقود الأخيرة، تساؤلات في الإعلام العبري، حتى أوشك أن يصبح ثاني أكبر دين في البلاد، ورغم أن التحول للإسلام في الولايات المتحدة يعد ظاهرة تاريخية، تحدث منذ القرن الماضي، لكن من الواضح أن أحداث 11 سبتمبر 2001، والعدوان على غزة 2023 عززا الظاهرة.

ورأى كاتب إسرائيلي أن أجزاء من الجمهور الأمريكي من غير المبالين تماما بمسألة الدين، بات لديهم فضول باتجاهه، مرورا بالتعاطف العام معه، وصولا لاعتناقه بصورة نهائية.

إلعاد بن دافيد الخبير في شؤون الإسلام بجامعة بار إيلان، والباحث بمنتدى التفكير الاقليمي، ذكر أن "حرب غزة لعبت دورا في تعزيز مكانة الإسلام في الولايات المتحدة الأمريكية، واكتسبت ظاهرة الأسلمة الأمريكية التي بدأت تتصاعد منذ 11 سبتمبر مزيدا من القوة والزخم، حتى جعلت الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الرائدة في الغرب في اعتناق الإسلام، مع العلم أن الحرب التي شنتها دولة الاحتلال على غزة أشعلت خطابًا غير مسبوق معاد للصهيونية بين العديد من المسلمين في الغرب".

وأضاف في مقال نشرته صحيفة إسرائيل اليوم، وترجمته "عربي21" أنه "كجزء من التحريض ضد إسرائيل، رفض العديد من الزعماء الدينيين الأمريكيين التنديد صراحة بهجوم حماس في السابع من أكتوبر، واختاروا التركيز على معاناة الفلسطينيين في غزة، وبعيدًا عن هذا الخطاب، فيبدو أنها المرة الأولى التي لا يؤدي فيها نضال المسلمين من أجل الفلسطينيين لتعزيز مكانة الإسلام والمسلمين في الغرب فحسب، بل يصنفهم أيضًا بشكل إيجابي على أنهم يقاتلون من أجل العدالة وضد الظلم الذي تمثله دولة الاحتلال الاسرائيلي".

وأشار إلى أن "الواقع الذي يتقوى فيه الإسلام في أمريكا ليس جديدا، فمنذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر، بدأت أجزاء كثيرة من الجالية المسلمة الأمريكية في تعظيم قوتها الاجتماعية والسياسية والإعلامية، من أجل حماية أنفسهم من الهجمات العامة التي شنت ضد دينهم وجنسيتهم، وبدأ الدعاة والناشطون والمنظمات الإسلامية بوصف الإسلام بشكل إيجابي بأنه صانع للسلام، مع التركيز على هويتهم الأمريكية، وقد حول هذا الواقع أمريكا إلى ساحة تعمل منها أبرز الأصوات الإسلامية في الغرب ضد الظلم وانتهاكات حقوق الإنسان وقمع المسلمين".

وأوضح أن "المسلمين الأمريكيين تزعموا النضال من أجل الفلسطينيين، وعلى عكس الحروب السابقة في غزة التي أدت لزيادة الخطاب المناهض لإسرائيل بينهم، لكن يوم السابع من أكتوبر مثّل نقطة تحول عززت مكانة الإسلام في الولايات المتحدة، لعدة أسباب رئيسية أهمها الخطاب السائد بين الجالية الإسلامية بشأن الهجوم، والانتقادات الموجهة لإدارة بايدن بسبب دعمها للاحتلال، وهو واقع قد يهدد ولاية أخرى له".



وأشار أنه "رغم أن القوة العددية للمسلمين بأمريكا صغيرة نسبيا، لكن مواقعهم وتأثيرهم في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان وبنسلفانيا وجورجيا تعمل على تعزيز نفوذ الصوت الإسلامي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، عبر انخراط مزيد من الطلاب الأمريكيين المسلمين في المظاهرات المتماهية مع النضال الفلسطيني من أجل غزة، بما يتردد صداه بقوة بين الدعاة المسلمين الذين تتم دعوتهم للجامعات المرموقة في الولايات المتحدة، ويعزز الشعور بالعدالة لدى الطلاب المتحمسين، ويؤكدون أنهم يقفون حاليا على "الجانب الصحيح" من التاريخ".

وقال إن "هذه المشاركات أشعلت "الإلهام" في الأمريكيين لاعتناق الإسلام، مما وسع من ظاهرة الأسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية، وجعلها الدولة الرائدة في الغرب في اعتناق الإسلام الذي بات اليوم ثالث أكبر ديانة في الولايات المتحدة، بعد المسيحية واليهودية، ويبدو أنه سيصبح في العقود القادمة ثاني أكبر ديانة، مع أن أغلبية المسلمين من المسيحيين الأميركيين والبيض والأميركيين الأفارقة، حيث اعتنق مليون منهم الإسلام، فيما نجحت الحرب في غزة بتعزيز العناصر التي ترسخ صورة الإسلام ومكانته في الولايات المتحدة".

وأوضح أن "هناك أشياء كثيرة تدفع الأمريكيين للانضمام إلى الإسلام, فمنذ 11 سبتمبر، بدأ الكثير من الجالية الأمريكية المسلمة في تعظيم قوتهم الاجتماعية والسياسية والإعلامية من أجل وسم الإسلام وارتباطهم بهويتهم الوطنية بطريقة إيجابية، وأدى هذا الواقع للربط بين الإسلام والقضايا الاجتماعية، مثل مكافحة أمراض الفقر والعنصرية والظلم العام، فيما يوصف الإسلام بأنه دين يناضل من أجل العدالة والحرية، ولذلك يحدث اليوم التماهي العميق مع غزة والفلسطينيين، وينقسم العالم إلى: الظالمون والمضطهدون، وهو وضع ثنائي يجذب بشكل خاص الشباب الذين يرتبطون بالنضال من أجل الضعفاء نحو الإسلام".

وأكد أن" المسلمين الأمريكيين يقدمون الإسلام بأنه الدين الأول الذي يحارب العنصرية، لأنه عندما ظهر قبل 1400 عاما، بشّر برسالة أن الجميع سواء أمام الله، كما يقول النبي محمد عليه السلام، وبموجبه لا أفضلية لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، مع أن هذه الرسائل ترتبط بشكل خاص بالمجتمع الأمريكي الأفريقي، الذي عانى من العنصرية المتميزة لأجيال عديدة، وتمنحه إحساسًا بالهوية والارتباط بالإسلام الجماعي الذي يحمي كرامة المرأة، ويعارض بشدة الفحشاء والإباحية المتفشية في الشوارع والشبكات، وتحظى هذه الرسائل بأهمية كبيرة لدى النساء التواقات للروحانية، ويشعرن بالاشمئزاز من الاختراقات والإباحة الجنسية المتزايدة".

تكشف هذه القراءة الإسرائيلية أنه بحكم كونهم مواطنين في القوة الغربية الأكثر نفوذا وقوة في العالم، وقربهم من مراكز السلطة مثل الكونغرس والبيت الأبيض، فإن المسلمين الأمريكيين يجسدون إمكانات عالمية مؤثرة للغاية، على عكس غيرهم من المسلمين حول العالم، مما يحمل حتما تأثيرات جيو-سياسية كبيرة سلبية على دولة الاحتلال.

 وبالتالي فإن التحول للإسلام في أمريكا يصاحبه تبني مشاعر معادية للصهيونية، ودعم للنضال الفلسطيني، وهو الواقع الذي أصبح ذا أهمية خاصة في الحقبة المعقدة التي أعقبت السابع من أكتوبر.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تنفي أن يكون اجتماع الدوحة مع طالبان لمناقشة الاعتراف بالحركة
  • أسئلة صعبة للرئيس الأمريكي القادم
  • الأمم المتحدة تكشف أهداف الاجتماعات مع طالبان في الدوحة.. وانتقادات
  • أميركا تتجه للسماح بنشر المتعاقدين العسكريين في أوكرانيا
  • اندفاع الأمريكيين نحو الإسلام بسبب العدوان على غزة يثير تساؤلات إسرائيلية
  • وصول المئات من عناصر الشرطة الكينية الى هايتي في أحدث مهمة تدعمها الولايات المتحدة
  • 30يونيو| الرائد ماجد عبد الرازق الذي استشهد برصاص الغدر
  • هل انهارت خطة واشنطن لإنهاء حرب غزة؟
  • مصطفى عبد الرازق.. مؤسس المدرسة الفلسفية العربية
  • التوتر الباكستاني- الأفغاني.. تداعيات بعيدة المدى