تحديات وسبل تعزيز حماية المال العام في ظل التحول الرقمي
تاريخ النشر: 25th, May 2024 GMT
خالد بن حمد الرواحي
حماية المال العام من الأمور المُهمة والتي تشغل الجميع لا سيما في مؤسسات القطاع العام، وتحظى بأهمية كبيرة في ظل التحول الرقمي الذي يشهده العالم؛ لذلك من الأهمية بمكان تسليط الضوء على التحديات التي قد تُواجه حماية المال العام في ظل التحول الرقمي والسبل الفعّالة لتعزيز حمايته، إضافة إلى التركيز على أدوات وتقنيات حديثة يُمكن استخدامها لمُواجهة التحديات الناشئة، وأهمية دور القطاع الأكاديمي ومراجعة التشريعات النافذة وسن تشريعات جديدة لضمان حماية المال ولمواكبة المتغيرات التي تطرأ جراء الطفرات التقنية والمُمارسات المتعلقة بها.
وعرَّفت منظمة الشفافية الدولية، (2018) "حماية المال العام" على أنها الجهود والتدابير التي تتخذها الحكومات والمؤسسات العامة لضمان سلامة الموارد المالية التي تخص الدولة والمجتمع بشكل عام. وتُعتبر المفاهيم الأساسية لحماية المال العام أساسية لتعزيز الشفافية والنزاهة في إدارة المال العام وضمان استخدام الأموال العامة بشكل فعّال وفقًا للأغراض المُخصصة لها. ومن بين الركائز الأساسية لحماية المال العام الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد والتخطيط والرقابة المالية والتدريب والتوعية، إضافة إلى التعاون الدولي في مجال حماية المال العام. عليه تتطلب حماية المال العام تكامل جهود متعددة القطاعات والمستويات، بما في ذلك التشريعات الفعّالة وتطبيقها بشكل صارم، إلى جانب تعزيز ثقافة النزاهة والمساءلة في المؤسسات الحكومية والمجتمع بشكل عام.
ووفقًا لوثيقة الشمول المالي التي أصدرها البنك الدولي في عام 2018، فإنَّ التحول الرقمي يُعد من أبرز الأدوات التقنية التي أثرت على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ومن بين هذه الجوانب تأثيره على حماية المال العام. وبفضل التكنولوجيا الرقميّة، أصبح من المُمكن تحسين الشفافية وزيادة الفعاليّة في إدارة الموارد المالية العامة؛ حيث تُقدم الأنظمة الرقمية والحلول التكنولوجية فرصًا لتبسيط العمليات المالية وزيادة الرقابة والمراقبة على الإنفاق العام، مما يُقلل من فرص الفساد والتلاعب بالمال العام. على سبيل المثال لا الحصر، يُمكن استخدام التقنيات الحديثة مثل تقنية سلسلة الكتل (Blockchain) لتسجيل العمليات المالية بشكل غير قابل للتزوير وضمان شفافية العمليات. علاوة على ذلك، يُمكن للتحول الرقمي تحسين جودة البيانات المالية وتوفير البيانات بدقة وسرعة، مما يُسهل عمليات التقارير المالية ويزيد من دقتها. كذلك ومن خلال تحليل البيانات الضخمة (Big Data)، يُمكن اكتشاف الممارسات غير المشروعة للمال العام واتخاذ الإجراءات الوقائية والتصحيحية المناسبة. بالتالي، يُمكن تعزيز الشفافية والرقابة وتحسين جودة البيانات المالية، وغيرها من التقنيات الحديثة التي تُعزز حماية المال العام. ومع ذلك، يجب أن يرافق هذا التحول الرقمي بتدابير فعّالة لحماية البيانات وضمان أمن النظام المالي العام.
من جانب آخر، لحماية المال العام توجد تحديات عديدة ناتجة عن التطور التكنولوجي السريع واعتماد الحكومات والمؤسسات العامة على تكنولوجيا المعلومات في إدارة الموارد المالية. تتمثل بعض هذه التحديات في ضرورة التصدي لتهديدات الأمن السيبراني ومخاطر الاختراقات الإلكترونية التي قد تؤدي إلى سرقة أو فقدان المال العام. وعلى الرغم من أنّ التحول الرقمي يوفر فرصًا لتحسين الشفافية والفعالية في إدارة المال العام، إلا أنه يجلب معه تحديات مثل الاعتماد الزائد على البيانات الرقمية وتعقيدات حمايتها من الاختراقات وسرقة المعلومات. ويزيد التحول الرقمي من تعقيدات إدارة الخصوصية والتشريعات المتعلقة بحماية البيانات الشخصية والمالية. إضافة إلى ذلك، قد تشهد الحكومات والمؤسسات العامة تحديات في تطوير وتبني التقنيات الرقمية الحديثة بسبب القيود المالية أو الفنية، مما قد يؤثر على قدرتها على مواكبة التطورات التكنولوجية وتحقيق أقصى استفادة من التحول الرقمي في حماية المال العام. ولتحقيق حماية فعّالة للمال العام في العصر الرقمي يجب تبني استراتيجيات متعددة المستويات تركز على تعزيز الأمن السيبراني، وتحسين إدارة البيانات المالية، وتطوير القدرات التقنية للمؤسسات العامة، بالإضافة إلى تعزيز التوعية والتدريب حول مخاطر الأمن السيبراني وضرورة حماية المال العام في العصر الرقمي. (صندوق النقد الدولي، 2018)
واستنادًا إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، (2020) فإن التشريعات والسياسات تلعب دورًا هامًا في تعزيز حماية المال العام وضمان استخدامه بشكل شفاف ونزيه. حيث من المُمكن أن تشمل هذه التشريعات والسياسات عدة جوانب من أهمها:
أولًا: يجب أن تتضمن التشريعات والسياسات الفعّالة إطارًا قانونيًا واضحًا ومحددًا لحماية البيانات والمعلومات المالية الحكومية. كما ينبغي أن تنص هذه التشريعات على متطلبات الأمان السيبراني وحماية البيانات، بما في ذلك الإجراءات المطلوبة لتشفير البيانات وتطبيق التحقق الثنائي. ثانيًا: يجب أن تتضمن هذه التشريعات والسياسات متطلبات صارمة للشفافية والمساءلة في إدارة المال العام. كما ينبغي أن تلزم الحكومات والمؤسسات العامة بنشر المعلومات المالية بشكل دوري وشفاف، بحيث يتسنى للمواطنين والمنظمات المدنية مراقبة استخدامات المال العام والتحقق منها. ثالثًا: يجب أن تتضمن هذه التشريعات والسياسات آليات فعّالة لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة في إدارة المال العام. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز الرقابة الداخلية وتطبيق العقوبات الصارمة على العاملين الذين يخالفون قواعد النزاهة المالية.وفي ذات السياق، فإن التعاون الدولي يمكن أن يكون له دورًا بارزًا في تحسين حماية المال العام، حيث يُسهم في تبادل المعرفة والخبرات والممارسات الجيدة بين الدول، وتطوير الأطر القانونية والسياسية الضرورية لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد. ومن خلال التعاون الدولي، يمكن للدول تعزيز القدرات وتطوير الأدوات والتقنيات اللازمة لتعزيز الرقابة والمساءلة في إدارة المال العام. (صندوق النقد الدولي، 2018).
عليه.. فإنه من الأهمية بمكان تحديث التشريعات القانونية لتكون متلائمة مع التحول الرقمي وتعزيز الحماية الفعّالة للمال العام. وتعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات والممارسات الجيدة لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد. كما يتعين على المنظمات الاستثمار في تطوير وتبني التقنيات الرقمية الحديثة والإسراع في التحول الرقمي لتحسين إدارة المال العام وتعزيز الرقابة والمساءلة. وهذا بدوره سيعزز في تحقيق مستوى عالي لحماية المال العام في عصر التكنولوجيا بالتالي سيُعَظِّمُ الثقة في المؤسسات العامة ويُسهم في تحقيق التنمية المُستدامة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«مستقبل الصحافة الإقليمية و مصيرها في ظل التحول الرقمي» محور نقاش في الخيمة الرمضانية بقناة الدلتا
تواصل قناة الدلتا التابعة لشبكة قنوات المحروسة بالهيئة الوطنية للإعلام، تقديم فقراتها المتنوعة من خلال الخيمة الرمضانية التي تقيمها مساء كل يوم على الهواء مباشرةً، وتستضيف نخبة متنوعة من مختلف الفئات العمرية من مثقفين وأدباء وصحفيين وفنانين وأطباء وغيرهم ويتم تناول محاور عديدة تدور حول طقوس شهر رمضان المبارك والعادات والتقاليد والذكريات.
تضمنت فقرات "الخيمة الرمضانية" موضوعاً هاماً حول دور الصحافة الإقليمية في التوعية ومستقبلها في ظل تنامي الصحافة الإلكترونية الحديثة ومواكبة العصر.
واستضافت أسرة الخيمة، الكاتب الصحفي علاء شبل، والكاتب الصحفى محمد عوف، والشاعر مصطفى منصور، وعدد من المثقفين والأدباء والمواهب الصغيرة.
وطرح مقدم الحلقة الإعلامي عاصم الرفاعي، سؤالاً حول «مستقبل الصحافة الإقليمية و مصيرها في ظل التحول الرقمي» والتقنيات الحديثة في الوسائل الإعلامية، وقال الكاتب الصحفي علاء شبل، أن الصحافة الإقليمية خاصة الورقية، تواجه تحديات كبيرة في ظل التحول الرقمي، ومنها تراجع المبيعات الورقية بسبب انتقال الجمهور إلى المنصات الرقمية للحصول على الأخبار بشكل أسرع وأرخص، و ضعف التمويل والإعلانات حيث تركز الشركات الإعلانية على المنصات الرقمية الكبرى مثل فيسبوك وجوجل، مما يقلل من الإيرادات التقليدية للصحف الإقليمية، كما أن الصحف الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي أصبحت المصدر الرئيسي للأخبار المحلية.
فيما قال الصحفي محمد عوف، يتوقف مستقبل الصحافة الإقليمية على مدى قدرتها على التكيف مع التحول الرقمي، فقد اختفت تدريجياً بعض الصحف التي فشلت في التكيف، بينما نجحت أخرى في التحول إلى منصات رقمية قوية تقدم محتوى محليًا متميزًا.
أضاف أن التحول الرقمي يمثل تحديًا كبيرًا لكنه أيضًا فرصة ذهبية للصحافة الإقليمية لإعادة اكتشاف نفسها ويعتمد نجاحها على الابتكار، واستغلال الأدوات الرقمية، وتقديم محتوى عالي الجودة يلبي احتياجات الجمهور المحلي بطرق جديدة ومبتكرة.
وتناول الشاعر مصطفى منصور محور آخر حول افتقاد الشاشة للدراما الهادفة والتي تعمل على توعية وتثقيف المشاهدين والتي حلت محلها الدراما الهادمة التي تقدم إسفاف لا يعبر عن الواقع، وبشكل مبالغ فيه، مطالباً بعودة قطاع الإنتاج الذي يعد بمثابة حائط الصد ضد كل ماهو مسف ومبتزل.
كما تخللت الفعالية فقرات فنية وشعرية لعدد من المواهب.
قدم برنامج الخيمة الإعلامي عاصم الرفاعي، وأعد فقراتها هشام حنجل وأخرجها الدكتور السيد موسى، ويتولى الإشراف الهندسي المهندس أحمد ممدوح عثمان، مدير تشغيل استوديوهات قناة الدلتا، وتتنوع فقرات الخيمة بحسب البرنامج المعد يومياً والشخصيات التي يتم استضافتها، فضلاً عن الفقرات الفنية المتنوعة.
وتأتي الخيمة الرمضانية ضمن جهود قناة الدلتا لتعزيز الدور الإعلامي والثقافي، وتسليط الضوء على المواهب الشابة والرموز الفنية والثقافية في الدلتا، في أجواء رمضانية تعكس روح الشهر الفضيل.