جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-29@19:41:01 GMT

السيب.. المعبيلة

تاريخ النشر: 25th, May 2024 GMT

السيب.. المعبيلة

 

أحمد الرحبي

ضمن المُناطق المُتميزة في مدينة مسقط، والمُختلفة كليًا عن بقية المناطق الأخرى، تبرُز السيب بمساحتها المنبسطة التي لا تُعيقها الجبال ومجاري الأودية، مثل بقية المناطق في مسقط؛ فالسيب التي كانت منذ القِدم بلدة ساحلية وواحة زراعية في نفس الوقت، تتميز بفرادة الاتساع في المساحة والامتداد المفتوح بلا عوائق، عكس مناطق مدينة مسقط الأخرى؛ حيث الجبال ومجاري السيول، تقلل المساحات القابلة للسكن والتعمير.

أما السيب الخالية من التكوينات الجبلية، فتجد الانبساط في الأرض يوفر مساحة ممتدة، والمجاري السيلية لا تؤثر على هذه المساحة، رغم أنَّ السيب تقع على حوض وادي سمائل الذي يعد من أكبر الأودية في السلطنة وأغزرها، فالسيول تجري بسلاسة إلى البحر، نظرًا لعامل المساحة المفتوحة والانبساط الذي يميز الأرض في السيب.

والسيب كما وصفها الرحالة البريطاني برترام توماس بلدة مُهمة يأتيها السكان من العاصمة في شهور الصيف، والحياة فيها بسيطة. ويضيف: "وأنه ليس من الصعوبة بمكان أن يدخل أي شخص إلى حدائق النخيل، ويأخذ ما يُريد دون أن يغضب صاحبها، فحفنة من التمر لا تؤثر، وهي ليست بعزيزة على المحتاج إليها".

كما يورد توماس في كتابه "مخاطر الاستكشاف في الجزيرة العربية" عن السيب: "ويزور التجار كثيرًا "السيب" لاستثمار نقودهم في تجارة التمر، والمحاصيل الأخرى، أو لقضاء الصيف مع ذويهم. وسكان السيب الذين قاموا برحلات لزنجبار والهند والعراق قد جلبوا معهم محاصيل وزهورًا جديدة لزراعتها هنا. والهواء هنا معطر بالياسمين والحنة، والفاكهة هنا ناضجة، وهي مُعلقة فى الأغصان وكأنَّها لا تعرف يد الفلاح أبدًا، ومن الأشجار التي تنمو في منطقة السيب أشجار المانجو وجوز الهند".

وكانت السيب قبل أن تشهد امتدادها المتعاظم في مساحة السكنى، بلدة ساحلية وادعة وواحة زراعية غنّاء تمتاز بمزارعها الوارفة الظلال، كون موقعها على حوض وادي سمائل وفَّر لها غزارة المياه الجوفية وغنى التربة الزراعية التي تشكلت من الطمي الذي جلبته فيوض السيول على امتداد آلاف السنين، هذه البيئة الزراعية وخصوبة الأرض جعل من السيب مصيفًا لسكان مسقط، هربًا من حرارة الصيف اللاهبة، وشكلت مزارعها، إضافة إلى الظلال المُنعشة التي توفرها، حتى وقت قريب مصدرًا غنيًا لإنتاج التمور والخضراوات وثمار المانجو والليمون.

لقد شهدت السيب أواخر عقد السبعينيات وبداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، امتدادًا كثيفًا للمناطق السكنية؛ فالبلدة الساحلية ضيقة المساحة ذات الطابع الريفي، تحوّلت إلى مدينة سريعة النمو في فترة قياسية؛ فتنامى العمران وزادت الكثافة السكانية، خاصةً مع اختيار السيب كمكان جاذب نظرًا للسعة والامتداد المفتوح بلا مخاطر من جراء السيول كبقية المناطق في مسقط، وهربًا من ضيق المساحة والاكتظاظ في شرق المدينة... كلها عوامل أدت إلى قيام أحياء ومناطق سكنية جديدة بشكل متسارع كالخوض والموالح والحيل.

وهذا الامتداد والكثافة العمرانية التي شهدتها السيب خلال عقد أو عقد ونصف العقد، جعلها تبرز كمدينة كبيرة، تضم كثافة سكانية متعاظمة في كل يوم بسبب رغبة السكان في الاستقرار فيها؛ سواء القادمين من وسط مسقط ضيق المساحة والمكتظ بالسكان، أو القادمين للاستقرار في مسقط، من الباطنة والداخلية والشرقية.

وحتى أواخر الثمانينيات كانت السيب لم تبدأ بعد كثافة الاستيعاب القصوى للسكان، برغم النمو السكاني المتسارع الذي تشهده، وحينها كان السهل المنبسط والمتميز بارتفاعه عن مجاري السيول، الذي تشكله المعبيلة، أرض فضاء واسعة ولم يكن هذا المكان، حتى بداية التسعينيات، إلّا سهل واسع من الحصباء ومن الوهدات والهضبات الرسومية، وبعض شجرات السنط التي تقاوم بتحدي لهيب الشمس وعصف الرياح، على قلة مواردها المائية. ولقد كانت النقلة المفاجئة للمعبيلة من مجرد سهل أجرد إلى منطقة ذات كثافة سكانية تفرض قيمتها العالية في السوق العقاري، في بداية التسعينيات، مع وصول واستقرار أولى الأفواج، الذين انتقلوا من العذيبة والغبرة (كانوا يقطنون في مساكن بمواد غير ثابتة على جانبي شارع السلطان قابوس)، في إطار إجراءات تنظيم مدينة مسقط وتطويرها، ضمن خطة تطوير مدني وعمراني شملت العديد من المناطق في مسقط، أشرف عليها ديوان البلاط السلطاني في ذلك الوقت.

ولقد تزايدت كثافة العمران في المعبيلة بشكل متسارع، مع تزايد القادمين من وسط مدينة مسقط، ومن الباطنة والداخلية والشرقية، للاستقرار فيها، ولقد أدّى هذا التزايد للسكان والكثافة السكانية في المعبيلة، إلى امتلاء السهل المفتوح، رغم امتداده واتساعه، وهو ما ادى إلى اعتبار المعبيلة أكثر منطقة تشهد كثافة سكانية وسكينة، بنمو متسارع، في السلطنة. وتشهد المعبيلة حاليًا تنفيذ مشروع رائد للإسكان بمواصفات المدينة الذكية، هو مشروع "مدينة السلطان هيثم" المدينة التي يُنتظر أن تُوفِّر لقاطنيها الرفاهية والاستدامة، وفق خطط عالمية رائدة في بناء وتطوير المدن؛ حيث تُشكِّل مدينة السلطان هيثم التي خُططت على مساحة 14.8 مليون متر مربع، وجهة جاذبة ومعززة للاستثمار، وهي تمثل نموذجًا للمُدن المستقبلية في السلطنة.

وما زال صوت سائق الأجرة في موقف سيارات الأجرة في روي يتردد صداه: "السيب.. المعبيلة"، يدعو الركاب، وإن بَعُد المشوار، من وسط مدينة مسقط إلى غربها.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«المسرح العربي» .. نجاح بكل المقاييس

بعد أن احتفل المسرحيون العرب فـي مسقط بيوم المسرح العربي الذي يوافق العاشر من يناير من كلّ عام، مع انطلاق فعاليات الدورة الخامسة عشرة من مهرجان المسرح العربي، عاد المشاركون الذين يقدّر عددهم بـ 500 مسرحي عربي قَدِموا من مختلف أنحاء العالم، وجاء توقيت موعد إقامة المهرجان مناسبا مع اعتدال درجات الحرارة، وتنشيط السياحة، متزامنًا مع إقامة بلدية مسقط فعاليات (ليالي مسقط)، وحين انتهت فعاليات المهرجان، عادوا إلى بلدانهم محمّلين باللبان الظفاري، والحلوى العمانية والتمور، والقهوة، والكتب، والأزياء الشعبية التقليدية، والكثير من الانطباعات التي نشروها فـي الصحافة العربية ومواقع التواصل الاجتماعي، وتحدّثوا فـيها عن نجاح الدورة التي أقامتها الهيئة العربية للمسرح بالتعاون مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب، والجمعية العمانية للمسرح، وهي الدورة الرابعة التي تقام فـي دول الخليج (بعد قطر 2013، والشارقة 2014، والكويت 2016)، وعبّروا من خلال تلك المنشورات المدعومة بالصور، والفـيديوهات عن ارتياحهم لحُسن التنظيم، وجودة العروض، والندوات وحلقات العمل والحضور الجماهيري الذي لاقته العروض التي قدّمت فـي أكثر من مسرح، وحتى المسافات الفاصلة بين المسارح التي وُصِفت بالطويلة، وجد فـيها د.عصام السيد فـي مقاله (أيام فـي مسقط) فرصة سانحة لمشاهدة مسقط من خلال النظر من نافذة السيارة والتمتع بجمالها ومن تلك المشاهدات خرج بانطباع لخّصه بقوله: «لا عجب أن تفوز مسقط فـي كثير من الاستطلاعات والمناسبات كواحدة من أجمل العواصم فـي العالم بفضل مناظرها الطبيعية الساحرة والتطور الحضري المميّز مما يجعلها وجهة سياحية تجمع بين التاريخ والثقافة والجمال الطبيعي وصنفت كسادس أفضل عاصمة للسياح وثالث أجمل مدينة فـي العالم».

وهذه من أهم فوائد السياحة الثقافـية أو سياحة المؤتمرات، وسلطنة عمان تمتلك الكثير من المقوّمات التي تؤهّلها لذلك، فموقعها استراتيجي، ولها مكانة سياسية وحضارية وتاريخية وثقافـية، وقد رافقنا الضيوف داخل مسقط فـي سوق مطرح، والشواطئ الجميلة والنظيفة وخارجها، عندما أعدّت اللجنة المنظّمة رحلة سياحيّة إلى نزوى، وقلعتها الشامخة، والسوق الشعبي القديم، حيث وجدوا الحلوى العمانية والتمر بانتظارهم، قبل تناولهم وجبة تقليدية من المطبخ العماني، وقبل أن ينتقلوا إلى متحف (عمان عبر الزمان) فـي منح، وقد لاحظنا انبهارهم بكلّ ما شاهدوه، وخصوصا حسن الاستقبال الذي جرى على الطريقة التقليدية من خلال أداء (الرزحة)، والأغاني والرقصات الشعبية الترحيبية بالضيوف التي اختصرت الكثير من الكلام الذي يستحق أن يقال، فكل ما فـي سلطنة عُمان له خصوصية، وقد لمسوا هذه الخصوصية، من خلال هذه الجولات السياحية وكل هذه المقومات تجعل سلطنة عمان مؤهّلة لاحتضان مثل هذه المؤتمرات، وهذا ينعكس على الجانب الاقتصادي ويعزّز تأثير سلطنة عمان الإقليمي والدولي فـي عالم يتجه للسياحة لدعم الاقتصاد الوطني، وليس هذا فقط بل المردود الثقافـي، والذي لفت أنظار الجميع هو أن نسبة كبيرة من العاملين فـي تلك المرافق التي زاروها من المواطنين، يقول د. حمد العزري: «إن ما يميزنا فـي سلطنة عمان أن لدينا تاريخا أصيلا وعراقة وتراثا عميقا، وبيئة خصبة نقية ممتازة ومتنوعة وشعبا مضيافا والشعب هو رقم واحد».

وفـي النهاية نجاح التجربة سيشجّع القائمين عليها على استمرارها وستقام على مدار العام، خصوصا بعد الانتهاء من مشروع المسرح الوطني الذي سيبنى على مساحة 16 ألفا وحوالي 500 متر مربع ويضمُّ عدّة قاعات من المقرّر لها أن تستوعب الكثير من الأنشطة، وهذا من شأنه أن يدفع الحركة المسرحية العُمانية للأمام.

لقد حقّقت الدورة نجاحا بكلّ المقاييس، بشهادة المشاركين، وذلك بفضل الخطوات المدروسة، والتحضيرات المسبقة التي قام بها المسؤولون فـي وزارة الثقافة والرياضة والشباب، والهيئة العربية للمسرح والجمعية العُمانية للمسرح، فقطف الجميع ثمار نجاح الدورة.

عبدالرزّاق الربيعي شاعر وكاتب عماني

مقالات مشابهة

  • ضباط أمريكيون: المعركة البحرية مع اليمن أكثر كثافة وخطورة منذ الحرب العالمية الثانية
  • «المسرح العربي» .. نجاح بكل المقاييس
  • أمير قطر: دار الأوبرا السُّلطانية جسر حضاري للتواصل مع العالم
  • السيب يزيد جراح أهلي سداب.. ومسقط يلحق الخسارة بنادي عُمان
  • وزير التجارة والصناعة يبحث مع نظيره القطري سبل زيادة التجارة بين البلدين
  • شهاب بن طارق: فريق الطائرة بنادي السيب حقق انجازا في البطولة العربية
  • قمة الزعماء العظام في مسقط
  • متنزه المعبيلة الجنوبية .. متنفس بتصميم عصري يعزز جودة الحياة
  • السيب يطمع في نقاط أهلي سداب.. ومسقط يتحدى نادي عمان
  • تعيين مدير عام جديد لشركة الأسماك العمانية