كاتبة: ما عنيتُه بـ “صراع الجنرالات” في السودان!
تاريخ النشر: 25th, May 2024 GMT
قبل أسبوعين نشرت هنا مقالًا بعنوان “لولوة الخاطر.. قطرية تكشف زيف شعارات الغرب حول حقوق المرأة”، من جملة ما تضمنه المقال كان جهود الوزيرة القطرية في العمل الإغاثي بالسودان، وقلت نصًا عن دولة السودان: “الغرب لا يراها على الخارطة، ولم يلق بالا للمرأة السودانية التي تُسلب شرفها ومالها وذويها، وتركها فريسة لصراع الجنرالات”.
على إثر ذلك، أرسل لي أحد الأشقاء السودانيين التابعين لجهات رسمية اعتراضًا على مصطلح “صراع الجنرالات”، بأنني قد جانبني الصواب في توصيف حالة الحرب، وأتبعوا هذا الاعتراض بتوصيفهم للحرب بأن طرفيها هما الدولة السودانية ومليشيات الدعم المتمردة.
وأختصر الرد على الأشقاء من خلال تلك السطور:
من المتعارف عليه أن توجهات الكاتب لا تؤخذ من سطر أو بعض سطر من كلامه، بل ينبغي تتبع كتاباته وضم بعضها إلى بعض لكي يتم معرفة توجهاته على بينة وبصيرة، فما من صاحب قلم لم يخنه لفظه، ولا يسلم كاتب من أن يُفهم كلامه على غير مراده.
فاستخدامي عبارة “صراع الجنرالات” لا تحمل المعنى الذي فهمه بعض الأشقاء من كونه صراعًا شخصيًا بين رجلين عسكريين يسعى كل منهما لتحقيق أطماعه ونفوذه من خلال ذلك الصراع، ولم يتضمن مقالي ما يفيد بأنني أضع الجانبين على قدم المساواة.
فكتاباتي حول الأزمة في السودان سواء في المواقع والصحف أو على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، تتضمن هجومًا لاذعًا على قوات الدعم السريع، التي تضم المرتزقة الأفارقة، وترتكب الجرائم البشعة بحق الشعب السوداني من قتل وتهجير واغتصاب للنساء ونهب للأموال وإشاعة الفوضى.
لكنني عنيت بصراع الجنرالات، أنه صراع بين جهات عسكرية، بين البرهان الذي يقود الجيش السوداني، وبين حميدتي الذي هو شئنا أم أبينا رجل عسكري، فعلى الرغم من أنه بالأصل من خارج المؤسسة العسكرية، إلا أن مليشياته استعان بها البشير في دارفور وأضفى عليها الشرعية بتسميتها قوات الدعم السريع، وفق مرسوم رئاسي صدر في 2013م، ثم برز على المسرح السياسي، وتم تعيينه نائبا للبرهان في المجلس العسكري، ثم عضوًا في مجلس السيادة الانتقالي، فهل بعد ذلك أكون مخطئة في وصفه بأنه شخصية عسكرية؟!
فهذا ما عنيته بصراع الجنرالات، أنه صراع بين قوتين عسكريتين، فلا أرى أنه تعبير يثير هذا القدر من الحساسية حول توصيف الصراع، خاصة وأنني – كما أسلفت- أهاجم مليشيات الدعم السريع التي تعيث في أرض السودان فسادًا، بينما لم أتعرض بسطر واحد للجيش السوداني، باستثناء انتقادي إياه في أمور أخرى، كضعف التسليح، وضعف الأداء الإعلامي والدبلوماسي الحكومي، مقابل التحركات السياسية والدبلوماسية التي يقوم بها حميدتي باتجاه الدول الإفريقية لدعم موقفه.
وعند حديثي عن المقاومة الشعبية التي نشأت لحماية الشعب من بطش قوات الدعم، أكدت على ضرورة أن يستثمر الجيش السوداني هذا الحديث بالرعاية الكاملة للمقاومة والإشراف على تسليحها، بحيث تكون لديه قاعدة بيانات بالأسماء وقطع الأسلحة، وتوعية القبائل والأهالي بأنها حالة خاصة اضطرارية، وأن مصلحة الدولة تحتم تسليم السلاح بعد انتهاء الحرب وتوثيق هذا الاتفاق مع القبائل، منعًا للفوضى.
وحتى أكون صادقة، أنا بالأساس ضد حكم العسكر في أي دولة، لكن في الحالة السودانية أنظر بشكل شخصي إلى الجيش السوداني على أنه يمثل الدولة حاليا ضد أخطار قوات الدعم الممولة خارجيًا، وأن هذه الحكومة هي التي يعول عليها في تحقيق طموحات الشعب في الانتقال إلى حكم مدني، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
إحسان الفقيه – الشرق القطرية
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوات الدعم صراع ا
إقرأ أيضاً:
الدور التركي في النزاع السوداني مابين الوساطة والمصالح الاستراتيجية
منذ اندلاع النزاع المسلح في السودان، برزت العديد من القوى الإقليمية والدولية كلاعبين رئيسيين يسعون إلى تحقيق مصالحهم عبر الوساطة أو التدخل غير المباشر. من بين هذه القوى، كانت تركيا حاضرة في المشهد، سواء من خلال محاولات الوساطة بين الأطراف المتحاربة، أو عبر تحركاتها الاستراتيجية في المنطقة، بما في ذلك تعزيز وجودها العسكري في تشاد القريبة من الحدود السودانية. هذا المقال يستعرض دور تركيا في النزاع السوداني، علاقتها مع الأطراف المختلفة، مصالحها الاستراتيجية، وتأثير ذلك على مستقبل الصراع.
تركيا كوسيط بين الأطراف المتصارعة
مع تصاعد القتال في السودان، حاولت أنقرة تقديم نفسها كوسيط قادر على جمع الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات. وضمن هذا الإطار، عرضت تركيا التوسط بين حكومة الأمر الواقع في بورتسودان ودولة الإمارات العربية المتحدة، في محاولة لاحتواء الخلافات المرتبطة بالصراع السوداني.
كما شهد يناير 2025 زيارة وزير الخارجية التركي إلى السودان، حيث التقى بالقيادة العسكرية لمجلس السيادة الانتقالي في بورتسودان، وقدم مقترحات لحل النزاع بالتنسيق مع دول إقليمية أخرى. تعكس هذه التحركات رغبة أنقرة في لعب دور سياسي في الملف السوداني، مستغلة علاقتها المتوازنة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية ذات الصلة بالصراع.
الإسلاميون السودانيون في تركيا ودورهم في الصراع
تركيا تستضيف منذ سنوات عدداً من الإسلاميين السودانيين الذين غادروا البلاد بعد سقوط نظام البشير، والذين ما زالوا يمتلكون نفوذاً في المشهد السياسي والعسكري السوداني. بعض هؤلاء الإسلاميين يدعمون الجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع، بينما يفضل آخرون التهدئة والانخراط في عملية سياسية تضمن لهم دوراً مستقبلياً في الحكم.
وفي هذا السياق، ظهرت تقارير تفيد بأن قيادات إسلامية سودانية في تركيا تحاول التأثير على القرار العسكري والسياسي داخل السودان، سواء من خلال دعم الاتصالات بين الحكومة السودانية وأنقرة، أو عبر تحركات دبلوماسية تهدف إلى كسب التأييد الدولي لموقف الجيش السوداني.
علاقة تركيا بقوات الدعم السريع واللقاءات السرية
رغم دعمها الرسمي للجيش السوداني، لم تقطع أنقرة اتصالاتها مع "قوات الدعم السريع"، حيث عُقد في الأسبوع الأخير من ديسمبر 2024 لقاء سري في نيروبي بين مسؤولين أتراك وقيادات من الدعم السريع. خلال هذا الاجتماع، طلب قادة الدعم السريع من المسؤولين الأتراك أن يكون لتركيا دور في الاتفاق السياسي القادم بعد الحرب، كما طالبوا بتأمين حضور تركي في مرحلة إعادة الإعمار.
يبدو أن أنقرة تحاول الحفاظ على خطوط تواصل مفتوحة مع جميع الأطراف السودانية، تحسباً لأي سيناريوهات قد تطرأ في المستقبل، بما في ذلك احتمالات التسوية السياسية التي قد تفرض إشراك قوات الدعم السريع في أي اتفاق جديد.
الوجود العسكري التركي في تشاد وتأثيره على النزاع السوداني
في خطوة تعكس اهتمام تركيا بتوسيع نفوذها الإقليمي، تستعد أنقرة لتعزيز وجودها العسكري في تشاد عبر الحصول على قاعدتين عسكريتين بالقرب من الحدود مع ليبيا والسودان، وهما قاعدتا "أبشي" و"فاي لارجو"، اللتان انسحبت منهما القوات الفرنسية مؤخراً.
يمثل هذا التحرك تحولاً استراتيجياً، حيث يمكن لتركيا استخدام هذه القواعد لتعزيز حضورها في منطقة الساحل الإفريقي، والتأثير على التوازنات العسكرية في السودان وليبيا، خاصة في ظل التداخل بين المجموعات المسلحة السودانية والميليشيات الموجودة في تلك المناطق.
المصالح التركية في إنهاء الصراع السوداني
تمتلك تركيا عدة دوافع تجعلها حريصة على إنهاء الحرب في السودان، من بينها-
دور رئيسي في إعادة الإعمار ولقد حصلت تركيا على وعود من بعض الدول الخليجية بأن تكون شركاتها من الفاعلين الأساسيين في مشاريع إعادة الإعمار بالسودان بعد انتهاء الحرب، مما يمنحها فرصة اقتصادية مهمة.
تعزيز النفوذ الإقليمي و تسعى تركيا إلى توسيع نطاق تأثيرها في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، حيث تمتلك مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية، ويرتبط السودان بموقع استراتيجي يخدم هذا الهدف.
العلاقات الاقتصادية السودان يمثل سوقاً واعدة للاستثمارات التركية في مجالات الزراعة والبنية التحتية والطاقة، وبالتالي فإن تحقيق الاستقرار في البلاد يخدم المصالح الاقتصادية لأنقرة.
تأمين نفوذها في تشاد والساحل الإفريقي , تعزيز الوجود العسكري التركي في تشاد يمنحها موطئ قدم قوي يمكن استخدامه لدعم مصالحها في السودان، سواء من خلال تقديم دعم مباشر للحكومة السودانية، أو عبر التأثير على مسارات الحل السياسي.
تلعب تركيا دوراً محورياً في النزاع السوداني، مستفيدة من علاقاتها مع مختلف الأطراف المتصارعة وسعيها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. وبينما تحاول أنقرة تقديم نفسها كوسيط سياسي قادر على إنهاء الحرب، فإن تحركاتها العسكرية والاقتصادية تكشف عن طموحات أوسع تتجاوز مجرد الوساطة، لتشمل إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي والساحل الإفريقي.
*ويبقى السؤال الأهم وهو هل ستنجح تركيا في تحقيق توازن بين دورها كوسيط وبين مصالحها الاستراتيجية، أم أن تدخلها في الملف السوداني سيؤدي إلى تعقيد المشهد أكثر؟*
zuhair.osman@aol.com