زيارة جنبلاط إلى الدوحة: رهان على دور قطر.. وبري!
تاريخ النشر: 25th, May 2024 GMT
استقطبت زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط إلى العاصمة القطرية الدوحة الاهتمام للكثير من الاعتبارات والأسباب، أولاً بالنظر إلى محتواها "الغني" باللقاءات التي توّجهها باجتماع مع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وثانيًا لكونها الأولى من نوعها للرجل منذ أيار 2008، حين استضافت الدوحة محادثات بين القادة اللبنانيين، أفضت بالنتيجة إلى إعلان ما سُمّي بـ"اتفاق الدوحة".
على تشابه الظروف واختلافها، جاءت زيارة جنبلاط إلى الدوحة هذه المرّة لتكرّس الدور الذي تلعبه الدوحة، سواء ضمن "المجموعة الخماسية" النشطة بشأن لبنان، أو بصورة مستقلّة عنها، ولو غير منفصلة من حيث التنسيق، وربما أيضًا الدور المأمول منها من جانب بعض القوى السياسية التي لا تتردّد في القول إنّ الدوحة قادرة على أن تلعب مجدّدًا الدور الذي لعبته عام 2008، وإن لم يكن المُراد من ذلك "اتفاق دوحة 2".
وإلى جانب الرسائل التي تحملها الزيارة من حيث الشكل، فإنّ المواقف التي أطلقها جنبلاط على هامشها، وخصوصًا خلال لقائه بالجالية اللبنانية، حملت هي الأخرى رسائل أساسيّة، سواء في ما يتعلق بالحرب التي قال إنّها "ليست إلا في بداياتها"، أو في الموضوع الداخلي، الذي ظهر على خطّه رهانان، واحد على دور قطر التي "كانت وستبقى داعمة للبنان"، وثانٍ على "الجهود المضنية الجبارة" لرئيس مجلس النواب نبيه بري.
"مخاوف" جنبلاط
بالحديث عن "مضمون" زيارة جنبلاط إلى الدوحة، والتي التقى خلالها أمير دولة قطر كما رئيس الحكومة وغيرهما من المسؤولين رفيعي المستوى، لا يمكن للمتابعين سوى أن يتوقفوا عند مضمون ما أدلى به الرجل عن الحرب التي "ليست إلا في بداياتها"، والتي "ستستمرّ إلى آخر العام وربما تتجاوزه، وحتى إلى بعد الانتخابات الأميركية"، وعند تحذيره من أنّ "رؤساء أميركا وغير أميركا لا يبالون لا بفلسطين ولا بجنوب لبنان".
وعلى الرغم من أنّ مثل هذا الكلام قد يبدو "مخيفًا" للبعض، إلا أنّ العارفين ينفون صفة "التهويل" عنه، ولو أنّ ما يثير الانتباه أنّه يصدر من الدوحة تحديدًا، ما قد يعني أنه سمع كلامًا "غير مطمئن" من المسؤولين القطريين، وهم في صدارة المعنيّين بمفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة، والتي يبدو بحسب الكثير من المعطيات أنّها قد وصلت إلى "حائط مسدود"، حتى لو أنّ صفحتها لم تُغلَق بالكامل بعد.
وفي هذا الصدد، يُدرِج المتابعون كلام جنبلاط هذا الذي أقرنه بدعوة إلى "التضامن والوحدة"، في سياق الدعوات التي يطلقها منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، وبالتوازي على جنوب لبنان، لتحصين الوحدة الوطنية في مواجهة كل الاحتمالات، بما فيها أسوأ السيناريوهات، خصوصًا في ظلّ الوعيد الإسرائيلي بـ"صيف ساخن" الذي يخشى كثيرون من أن يصبح أمرًا واقعًا، في حال لم تأتِ "التسوية" التي يُعمَل عليها قبل ذلك.
"رهانات" جنبلاط
أبعد من الحديث "المتشائم" عن الحرب، والذي قد يكون المغزى منه حثّ الأفرقاء على "التضامن والوحدة"، يتوقف المتابعون عند بعض الدلالات التي تحملها الزيارة، معطوفة على ما أدلى به "البيك" أمام الجالية اللبنانية، وهي بمجملها تتقاطع أيضًا عند الميل "الجنبلاطي" نحو تغليب منطق الحوار والتسوية، بعيدًا عن مشروع "الغلبة" الذي لا يستقيم في لبنان، وهو ما أشارت بعض التسريبات إلى أنّ جنبلاط أكّده للقطريين خلال اللقاءات التي عقدها في الدوحة.
في هذا السياق، يبرز "رهان" جنبلاط على دور قطريّ جوهريّ، انطلاقًا من موقعها "الفاعل" في إطار المجموعة الخماسية، التي يبدو أنّ "البيك" يشجّعها على المضيّ في جهودها، من أجل الوصول إلى انتخاب رئيس "وفق الحوار والتسوية"، وهو ما يتلاقى بشكلٍ أو بآخر مع ما يدعو إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان لافتًا حجم "الإشادة" بدوره وجهوده، خصوصًا لجهة محاولة فصل المسارات بين لبنان وغزة.
وإذا كان هناك في المعارضة من حاول إعطاء هذا الكلام تحديدًا بُعدًا آخر باعتباره يتناقض مع رؤية "حزب الله" المُصِرّ في المقابل على "تلازم المسارات"، والذي يؤكد أنّ إخماد الجبهة اللبنانية مشروط بوقف إطلاق النار في غزة، فإن هناك من يرى في المقابل أنّ جنبلاط وجّه في الوقت نفسه رسالة لا تحتمل اللبس لجهة "فكّ المسار" مع المعارضة، بدعوته إلى انتخاب رئيس "أيًا كان"، وفق منطق الحوار، وهو ما يتعارض مع منطق حلفائه المفترضين.
قد تكون زيارة جنبلاط إلى الدوحة في إطار "جسّ النبض"، أو قد تكون جزءًا من حراك أوسع تقوم به دولة قطر لتقريب وجهات النظر، لكنّ الثابت في "الرسائل" التي أراد "البيك" إرسالها، أنّ توافق القوى السياسية في الداخل يبقى الأساس. الحرب في بدايتها، والحلّ بالحوار والتوافق، قال جنبلاط، فاتحًا بذلك الباب ربما أمام كلمة السرّ التي يرى كثيرون أنّها وحدة القادرة على "تحرير" الرئاسة، كما سائر "الجبهات".. وهي "التسوية"!
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
رئيس جامعة الأزهر: الحوار منطق العقول الراشدة التي تسعى للصواب بعيدا عن الضجيج
أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن المؤتمر الذي تعقده كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر بعنوان: « الدعوة الإسلامية والحوار الحضاري رؤية واقعية استشرافية»، مؤتمر مهم أحسنت الكلية في اختيار موضوعه، لافتًا إلى أن عنوان المؤتمر السابق لكلية كان: «نحو شراكة أزهرية في صناعة وعي فكري آمن رؤية واقعية استشرافية »، والقاسم المشترك بين المؤتمرين هو الحرصُ على تحديد آفاق الرؤية التي تضع عينا بصيرة على الواقع بهمومه وقضاياه وتضع العين الثانية على استشراف المستقبل لترمق ملامحه من بعيد، والنفوس شغوفة بما يكون في المستقبل تسترق السمع، تتحسس صورته التي ربما لا يمهلها الأجل لتراها رأي عين.
ودعا رئيس جامعة الأزهر، خلال كلمته بالمؤتمر، اليوم الأحد، إلى ضرورة أن يَعْمَلَ الإنسانُ في يومِه لما يُسْعِدُهُ في غده، مستشهدًا بمقولة سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"، وأن التخطيط للمستقبل والسعي لما يحقق تقدم العباد والبلاد لتُتِمَّ الأجيالُ القادمةُ ما بدأته وتعبت فيه الأجيالُ المعاصرة لهو من أهم وسائل القوة والنجاح والتقدم والازدهار، وقد سبقتنا الأمم بإتقانها هذا التخطيطَ وإحسانِها رؤيةَ آفاق المستقبل التي تقوم على أسس قوية وأعمدة راسخة تؤسس للبناء عليها في المستقبل.
وفي حديثه عن الحور الحضاري، بيَّن رئيس جامعة الأزهر أن موقع الحوار من الدعوة الإسلامية كموقع الرأس من الجسد، ولا يصلح الجسد إلا بالرأس، وتاريخ الحوار موغلٌ في القدم، يعود إلى بَدْءِ خلق الإنسان، حين خلق الله تعالى سيدنا آدم عليه السلام وأمر الملائكة بالسجود له وأمر إبليس بالسجود له، فدار حوار بين الله جل جلاله وبين الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، كما جرى الحوار بينه سبحانه وبين إبليسَ أشقى خلقه، وبينه سبحانه وبين سيدِنا آدمَ وذريتِه الذين كرَّمَهُم الله جل وعلا وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا، وقص الذكر الحكيم هذه الحواراتِ في كثير من سور الكتاب العزيز، ولو شاء سبحانه لأمرهم جميعا فأتمروا، ونهاهم جميعا فانتهُوا، ولكنه جل وعلا يعلمنا أن نلزم الحوار سبيلا مع الأخيار والأشرار، لتتضح الحجة، ويَمِيزَ الحقُّ والباطل، ليحيا من حَيَّ عن بينة ويَهْلِكَ من هلك عن بينة. وهكذا يعلمنا الذكر الحكيم حتى لا نَغْفُلَ عن هذه الوسيلة الإقناعية.
وأوضح فضيلته أنه بالحوار قامت السماوات والأرض فلم يقهرهما خالق القوى والقدر على طاعة أمره حين خلقهما، ولو قهرهما لخضعتا وذلتا، بل خيرهما وحاورهما وسجل ذلك في محكم التنزيل العزيز فقال سبحانه: " ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ( فصلت 11). مضيفًا فضيلته أن الحوار هو منطق العقول الراشدة التي تسعى إلى الوصول إلى الصواب والسداد، في أناة وحيدة وإنصاف، بعيدا عن التشويش والضجيج الذي يملأ الأفق ويسد المسامع ويعصف بالحق.
وأكد فضيلته أن الحوار الحضاري هو الحوار الصادق الذي يتغيا الحق والعدل والإنصاف، وليس فيه " حق الفيتو " الذي يغلب فيه صوت الفرد أصوات الجماعة، وكما قالوا "رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها"، حق الفيتو الذي تستحل به الدولة العظمى القوية دماء الدول المستضعفة وتستبيح قتل رجالها ونسائها وأطفالها كما يحدث اليوم في غزة في حرب ضروس استشهد فيها أكثرُ من أربعين ألفِ شهيد، منهم أكثرُ من عشرة آلاف طفل لا تتجازو أعمارهم سن العاشرة، فضلا عن النساء والعجائز.
وتابع فضيلته أن هذا يحدث منذ سنة كاملة من الإبادة الجماعية التي تقوم بها آلة الدمار الصهيوني على مرأى ومسمع من العالم الذي طالما تغنى بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأقام البرلمانات الدولية وتفاخر باعتمادها على حرية الرأي والحوار الحضاري واحترام العهود والمواثيق الدولية إلى آخر هذه العبارات الطنانة التي لا وجود لها عند التعامل مع المسلمين.
وأضاف أن لغة الحوار هي لغةُ العقل والمنطق، ولغةَ الحرب هي لغةُ السلاح والدمار، فيا عقلاء العالم: لماذا تركنا لغة السلام إلى لغةِ السلاح، ومنطقِ السلاح، ودمارِالسلاح، وإزهاقِ الأنفس والأرواح؟
فهل يمكن أن نجتمع على كلمة سواء توقف هذا الدمار؟ هل يمكن أن تصمت أصوات المدافع وتنطق أصوات الحوار الراشد بالدعوة إلى الاحتكام إلى العقل والمنطق والحكمة والسلام؟
وقال رئيس جامعة: "إنني على يقين أن أمتنا الإسلامية إذا اتحدت واجتمعت كلمتُها فإن وَحدتها جديرةٌ بأن تُذْهِبَ " حق الفيتو " إلى غير رجعة، وتَرْكُمَه في مزبلة التاريخ، لأنه حقٌّ قام على الظلم والجَور والعدوان، وليس له مثقالُ ذرة من وصف الحق الذي يحمل اسمه، فهو حق أُرِيدَبه باطل، وظلمٌ ينبغي حَذْفُهُ من جميع المواثيق الدولية، بل هو رِجْس ونَجَسٌ لا يغسل أدرانَه ماء البحر!!
وفي ختام كلمته، أعرب فضيلته عن تقدير جامعة الأزهر لهذه الجهودَ المخلصة التي يقوم بها فضيلة الإمام الأكبر الأستاذُ الدكتور أحمد الطيب شيخُ الأزهر الشريفِ حفظه الله تعالى في ملف مهم جد، ملفِّ " الحوار الإسلامي الإسلامي " الذي يسعى إلى جمع كلمة الأمة الإسلامية، وَلَمِّشملِها، ووحدةِ صفها، حتى تكونَ لها رايةٌ مرفوعة، وكلمةٌ مسموعة، وتستردَ عافيتها وعزتها وكرامتها وتغسلَ عن وجهها المشرقِ وجسدِها النظيف أدرانَالفُرقة والتشتُّتِ والضَّعْفِ، وتعودَ أمةً واحدة كما أمر الله جل وعلا في قوله: " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ " ( الأنبياء 92)، نقولُ لأشقائنا في العالم الإسلامي: أطفئوا نار الخلاف والشقاق والنزاع، وتذكروا أننا جميعا أمةٌ واحدة، وأن السهم الذي يصيب به أحدُنا أخاه يرتد في صدره ويصيبُه هو.
اقرأ أيضاًأمين عام «البحوث الإسلامية» يلتقي نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه القبلي
رئيس جامعة الأزهر: العلاقات المصرية الفرنسية علاقات متينة وقوية
رئيس جامعة الأزهر: ندرس إنشاء كلية متخصصة في الذكاء الاصطناعي