مِن ياتو ناحية .. لحظة التوازن الإنفعالي
تاريخ النشر: 25th, May 2024 GMT
كتب الأستاذ الجامعي د.محمد عبد الحميد
مِن ياتو ناحية .. لحظة التوازن الإنفعالي
أثار ويثير مقطع الفيديو المصور الذي ظهر فيه الشهيد محمد صديق وهو في الأسر قبيل اغتياله المفجع حالة من التضامن النفسي والاجتماعي والاخلاقي لدى معظم القطاعات المجتمعية في السودان. بل ويمكن القول أن تلك اللحظة ستلعب دوراً مهما في مسار الحرب، فقد هوت بقوات الدعم السريع في قيعان سحيقة من الإدانة وعلت نبرات الإستهجان والاستنكار لهجة كل من شاهد ذلك المقطع.
فمن منظور علم النفس يمكن النظر للشخصية التي قامت بصفع الأسير بأنها شخصية " عُصابية" Neurotic personality غير قادرة على التحكم في التوتر الداخلي أو في حركة الانفعالات المائجة بداخلها عندما توقعت من الأسير أن يقدم رسالة تتماشى ومستوى توقعه كونه منتصراً في تلك اللحظة. وكونه الآمر الناهي وأن مصير الأسير مرتهن بما قد يدلي به بالصورة التي يريدها هو تمجد أفراد "الجاهزية" وتستعطفهم وتستجدي منهم إبقاء الأسير على قيد الحياة.
كما أن تراجيدية المشهد وما يستتبعه من مدلولات قام فيها الشهيد محمد صديق بشحن تلك اللحظة المطلوب فيها كسر كبرياءه، بحالة بطولية أصابت مستجوبه بحالة من العُصاب نابعة من يأس مفرط تجلت من بين ثنايا الإنفعالات التي اعتملت بداخله من دوافع لا شعورية وتوتر داخلي مفرط حمله في لحظة عصابيته تلك أن يوجه صفعة على وجه الأسير. كانت تلك الصفعة بمثابة اعلان هزيمة للطرف المستقوي ودلالة على حالة اضطراب نفسي اعترت صاحب الصفعة لعدم اتساق ردة الفعل مع مضمون اللحظة التي كان يُؤمِّل فيها أن ينكسر الطرف "الأضعف" لحظتذاك.
فبإمعان النظر والتأمل في جملة (من ياتو ناحية) فإنها في الواقع لا تشير الي إجابة، ولا هي كذلك سؤال بالمعنى الدقيق للكلمة، وإنما كانت (إستجابة سريعة وذكية ومربكة وفائقة الدلالة) عبرت عن حالة رفض لإرسال الرسالة المطلوبة. وليس لها تفسير غير ذلك. فالجملة لا تحمل في مضمونها سيمطيقياً أي معنى دلالي يمكن أن يجري تفسيره بشكل منطقي سوى الرفض المطلق ولا شي غير الرفض لشخص مُحاط بمجموعة قرَّ في داخلها زهو الإنتصار، وتريد أن تنتزع من "صيدها" على وجه السرعة وبإنفعال مطلق أي كلمات إيجابية في حقهم، فإذا به يبرز من خلال تلك الجملة بسيمائها الرافض (مِن ياتو ناحية) حالة من الإتزان الإنفعالي Emotional balance تناسبت مع مطلوبات الموقف الذي كان يستدعي أن يكون الأسير كجندي محترف رابط الجأش وذو قدرة على التحكم في انفعالاته، فهي سمات تسم الشخصية التي تتمتع بالمرونة النفسية psychological Resilience والتي عادة ما يكون فيها المرء قادرا على إبراز قدرات مميزة أهمها التكيّف اللحظي مع ظروف معاكسة وغير مواتية، تتسم بقدر كبير من سؤ المعاملة. لذلك فإن الصفعة التي تلقاها الشهيد الأسير في تلك اللحظة كانت بمثابة هزيمة لعدوه على المستوى الأخلاقي والإنساني والإجتماعي والنفسي وكل ما قد يتصل بالقيم المطلقة بما في ذلك القيم التي تم سنها في القانون الدولي الإنساني القاضي بصون كرامة الأسير وعدم عرضه أمام الكاميرات بغية انتزاع كلمتين منه.
مهما يكن من أمر، فإن مستوى القدرة على الإتزان الإنفعالي الذي أبداه الشهيد بجملة (مِن ياتو ناحية) فوق أنها قد أفسدت لحظة النصر والظفر لدى عدوه، فإنها إرتقت به لحالة بطولية ملهمة يمكن أن تُدرج في سجلات التراث كأحد أروع الأمثلة لحالة بطولية تؤثر الموت على المذلة، لترتقي به لقيمة رمزية، ليصير حالة دراسية لطلاب علم النفس يتأملون فيها قدرات فذة على ذلك السلوك الذي تنقلب فيه الموازين حينما تغلبُ الشجاعةُ الكثرةَ، وتشمخ فيها الهامات على مخازي الإنتصار الرخيص. ويستمد منها المؤرخون وكُتّاب السِّير لحظة الصمود في وجه الموت المحدق ببسالة نادرة المثال. وعلامة فارقة يلتقطها أُولي البصائر والإعتبار ليستنهض فيها الأدباء والمبدعون ممكنات الإبداع عندما يتجاوز الواقع الخيال لتكون قصصٌ تُروى للأجيال.
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: تلک اللحظة
إقرأ أيضاً:
صحة الشيوخ تطالب بتحقيق التوازن بين حقوق المرضى وحماية الأطباء
أكدت الدكتورة سلوى الحداد، وكيل لجنة الصحة بمجلس الشيوخ، أهمية تحقيق التوازن بين حقوق المرضى وحماية الأطباء.
وأوضحت أن حماية المريض تعني الوقاية من الأخطاء الطبية وليس تحميل الأطباء المسؤولية عن أخطاء قد تكون غير متعمدة.
جاء ذلك خلال جلسة نقاشية نظمها حزب الوعي بعنوان "قانون المسئولية الطبية والأزمة الحالية"، ، بحضور نخبة من الخبراء وأعضاء النقابات المهنية.
أدار الجلسة الدكتور باسل عادل، رئيس حزب الوعي، الذي أكد أهمية الحوار المجتمعي حول القانون وتأثيره على النظام الصحي في مصر
وأضافت أن التعديلات الأخيرة على القانون تضمنت حق الأطباء في التظلم من قرارات اللجنة العليا، مؤكدة على ضرورة توعية المرضى بالمضاعفات المحتملة والإجراءات الطبية قبل العمليات. وأشارت إلى أهمية تعزيز التعاون بين الأطباء والمرضى لتحقيق فهم مشترك للمخاطر والتحديات الطبية.
وقالت: "القانون يجب أن يكون واضحًا وشاملًا في تحديد المسؤوليات، بحيث يضمن حقوق المريض دون التضييق على الأطباء أو المساس بحريتهم في ممارسة المهنة.
يأتي مشروع القانون التزاما بالدستور الذى نص في المادة 18 منه على أن لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة، وفقًا لمعايير الجودة، الأمر الذى يلزم بتقديم أفضل رعاية صحية للمواطن، وبالتالي لابد من الاهتمام بصحة المواطن وحمايته من أي أضرار يتعرض لها نتيجة أي إهمال أو رعونة من جانب مقدمى الخدمة الصحية.
يأتي ذلك في ضوء ما شهد هالعالم في الفترة الماضية، اكتشاف العديد من الأمراض في ظل التقدم التكنولوجي وتم اكتشاف طرق ووسائل حديثة للعلاج والتدخلات الجراحية، كما نتج عن ذلك وجود تدخلات طبية غاية في التعقيد، وهذه الممارسات قد يحدث عنها مضاعفات يصعب على الطبيب العادى أو أجهزة القضاء التمييز بين كونها مضاعفات محتملة لممارسات طبية أو أخطاء مهنية.