سودانايل:
2025-07-29@08:38:54 GMT

مِن ياتو ناحية .. لحظة التوازن الإنفعالي

تاريخ النشر: 25th, May 2024 GMT

كتب الأستاذ الجامعي د.محمد عبد الحميد
مِن ياتو ناحية .. لحظة التوازن الإنفعالي
أثار ويثير مقطع الفيديو المصور الذي ظهر فيه الشهيد محمد صديق وهو في الأسر قبيل اغتياله المفجع حالة من التضامن النفسي والاجتماعي والاخلاقي لدى معظم القطاعات المجتمعية في السودان. بل ويمكن القول أن تلك اللحظة ستلعب دوراً مهما في مسار الحرب، فقد هوت بقوات الدعم السريع في قيعان سحيقة من الإدانة وعلت نبرات الإستهجان والاستنكار لهجة كل من شاهد ذلك المقطع.

.. فقد كان منبع الإستهجان مرتبط بعملية الاستقواء التي أبرزتها المجموعة التي أسرته وعرضته بإعتباره صيد سمين، يمكن أن تُنزع منه في حالة الضعف النفسي والعجز عن الفكاك، رسالة بكلمة أو كلمتين تكونان ذات أثر نفسي ليس فقط على مسار الحرب في ميدان المعركة، وإنما يُكسر من خلالها كبرياءه وتمرغ أنفه كمحارب بالتراب. لذلك جاءت لحظة مطالبته بإرسال رسالة " للجاهزية"... حيث يمكن للمرء أن يقرأ تلك اللحظة وسائر تفاصيل المشهد وما إحتشد به من منظور علم النفس Psychology لما ينطوي ذلك على مفارقات مهمة على مستوى البنية النفسية لكل من الأسير والشخصية التي طالبته بإرسال الرسالة، وما ترتب على ذلك كله من متحصلات انقلبت فيها الموازين رأساً على عقب. حيث صار المنتصر مهزوماً، واستحال الأسير لبطل.
فمن منظور علم النفس يمكن النظر للشخصية التي قامت بصفع الأسير بأنها شخصية " عُصابية" Neurotic personality غير قادرة على التحكم في التوتر الداخلي أو في حركة الانفعالات المائجة بداخلها عندما توقعت من الأسير أن يقدم رسالة تتماشى ومستوى توقعه كونه منتصراً في تلك اللحظة. وكونه الآمر الناهي وأن مصير الأسير مرتهن بما قد يدلي به بالصورة التي يريدها هو تمجد أفراد "الجاهزية" وتستعطفهم وتستجدي منهم إبقاء الأسير على قيد الحياة.
كما أن تراجيدية المشهد وما يستتبعه من مدلولات قام فيها الشهيد محمد صديق بشحن تلك اللحظة المطلوب فيها كسر كبرياءه، بحالة بطولية أصابت مستجوبه بحالة من العُصاب نابعة من يأس مفرط تجلت من بين ثنايا الإنفعالات التي اعتملت بداخله من دوافع لا شعورية وتوتر داخلي مفرط حمله في لحظة عصابيته تلك أن يوجه صفعة على وجه الأسير. كانت تلك الصفعة بمثابة اعلان هزيمة للطرف المستقوي ودلالة على حالة اضطراب نفسي اعترت صاحب الصفعة لعدم اتساق ردة الفعل مع مضمون اللحظة التي كان يُؤمِّل فيها أن ينكسر الطرف "الأضعف" لحظتذاك.
فبإمعان النظر والتأمل في جملة (من ياتو ناحية) فإنها في الواقع لا تشير الي إجابة، ولا هي كذلك سؤال بالمعنى الدقيق للكلمة، وإنما كانت (إستجابة سريعة وذكية ومربكة وفائقة الدلالة) عبرت عن حالة رفض لإرسال الرسالة المطلوبة. وليس لها تفسير غير ذلك. فالجملة لا تحمل في مضمونها سيمطيقياً أي معنى دلالي يمكن أن يجري تفسيره بشكل منطقي سوى الرفض المطلق ولا شي غير الرفض لشخص مُحاط بمجموعة قرَّ في داخلها زهو الإنتصار، وتريد أن تنتزع من "صيدها" على وجه السرعة وبإنفعال مطلق أي كلمات إيجابية في حقهم، فإذا به يبرز من خلال تلك الجملة بسيمائها الرافض (مِن ياتو ناحية) حالة من الإتزان الإنفعالي Emotional balance تناسبت مع مطلوبات الموقف الذي كان يستدعي أن يكون الأسير كجندي محترف رابط الجأش وذو قدرة على التحكم في انفعالاته، فهي سمات تسم الشخصية التي تتمتع بالمرونة النفسية psychological Resilience والتي عادة ما يكون فيها المرء قادرا على إبراز قدرات مميزة أهمها التكيّف اللحظي مع ظروف معاكسة وغير مواتية، تتسم بقدر كبير من سؤ المعاملة. لذلك فإن الصفعة التي تلقاها الشهيد الأسير في تلك اللحظة كانت بمثابة هزيمة لعدوه على المستوى الأخلاقي والإنساني والإجتماعي والنفسي وكل ما قد يتصل بالقيم المطلقة بما في ذلك القيم التي تم سنها في القانون الدولي الإنساني القاضي بصون كرامة الأسير وعدم عرضه أمام الكاميرات بغية انتزاع كلمتين منه.
مهما يكن من أمر، فإن مستوى القدرة على الإتزان الإنفعالي الذي أبداه الشهيد بجملة (مِن ياتو ناحية) فوق أنها قد أفسدت لحظة النصر والظفر لدى عدوه، فإنها إرتقت به لحالة بطولية ملهمة يمكن أن تُدرج في سجلات التراث كأحد أروع الأمثلة لحالة بطولية تؤثر الموت على المذلة، لترتقي به لقيمة رمزية، ليصير حالة دراسية لطلاب علم النفس يتأملون فيها قدرات فذة على ذلك السلوك الذي تنقلب فيه الموازين حينما تغلبُ الشجاعةُ الكثرةَ، وتشمخ فيها الهامات على مخازي الإنتصار الرخيص. ويستمد منها المؤرخون وكُتّاب السِّير لحظة الصمود في وجه الموت المحدق ببسالة نادرة المثال. وعلامة فارقة يلتقطها أُولي البصائر والإعتبار ليستنهض فيها الأدباء والمبدعون ممكنات الإبداع عندما يتجاوز الواقع الخيال لتكون قصصٌ تُروى للأجيال.
د. محمد عبد الحميد

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: تلک اللحظة

إقرأ أيضاً:

القومي للمرأة يهنئ اللواء منال عاطف لتجديد الثقة فيها مساعدًا لوزير الداخلية

كتبت- نور العمروسي:

تقدم المجلس القومي للمرأة برئاسة المستشارة أمل عمار وجميع عضواته وأعضائه ونائبته، بخالص التهنئة إلى اللواء منال عاطف بمناسبة صدور قرار السيد اللواء محمود توفيق وزير الداخلية بتجديد الثقة فيها لمواصلة أداء مهامها مساعدًا لوزير الداخلية لقطاع حقوق الإنسان، وذلك ضمن الحركة العامة لتنقلات وترقيات ضباط الشرطة لعام 2025.

وأعربت المستشارة أمل عمار عن خالص فخرها واعتزازها بتجديد الثقة في اللواء منال عاطف مؤكدة أنها تمثل نموذجًا مشرفًا للمرأة المصرية في المناصب القيادية بما تمتلكه من كفاءة مهنية عالية وخبرة واسعة في مجال تعزيز حقوق الإنسان والعلاقات المجتمعية داخل وزارة الداخلية.

وأضافت رئيسة المجلس أن اللواء منال عاطف مثال يُحتذى به للقيادات النسائية القادرة على تحقيق التوازن بين الانضباط الأمني واحترام الحقوق الإنسانية وقدرتها على العطاء المتواصل تعكس صورة مشرفة للمرأة المصرية داخل أحد أهم وأدق قطاعات الدولة.

وأكدت أن هذا القرار يعكس ثقة القيادة الأمنية في الكوادر النسائية ودورها البارز في تنفيذ إستراتيجية وزارة الداخلية نحو ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان وتعزيز التواصل مع المواطنين بما يواكب أهداف الجمهورية الجديدة.

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

منال عاطف وزارة الداخلية القومي للمرأة

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الخبر التالى: مجدي الجلاد يُدير جلسة حوارية مع مرشحي القائمة الوطنية بمؤتمر "مستقبل وطن" الأخبار المتعلقة "القومي للمرأة" يهنئ آمنة الطرابلسي لفوزها بمنصب نائب رئيس الاتحاد الإفريقي أخبار "دفاع النواب": رجال الأمن هم الدرع المنيع لحماية أمن واستقرار الوطن أخبار "خارجية النواب": وعي الشعب حائط صد في مواجهة الإرهاب والتخريب أخبار نقيب الأشراف يشيد بالضربات الناجحة لوزارة الداخلية لحفظ الاستقرار بالبلاد أخبار

إعلان

أخبار

المزيد شئون عربية و دولية 4 انفجارات متتالية تهز العاصمة السورية دمشق أخبار المحافظات انتشال جثة طفلة بمياه النيل في شبرا الخيمة أخبار المحافظات "سقطت بشكل مفاجئ بالمياه".. العثور على جثمان "حبيبة" غريقة في نهر النيل أخبار المحافظات "10 براميل زيت وأتوبيس".. السيطرة على حريق داخل مصنع كريازي بالعبور- صور شئون عربية و دولية ترامب: الاتحاد الأوروبي وافق على زيادة استثماراته في أمريكا وشراء معدات

الثانوية العامة

المزيد مدارس وزير التعليم: مناهج اللغة العربية الجديدة تدمج القيم الأخلاقية وتراعي الفروق التنسيق بعد الإعلان الرسمي.. رابط التسجيل بالمرحلة الأولى من تنسيق الجامعات 2025 التنسيق تأكيدا لمصراوي.. الحد الأدنى لتنسيق علمي علوم 293 درجة -فيديو التنسيق تنسيق المرحلة الأولى 2025.. رسميا وزارة التعليم تعلن قبول طلاب الثانوية مدارس وزير التعليم: اتخاذ أي قرارات تخص العملية التعليمية بمشاركة مديري المديريات

إعلان

أخبار

"القومي للمرأة" يهنئ اللواء منال عاطف لتجديد الثقة فيها مساعدًا لوزير الداخلية

روابط سريعة

أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلاميات

عن مصراوي

اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصية

مواقعنا الأخرى

©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا

للإعلان كامل للإعلان كامل 43

القاهرة - مصر

43 31 الرطوبة: 11% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • وزير النفط الكويتي: أوبك+ تستهدف أمن الطاقة وتحقيق التوازن
  • بالصور.. هذه هي كنيسة رقاد السيدة التي سيشيّع فيها زياد الرحباني
  • الأوقات التي تُكرَه فيها الصلاة؟.. الإفتاء توضح
  • القومي للمرأة يهنئ اللواء منال عاطف لتجديد الثقة فيها مساعدًا لوزير الداخلية
  • عالم نفس يكشف علامة غير متوقعة قد تنذر بانهيار زواجك
  • محمد عبدالرحمن: فيه ديرة فيها أحد ما يحبني وش يوديني لهم.. فيديو
  • 6 دعاوى أمام محاكم الأسرة لا يجوز التصالح فيها وفقا للقانون.. تعرف عليها
  • كيف وأين قُتل علي عبدالله صالح؟ نجل صالح يكشف عن اللحظة الأخيرة في حياة والده وينفي مقتله داخل منزله وسط صنعاء
  • حقق التوازن بين الأقدمية والكفاءة.. اللواء ياسر الحديدي يتولى قطاع شئون الضباط بالداخلية
  • رسائل تحذيرية وصلت إلى لبنان.. ماذا فيها؟