التدبر فى كتاب الله من صفات المتقين ووَقَوْلُهُ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، هَذِهِ آيَةُ وُجُوبِ الْحَجِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

وَقِيلَ: بَلْ هِيَ قَوْلُهُ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.

 

وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَعَدِّدَةُ بِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَدَعَائِمِهِ وَقَوَاعِدِهِ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعًا ضَرُورِيًّا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: حدَّثنا يزيدُ بن هارون: حدَّثنا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ، فَحُجُّوا، فَقَالَ رجلٌ: أكل عامٍ يا رسول الله؟ فسكت، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ.

وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بِهِ نَحْوَهُ.

وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، وَعَبْدُالْجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدُ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ –وَاسْمُهُ: يَزِيدُ بْنُ أُمَيَّةَ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ  قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فقال: لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا، وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، الْحَجُّ مَرَّةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.

وَرَوَاهُ شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ.

وَرُوِيَ من حديث أسامة بن يزيد.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ وَرْدَانَ، عَنْ عَبدِالأعلى بن عَبْدِالْأَعْلَى، عن أبيه.

مداخلة: في نسخة "الشُّعَب": عن علي بن عبدالأعلى.

الشيخ: يحتاج إلى تأمُّلٍ.

مداخلة: في نسخةٍ ثالثةٍ: عن عبدالأعلى، عن أبيه.

الشيخ: حطّ عليه إشارة، يُراجع "المسند".

عن أبي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ  قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِي كُلِّ عَامٍ؟ قَالَ: لَا، وَلَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة:101].

وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ مَنْصُورِ بْنِ وَرْدَانَ بِهِ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَفِيمَا قَالَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ مِنْ عَلِيٍّ.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: كتاب الله التدبر الحج ا ر س ول ع ل ى ال

إقرأ أيضاً:

هل يجوز بيع القطة وتملكها في الشرع؟ دار الإفتاء تجيب

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (اشتريت قطة من قطط الزينة باهظة الثمن لأقوم بتربيتها، وهذا منذ فترة، وأريد الآن أن أبيعها لشدة انشغالي وعدم قدرتي على الاعتناء بها جيدًا، لكن بعض أصدقائي المتدينين أخبرني بأن هناك نهيًا شرعيًّا عن بيع القطط، وأن أخذ ثمنها حرام، ونصحني بأن أعطيها هدية لمن يمكنه الاعتناء بها، فهل هذا هو الحكم الشرعي الصحيح في مثل هذه الحالة؟

هل القيمة المضافة على البيع بالتقسيط ربا محرم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل بول القطط وحكم الصلاة في المكان الذي تلوث به .. الافتاء تكشف

واستشهدت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال، بقول الله عز وجل: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]؛ فبين سبحانه وتعالى أن جنس البيع حلال، ويؤيد أصالة الحل في البيوع قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُم﴾ [النساء: 29].

وأضافت دار الإفتاء أن مما يشترط في صحة عقد البيع أن تتوفر في المبيع شرائط خمسة، وهي: أن يكون المبيع معلومًا، طاهرًا، منتفعًا به، مملوكًا للعاقد، مقدورًا على تسليمه، فلا بد أن يكون المبيع مما ينتفع به حسًّا وشرعًا، وبيع ما لا نفع فيه يكون بيعًا باطلًا سواء لم تكن فيه منفعة أصلًا أو كانت فيه منفعة لكن غير معتبرة شرعًا؛ لأنه حينئذ لا يعتبر مالًا، وذلك كما أسقط الشرع مالية الخمر وإن كان يمكن الانتفاع بها ببعض الصور إلا أن أضرارها لما كانت أكثر من منافعها سقطت ماليتها؛ قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: 219].

وذكرت أن الأصل في الحيوانات الطاهرة المنتفع بها هو جواز اقتنائها والانتفاع بها وتداولها بعقود البيع والشراء ونحوها؛ وذلك لكونها بعضًا مما سخره الله تعالى لمنفعة الإنسان وخدمته وتنعمه؛ قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: 20]، وقال سبحانه: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 13].

وأوضحت أن الانتفاع بالحيوان كما يكون بالأكل والحلب والركوب وحراثة الأرض، يكون أيضًا بجمال صوته كما في البلابل، وبجمال صورته ولونه كما في الطواويس، فالتنعم بمثل هذا يُعدُّ من الأمور التحسينية المباحة، فهو ضرب من الانتفاع بنعم الله سبحانه وتعالى وباب لتدبر جليل آياته في إبداع الخلق وإتقان الصنع؛ قال تعالى: ﴿ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ۞ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ [السجدة: 6-7]، وقال سبحانه: ﴿صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: 88].

وقد جاء في آيات القرآن الكريم ما يدل على جواز اقتناء الحيوانات وغيرها بقصد الانتفاع بحسنها والتحلي بها؛ طلبًا لإدخال السرور على النفس، قال تعالى: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 8]، وقال جل شأنه: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [النحل: 14].

وقد روى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" أن الصحابيَّ الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه كان له أخُ صغير يقال له: أبو عمير رضي الله عنه، وكان له نُغَرٌ يلعب به -أي طائر صغير يشبه العصفور، أحمر المنقار، وقيل: هو البلبل- فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاء فرأى أبا عمير لاطفه وقال له: «أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ».

وفي الحديث دلالة ظاهرة على: جواز لعب الصغير بالطير، وجواز ترك الأبوين ولدهما الصغير يلعب بما أبيح اللعب به، وجواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات، وجواز إمساك الطير في القفص ونحوه وقص جناح الطير؛ إذ لا يخلو حال طير أبي عمير من واحد منهما، وأيهما كان الواقع التحق به الآخر في الحكم.

كما أن القط الأليف أو الهرة الأهلية "المستأنسة" ينطبق عليها ما سبق ذكره بحكم الأصل؛ إذ هي حيوان طاهر يجوز حيازته واقتنائه وتملكه، ويقدر على تسليمه وعلى العلم به وبحاله وصفته، كما أنه يُنتفع بجمال خلقته وبحصول الاستئناس به، وكذلك يُنتفع به في الخدمة؛ لأنها تصطاد الفأرة والهوام المؤذية. انظر: "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (6/ 187، ط. دار الكتاب الإسلامي).

ومما يدل على طهارة الهرة ما رواه أصحاب السنن الأربعة: عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَسَكَبْتُ لَهُ وَضُوءًا. قَالَتْ: فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ، فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا بِنْتَ أَخِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ، أَوِ الطَّوَّافَاتِ» رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي، وأحمد، وإسحاق: لم يروا بسؤر الهرة بأسًا، وهذا أحسن شيء في هذا الباب. انظر: "قوت المغتذي على جامع الترمذي" (1/ 80).

ويدل على صحة تملُّك الهرَّة ما رواه الإمامان البخاري ومسلم واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ لَهَا -أَوْ هِرٍّ- رَبَطَتْهَا فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تُرَمْرِمُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزلًا»؛ فاللام في قوله: «هِرَّةٍ لَهَا»، تدل بظاهرها على ثبوت ملكية المرأة للهرة؛ لأن الأصل في اللام الملك.

وأجاب جمهور العلماء عن احتجاج المانعين بالحديث بأن المراد بالهرة هنا هي: الهرة الوحشية؛ لعدم الانتفاع بها بخلاف الهرة الأهلية، وأيضًا أجابوا بأن النهي الوارد في الحديث نهي تنزيه لا نهي حرمة؛ فالغاية من هذا النهي هو أن يتسامح في تداول الهرة الأهلية، وإعارته بلا مقابل مالي كما هي عادة الناس فيه.

مقالات مشابهة

  • تفسير حلم العمرة للمتزوجة
  • حكم تحديد جنس المولود في القرآن والسنة
  • كيفية تحصين النفس من الفتن؟.. الإفتاء تجيب
  • كيفية التوبة من تتبع عورات الناس
  • هل يجوز بيع القطة وتملكها في الشرع؟ دار الإفتاء تجيب
  • الحديث القدسي: لماذا حرّم الله الظلم على نفسه؟
  • حكم قضاء سنة الفجر بعد طلوع الشمس لمَن فاتته
  • ما هو النذر؟ وما هي أنواعه؟
  • محافظة عمران تشهد 49 مسيرة حاشدة دعماً واسناداً لغزة ولبنان
  • آداب الطعام في الإسلام.. احذر من امتلاء البطن