طهران – "جمدت المفاوضات بعد أن أوشك الجانبان على توقيع الاتفاق"، ربما تكون هذه الجملة هي بيت القصيد في جميع جولات المفاوضات الإيرانية الأميركية بشأن الاتفاق النووي أو تبادل السجناء.

وخلال الشهرين الماضيين كانت الوساطات الإقليمية تمضي على قدم وساق من أجل توصل الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة إلى تفاهم غير مكتوب، يمهد الطريق لحلحلة سائر القضايا الشائكة بينهما، قبل الإعلان عن إيقاف المبعوث الخاص إلى إيران روبرت مالي عن العمل، ثم تحييده بالكامل عن الملف الإيراني.

وتزامن إقصاء مالي مع تسريبات في الإعلام الإيراني والأميركي عن إجرائه "محادثات سرية" ولقاءات مع شخصيات إيرانية، منها المندوب الإيراني الدائم لدى الأمم المتحدة سعيد إيرواني، كما نقلت حينها صحيفة "طهران تايمز" الإيرانية الناطقة بالإنجليزية عن مصادر مطلعة، أن قرار الإيقاف جاء بسبب اتصال مالي مع شخصيات إيرانية أميركية تلعب دور الوسيط بين الجانبين.

وعُين مالي بعد فترة قصيرة من تولي الرئيس جو بايدن السلطة عام 2021، واضطلع بمهمة محاولة إحياء اتفاق إيران النووي لعام 2015 -الذي شارك في صياغته- بعد قرار الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018 الانسحاب من الاتفاق وإعادة فرض عقوبات أميركية على طهران.


تسجيل صوتي

أثارت التسريبات الإعلامية عن الاتهامات الموجهة إلى روبرت مالي ردود فعل كبيرة في الأوساط الإيرانية التي انقسمت بدورها في قراءة تحييده، مما دفع صحيفة طهران تايمز إلى نشر تسجيل صوتي منسوب لروبرت مالي يقول فيه إن "واشطن تسعى لإحياء الاتفاق النووي بهدف زيادة الضغط على طهران في عدد من القضايا، منها برنامجها الصاروخي والمسيرات وسياستها الإقليمية والهجمات السيبرانية".

من جانبها، تسعى شريحة كبيرة من الصحافة الإيرانية للترويج أنه خلافا لما تراه بعض الأوساط الداخلية وغيرها بأن روبرت مالي يضطلع بدور إيجابي لتسهيل المفاوضات، لكن التسجيل المسرب يثبت أن الإدارة الديمقراطية تسير على خطى الجمهوريين في التعامل مع إيران.

في المقابل، تساءلت الصحافة الإصلاحية والمستقلة عن الجهات المستفيدة من تحييد مالي وتجميد المفاوضات، وقرأت في الشريط المسرب والتقارير التي تكشف عن لقاءات مالي مع جهات إيرانية، تناغما مع جهات أجنبية لم تدخر جهدا للوصول للنتيجة ذاتها.

في غضون ذلك، كتبت صحيفة "آرمان أمروز" مقالا بعنوان "لعبة التجسس حيلة جديدة بيد تجار العقوبات"، انتقدت فيه التسريبات في التوقيت الراهن، ونقلت على لسان مراقبين أن البعض يعتقد أن جهات من الداخل الإيراني قد أرسلت إشارات لاعتقال روبرت مالي، وهذه الجهات على صلة وطيدة مع المتاجرين بالعقوبات.

ووفقا للصحيفة، فإن نشطاء صفحات التواصل الاجتماعي يتحدثون عن تمرير بعض المعلومات من الداخل الإيراني إلى مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (إف بي آي)، لتحييد اللاعب الرئيس في الجهود الرامية لحلحة القضايا الشائكة بين واشنطن وطهران، لكي تبقى الأخيرة ترزح تحت وطأة العقوبات التي ينتفع البعض منها.


 

أعداء الحوار

في السياق ذاته، يعتقد علي بيكدلي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشهيد بهشتي، أن بعض الجهات في الداخل الإيراني تناغمت في أجندتها المعادية للمفاوضات النووية مع أطراف أجنبية معروفة بالعمل ضد المصالح الإيرانية.

وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح بيكدلي أن 4 جهات تسعى حثيثا من أجل تقويض خيار المفاوضات لمنع أي تقارب، وهي: الجمهوريون في الولايات المتحدة وصقور المحافظين في إيران وإسرائيل، فضلا عن روسيا التي ترى أن أي تقارب بين طهران وواشنطن لا يصب في مصلحة موسكو لطالما تواصل الأخيرة حربها على أوكرانيا.

وتابع، أن المتطرفين في إيران مسرورون من تجميد المفاوضات مرة أخرى، نظرا لرؤيتهم المعادية لأي تقارب، لافتا إلى أن المتطرفين في أميركا يشعرون كذلك بالراحة جراء إقصائهم روبرت مالي، لأنهم لا يريدون سوى صفقة كبيرة مع إيران تحل جميع الملفات الخلافية.

وخلص بيكدلي إلى أن تسريب بعض وسائل الإعلام الإيرانية معلومات عما يدور في المفاوضات السرية، يرسل إلى الأطراف الأجنبية رسالة أن الجانب الإيراني غير جدير بالثقة من أجل التفاوض معه سريا حول بعض الملفات، خشية تسريب تلك المعلومات إلى وسائل الإعلام، على حد قوله.


أجندة حكومية

في المقابل، يقلل الباحث في الشؤون الأميركية أمير علي أبو الفتح من أهمية التسريبات الإعلامية ودورها في إقصاء روبرت مالي، مؤكدا أن جل المعلومات التي سربها الإعلام الإيراني جاءت بعد توقيفه، مستدركا أن المعلومات التي كُشف عنها "لم تكن سرية أو ذات أهمية"، وأن الأميركيين يعملون من أجل تحقيقها منذ سنوات وهذا ما تعرفه طهران.

وفي حديثه للجزيرة نت، استبعد الباحث الإيراني أن يؤثر تحييد مالي كثيرا في سلوك الولايات المتحدة مع الملف النووي الإيراني، موضحا أن مالي ليس سوى مفاوض وينفذ أجندة إدارته، وأن الخطط ترسم في مراكز اتخاذ القرار الأميركية، وقد لا يكون له دور فيها.

وختم أبو الفتح بالقول إن الأجهزة الأمنية الأميركية تزعم أنها تراقب جميع التحركات في العالم، وقد يكون توقيف مالي جاء بسبب تحركاته في ملفات لا تمت بصلة للملف الإيراني.

وخلافا للتيار الإصلاحي الذي يعتقد بضرورة التفاوض لحلحلة القضايا الشائكة مع جميع الدول التي تعترف بها طهران، فإن فريقا من المراقبين الإيرانيين ينتقد صقور المحافظين لوقوفهم سدا منيعا أمام خيار التفاوض، ويتهمهم بأنهم يرون استمرار حياتهم السياسية في ذلك.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

مجلة أميركية: هذا مصير إيران وشركائها في لبنان والمنطقة

نشرت صحيفة "ميديا لاين" تقريراً جديداً قالت فيه إن شبكة وكلاء إيران في منطقة الشرق الأوسط تواجه حالة من الفوضى، مشيرة إلى أن "طهران تواجه تحديات متزايدة مع تعثر استراتيجياتها بالوكالة وتصاعد السخط المحلي وتهديد التحالفات الإقليمية الجديدة لنفوذها".      ويقول التقرير الذي ترجمهُ "لبنان24" إنَّ "الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي اعتمدت منذ فترة طويلة على شبكة من الجماعات التابعة لها لممارسة نفوذها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، تواجه تحديات كبيرة مع تعثر استراتيجيتها"، وأضاف: "لقد بدأت سنوات من الاستثمار في حلفاء مثل حزب الله وحماس وفصائل أخرى في اليمن والعراق وسوريا في التفكك، الأمر الذي ترك طهران تتصارع مع تقلص سلطتها الإقليمية وتزايد السخط الداخلي".   وقال ديفيد مناشري، أستاذ في مركز التحالف للدراسات الإيرانية، في حديثه إلى صحيفة ميديا لاين: "الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم مختلفة تماماً عما عرفناه قبل 6 أو 7 أشهر. لقد فقدت إيران وكلاءها، وكل هذه السنوات من الاستثمار في مجموعات مثل حزب الله وحماس انهارت تقريباً. لقد تضاءلت هيبة إيران وقوتها الإقليمية".   في المقابل، يقول التقرير إن طهران ردّت على الأقاويل التي تشير إلى تضاؤل نفوذها عبر تكثيف حملتها الدعائية بما في ذلك نشر مقطع فيديو لترسانة بحرية تحت الأرض قبل أيام فقط من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.   وأوضح التقرير أنَّ "آلة الدعاية الإيرانية، على الرغم من عمرها الطويل، تعكس الآن شدة أزمتها"، وأضاف: "إن الفيديو، الذي يعرض أنظمة صاروخية متقدمة يزعم أنها قادرة على استهداف حاملات الطائرات الأميركية، يشكل جزءًا من جهود طهران لإظهار التحدي".   ووفقاً لمناشري، فإنَّ "النظام الإيرانيّ يُحاول تعويض نقاط ضعفه باستخدام الدعاية المكثفة للإيحاء بأن كل شيء طبيعي. لكن الأمر ليس كذلك. مع هذا، تهدف هذه الرسالة إلى طمأنة الشعب الإيراني والإشارة إلى العالم بأن إيران تظل قوة هائلة".   مقابل ذلك، فإنَّ هذه الجهود تفشل في إخفاء معاناة النظام، ويقول نيما باهلي، المحلل السياسي الإيراني، لصحيفة "ميديا لاين": "هذه المناورات تتعلق أكثر بإرسال رسائل خارجية إلى المعارضين مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، لإظهار أن إيران ليست هدفًا سهلاً".   إلى ذلك، يشير التقرير إلى أنَّ "الاقتصاد الإيراني، الذي عانى من سنوات من العقوبات وسوء الإدارة، يقترب من الانهيار، وقد أدى تخصيص النظام لمليارات الدولارات لدعم وكلائه إلى تأجيج الغضب الشعبي في الداخل".   هنا، يلفت مناشري إلى أن "الشعب الإيراني يرى حكومة لا تستطيع إعطاء الأولوية لاقتصادها".     وتسعى طهران إلى تخفيف العقوبات وإعادة بناء علاقاتها الدولية، وأوضح باهلي أن "إيران تحتاج إلى اتفاقيات مع الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات واستقرار وضعها الداخلي".   وذكر أنَّ مشاركة إيلون ماسك في إدارة ترامب قد تفتح قنوات جديدة للحوار، وقال: "من غير الواضح ما إذا كانت تصرفات ماسك تعكس مبادرات شخصية أم سياسات منسقة، لكن عقليته الموجهة نحو الأعمال التجارية قد تسهل المفاوضات".   واستذكر مناشري الجهود الدبلوماسية السابقة قائلاً: "على مدى 4 سنوات، تفاوضت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن مع طهران، حتى أنهم حددوا موعداً للاجتماع في 9 تشرين الأول 2023، والذي تم تأجيله بسبب الحرب في غزة والمنطقة، وقد أبدى الجانبان اهتماماً بالحوار".   وأكمل التقرير: "مع تعثر استراتيجيتها بالوكالة، استحوذ البرنامج النووي الإيراني على مركز الاهتمام، مما أثار المخاوف في واشنطن والقدس".   وفي السياق، قال باهلي: "لا تستطيع إسرائيل أن تتحرك بمفردها ضد المواقع النووية الإيرانية؛ فهي بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة. ويبدو أن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب يفضل الدبلوماسية على العمل العسكري، لكن تحركات إسرائيل مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالسياسة الأميركية".   أما مناشري فيقول إنّ إسرائيل سوف تحذو حذو ترامب في هذا الصدد، علماً أنّ الولايات المتحدة أو إسرائيل لا تريدان أن تمتلك إيران أسلحة نووية.   ووفقاً للتقرير، فإنّ مسار إيران يعكس مزيجاً من النكسات العسكرية، والصعوبات الاقتصادية، وتراجع النفوذ. وفي حين تصور دعايتها المرونة والقدرة على الصمود، فإن الواقع هو أن النظام يكافح للتكيف مع الديناميكيات الجيوسياسية المتطورة.   واختتم باهلي حديثه قائلاً: "إن المنطقة في حالة تغير مستمر، حيث تعتمد التطورات الرئيسية على السياسات الأميركية الجديدة، والإجراءات الإيرانية، والتحالفات المتغيرة".   أما مناشري فقال إن "التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه إيران مترابطة، وسيتطلب حلها تحولاً استراتيجياً وهو التحول الذي يبدو أن النظام غير مستعد لإجرائه".

مقالات مشابهة

  • نيويورك تايمز: إيران تسعى إلى طريق سريع لصنع قنبلة نووية
  • المشهداني يقترح على إيران دعم استقرار سوريا
  • مجلة أميركية: هذا مصير إيران وشركائها في لبنان والمنطقة
  • رئيسة المكسيك تعلن تجميد الرسوم التي أعلنها ترامب لمدة شهر
  • إيران تتعرض للزلازل 200 مرة خلال الأسبوع الماضي
  • إيران تتعرض للزلزال 200 مرة خلال الأسبوع الماضي
  • المشهداني من طهران: إيران سند قوي جداً للعراق
  • المشهداني يلتقي نظيره الإيراني في طهران
  • الأهلى يدرس تجميد «أكرم توفيق».. و«كولر» يرفض تأجيل الصفقة الأجنبية
  • المعارضة الإيرانية: النظام في طهران يعمل على إنتاج قنبلة نووية