من التسريبات الإعلامية إلى تجميد المفاوضات.. هكذا ينقسم الإيرانيون حيال إقصاء روبرت مالي
تاريخ النشر: 2nd, August 2023 GMT
طهران – "جمدت المفاوضات بعد أن أوشك الجانبان على توقيع الاتفاق"، ربما تكون هذه الجملة هي بيت القصيد في جميع جولات المفاوضات الإيرانية الأميركية بشأن الاتفاق النووي أو تبادل السجناء.
وخلال الشهرين الماضيين كانت الوساطات الإقليمية تمضي على قدم وساق من أجل توصل الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة إلى تفاهم غير مكتوب، يمهد الطريق لحلحلة سائر القضايا الشائكة بينهما، قبل الإعلان عن إيقاف المبعوث الخاص إلى إيران روبرت مالي عن العمل، ثم تحييده بالكامل عن الملف الإيراني.
وتزامن إقصاء مالي مع تسريبات في الإعلام الإيراني والأميركي عن إجرائه "محادثات سرية" ولقاءات مع شخصيات إيرانية، منها المندوب الإيراني الدائم لدى الأمم المتحدة سعيد إيرواني، كما نقلت حينها صحيفة "طهران تايمز" الإيرانية الناطقة بالإنجليزية عن مصادر مطلعة، أن قرار الإيقاف جاء بسبب اتصال مالي مع شخصيات إيرانية أميركية تلعب دور الوسيط بين الجانبين.
وعُين مالي بعد فترة قصيرة من تولي الرئيس جو بايدن السلطة عام 2021، واضطلع بمهمة محاولة إحياء اتفاق إيران النووي لعام 2015 -الذي شارك في صياغته- بعد قرار الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018 الانسحاب من الاتفاق وإعادة فرض عقوبات أميركية على طهران.
تسجيل صوتي
أثارت التسريبات الإعلامية عن الاتهامات الموجهة إلى روبرت مالي ردود فعل كبيرة في الأوساط الإيرانية التي انقسمت بدورها في قراءة تحييده، مما دفع صحيفة طهران تايمز إلى نشر تسجيل صوتي منسوب لروبرت مالي يقول فيه إن "واشطن تسعى لإحياء الاتفاق النووي بهدف زيادة الضغط على طهران في عدد من القضايا، منها برنامجها الصاروخي والمسيرات وسياستها الإقليمية والهجمات السيبرانية".
من جانبها، تسعى شريحة كبيرة من الصحافة الإيرانية للترويج أنه خلافا لما تراه بعض الأوساط الداخلية وغيرها بأن روبرت مالي يضطلع بدور إيجابي لتسهيل المفاوضات، لكن التسجيل المسرب يثبت أن الإدارة الديمقراطية تسير على خطى الجمهوريين في التعامل مع إيران.
في المقابل، تساءلت الصحافة الإصلاحية والمستقلة عن الجهات المستفيدة من تحييد مالي وتجميد المفاوضات، وقرأت في الشريط المسرب والتقارير التي تكشف عن لقاءات مالي مع جهات إيرانية، تناغما مع جهات أجنبية لم تدخر جهدا للوصول للنتيجة ذاتها.
في غضون ذلك، كتبت صحيفة "آرمان أمروز" مقالا بعنوان "لعبة التجسس حيلة جديدة بيد تجار العقوبات"، انتقدت فيه التسريبات في التوقيت الراهن، ونقلت على لسان مراقبين أن البعض يعتقد أن جهات من الداخل الإيراني قد أرسلت إشارات لاعتقال روبرت مالي، وهذه الجهات على صلة وطيدة مع المتاجرين بالعقوبات.
ووفقا للصحيفة، فإن نشطاء صفحات التواصل الاجتماعي يتحدثون عن تمرير بعض المعلومات من الداخل الإيراني إلى مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (إف بي آي)، لتحييد اللاعب الرئيس في الجهود الرامية لحلحة القضايا الشائكة بين واشنطن وطهران، لكي تبقى الأخيرة ترزح تحت وطأة العقوبات التي ينتفع البعض منها.
أعداء الحوار
في السياق ذاته، يعتقد علي بيكدلي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الشهيد بهشتي، أن بعض الجهات في الداخل الإيراني تناغمت في أجندتها المعادية للمفاوضات النووية مع أطراف أجنبية معروفة بالعمل ضد المصالح الإيرانية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح بيكدلي أن 4 جهات تسعى حثيثا من أجل تقويض خيار المفاوضات لمنع أي تقارب، وهي: الجمهوريون في الولايات المتحدة وصقور المحافظين في إيران وإسرائيل، فضلا عن روسيا التي ترى أن أي تقارب بين طهران وواشنطن لا يصب في مصلحة موسكو لطالما تواصل الأخيرة حربها على أوكرانيا.
وتابع، أن المتطرفين في إيران مسرورون من تجميد المفاوضات مرة أخرى، نظرا لرؤيتهم المعادية لأي تقارب، لافتا إلى أن المتطرفين في أميركا يشعرون كذلك بالراحة جراء إقصائهم روبرت مالي، لأنهم لا يريدون سوى صفقة كبيرة مع إيران تحل جميع الملفات الخلافية.
وخلص بيكدلي إلى أن تسريب بعض وسائل الإعلام الإيرانية معلومات عما يدور في المفاوضات السرية، يرسل إلى الأطراف الأجنبية رسالة أن الجانب الإيراني غير جدير بالثقة من أجل التفاوض معه سريا حول بعض الملفات، خشية تسريب تلك المعلومات إلى وسائل الإعلام، على حد قوله.
أجندة حكومية
في المقابل، يقلل الباحث في الشؤون الأميركية أمير علي أبو الفتح من أهمية التسريبات الإعلامية ودورها في إقصاء روبرت مالي، مؤكدا أن جل المعلومات التي سربها الإعلام الإيراني جاءت بعد توقيفه، مستدركا أن المعلومات التي كُشف عنها "لم تكن سرية أو ذات أهمية"، وأن الأميركيين يعملون من أجل تحقيقها منذ سنوات وهذا ما تعرفه طهران.
وفي حديثه للجزيرة نت، استبعد الباحث الإيراني أن يؤثر تحييد مالي كثيرا في سلوك الولايات المتحدة مع الملف النووي الإيراني، موضحا أن مالي ليس سوى مفاوض وينفذ أجندة إدارته، وأن الخطط ترسم في مراكز اتخاذ القرار الأميركية، وقد لا يكون له دور فيها.
وختم أبو الفتح بالقول إن الأجهزة الأمنية الأميركية تزعم أنها تراقب جميع التحركات في العالم، وقد يكون توقيف مالي جاء بسبب تحركاته في ملفات لا تمت بصلة للملف الإيراني.
وخلافا للتيار الإصلاحي الذي يعتقد بضرورة التفاوض لحلحلة القضايا الشائكة مع جميع الدول التي تعترف بها طهران، فإن فريقا من المراقبين الإيرانيين ينتقد صقور المحافظين لوقوفهم سدا منيعا أمام خيار التفاوض، ويتهمهم بأنهم يرون استمرار حياتهم السياسية في ذلك.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
إيران اليوم ليست كما كانت
30 أبريل، 2025
بغداد/المسلة:
وليد الطائي
في عالم تحكمه موازين القوى لا المبادئ، تتجلى المفاوضات الأمريكية الإيرانية كصورة حيّة للصراع بين مشروعين: مشروع الهيمنة الغربية، ومشروع الاستقلال والسيادة الذي تمثله الجمهورية الإسلامية في إيران.
منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، بدا واضحًا أن واشنطن لا تبحث عن حلول دبلوماسية حقيقية، بل تسعى لفرض شروطها عبر سياسة “الضغط الأقصى”، ظنًا منها أن الحصار الاقتصادي سيُجبر إيران على الركوع. لكن الجمهورية الإسلامية، بقيادتها الحكيمة وموقفها الشعبي الصلب، أثبتت أن الكرامة الوطنية لا تُشترى، وأن السيادة لا تُفاوض عليها.
إيران… ثبات في الموقف لا يُكسر
إيران لم ترفض التفاوض كمبدأ، بل رفضت أن تكون المفاوضات غطاءً للابتزاز. دخلت طاولة الحوار من موقع القوي، لا الخاضع، وأكدت مرارًا أن أي اتفاق لا يضمن مصالح الشعب الإيراني ويرفع العقوبات الجائرة بشكل فعلي ومضمون، فهو مرفوض.
لم تكن إيران يومًا الطرف المتعنت، بل الطرف الذي يلتزم بالاتفاقات، كما أثبتت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرارًا. أما الطرف الذي نكث عهده وخرق القانون الدولي، فهو الولايات المتحدة، التي انسحبت من الاتفاق دون أي مبرر قانوني، متجاهلة كل التزاماتها الدولية.
أمريكا… سياسة ازدواجية في الرداء الدبلوماسي
تتناقض الولايات المتحدة في مواقفها: تفاوض من جهة، وتفرض عقوبات وتصعّد في المنطقة من جهة أخرى. تحاول واشنطن استخدام أدوات الحرب النفسية والإعلامية والمالية لإجبار إيران على تقديم تنازلات. لكن هذه الأساليب فشلت أمام “الصبر الاستراتيجي” الإيراني، الذي لم يكن خنوعًا، بل حسابًا دقيقًا للردع، والقدرة، والتوقيت المناسب.
المعادلة تغيّرت… وإيران لاعب إقليمي لا يُتجاوز
إيران اليوم ليست كما كانت قبل عشرين عامًا. أصبحت قوة إقليمية ذات نفوذ سياسي وأمني، وصاحبة حلفاء استراتيجيين في محور المقاومة من لبنان إلى اليمن. هذا العمق الجيوسياسي جعل من طهران رقماً صعبًا في أي معادلة تخص المنطقة، وجعل من واشنطن مجبرة على التفاوض، لا منّة منها بل اعترافًا بواقع جديد.
مفاوضات على قاعدة الندّية لا التبعية
إن الدعم لإيران اليوم، هو دعم لمشروع السيادة في وجه الغطرسة، ودعم لحق الشعوب في امتلاك قرارها ومقدّراتها. فكما رفضت إيران أن تتحول إلى دولة وظيفية خاضعة، أثبتت أن الكرامة قد تُحاصر، لكنها لا تُهزم.
المفاوضات ستستمر، لكن من موقع قوة متكافئة، لأن إيران أثبتت أن من يملك الإرادة… لا يساوم على كرامته.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts