فى إقليم مضطرب تعصف به الأزمات من كل حدب وصوب، وعالم يموج بالمتغيرات صباح مساء، وتحديات جمة تتلاطم بسفينة الوطن التى تبحر وسط بلدان مكلومة بفواجع التشرذم والقبلية وعدم الوعى، يسعى الجميع إلى قبس من نور يهديهم وينير لهم الطريق ليكشف لهم ما كان وما تم وما قد يكون عليه الأمر.
قبس يشكل وعياً حقيقياً فى العقل الجمعى، ويبحث عن لمّ الشمل، والإمساك بدفة الحقيقة، ليؤدى دوراً وطنياً لا تلتاث معه سفينة الوطن، لذا جاء إطلاقنا لملحق «الوطن السياسى»، أحدث مولود لمؤسستنا، ليفرد صفحاته للقضايا السياسية، ليناقشها بعمق، ويستمع لكل ذى رأى ورؤية، ويفتح نوافذه لكل صوت يتخذ من «الوطن» أرضية مشتركة، لنرسم أجزاءً من صورة المشهد السياسى الداخلى والخارجى.
ويأتى إصدارنا فى وقت تتسارع فيه الأحداث السياسية على طاولة الإقليم المأزوم، إلا أنه لا صوت فيها يعلو فوق صوت «القضية الفلسطينية» التى تعيش مرحلة فاصلة فى تاريخ نضالها الممتد على مدار 76 عاماً منذ وقوع نكبتها الأولى فى عام 1948م.
قضية حملتها مصر على عاتقها منذ لحظتها الأولى، وباتت قضية محورية فى إطار تحركاتها الإقليمية والدولية، وبذلت فى سبيل عدالتها «الدم»، فلم تستكن فقط للتحركات السياسية والإنسانية، بل سعت تصدح بالحق الفلسطينى فى كل محفل، وتناصر الشعب الفلسطينى بكل ما أوتيت من وسيلة، وذلك بحكم روابط الجغرافيا والتاريخ والقومية واعتبارات الأمن القومى المصرى والعربى. هذا الموقف المصرى الواضح والثابت والمساند لفلسطين لم يتغير ولم يتبدل طوال تلك العقود؛ لأنه موقف غير مرتبط بالمصالح الآنية، ولم يكن ورقة للمساومة دولياً أو إقليمياً، وظلت مصر على الوعد والعهد، الدرع والسند فى وقت السلم والحرب للأشقاء الفلسطينيين، لم تخذلهم يوماً ولم تتخلَّ عن قضيتهم ولم تخن عدالة مطالبهم.
فسبقت «القاهرة» الجميع فى رفض هجرة اليهود إلى فلسطين قبل إعلان قيام دولة إسرائيل بسنوات، وكانت فى صدارة الجيوش العربية التى ذهبت تدافع عن الحق الفلسطينى فى حرب 1948م، وعلى أرضها تأسست منظمة التحرير الفلسطينية، وكان الحق الفلسطينى فى صدارة مطالب المفاوض المصرى أثناء توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، كما كانت مصر أول من انتصر للقضية الفلسطينية فى المحافل الدولية؛ حيث قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975م دعوة منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك فى جميع المؤتمرات المتعلقة بالشرق الأوسط بناءً على طلب تقدمت به مصر.
هذا جزء من تاريخ تطول سرديته عن العلاقات المصرية - الفلسطينية، ولا تسعه المجلدات، لأنه لم يقف عند الماضى، بل استمر نهره يتدفق إلى يوم الناس هذا، فاستمر الدعم والمساندة المصرية للأشقاء الفلسطينيين بشكل أكبر فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى غير مبالٍ بالمزايدين على الدور المصرى ولا أكاذيب المتاجرين بالقضية الفلسطينية فى أسواق النخاسة الإقليمية والدولية، فكانت مصر هى كلمة السر والحل فى إيقاف جميع اعتداءات الاحتلال الإسرائيلى على غزة قبل حربه الأخيرة، وكانت المبادرة دوماً بدعوات إعادة إعمار القطاع منعاً لمخططات الاحتلال بتهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية عبر سياسة الأرض المحروقة التى يتقنها المحتل.
كانت ثوابت الموقف المصرى تجاه القضية الفلسطينية واضحة كوضوح الشمس، وهى: حقن الدماء، والحفاظ على أرواح الفلسطينيين الأبرياء، وصيانة مقدرات الشعب الفلسطينى، ومواصلة المساعى دون كلل أو ملل لوقف إطلاق النار، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
وعبر تلك الثوابت انطلقت مؤسسات الدولة المصرية منذ اندلاع حرب الاحتلال الأخيرة على الفلسطينيين فى السابع من أكتوبر الماضى، تدعم وتساند الحق الفلسطينى وتفضح جرائم المحتل الإسرائيلى، وتحذر من اتساع رقعة الصراع فى المنطقة، وتدعو للحكمة وهى تمتلك القوة والقدرة، وتحاول بشتى الطرق التخفيف من معاناة الأشقاء الفلسطينيين عبر دور إنسانى نابع من مواقف أصيلة وأخوة حقيقية وقيم راسخة.
وكانت تحركات القيادة السياسية المصرية الأخيرة تجاه القضية الفلسطينية ترجمة لمواقف «القاهرة» الثابتة والمدعومة بظهير سياسى وشعبى كبير يدعم ويناصر أشقاءه الفلسطينيين فى وجه حكومة إسرائيلية متطرفة تهرب من أزماتها الداخلية بتصدير الأزمات للخارج، فخاضت حرب غزة وهى لا تملك رؤية للغد سوى سفك الدماء وارتكاب المزيد من المجازر فى إطار مخطط مكتمل الأركان لتهجير الفلسطينيين وتصفية القضية، كانت له مصر بالمرصاد منذ اليوم الأول عبر مواقف معلنة لم تتراجع «القاهرة» عنها قيد أنملة.
فخلال أشهر معدودة ارتكب الاحتلال الإسرائيلى أكبر جريمة إبادة جماعية فى التاريخ الحديث فى حرب شعواء راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 130 ألف شهيد ومصاب ومفقود تحت الركام، وخلّفت وراءها كارثة إنسانية غير مسبوقة جعلت قطاع غزة غير صالح للحياة.
وطبقاً للتقارير الدولية، فإن ركام مبانى غزة المدمرة الذى خلّفته آلة المحتل يحتاج إلى 14 عاماً لإزالته، وتبلغ فاتورة إعمار القطاع طبقاً لتقديرات الأمم المتحدة ما بين 30 و40 مليار دولار.
أما القيادة السياسية المصرية التى أكدت أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء خط أحمر، فقد حذرت الاحتلال من مغبة خطوته الأخيرة لتوسيع حربه البربرية لتشمل مدينة رفح الفلسطينية، فبعثت «القاهرة» بالرسائل الواحدة تلو الأخرى لتؤكد أن احترامها بالتزاماتها ومعاهداتها الدولية لا يغل يدها عن استخدام كل الوسائل والسيناريوهات المتاحة للحفاظ على أمنها القومى وحق الشعب الفلسطينى، فى وقت ما زالت فيه «القاهرة» مستمرة فى طريق السلام والبحث عن حل سياسى ينهى الأزمة الراهنة إيماناً بأنه لا حلول أمنية أو عسكرية قادرة على تأمين المصالح أو تحقيق الأمن، ومخطئ من يظن أن سياسة حافة الهاوية يمكن أن تجدى نفعاً أو تحقق مكاسب، وأن مصير المنطقة ومقدرات شعوبها أهم وأكبر من أن يمسك بها دعاة الحروب والمعارك الصفرية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: مصر فلسطين القضیة الفلسطینیة
إقرأ أيضاً:
القوى الحزبية: تراجع ترامب عن تهجير الفلسطينيين انتصار للدبلوماسية المصرية
تحالف الأحزاب يرحب بالتراجع الأمريكي عن تهجير الفلسطينيين من غزة.. ويثني على الموقف المصري الذي أفشل كل المحاولاتنائب رئيس حزب الاتحاد: تصريحات ترامب بشأن غزة نجاح لجهود مصر الدبلوماسية في التصدي لمخطط التهجيرحزب الإصلاح والنهضة يرحب بتراجع ترامب عن تهجير الفلسطينيين من غزة
رحبت القوى الحزبية بتراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تصريحاته بشأن غزة بعد تأكيده بأنه لا أحد يريد طرد الفلسطينيين، مشددين على أنها بمثابة إنتصار للإرادة المصرية.
وفي هذا السياق..أصدر تحالف الأحزاب المصرية، الذي ينضوي تحت لوائه نحو 42 حزبًا سياسيًا، بيانًا، أعرب فيه عن ترحيبه لتراجع الموقف الأمريكي عن موقفه السابق تجاه قضية تهجير الفلسطينيين، مثنيًا كذلك على التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء أمس، الأربعاء، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء آيرلندا، مايكل مارتن، بأنه لا يوجد أي شخص سيُجبر على مغادرة قطاع غزة.
وقال الأمين العام لتحالف الأحزاب المصرية، النائب تيسير مطر، رئيس حزب إرادة جيل، وكيل لجنة الصناعة بمجلس الشيوخ، إن التراجع الأمريكي بشأن تهجير الأشقاء في غزة، انتصار للدبلوماسية المصرية وللقيادة السياسية المصرية التي بذلت جهودًا كبيرة في السبيل لعدم تصفية القضية الفلسطينية وتهجير مليوني فلسطيني بقطاع غزة، لافتًا إلى أن القرار الأمريكي جاء متسقًا مع الدعوات المصرية والعربية والدولية الرافضة للدعوات الرامية بتهجير الفلسطيني والأطروحات الأمريكية السابقة.
وأكد النائب تيسير مطر، أن الموقف المصري الرافض لهذه الدعوات منذ البداية، وتحركات الرئيس عبدالفتاح السيسي، منذ اللحظة الأولى، كانت عوامل حاسمة لإفشال أي محاولة لفرض حلول غير عادلة أو التلاعب بمصير الأشقاء الفلسطينيين، وكذلك رفض سياسة الأمر الواقع التي كانوا يحاولون فرضها عبر رؤية أحادية لا تلق قبولًا لأي طرف آخر.
وطالب الأمين العام لتحالف الأحزاب المصرية، بمواجهة الدعوات الإسرائيلية الماضية قدمًا في طريقها العنيف، بشأن التوجه الإسرائيلي نحو توسيع الاستيطان في الضفة، وهو ما كشف عنه وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الذي أكد التوجه الإسرائيلي نحو تشكيل مجموعات ضغط داخل إسرائيل والولايات المتحدة للعمل على تنفيذ خطة ترامب المتعلقة بالاستيلاء على غزة، في إطار توسيع الاستيطان في الضفة الغربية.
كما لفت النائب تيسير مطر، إلى ضرورة مضاعفة الجهد الدولي بشأن ما طرحته القمة العربية غير العادية الأخيرة التي عقدت في العاصمة المصرية القاهرة، لإعادة إعمار قطاع غزة، بتكلفة تقديرية تصل إلى 53 مليار دولار، على أن يتم تنفيذها على مدى خمس سنوات، مع التركيز على الإغاثة الطارئة والتنمية الاقتصادية، مطالبًا بضرورة تحمل الجمتمع الدولي مسئولياته تجاه حتمية حل الدولتين حتى يسود السلام في المنطقة.
وأشار الأمين العام لتحالف الأحزاب المصرية في ختام حديثه، إلى أننا أمام فرصة تاريخية للجلوس على مائدة الحوار ووضع حل جذري، إذا ما توافرت الإرادة الدولية الصادقة لحل مشكلة القضية الفلسطينية.
من جانبه..قال محمد سيف نائب رئيس حزب الاتحاد، إن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن عدم تهجير الفلسطينيين من غزة، انعكاس لنحاح الموقف المصري وجهوده الدبلوماسية الكبيرة في التصدي لهذا المخطط من أول لحظة، مشيرا إلى أن هذا التصريح يعكس إدراك ترامب لواقع استحالة تغيير الواقع في قطاع غزة.
وقال "سيف"، إن بيان مصر يعكس الجهود الدبلوماسية الدقيقة والموازنة التي تسعى لحشد المواقف الدولية لصالح القضية الفلسطينية، مع الحفاظ على قنوات التواصل مع القوى الكبرى لضمان عدم فرض حلول واقع يضر بمصالح الفلسطينيين، الأمر الذي لن تقبله مصر.
ولفت نائب رئيس حزب الاتحاد إلى أن مصر أشارت بوضوح إلى حل الدولتين وفق حدود 1967، وهو ما يعيد التأكيد على موقف مصر الراسخ، باعتباره المسار الوحيد لإحلال السلام في المنطقة، مشيدا بمساعي مصر للبناء على تصريحات ترامب لإحلال السلام بناء على حل عادل للقضية الفلسطينية.
واختتم بالتأكيد على رفض مصر لأي محاولات لتغيير الواقع الديموغرافي في القطاع، وهو موقف ثابت لمصر منذ بداية الأزمة، مشددا على أن مصر ستواصل جهودها الدبلوماسية لدعم الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
كما رحب الدكتور هشام عبد العزيز، رئيس حزب الإصلاح والنهضة، بتراجع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن تصريحاته السابقة بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، معتبرًا أن هذا التراجع يؤكد عدم واقعية مثل هذه الطروحات التي تتعارض مع القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في أرضه. وأكد أن الضغوط الدولية والتحركات الدبلوماسية، وعلى رأسها الموقف المصري الرافض لهذه الأفكار، كانت عاملًا حاسمًا في إفشال أي محاولة لفرض حلول غير عادلة أو التلاعب بمصير الفلسطينيين تحت أي مبرر.
وأضاف أن الموقف الأمريكي خلال الفترة الماضية كان يحمل إشارات مقلقة حول إمكانية دعم سياسات التهجير القسري، ولكن التراجع عن هذه الطروحات يُثبت أن المجتمع الدولي لا يمكنه القبول بمثل هذه المخططات التي تكرس الاحتلال وتفتح الباب أمام موجات جديدة من عدم الاستقرار في المنطقة. وأوضح أن هذا التغيير في الخطاب السياسي يجب أن يُترجم إلى خطوات عملية تدعم بقاء الفلسطينيين في أراضيهم، وتعزز الجهود الدولية لإعادة إعمار غزة، وليس الاكتفاء بتصريحات سياسية لا تحمل ضمانات حقيقية لحماية الحقوق الفلسطينية.
وأشار إلى أن هذا التراجع يعكس أيضًا فشل أي محاولة لفرض سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين، وهو ما شددت عليه مصر منذ بداية الأزمة، حيث كان موقفها واضحًا برفض أي حديث عن تهجير سكان غزة، ودعم حق الفلسطينيين في البقاء في وطنهم وإقامة دولتهم المستقلة. وأضاف أن الجهود المصرية المتواصلة، إلى جانب التحركات العربية والدولية، كانت حائط الصد الأول في مواجهة هذه الأفكار، وهو ما دفع بعض الأطراف الدولية إلى إعادة النظر في مواقفها والاعتراف بعدم إمكانية تنفيذ مثل هذه المخططات.
واختتم تصريحه بالتأكيد على أن حزب الإصلاح والنهضة يرى في هذا التراجع خطوة إيجابية لكنها غير كافية، مشددًا على ضرورة التزام المجتمع الدولي بالعمل الجاد نحو تحقيق حل الدولتين كخيار وحيد يضمن الاستقرار والسلام في المنطقة. وأكد أن التصريحات وحدها لا تكفي، بل يجب أن تُترجم إلى إجراءات واضحة تضمن وقف الاعتداءات على الشعب الفلسطيني، ورفع الحصار عن غزة، وإعادة إعمار ما دمره العدوان، مع التزام دولي كامل بمنع أي محاولات مستقبلية لتهجير الفلسطينيين أو المساس بحقوقهم التاريخية.