يرى محللون سياسيون أن تل أبيب لن تنفذ أوامر محكمة العدل الدولية القاضية بالوقف الفوري للحرب على رفح، وتوقعوا ألا تتعامل إسرائيل مع هذه القرارات بحسب سوابق عديدة لتل أبيب مع القانون الدولي.

وبحسب كريستينو مارينيللو أستاذ القانون الدولي في جامعة ليفربول، فإن تل أبيب لن تنفذ أوامر محكمة العدل الدولية بوقف الحرب على رفح، ويرى أنه لا خيار أمام الدول الأعضاء سوى بحث جميع السبل القانونية لإيقاف اجتياح رفح وتسهيل دخول السلع الإنسانية إلى قطاع غزة.

وأيد الكاتب المختص في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين وجهة نظر مارينيللو بأن إسرائيل لن تتعامل مع قرارات المحكمة ولن تعطيها شرعية بأن تملي عليها قرارات، لأن لتل أبيب سوابق متعددة في هذا الشأن.

كما اتفق الدكتور لقاء مكي الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات مع الضيفين على أن تل أبيب لن تنفذ هذا القرار وستتهم المحكمة بمعاداة السامية وإسرائيل.

واعتبر مارنيللو -ضمن فقرة التحليل السياسي على شاشة الجزيرة- قرار المحكمة واحدا من أهم القرارات التي اتخذها قضاة المحكمة كونه يمثل موقف قويا لأنه يفرض بشكل واضح وقف إطلاق النار.

وتوقع عضو الفريق القانوني لضحايا الحرب في غزة أمام المحكمة الجنائية الدولية أن تفرض الدول الأعضاء في المحكمة عقوبات فورية على إسرائيل أسوة بما فعلته مع روسيا، وأن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا طارئا لبحث سبل تنفيذ قرار المحكمة.

وقال إنه من الصعوبة التكهن بموقف أميركا داخل مجلس الأمن إن كانت ستعيق عمله باستخدام حق النقض "الفيتو"، وعبر عن أسفه بأن محكمة العدل الدولية ليست لديها صلاحيات من الناحية القانونية لتلزم إسرائيل بتنفيذ قراراتها، موضحا أن مسؤولية تنفيذ قراراتها تقع على عاتق كل الدول الأعضاء.

وأوضح مارينيللو أن الكرة الآن في ملعب مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة إلى مسؤولية الدول بشكل فردي لتقوم بفرض حظر كامل على نقل الأسلحة إلى إسرائيل.

محمل الجد

لكن جبارين أشار إلى أن دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى عقد اجتماع عاجل تدل على أن إسرائيل تأخذ هذه القرارات على محمل الجد.

ولم يستبعد جبارين أن تسعى الدبلوماسية الإسرائيلية إلى الالتفاف على القرار بطرق عدة، منها الذهاب إلى طاولة المفاوضات وفقا لما رمى إليه عضو مجلس الحرب الوزير بيني غانتس بطريقة أو بأخرى.

وأشار الكاتب المختص في الشأن الإسرائيلي إلى أن قرارات المحكمة يمكن أن تزيد الضغط على حكومة تل أبيب في حال توحد اثنين من الصعوبات الثلاث التي نجح نتنياهو في مواجهتها باستخدام خطة "فرّق تسد" -حتى الآن- وهي الاحتجاجات والمعارضة والأجهزة الأمنية.

زيادة الضغوط

وبحسب الدكتور مكي، فإن أهمية محكمة العدل الدولية تكمن في أنها منظمة حقوقية دولية تابعة للأمم المتحدة، وقراراتها ملزمة حسب القانون الدولي.

وأوضح مكي أن خسائر إسرائيل السياسية خلال هذه الحرب لم تحدث منذ نكبة 1948، مستشهدا بقول نتنياهو "إن معركة رفح هي المعركة المنقذة لإسرائيل والتي ستنهي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتحسم المعركة وتنقذ الرهائن"، وقال إن نتنياهو لم ينجح حتى الآن، بل إن المعارك تجددت في مناطق أخرى.

كما يرى مكي أن القرار زاد الضغوط القوية على إسرائيل، وأن تأثيره المعنوي لا بد أن يؤتي أكله، وتوقع أن يجبر القرار إسرائيل على تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات لم تكن مطروحة منذ بداية الحرب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات محکمة العدل الدولیة تل أبیب لن تنفذ

إقرأ أيضاً:

التداعيات القانونية والسياسية لأمر "الجنائية الدولية" ضد إسرائيل

 

د. عبدالله الأشعل

نشأت المحكمة الجنائية الدولية ويحكم عملها (ميثاق روما) في 2002؛ وبذلك تأخر القضاء الجنائي الدولي عدة عقود عن نشأة القضاء المدني الدولي ممثلًا في محكمة العدل الدولية. ونظرت المحكمة الجنائية الدولية حتى الآن 32 قضية مُعظمها لحوادث في قارة إفريقيا.

بينما عُرضت قضية الإبادة الجماعية في قطاع غزة على المحكمة في أوائل العام الجاري، وهذه المحكمة لا علاقة لها بالأمم المتحدة؛ بينما محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتنظر المنازعات القانونية وحدها بشرط أن تكون بين دول.

أما المحكمة الجنائية الدولية فتختص بثلاث مجموعات من الجرائم هي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية والإبادة، وجريمة العدوان، وتركز هذه المحكمة على المجرمين وليس لها علاقة بالدول، ومعنى ذلك أن الدولة غير العضو فى المحكمة والتى وقعت فيها الجريمة أو ارتكب مواطنوها هذه الجريمة تختص المحكمة بنظرها فإسرائيل ليست عضوًا فى المحكمة وتصورت عبثًا أن المحكمة غير مختصة كما قالت أيضًا الولايات المتحدة، وهما دولتان حضرتا مؤتمر روما عام 1998 ووقعتا على ميثاق روما، ثم سحبتا التوقيع فى اليوم التالي، ظنًا منهما أنَّ المحكمة غير مختصة بنظر الجرائم التي تقع في الدولة أو من الدولة غير العضو.

المحكمة الجنائية الدولية تختلف اختلافًا جوهريًا عن محكمة العدل الدولية فى جوانب متعددة، ويهمنا جانب واحد وهو أن المجرم فى محكمة العدل الدولية يتمتع بالحصانة إذا كان مسؤولًا فى مستوى مُعين، ولكن المحكمة الجنائية الدولية تنص المادة 27 من ميثاقها على أن اختصاص المحكمة يشمل أي شخص بشرط أن يرتكب جريمة من الجرائم التي تختص المحكمة الجنائية الدولية بنظرها، وفقًا للمادة الخامسة من "ميثاق روما"، وبغض النظر عن مرتبته في سلم الحكم فى بلده، وهو ذات الحكم الذي اعتمدته محاكم نورمبرج في ألمانيا التي نشأت لمحاكمة مجرمي الحرب النازيين.

والطريف أن السلاح الذى ابتكرته إسرائيل الصهيونية، وهو هذا النص ونفس الجرائم يُطبَّق عليها الآن؛ فالهولوكوست الذي قامت به إسرائيل فى غزة ولبنان ومصر (سابقًا) أخطر من الهولوكوست الذي تمسكت به إسرائيل ضد الزعيم الألماني هتلر، وإذا كان الهولوكوست الألماني تمت روايته من طرف واحد هو إسرائيل، ووقع سرًا ولم يسجل بأي وثيقة، كما إن خبره أحيط بقدسية خاصة، وحُظِر على الباحثين تناوله، فإن الهولوكوست الإسرائيلي تم في العلن على مسمع ومرأى من كل العالم؛ بل إن الجنود الإسرائيليين من شدة اعتزازهم بارتكاب الجرائم سجلوا هذه الجرائم فى فيديوهات نشرت على العلن، كما أن إسرائيل دفنت في سيناء عام 1967 أكثر من 10 آلاف من الجنود والضباط المصريين أحياءً، وعبرت عن اعتزازها بهذا العمل بتسجيله في فيلم. ويعد الرواية الرسمية لإسرائيل عن جرائمها فى حرب 1967 وسمته فيلم "روح شاكيد".

ويبلغ عدد أعضاء المحكمة الجنائية الدولية 124 دولة، علمًا بأن معظم الدول الأفريقية بما فيها جنوب إفريقيا قررت الانسحاب منها واتهمتها بالإغراق في تسييس الجرائم.

والمحكمة الجنائية الدولية تتكون من مستويين من المحاكم؛ المستوى الأول الدائرة التمهدية الأولى والمستوى الثانى هو بمثابة استئناف للحكم ومعلوم أن محكمة العدل الدولية ليس فيها استئناف والدائرة التمهدية الأولى يقدم لها المدعي العام التقارير والتحقيقات الأولية التي أجراها والتى تلقاها من الأطراف الأخرى. وتحريك الدعوى أمام هذه المحكمة يتم بثلاثة طرق وفق المادة 13 من ميثاق روما الطريق الأول إحالة مجلس الأمن القضية إلى المحكمة بقرار يصدر وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ومثاله إحالة مجلس الأمن في القرار 1593 الرئيس عمر البشير ورفاقه إلى المحكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد المواطنين السودانيين في دارفور وقد ناقشنا هذا القرار فى كتابنا الصادر سنة 2009 بعنوان السودان والمحكمة الجنائية الدولية. أما الوسيلة الثانية فهي المُدعي العام. والوسيلة الثالثة هي تقديم دعوى للمحكمة من جانب دولة عضو.

وبالنسبة لإسرائيل، فقد تقدمت جنوب إفريقيا بعد انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية بدعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة انتهاك اتفاقية إبادة الجنس البشري لعام 1948. وقد قدمت دعوى ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية من خمس من الدول الأعضاء بينهم دولة جيبوتي العربية بالإضافة إلى فريق قانوني دولي تقدم بتقارير ضد إسرائيل مع فريق قانوني من جنوب إفريقيا في نفس الاتجاه.

فإذا توفرت موجبات التحقيق وتوفرت أركان الدعوى طلب المدعي العام من الدائرة التمهدية الأولى أن تصدر أمرا بالقبض على المتهم لكي تحاكمه .

وإذا كانت المحكمة مختصة بنوع الجرائم وتوفرت الأدلة والوقائع فى هذه الحالة تصدر الدائرة التمهدية الأولى أو غرفة ما قبل المحاكمة المنصوص عليها في المادة 37 من ميثاق روما وغالبًا يصدر أمر القبض على المتهم وتقديمه للمحاكمة بناءً على غلبة الظن أنه ارتكب هذه الجرائم.

القضية ضد إسرائيل

طلب المدعي العام من الدائرة التمهدية الأولى منذ شهور طلبًا لغرفة ما قبل المحاكمة بتقديم اثنين من القيادات الإسرائيلية ومن حماس، رغم أن مجلس النواب الأمريكي أصدر قانونا يهدد بعقوبات على قضاة المحكمة والمدعي العام إذا أصدروا قرار المحاكمة ضد إسرائيل، ولكن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت هذا القرار يوم 21 نوفمبر 2024؛ وهو قرار تاريخي وأطلق عليه نتانياهو "اليوم الأسود" ورفضته إسرائيل والولايات المتحدة فورًا وتعهدت الولايات المتحدة بأن تُحبِط عمل المحكمة امتدادًا لموقفها المُعادي للمحكمة منذ نشأتها. وفي السنوات الأولى من عمل المحكمة هددت الولايات المتحدة بقصف قصر السلام الذي يضم مبنى المحكمة في لاهاي في هولندا.

معنى ذلك أن الولايات المتحدة تبذل كل جهدها لتأكيد إفلات إسرائيل من العقاب وإشاعة الفوضى فى العلاقات الدولية، كما اتهمت إسرائيل المحكمة بأنها ترتكب جريمة معاداة السامية، وهو اتهام يُطلق عادة على كل من ينتقد السياسة الإسرائيلية، وعند التحليل فإن هذا الاتهام فضفاض وليس له محتوى موضوعى وتطلقه إسرائيل على أي تصرف لا تؤيدها.

أما رد فعل المجتمع الدولي، فقد رحبت به معظم دول العالم؛ بما فى ذلك منسق السياسات الأوروبية، وصدرت تصريحات من وزراء الدفاع والخارجية فى بعض الدول تتعهد بتنفيذ القرار مثل وزير خارجية هولندا ووزير الدفاع الإيطالى ووزير الخارجية الإيرلندي ووزير الخارجية الإسباني ونائبة وزير الخارجية البلجيكي. وبصفة عامة، فإنَّ الدول الواقعة تحت تأثير واشنطن في أوروبا لن تُنفِّذ هذا القرار. أما الدول المستقلة عن النفوذ الأمريكي فقد تعهدت بتنفيذه. ولا يحتمل هذا القرار في الواقع بالنسبة لإسرائيل، ولذلك ينحصر أثر القرار فى التداعيات القانونية والسياسية الآتية:

أولًا: أن القرار يساوي الحكم وهو إدانة إسرائيل ونتنياهو ووزير الدفاع بالذات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وسوف يدفع هذا القرار قدمًا قضية جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية. واللافت للنظر أن جميع منظمات حقوق الإنسان رحبت بالقرار وحثت على تنفيذه.

ثانيًا: يُعبِّر هذا القرار عن شجاعة القضاة والمدعي العام، وتحديهما لإسرائيل والولايات المتحدة؛ وبذلك أُعيد الاعتبار إلى هذه المحكمة، ويُتوقع أن يزيد عدد أعضائها خلال أشهر.

ثالثًا: أما آلية التنفيذ على المستوى الدولى فلا تزال عاجزة، خصوصًا فى ظل انحياز واشنطن ومشاركتها لجرائم إسرائيل؛ مما أظهر واشنطن أنها تعيق العدالة الدولية وتحبط الأمل فيها. ولذلك فإنَّ هذا القرار مفيد جدًا في أي دعوى أمام القضاء الأمريكي ضد الحكومة الأمريكية أو ضد الحكومة الإسرائيلية أمام أي من القضاء الغربي.

رابعًا: أن القرار يُسهم فى تبديد الحُجج الإسرائيلية بأن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وأنها تطبق مبدأ سيادة القانون، وبذلك يُعد القرار انتصارًا للقانون الدولي والقضاء الدولي، ويُعيد الثقة في القضاء الدولي، وأن الذى يتحدى إسرائيل بشكل خاص يعمل لمصلحة العدالة الدولية التي أُهدرت على يد إسرائيل والولايات المتحدة.

خامسًا: هذا القرار يحرج العلاقات الإسرائيلية مع معظم دول العالم، كما إنه يًعد انتصارًا للمقاومة، لكن هذا القرار يوقف حملة الإبادة الإسرائيلية وتوحش إسرائيل مادام القتل أصبح هدفا للجنود الصهاينة.

سادسًا: أن القرار يدعم جهود طرد إسرائيل من الأمم المتحدة.

وسوف نتابع تداعيات هذا القرار التي لا تنتهي، خاصة وأن المحكمة ردت على إسرائيل والولايات المتحدة بأنها مُختصة بالجرائم التى ارتكبها نتنياهو ووزير الدفاع السابق جلانت، وأن من ضمن الدول التى رفعت الدعوى دولة فلسطين التى انضمت للمحكمة عام 2015.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • كاتس أيضاً إلى المحكمة الجنائية الدولية
  • وزير فلسطيني سابق: الإفلات من العقاب يشجع إسرائيل على تكريس عدوانها
  • رئيس مجلس الوزراء يلتقي رئيس المحكمة العليا ووزير العدل وحقوق الإنسان
  • كيف تباين موقف الغرب إزاء قرارات المحكمة الجنائية الدولية؟
  • محللون: الدول العربية لديها فرصة كبيرة لوقف الحرب إذا كانت جادة
  • محللون: نتنياهو يناور بوقف إطلاق النار مع لبنان وينتظر ترامب
  • ميليشيات عراقية تنفذ هجومين بالمسيّرات على إسرائيل
  • إعلام عبري: إسرائيل تحولت إلى دولة جرباء بعد قرارات الجنائية الدولية
  • التداعيات القانونية والسياسية لأمر "الجنائية الدولية" ضد إسرائيل
  • مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي: يجب ممارسة الضغط على إسرائيل.. وندعم قرار المحكمة الجنائية الدولية