نستكمل اليوم حديثنا عن الأفكار المتطرفة وأثرها على العقل المتلقى، فأما أشكال التطرف فهى كثيرة، أذكر منها ما يلى: التطرف الفكرى، ومعناه الميل بالكلية إلى فكرة معينة واعتناقها والعمل على نشرها بكل السبل المتاحة وغير المتاحة، أو الإفراط فى اعتناق مذهب فكرى معين على الرغم من مخالفة القوم له، كاعتناق الخوارج لمبدأ الولاء والبراء، أو اعتناقهم لمبدأ التكفير، أو اعتناق الشيعة لفكرة التقية والرجعة، وهذا مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة، أوتأصيل المعتزلة لفكرة الحرية المطلقة، وأن الإنسان حر حرية مطلقة دونما ضوابط.

أو التطرف فى اعتناق الإلحاد، والوجودية الملحدة، أو الميل بالكلية إلى اتجاه اليسار أو الاتجاه الاشتراكى أو الماركسى أو العلمانى، أو الليبرالى، أو الميل إلى الاتجاه الصوفى والمغالاة فى التصوف مغالاة تقود إلى الشطح والخزعبلات، كاتحاد اللاهوت بالناسوت، وكالحلول والاتحاد وكوحدة الوجود، والفناء وغيرها من الشطحات المخالفة لروح الإسلام السمح الذى يرفض التطرف ويدعو إلى الوسطية والاعتدال وعدم التشدد، فالدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، أو كظهور بعض الجماعات التى تنتسب زوراً وبهتاناً إلى الإسلام، وتشرعن للقتل وسفك الدماء بحجة الجهاد، وهم أبعد ما يكونوا عن الجهاد، فالمجاهد الحق هو الذى يجاهد نفسه ويتغلب عليها ولا يجعل للشيطان سبيلا عليه، ولا يجعل نفسه تقوده للوقوع فى براثن التطرف، بحجة نصرة الإسلام، فهل يعقل أن نرفع السلاح فى وجه من شهد لله بالوحدانية، والنبى وضح ذلك، لأن تهدم الكعبة وهو يعلم حرمتها على الله، لأن تهدم حجراً حجراً أهون عند الله من أن تلوح لأخيك بحديدة فى وجهه، فما بالكم بمن يفخخون السيارات، ويتربصون بالجنود المرابطين على الحدود، والحجة أنهم مارقة خارجون عن الدين، والله أنتم المارقة والخارجين عن الدين ورب الدين منكم براء.

كذلك من أشكال التطرف، التطرف العنصرى والتطرف الطائفى، وهذا النوع خطير جداً، لماذا لأنه يضرب المجتمعات فى صميمها، فكل الأديان نبذت العنصرية والطائفية ودعت إلى التعايش السلمى بين أفراد المجتمع دونما إفراط، بل نبذت التعصب لجنس على حساب جنس آخر، فلا فرق بين الأجناس، كلكم لآدم وآدم من تراب، فالجميع أصلهم واحد وتربتهم واحدة، فلا عنصرية ولا طائفية فلا فرق فى المواطنة بين المسلم والقبطى، الكل يعيش فى وطن واحد، يستظل تحت سماء واحدة، يمشى على تراب واحد، فالدين لله والوطن للجميع، كل يعبد الله على دينه فلا إكراه فى الاعتقاد، (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مسلمين)، فلماذا أيها المتطرفون تتربصون لإخوانكم فى الوطن، لماذا تتربصون لهم أمام دور عبادتهم وتقتلونهم.

لماذا أيها العنصريون المتطرفون، تتربصون لإخوانكم أمام مساجدهم وتقتحمون عليهم مصلاهم وتقتلونهم، لماذا تحرقون الكتب المقدسة، لماذا تسبون الأنبياء وتتطاولون عليهم.

لماذا لا تعاملون الإنسانية ممثلة فى شخوصكم، لماذا نزعات العنصرية هذه وخطابات الكراهية والتحريض، لماذا لا تعاملون الإنسان كذات فعالة، لماذا لا تعاملونهم بما تحبون أن يعاملونكم به، ما هذه النظرة أحادية الجانب.

أليس هذا شكل من أشكال التطرف الدينى، أليس هذا دعوة مفادها عدم قبول أية طائفة دينية للتعايش مع غيرها ومعاداة طوائف دينية أخرى والتحريض كما ذكرت آنفاً على إلحاق الضرر بها.

أيضاً نجد نوعاً آخر من التطرف هو التطرف الثقافى ونقصد به تجاوز حد الاعتدال والوسطية فى الأفكار والأحكام والنظر للطرف المختلف حيث يتبع الأفراد مذهباً ثقافياً معيناً بطريقة متعصبة، لماذا لا نتناقش على طاولة واحدة نقاشاً عقلياً منطقياً يقوم على الدليل والحجة والبرهان لماذا الاحتكار الثقافى للآراء والأفكار، أما تعلمون أن الفكر لا دين له ولا وطن، لو تعلمون ما صرتم إلى هذه الحالة.

ثم التطرف الاجتماعى ويقصد به التعصب لأفكار معينة مهما تكون بسيطة، وتحصل فى كافة القطاعات سواء التعليمية أو الصحية أو غيرهما، وقد تكون الأفكار متعلقة بخلفيات الأفراد التاريخية أو الثقافية أو غير ذلك.

وينمو على ذلك حصول حالة من التطرف الاجتماعى تجاه فرد أو مجموعة من الأفراد بسبب حدث ما.

وهناك نوع آخر من التطرف هو التطرف النسوى والتطرف الذكورى.

بمعنى النشاطات النسائية والذكورية التى تتجاوز الحد والمعقول والمنطق، ما يقود إلى معاداة كل طرف للآخر، فنجد بعض متطرفات النساء يتفنن فى إيقاع الأذى والتربص بالرجال عن طريق الحيل والمكر والدهاء.

وكذلك يظهر هذا التطرف جلياً عند كثير من الرجال فيتفننون فى ابتكار وسائل يقمعون من خلالها النساء، دونما سبب اعتماداً على مبدأ أحقية الرجال بالعيش والحقوق أكثر من النساء.

ونحن نرفض ذلك بل كل ذى بصر وبصيرة يرفض ذلك، فالنساء لهن حقوقهن، كفلتها لهن التشريعات السماوية، النساء شقائق الرجال.

وبعد أن قدمنا تعريفات لغوية واصطلاحية للتطرف، وتحدثنا عن أسبابه وأنواعه، وشخصنا الداء الذى قد يظن البعض أنه داء عضال، لكن ليس ثم داء إلا وله دواء.

والدواء الذى نقدمه ليس علاجاً بالعقاقير الطبية وإنما دواؤنا كلماتنا، دواؤنا عن طريق خطاب توعوى بناء نوضح فيه خطر التطرف الذى يقود إلى الوقوع فى براثن الرذيلة والوقوع فى المحظور الذى يؤدى إلى الإرهاب، الإعلام المرئى، المسموع، المقروء، الإعلام الإلكترونى عن طريق مواقع التواصل الاجتماعى ومنصاته المعتمدة، شريطة أن يقوم بذلك عقل واع متفتح مفوه حتى لا يضل ويضلل القوم.

كذلك المؤسسات الثقافية، المجلس الأعلى للثقافة، اتحاد الكتاب، الصالونات الثقافية الحقيقية، عليهم جميعاً دور فاعل فى التوجيه والإرشاد عن طريق عقد الندوات وإقامة المؤتمرات التى تتوصل إلى توصيات لا توضع فى أدراج المكاتب بل ترفع إلى أولى الأمر للشروع فى تنفيذها.

كذلك المؤسسات التعليمية، الجامعات، التربية والتعليم، المعاهد، عليهم جميعاً دور فاعل بخطاب مفيد ناجع فليس دورهم مقصوراً على العملية التعليمية فقط.

أيضاً المؤسسات الدينية دور العبادة جميعها لا نستثنى أحداً، فالكل لابد أن يشاركوا قدر استطاعتهم فى خطاب توعوى يوضحون فيه خطورة التطرف وموقف الأديان منه وكذلك يشرحون للناس وسطية واعتدال الأديان، فالوسط والاعتدال ما دخل شيئاً إلا زانه، وما خرج من شىء إلا شانه.

 

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مواقع التواصل الإجتماعى لماذا لا عن طریق

إقرأ أيضاً:

شيخ العقل التقى وفدا من الاحزاب

تمنى شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى لو ان مناسبة عيد الاستقلال تحل في ظروف افضل من تلك التي يعيشها اللبنانيون اليوم، بفعل الحرب القاسية والمدمرة التي تمر على الوطن المضرّج بدماء شهدائه وجرحاه، واضطرار الكثيرين من ابنائه إلى ترك منازلهم وممتلكاتهم قسرا". 

 وشدد الشيخ ابي المنى خلال استقباله وفدا ممثلا لعدد من الاحزاب في لبنان، على ان "تحدّي تجاوز الحرب وسائر الأزمات التي يواجهها لبنان، تتطلب تضافر جهود الجميع، بما يعكس حقيقة الارادة الوطنية الجامعة في هكذا حال، وفي الدفاع عن لبنان الوطن والكيان، مهما بلغت التحديات". 

 معتبرا ان "وحدة اللبنانيين الوطنية والتفافهم حول القوى العسكرية والأمنية، واعادة النهوض بدولتهم ومؤسساتهم الدستورية والرسمية وعلى رأس الاولويات انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قادرة، تبقى السلاح الامضى في الدفاع عن الاستقلال الحقيقي". 

 وتناول الوفد في اللقاء مع شيخ العقل في دار الطائفة في بيروت اليوم، التطورات الراهنة ومستجدات الحرب وتداعياتها على الساحة اللبنانية. 

 كما استقبل الشيخ ابي المنى رئيس "مؤسسة نورج" وقائد القوات اللبنانية الأسبق الدكتور فؤاد أبو ناضر، يرافقه السيد اميل عيد ورئيس الحركة اليسارية اللبنانية منير بركات، بحضور مدير عام المجلس المذهبي مازن فياض، حيث كان هناك بحث في الأوضاع العامة وفي ما تقوم به مؤسسة نورج بالتعاون مع مؤسسة فرح ضمن شراكة "سوى" لتنمية قدرات ابناء الجبل وهو ما يتلاقى مع توجيهات سماحة الشيخ وما يعمل عليه، لترسيخ الشراكة الفعلية الاقتصادية بين عائلات الجبل الروحية.  

شانيه 
وكان شيخ العقل استقبل في دارته في شانيه الشيخ الجليل ابو فايز امين مكارم يرافقه الشيخ هاني العنداري. 

 كذلك وفدا من ادارة مؤسسة العرفان التوحيدية، لدعوته الى لقاء ديني في المؤسسة- السمقانية الشوف. 

 كما استقبل موريس البعينو رئيس جمعية “Hope"، يرافقه الدكتور رامي عطالله، ثم الاستاذ منهل العريضي من مكتب الامم المتحدة في بيروت، وتلقى مراجعات عدة.

مقالات مشابهة

  • 9 عادات خبيثة تضعف العقل.. احذر منها
  • القراءة في عقل الأزمة
  • شيخ العقل التقى وفدا من الاحزاب
  • تسع عادات خبيثة تضعف العقل وتركيزه.. عليك التخلص منها
  • الورشة يناقش دور الكوميديا في الإعلانات وأثرها على الجماهير
  • جامعة كفر الشيخ تشارك في برنامج رؤية شبابية لمجابهة التطرف
  • جامعة كفر الشيخ تشارك في «برنامج رؤية شبابية لمجابهة التطرف»
  • رئيس جامعة حلوان: تجديد الخطاب الديني ضرورة مجتمعية لمواجهة الأفكار المتطرفة
  • مرصد الأزهر يستقبل عددًا من طلبة جامعة كفر الشيخ
  • الشخصية المعادية للمجتمع وأثرها السلبي في مواقع التواصل الاجتماعي