اتسمت لغتنا العربية بسعة معجمها اللغوى، وتميزها بسمات لغوية كالتفئيم بزيادة حرف أو أكثر فى بناء الكلمة، أو التمييم، أى زيادة ميم، والتنوين، وجمع التكسير، والتأنيث، والقلب المكانى، والإبدال، والنحت، والاشتقاق، والمجاز، والتصريف، والتعريب، وتنمية المصطلح، حتى صك العرب مصطلحات علمية كثيرة، ومؤلفات جمة بالعربية من مثل فهرسة وتصنيف العلوم، تداولتها الجامعات الأوروبية منذ العصور الوسطى، حين كانت إشراقات ابن سينا، وابن رشد، والخوارزمى، وابن النفيس، والرازى، وغيرهم فى الكحالة والطب وطب العيون، والفلك، والأدوية، والبيمارستان، والجراحة.
ونكتفى بمثل من مفاتيح العلوم لأبى عبدالله الخوارزمى (ت 387هـ/997م)، الذى ألف كتابه هذا للوزير الساسانى أبى الحسن العتبى، ممثلاً لأقدم دائرة معارف موسوعية عربية، وصفها المقريزى بقوله: «كتاب جليل القدر»، واهتم به المستشرقون، وصرح الخوارزمى نفسه بشدة حاجة الباحثين إلى مثله، قال:
يكون جامعاً لمفاتيح العلوم، وأوائل الصناعات... والاصطلاحات، مقرراً أن من يحرم من مثل تلك المصادر يكون «كالأمى الأعتم»، وبلغ من السعة حدا جعله يذكر تفسير المصطلح فى فصول. لا فى فصل واحد فحسب. وقد تحرى الإيجاز والقصد، وتجنب الغموض والإغراب، جعل كتابه فى مقالتين، أولاهما فى ستة أبواب: فى الفقه، والكلام، والنحو، والكتابة والكتاب، والشعر والعروض، والأخبار، أما المقالة الثانية ففى: الفلسفة، والمنطق، والطب، وعلم العدد، والهندسة، وعلم النجوم، والموسيقى، والحيل، والكيمياء، وهكذا ضمت المقالتان خمسة عشر بابا، فيها ثلاثة وتسعون فصلاً.
وتتبارى كتب عديدة فى تعداد النشاط اللغوى، ومدارسه، من ذلك:
المدارس النحوية فى مصر والشام لعبدالعال سالم مكرم، وليؤكد الباحثون أن رابطة اللسان العربى أقوى الروابط، فيمضى مع هذا اللسان اللبنانى المارونى أحمد فارس بن يوسف منصور الشدياق (ت 1304هـ/1887م)، الذى رحل إلى مصر، ثم إلى مالطة، ثم إلى تونس ليعتنق الإسلام، ويصدر جريدة الجوائب سنة 1277هـ، لتظل 23 سنة، ويكون من أشهر كتبه الساق على الساق فيما هو الفارياق، أوأيام وشهور وأعوام فى عجم العرب والأعجام، مبرزا غرائب اللغة ونوادرها ومترادفها، وخصائص الحرف، وقد طبع الكتاب على نفقة رافائل كحلا الدمشقى، وبآخره فهرس مفصل، وكان الكتاب فى 712 صفحة، ذيلها المؤلف بست وثلاثين صفحة، وطبع بباريس سنة 1270هـ/1855م.
ومن قبل ذلك أسس القائد الفاطمى «جوهر الصقلى»، بأمر الخليفة الفاطمى المعز لدين الله الفاطمى جامعاً سماه الأزهر، إشارة إلى السيدة الزهراء فاطمة رضى الله عنها، أنشأه مع إنشاء القاهرة 972، وتم بناؤه بعد إنشائها بثلاث سنوات، وظل حامياً لعلوم الدين، وللغة العربية، بشيوخه، وطلابه المجاورين، أى الذين جاوروا الجامع، وفى سنة 1936 صار جامعة تتعدد كلياتها، ولا أبالغ إن قلت إنه من أكبر منارات اللغة العربية والثقافة الإسلامية فى العالم الآن..
وأسهم فى المصطلح العلماء وفى مقدمتهم مجمع اللغة العربية بمصر، والمجامع اللغوية فى أنحاء الوطن العربى، وذلك فى جانبى المعرفة:
العلمى من أطباء، وصيادلة، وكيميائيين، وفلكيين، وزراعيين، ورياضيين..إلخ، والأدبى من: اللغويين، والنحاة، والفقهاء، والفلاسفة، والمحدثين، والبلاغيين، والمفسرين، وأسسوا علم المصطلح بالاشتقاق: الصغير، والكبير، وبالمجاز، وبالنحت، وبالتعريب، كما تكشف عنه العنوانات:
موسوعة أساطير العرب عند الجاهليين ودلالاتها، محمد عجينة، الفارابى، بيروت 1994، وموسوعة الأساطير والرموز الفرعونية، روبر جاك تيبو، ترجمة فاطمة عبدالله محمود، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 2004، وموسوعة ميثولوجيا وأساطير الشعوب، تقديم حسن نعمة، دار الفكر الإسلامى، بيروت 1994، وموسوعة تاريخ الأديان، فراس السواح، دار علاء الدين، دمشق 2005، ومعجم المفردات والرموز فى مصر القديمة، مانفرد لوركر، ترجمة صلاح رمضان، مراجعة محمود ماهر، مدبولى، القاهرة 2000، ومعجم المصطلحات الصوفية، أنور أبوخزام، مكتبة لبنان، بيروت 1993، وقاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية، أحمد أمين، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1953، وغيرها.
عضو المجمع العلمى وأستاذ النقد الأدبى بجامعة عين شمس
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جامعة عين شمس لغتنا العربية جذور هويتنا د يوسف نوفل
إقرأ أيضاً:
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم.
نيويورك – يرصد خبراء أن اللغة العربية التي يحتفل بها في 18 ديسمبر من كل عام، وجود نقص حاد في المتخصصين الذين يعرفون اللغة العربية والثقافة العربية في العالم.
الاحتفال بيوم اللغة العربية تحدد في 18 ديسمبر، اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1973 بإدراجها ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في المنتظم الأممي. اللغات المعتمدة في الأمم المتحدة ست وهي العربية، والإسبانية والإنكليزية والروسية والصينية والفرنسية.
أهمية اللغة العربية تتزايد باضطراد في العالم ويسجل تزايد في الإقبال على تعلمها. يمكن للذين يدرسون اللغة العربية الحصول على وظائف في مختلف المجالات مثل الصحافة والأعمال التجارية والمالية والمصرفية وفي الصناعة والتعليم والترجمة الشفوية والاستشارات والخدمات الدبلوماسية.
الجدير بالذكر أن اللغة العربية تحظى منذ القدم بمكانة هامة في روسيا التي يعيش بها في الوقت الحالي حوالي 20 مليون مسلم، أي ما يمثل نحو 15 بالمئة من مجمل السكان.
يُسجل أيضا أن اللغة العربية لها شعبية كبيرة في روسيا، وهي تعتبر من أشهر اللغات الشرقية المتاح تعلمها في عدد من المؤسسات التعليمية الروسية.
هذه الأهمية تأتي من حاجة روسيا، التي تقيم علاقات سياسية واقتصادية واجتماعية مع الدول العربية، إلى متخصصين في مجال اللغة العربية للحفاظ على هذه الصلات الهامة والتقليدية.
علاوة على ذلك، تشهد معظم المنطقة السوفيتية السابقة عملية إحياء للقيم الروحية والثقافية الإسلامية، وهذه العملية ترتكز بالدرجة الأولى على تعلم اللغة العربية، لغة القرآن، ومعظم الأعمال الدينية الكبرى.
حتى الولايات المتحدة تتزايد الحاجة فيها إلى متخصصين يتقنون اللغة العربية. يوجد في هذا البلد أكثر من 1.35 مليون شخص يتحدث باللغة العربية، ما يجعل منها سادس أكثر اللغات شيوعا في البلاد وهي تستعمل من قبل ما يقرب من 0.5 بالمئة من سكان الولايات المتحدة.
اللغة العربية اكتسبت صفتها باعتبارها كنزا للحضارة العالمية نظرا لأنها لغة القرآن الكريم وهي أساسية لمعتنقي الدين الإسلامي، وهي توصف أيضا بأنها أم اللغات الشرقية، وبفضل الترجمات العربية وصلت أعمال العلماء القدماء إلى العالم في حقبة العصور الوسطى.
تحتل اللغة العربية المرتبة الخامسة في العالم بالنسبة لعدد الناطقين بها، ويستعملها في العالم أكثر من 300 مليون ناطق أصلي، ولها مكانة خاصة في 26 دولة في آسيا وإفريقيا، إضافة إلى مكانتها الرئيسة في 23 دول عربية. علاوة على كل ذلك، هي إحدى أربع لغات في العالم إلى جانب الصينية والسنسكريتية واليونانية، أسهمت في نشوء تقاليد لغوية أصيلة.
أهمية اللغة العربية تظهر في وجود كلمات ومفردات في اللغات الأخرى بما في ذلك عدد من المصطلحات العلمية وأسماء بعض المنتجات والمفاهيم والظواهر الثقافية. الثقافة العربية الإسلامية ظهر فيها مثلا علم الجبر، وجاءت من العالم العربي منتجات مثل القهوة والقطن وكذلك الياسمين والليمون.
تأثير الثقافة العربية يوجد في كثير من اللغات الأخرى وخاصة الفارسية والتركية والكردية والإسبانية والبرتغالية والسواحيلية والأردية ولغات أخرى.
يشار أيضا إلى أن معظم الشعوب التي تنتمي إلى العالم الإسلامي كانت تستخدم حتى وقت قريب الحروف العربية في ابجدياتها. في هذا السياق تمتد كتابة العديد من الأعمال الكلاسيكية للأدب التركي والتتاري والأوزبكي والأذربيجاني والطاجيكي والفكر الديني والفلسفي بالمجمل بأحرف عربية متكيفة مع خصوصيات اللغات الوطنية.
من المعروف أيضا أن الحروف الهجائية الحديثة للفارسية والأردية والباشتو ولغات أخرى تعتمد على الحروف العربية. لذلك تتم دراسة الحروف العربية في الوقت الحاضر ليس فقط في المؤسسات التعليمية الدينية، بل وفي المدارس العامة.
علاوة على ذلك يجري تدريس فنون كتابة النصوص بالخط العربي الفريد في جمالياته في المدارس الخاصة. كل ذلك يشير إلى أن اللغة العربية إضافة إلى مكانتها الدينية والثقافية الراسخة، هي لغة بمستقبل واعد مع ازدياد الحاجة إليها في محتلف المجالات في العالم.
المصدر: RT