لاهاي- أصدرت لجنة محكمة العدل الدولية المكونة من 15 قاضيا، اليوم الجمعة، أوامر أولية تطالب فيها إسرائيل بالوقف الفوري لعملياتها العسكرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وانسحاب قواتها، لكنها لم تأمر بوقف كامل لإطلاق النار، ضمن القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا، واتهمت فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية.

ويُعتبر قرار "العدل الدولية" التحرك الثالث هذا العام ضد مصالح إسرائيل، التي تجد نفسها لأول مرة أمام عزلة دولية غير مسبوقة، فقد واجهت في الفترة الأخيرة طلب المدعي العام كريم أحمد خان في المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرة اعتقال في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزيره بيني غانتس، فضلا عن اعتراف 3 دول أوروبية بدولة فلسطين.

وعلى الرغم من تجاهل تل أبيب قرارات هذه المحكمة في مناسبات سابقة، لأن الهيئة القانونية العليا للأمم المتحدة لا تمتلك أي وسيلة لتنفيذ قراراتها، فإن أوامر اليوم تمتلك ثقلا دوليا كبيرا من المتوقع أن يزيد عزلة تل أبيب السياسية، بعد سلسلة من الانتهاكات المسجلة داخل القطاع المحاصر لأكثر من 7 أشهر.

ضغط قانوني

وخلال قراءته لتفاصيل حكم "العدل الدولية"، قال رئيس المحكمة نواف سلام إن الإجراءات المؤقتة التي أُشير إليها في مارس/آذار الماضي لم تعالج الوضع في القطاع، مشددا على ضرورة توقف الهجوم العسكري الإسرائيلي "وأي عمل آخر في مدينة رفح من شأنه أن يفرض على الفلسطينيين في غزة ظروفا معيشية يمكن أن تؤدي إلى تدميرهم المادي كليا أو جزئيا".

وفي هذا الإطار، يرى الأستاذ في القانون الدولي لحقوق الإنسان بكلية ترينيتي في دبلن والموظف القانوني السابق في محكمة العدل الدولية مايكل بيكر أن هذا القرار يعد "الأول من نوعه"، الذي يأمر إسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية في رفح.

ويضيف في حديثه للجزيرة نت، أن ذلك "لا يضع تل أبيب فحسب تحت ضغط كبير لتغيير سلوكها، بل واشنطن أيضا، التي سترغمها على أخذ تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن السابقة على محمل الجد".

ففي مارس/آذار الماضي، حذر بايدن من أن بلاده لن تستمر بتزويد إسرائيل بأنواع معينة من الأسلحة في حال شن جيش الاحتلال هجوما عسكريا على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، لكن موقفه ظل متذبذبا عندما أكد أن إسرائيل لم تتجاوز بعد الخط الأحمر.

من جانبه، أكد الخبير في القانون الدولي جيل دوفير أن القرار سيزيد الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة، أما عن مواقف الدول الأوروبية المتوقعة بهذا الشأن، فاستذكر المحامي الفرنسي البيان الصحفي الذي نشرته كل من فرنسا وألمانيا، والذي أوضحتا فيه التزامهما باحترام قرار المحكمة، ولم يستبعد إعلان الموقف نفسه بعد القرار الذي صدر اليوم من العدل الدولية.

وتوقع دوفير، في حديث للجزيرة نت، تطرق محكمة العدل الدولية لوجود إبادة جماعية محتملة، حيث أمرت المحكمة إسرائيل بضمان وصول أي بعثة لتقصي الحقائق ترسلها الأمم المتحدة للتحقيق في مزاعم الإبادة الجماعية، معتبرة أن العمليات العسكرية تشكّل "خطرا حقيقيا ووشيكا" على الشعب الفلسطيني، وشددت على ضرورة إبقاء معبر رفح مفتوحا "لتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية دون عوائق".

استئناف مرفوض

واعتبر المتخصص في القانون الجنائي الدولي وتسليم المجرمين توبي كادمان أن كون إسرائيل طرفا في اتفاقية الإبادة الجماعية، فإن ذلك يمثل ضغطا قانونيا عليها يجبرها على قبول وتنفيذ اختصاص محكمة العدل، وخص بالذكر إعلان المحكمة في وقت سابق أن "الدول التي تزود إسرائيل بالمساعدة، سواء كانت غطاء دبلوماسيا أو مساعدة عسكرية فعلية، يمكن اعتبارها متورطة أيضا".

وأشاد كادمان بقوة الأدلة التي قدمتها جنوب أفريقيا بشأن الوضع في رفح، وقال في حديث للجزيرة نت، إنه كان من المتوقع ألا تأمر العدل الدولية إسرائيل بوقف كامل لإطلاق النار وبانسحاب جميع القوات العسكرية الإسرائيلية من جميع أنحاء قطاع غزة، متسائلا في الوقت ذاته "هل ستلتزم إسرائيل بأي أمر من المحكمة في ظل تجاهلها المستمر للقوانين؟".

بدوره، أكد الموظف القانوني السابق في محكمة العدل الدولية مايكل بيكر أن إسرائيل لن تتمكن من اللجوء إلى طلب الاستئناف، فعلى الرغم من رفض محكمة العدل الدولية طلبات جنوب أفريقيا المتعددة لإصدار أمر يقضي بتعليق إسرائيل عملياتها العسكرية، فإن إبراز الأوضاع الإنسانية في رفح وإعراب أغلبية القضاة في شهر مارس/آذار الماضي عن أن وقف هذه العمليات سيكون مناسبا، ساهم في قرار المحكمة اليوم.

وفيما يتعلق بتركيز إسرائيل المستمر في حججها على مسألة الدفاع عن النفس ضد حركة حماس، لا يعتقد بيكر أن المحكمة ستضع إسرائيل في موقف لا يمكنها فيه الدفاع عن نفسها ضد أي هجمات مستقبلية، "وهذه خطوة ذكية"، حسب قوله، لأن أوامر المحكمة لا يمكنها إلزام حماس، ومع ذلك، إذا كان أمر "العدل الدولية" مشروطا بعدم استمرار حماس في الهجوم، فإن هذا الأمر سيخلق حافزا للمقاومة الفلسطينية لاحترام قرار وقف إطلاق النار.

تحول دائم

وفيما بات من الواضح أن إسرائيل وحليفتها الأميركية تفقدان الزخم العالمي، يؤكد المحامي الفرنسي جيل دوفير أن "استخدام ورقة حق النقض، التي تمنع حقوق الشعب الفلسطيني منذ عام 1949، وسيلة غير واردة أمام العدل الدولية".

وبرر ذلك بوجود أسس قانونية متينة في محكمة العدل والمحكمة الجنائية الدولية تعتبر فلسطين دولة، وتقضي بأن أي عمل إجرامي له أثر على الأراضي الفلسطينية يقع ضمن اختصاصها، "وبالتالي، نحن أمام قضية ستحدث تحولا دبلوماسيا لا رجعة فيه".

وعما إذا كان هذا القرار سيعجّل بإصدار قرار مماثل في مجلس الأمن، يعتبر دوفير أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لن تستطيع القول، على المدى الطويل، إن ما تحكمه السلطة القضائية للأمم المتحدة ليس له أي تأثير، خاصة عندما يتعلق الأمر بعضو في مجلس الأمن، وإلا فإن ذلك سيحدث ثورة داخل الأمم المتحدة إذا لم تُحترم قرارات العدل الدولية.

ويتفق توبي كادمان مع ما ذهب إليه المحامي الفرنسي، مشيرا إلى أن أي فشل في تنفيذ القرار سيذهب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال إنه سبق أن رأينا الولايات المتحدة قد اختارت عدم استخدام حق النقض عند عرض القضية على مجلس الأمن، "وهذا يدل على أن واشنطن أصبحت تشعر بقلق متزايد بشأن مدى دعمها لإسرائيل".

بدوره، يفسر مايكل بيكر، أن أوامر المحكمة ملزمة قانونا بشكل رسمي، وإذا لم تلتزم إسرائيل بها فإن ذلك سيعني انتهاكا مباشرا للقانون الدولي وسيضاف إلى القائمة، لافتا إلى وجود أنواع أخرى لسلطة المحكمة التنفيذية، بما في ذلك سلطة الإقناع، التي تعني توضيح المحكمة في أمرها سبب تبرير أي إجراءات سيتم فرضها.

وقد أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بتقديم تقرير للمحكمة في غضون شهر واحد، حول التقدم الذي أحرزته في تطبيق الإجراءات التي أمرت بها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات محکمة العدل الدولیة المحکمة فی

إقرأ أيضاً:

ماليزيا وجنوب أفريقيا تقودان مجموعة دولية لمنع إسرائيل من تحدي القانون الدولي

نحضر ماليزيا وجنوب أفريقيا مع مجموعة أخرى من الدول لحملة بهدف حماية العدالة وتثبيت قرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، ومواجهة ما وصفته هذه الدول بأنه تحد لأوامر محكمة العدل الدولية ومحاولات الكونغرس الأمريكي فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية.

وتضم "مجموعة لاهاي" تسع دول وهي كولومبيا وناميبيا وتشيلي وبوليفيا والسنغال، إلى جانب جنوب أفريقيا وماليزيا، وتهدف لحماية والدفاع عن نظام العدل الدولي، حسب تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" وترجمته "عربي21".

ويأتي التحرك وسط التحديات التي تواجه المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية وبخاصة في الحروب في غزة وأوكرانيا وتهريب البشر عبر البحر الأبيض المتوسط.


وقال وزير الشؤون الدولية لجنوب أفريقيا رونالد لامولا، إن الحملة تهدف للتأكد من الالتزام بالقانون الدولي وحماية الضعفاء، وأضاف أن " تشكيل مجموعة هيغ يرسل رسالة واضحة: لا دولة فوق القانون ولا جريمة ستمر بدون عقاب". وكانت جنوب أفريقيا قد تقدمت بدعوى أمام محكمة العدل الدولية متهمة فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية.

وتقول المجموعة إن التركيز لن يكون على إسرائيل ومعاقبتها ولكن على نهجها تجاه قرارات المحكمة الدولية والتي يقول رئيس وزراء ماليزيا، أنور إبراهيم "تمس أسس القانون الدولي الواجب على المجتمع الدولي الدفاع عنه".

وتعكس الخطوات التي ستحددها المجموعة الغضب المتزايد في الجنوب العالمي إزاء ما ينظر إليه على أنه معايير مزدوجة للقوى الغربية عندما يتعلق الأمر بالقانون الدولي. وقد أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش تقريرا حول ما يمكن للدول الأعضاء القيام به لضمان امتثال إسرائيل لأحكام محكمة العدل الدولية، ولا سيما النتيجة التي توصلت إليها وهي أن استمرار وجود إسرائيل في الأراضي المحتلة غير قانوني وأنه ينبغي عليها سحب قواتها في غضون 12 شهرا.

وكلفت سويسرا بعقد مؤتمر في أذار/مارس للدول الـ 196 الموقعة على اتفاقيات جنيف، مع التركيز على الالتزام باحترام القانون الإنساني الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما سيعقد مؤتمر في حزيران/ يونيو في نيويورك لمناقشة حل الدولتين. وطلبت محكمة العدل الدولية من الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تقدم  رأيا استشاريا عاجلا بشأن التزامات إسرائيل كقوة محتلة وتحملها مسؤولية توفير المساعدات الإنسانية.

وتعلق الصحيفة أن المنتقدين سينظرون إلى هذه الإجراءات المضادة بأنها ضئيلة للغاية. فلم تظهر إسرائيل أي اهتمام بالالتزام بأحكام محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية. وعلاوة على ذلك، فإذا كانت إدارة بايدن مشوشة في موقفها بشأن القانون الدولي، فإن إدارة ترامب ليس لديها مثل هذه التحفظات.

وقد أيد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو مشروع قانون معروض حاليا على الكونغرس لفرض عقوبات على أي فرد أو كيان على اتصال بتحقيق المحكمة الجنائية الدولية ضد أمريكيا أو حليف لها، وستشمل هذه العقوبات أفراد الأسرة أيضا.

ومن الأمور التي تثير قلق المحكمة الجنائية الدولية هي تآكل سلطتها في أماكن أخرى. فقد زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، الإمارات العربية المتحدة والسعودية، وهما دولتان مثل روسيا ليستا طرفا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، في حين رفضت منغوليا الموقعة على النظام طلبين من المحكمة الجنائية الدولية لاعتقال الرئيس الروسي عندما زارها في آب/أغسطس من العام الماضي. وزعمت منغوليا أن بوتين بصفته رئيس دولة يتمتع بالحصانة، وقد رفضت المحكمة الجنائية الدولية هذا الطلب ولكن هذا يشكل سابقة.

وفي حالة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، انقسمت الدول الأوروبية بشدة حول ما إذا كانت ستتصرف بناء على مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، حيث أصر بعضها، بما في ذلك إيطاليا ورومانيا والمجر، على تجاهلها إذا دخل أراضيها.

وقالت بولندا أنها ستستقبل نتنياهو حالة السفر لحضور الذكرى الـ80  لتحرير أشوفيتز، لكنه لم يحضر المناسبة في النهاية.


وضربت إيطاليا سلطة الجنائية الدولية عندما تحركت الشرطة بناء على مذكرة اعتقال صادرة بحق مهرب ليبي سيء السمعة. وقد وضعته السلطة القضائية على متن طائرة عائدة إلى ليبيا حيث استقبل استقبال الأبطال. وبعد أن شعرت المحكمة الجنائية الدولية بالغضب إزاء إبطال تحقيقاتها في جرائم الحرب في ليبيا، أصدرت بعد ذلك الأدلة ضد الليبي ودوره في وفاة المهاجرين.

ويعلق وينتور أن محكمة العدل الدولية معتادة على تجاهل أوامرها، ولكن قضية الإبادة الجماعية التي تقدمت بها جنوب أفريقيا كانت من القضايا التي جعلت من تحدي إسرائيل الواضح للأوامر المؤقتة للمحكمة أكثر وضوحا. فقد قالت منظمة أوكسفام في استطلاع أجرته بين المنظمات غير الحكومية هذا الأسبوع إن 89% من الوكالات وجدت أن تقديم المساعدات إلى غزة ساء منذ صدور أوامر محكمة العدل الدولية الستة التي تغطي المساعدات ومنع الإبادة الجماعية في 26 كانون الثاني/يناير من العام الماضي. وقالت أونا هاثاوي، أستاذة القانون الدولي بجامعة ييل الأمريكية: "لدينا القدرة على تغيير".

وتقول أونا هاثاواي، أستاذة القانون الدولي في جامعة ييل: "إننا نملك القدرة على تغيير مجرى الأمور إذا أردنا ذلك. ولكن عند نقطة معينة، سوف تتآكل القواعد إلى الحد الذي يجعلها تفقد كل شرعيتها، وسوف تفقد الولايات المتحدة كل شرعيتها. وسوف نجد أننا تجاوزنا نقطة اللا عودة، وأن هذه القواعد لم تعد قابلة للإنقاذ. وأعتقد أن هذا سوف يكون مأساة حقيقية".

مقالات مشابهة

  • محكمة استئناف عدن تصدر حكمها على قاتل فتاة توب سنتر
  • ضربة جديدة لحكومة ميلوني: إعادة 43 مهاجرا من ألبانيا إلى إيطاليا نزولا عند حكم قضائي
  • 16 مليون جنيه .. ضربة جديدة لمافيا الدولار
  • ماليزيا وجنوب أفريقيا تقودان مجموعة دولية لمنع إسرائيل من تحدي القانون الدولي
  • جنوب أفريقيا وماليزيا تشكّلان “مجموعة لاهاي” لدعم محكمتي العدل والجنائية الدولية 
  • الأمم المتحدة تتلقى تمويلاً إضافياً لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن
  • ضربة موجعة لترامب.. 100 ألف توقيع لعزله من رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية
  • الأهلي يخطط لتوجيه ضربة جديدة لـ الزمالك.. صفقة نارية
  • 7 ملايين جنيه.. ضربة جديدة لمافيا الدولار
  • رويترز: المحكمة الجنائية الدولية تطالب إيطاليا بتفسير إعادة نجيم إلى ليبيا