مصطفى عمار يكتب: مصر.. الاسم والعنوان
تاريخ النشر: 24th, May 2024 GMT
على مدى عقود بذلت مصر فى سبيل الدفاع عن عدالة القضية الفلسطينية ما يفوق حصره وسرده فى تلك المساحة.. تضحيات كبيرة.. وجهود جبارة متواصلة، كانت فيها القاهرة هى الاسم والعنوان رغم التحديات الداخلية والضغوط الخارجية، حيث حملت لواء القضية وراية الدفاع عنها انطلاقاً من مواقف وطنية ثابتة ومبادئ راسخة تجاه الأشقاء الفلسطينيين، وصوناً وحمايةً للأمن القومى المصرى والعربى فى الوقت ذاته.
مصر لا تحتاج لمن يذكّر بمواقفها، ولا أن يدافع عنها أمام كل كذوب منكر جاحد، لأنها كالبرهان الساطع، فهى دوماً درعٌ وسيفٌ لأمتها العربية، وليس أصدق فى التعبير عنها من كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى التى ألقاها فى 12 أكتوبر 2023 خلال حفل الكليات العسكرية، حيث قال: «إن حكم التاريخ وقواعد الجغرافيا قد صاغوا ميثاق الشرف العربى فى وجدان الضمير المصرى، ما جعل مصر دائماً وأبداً فى صدارة الدفاع عن الأمة العربية؛ مقدمةً الدماء والتضحيات، باذلةً كل ما تملك من أجل الحق العربى المشروع.. حين كانت الحرب فكنا مقاتلين.. وكان السلام فكنا له مبادرين.. لم نخذل أمتنا العربية، ولن نخذلها أبداً».
لم تكن مصر دولة شعارات أو أقوال، وإنما أفعال، كانت الملاذ والملجأ حينما تكالبت على تلك الأمة الأزمات من كل حدب وصوب تحاول أن تعصف بها، وكانت المبادرة دوماً بمد يد السلام فى وقت كانت فيه طبول الحرب تدق، وصوتها يجلجل الأركان.. من واقع نظرة بعيدة المدى ورؤية ثاقبة تعرف بأن لا حلول أمنية ولا عسكرية قد تجلب الأمن أو الاستقرار، وإنما وحدها الجهود الدبلوماسية والحلول السياسية هى مفتاح الحل لما تعانيه دول المنطقة من أزمات وصراعات.
مصر التى وقفت لمخطط الفوضى والتخريب فى المنطقة وانتصر جيشها لإرادة شعبها فى الثلاثين من يونيو 2013، هى مصر التى تقف اليوم شامخة أبيّة تنتصر لقضايا أمتها العربية وتدافع عن استقرار ووحدة أراضيها، وترفض التدخلات الخارجية فى شئونها الداخلية، وتصدح فى كل محفل بالمطالبة بحقوق الشعب الفلسطينى فى أرضه المحتلة، وتؤكد دوماً أنه لا مخرج من دوامة العنف التى تسيطر على المنطقة إلا بحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
مصر التى لم يُثنِها عن طريق البناء والتنمية أبواق الشر حينما ظنوا أنها دانت لهم، لا تقيم وزناً لأكاذيب معروف من ينسجها ولمصلحة من يتم ترديدها، حيث استطاعت القاهرة على مدار السنوات الماضية أن تصنع حائط صد لتلك الأبواق عبر «بناء الوعى»، وتحصين المصريين بتعزيز وحدة صفهم أمام كل التحديات التى اجتازوها الواحدة تلو الأخرى.
مصر التى وقفت أمام مخطط تهجير الفلسطينيين، ومنعت تصفية القضية الفلسطينية، هى ذاتها مصر التى تقف بكل قوة لتدافع عن الفلسطينيين أمام جريمة القرن التى تُرتكب فى قطاع غزة على يد محتل غاصب، وترفض بكل قوة محاولة حكومة الاحتلال تصدير مشاكلها الداخلية إلى دول الجوار، وحمّلت الاحتلال مسئولية الكارثة الإنسانية الأكبر فى التاريخ التى تحدث بحق أكثر من مليونى فلسطينى بعد أن سدت أمامهم كل منفذ للحياة أو إدخال المساعدات، وهى مصر التى تحمّلت وحدها ما يفوق 70% من حجم المساعدات التى أُدخلت على مدار الشهور الماضية للقطاع المنكوب.
وأمام هذا الدور المصرى الواضح، تدفق خلال الآونة الأخيرة كمُّ كبير من الأكاذيب التى بدأ يلوكها الإعلام الأمريكى والإسرائيلى والتى لا تنطلى على أحد، فى محاولة لإثارة مزاعم ضد مصر، وتعليق فشل المحتل فى غزة على مصر؛ تارة بترديد إفكهم عن إقامة أنفاق بين سيناء وغزة، وتارة أخرى بقلب الحقائق حول الموقف المصرى الصلب الرافض للتعامل مع الجانب الإسرائيلى بعد سيطرته على معبر رفح.
تلك الأكاذيب لا تحتاج لدحض، فيكفى أن نعرف خلفية كُتابها ومروّجيها لنعرف علاقتهم بدولة الاحتلال، حيث لم ينبس من يطلق عليهم «صحفيين» فى «أبواق الشر» تلك بأى كلمة انتقاد للاحتلال الذى لا ينفك صباح مساء عن انتهاك القانون الدولى الإنسانى فى حق الشعب الفلسطينى، ناهيك عن أن تلك الأكاذيب تُردد إما بـ «مصادر مُجهَّلة» أو تُلقى الاتهامات من خلالها دون دليل أو منطق.
أكاذيب تأتى من قتلة، مطارَدين من المحاكم الدولية، وآخرها حكم محكمة العدل الدولية التى تبنت نفس مطالب مصر التى انضمت لدولة جنوب أفريقيا فى قضيتها المقامة ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، حيث أمرت «العدل الدولية» الاحتلال بوقف هجومه العسكرى على مدينة رفح الفلسطينية، ووصول المحققين إلى غزة لجمع أدلة اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية فى غزة دون عوائق، وفتح معبر رفح من الجانب الفلسطينى أمام المساعدات الإنسانية.. فهل ستنفذ دولة الاحتلال القرارات الدولية أم أن العدالة الدولية ستقف أمامها عاجزة، وسيخرس الإعلام الأمريكى أمام تلك الازدواجية الفاضحة؟.
مصر هى الاسم والعنوان، فهى أول من اقترحت رؤية متكاملة لحل أزمة غزة، وكانت هى أساس المفاوضات التى تمت فى باريس والدوحة وتل أبيب والقاهرة، وبذلت - وما زالت - من الجهود للتوصل إلى هدنة إنسانية فى القطاع ما يفوق طاقة البشر، هى مصر التى رغم محاولات تشويه دورها لن تُوقف جهودها من أجل دعم القضية الفلسطينية وإزاحة الكارثة الإنسانية عن قطاع غزة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: مصر فلسطين مصر التى التى ت
إقرأ أيضاً:
تقرير جديد: أجهزة أمن السلطة الفلسطينية مارست عشرات الانتهاكات بالضفة
سجلت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية عدد 207 انتهاكات على يد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وذلك خلال فبراير/شباط الماضي وحده، وتنوعت بين اعتقال واستدعاء ومداهمة، إضافة إلى ملاحقة عناصر المقاومة في إطار التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي.
ورصد التقرير الصادر عن فبراير/شباط عشرات حالات الملاحقات وقمع المظاهرات، وأكثر من 90 حالة اعتقال، و20 مداهمة للمنازل وأماكن العمل، بالإضافة إلى حالات إطلاق نار مع المقاومين ومحاكمات تعسفية واستدعاء.
وأشار إلى أن هذه الانتهاكات تأتي في إطار التنسيق الأمني بين أجهزة أمن السلطة والاحتلال الإسرائيلي، وتركزت حملات الاعتقال في جنين وطوباس ونابلس، وشملت عشرات الأسرى المحررين والمعتقلين السياسيين السابقين وطلبة جامعات، بالإضافة إلى أكثر من 20 مطاردا من قبل جيش الاحتلال.
وتعد لجنة أهالي المعتقلين السياسيين نافذة للتواصل مع عائلات ذوي المعتقلين، وتوثق كل حالة اعتقال ميدانيًا أو ما يتم التبليغ عنه أو ما يتم رصده عبر وسائل الإعلام، وتصدر تقارير دورية تشمل التحديثات الأسبوعية والشهرية، كما أن اللجنة تتواصل مع محامين وحقوقيين لمواجهة هذه الانتهاكات والتصدي لها قانونيًا للضغط على أجهزة السلطة لوقف هذه الانتهاكات.
ويقول المتحدث باسم اللجنة "إن ما نحصيه لا يمثل كل الحالات، فهناك اعتقالات واستدعاءات لا نستطيع رصدها لعدة أسباب، منها خوف الأهالي من التبليغ نتيجة تهديدات أجهزة السلطة، أو لا تتعرف اللجنة على تفاصيل الانتهاكات إلا بعد أيام من حدوثها".
وأضاف -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن هذه الانتهاكات تأتي في سياق مرتبط بالعمليات التي شنتها أجهزة السلطة على مخيمات الضفة الغربية، وتحديدا في مدينة جنين ومخيمها، حيث شهدت المحافظة أعلى نسبة من الاعتقالات والانتهاكات، كما ترتبط هذه الحملات بمحاولة إخماد الأصوات المعارضة لسياسات السلطة وتنسيقها الأمني المتواصل مع الاحتلال من أجل استهداف المقاومين والمطاردين من قبل قوات الاحتلال.
إعلانوبشأن التنسيق الأمني، أشار المتحدث باسم لجنة المعتقلين السياسيين إلى أن أجهزة السلطة تترصد بعض المقاومين الذين خرجوا من المخيمات خلال العمليات الحالية التي تشنها قوات الاحتلال و"هذا ما شاهدناه من خلال حملات الاعتقال التي أجرتها أجهزة السلطة وبثتها على مواقع التواصل المختلفة وهي تهين وتعتقل مطاردين للاحتلال".
وتعليقا على التقرير الصادر من قبل لجنة أهالي المعتقلين السياسيين، قال المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حازم قاسم إن "تصاعد الاعتداءات من السلطة تزامن مع تصاعد العدوان الصهيوني على الضفة، وحتى أن النسبة الأكبر من اعتداءات السلطة تقع في الأماكن الأكثر عرضة لهجمات الاحتلال مثل جنين".
وعن موقف حماس من هذه الانتهاكات، قال قاسم في مقابلة مع الجزيرة نت "للأسف ما تمارسه الأجهزة الأمنية للسلطة ضد المقاومين يتقاطع تماما مع السلوك والأهداف الإسرائيلية، وهو أمر خارج عن الفهم الوطني والأخلاقي".
وأضاف المتحدث باسم حماس أنه على كل القوى الوطنية التحرك الجاد لوضع حد لهذا "التغول من الأجهزة الأمنية ضد أبناء شعبنا ومقاومته، ومنعها من زيادة الشرخ" في الحالة الفلسطينية.
قد تصوغ السلطات الأمنية في السلطة الفلسطينية هذه الاعتقالات بحجج قانونية تستند إليها في ممارسة هذه الانتهاكات، وبالتالي لا تمثل -حسبها- خرقا للقانون العام الفلسطيني، ولكن القانونيين لهم رأي آخر.
فرئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي يقول إن "اعتقال المقاومين أو إطلاق الرصاص عليهم يعد تجاوزا لكل الأعراف والمواثيق الدولية، إضافة إلى مخالفة القانون الفلسطيني والأعراف الوطنية، ويؤسس لتغييب مبدأ سيادة القانون ويرسخ ثقافة الانقسام ويهتك النسيج الاجتماعي ويدفع إلى هز أركان السلم الأهلي".
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أضاف عبد العاطي أن المطلوب لمنع هذه الانتهاكات هو ضمان فتح تحقيق في كل هذه الانتهاكات، وإعلان نتائجها، بالإضافة إلى المحاسبة على هذه الانتهاكات الجسيمة أمام القضاء الفلسطيني، باعتبار أن هذه الانتهاكات وفقا للقانون الأساسي الفلسطيني لا تسقط بالتقادم وينبغي أن يتم إيقافها.
إعلانأما أستاذ القانون الدولي بالجامعة العربية الأميركية رائد أبو بدوية فأشار إلى أن التقارير الصادرة عن المؤسسات الحقوقية تؤكد وجود حالات انتهاك بحق المقاومين، خاصة انتهاك حقوقهم في السلام الجسدي عبر ممارسة بعض أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي داخل مراكز الاعتقال في الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
واعتبر أبو بدوية هذه الانتهاكات نوعا آخر يتمثل في انتهاك حرمة الحق في الحرية، سواء عبر الاعتقال من دون أي مسوغ قانوني أو حتى الاستدعاء أو الاحتجاز لفترات مؤقتة، إضافة لحرمة اقتحام المساكن التي أوجب القانون الفلسطيني عدم مداهمتها إلا من خلال أمر قضائي بالتفتيش.
وأشار أستاذ القانون الدولي -في مقابلة مع الجزيرة نت- إلى أن ذلك يمثل انتهاكا واضحا للقانون الفلسطيني، وأن السلطة الفلسطينية تحاول أن تلبس هذه الممارسات شكلا من أشكال القانون عبر توجيه تهم مثل إثارة النعرات وحمل سلاح بلا ترخيص و"لكن من الواضح جدا أن هناك حالة من التغول والسيطرة من قبل السلطة التنفيذية على السلطة القضائية".
يُذكر أن قوات الأمن التابعة للسلطة في رام الله شنت حملة سمتها "حماية وطن" في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بهدف نزع سلاح المقاومين الفلسطينيين في مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة، والذي يقع تحت سيطرتها ضمن المنطقة (أ) بموجب اتفاق أوسلو عام 1993.
كما شنت قوات الاحتلال عدة مداهمات واقتحامات لمخيمات الضفة، منذ 21 يناير/كانون الثاني الماضي، أي بعد يومين فقط من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل حيز التنفيذ، وذلك بعد عدوان شنّه جيش الاحتلال استمر نحو 15 شهرا على القطاع الفلسطيني المحاصر.