لجريدة عمان:
2024-06-29@23:05:43 GMT

قواسم مشتركة

تاريخ النشر: 24th, May 2024 GMT

تجمع بين مختلف الأمم قواسم مشتركة، بعضها يذهب إلى كثير من خصوصية المجتمعية، وبعضها الآخر؛ يحوي في حاضنته كل الشعوب على اختلاف مشاربها وألوانها وأشكالها وأنماط حياتها، ومع ذلك فالبشر مختلفون ومتباينون في كثير من نقاط التقارب، ولذلك لا يحدث تقارب؛ إلا في لحظات زمنية فارقة لسبب ما، إما سبب إنساني مطلق، وإما سبب تهيمن عليه المصلحة؛ وهو نسبي بالضرورة، ولذلك لن تختفي قضايا التشابك بين البشرية، منذ شرارتها الأولى، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكل ذلك لا يمكن ربطه بالزمن المنجز، ليقال على سبيل المثال: «هذا الزمن .

..» فالمسألة متحررة بصورة مطلقة من هذا التحديد، ويعاد كل شيء إلى الفطرة البشرية، أو الطبيعة البشرية، فهي من يتحمل تقويض القواسم المشتركة بينها، ويحدث ذلك إما لضعف - (وخلق الإنسان ضعيفا) - وإما لنزعة ذاتية؛ تدفع بالإنسان بصورة دائمة للبحث عن نفسه فقط، حتى وإن كلفه ذلك معاداة أقرب الناس إليه؛ والده وولده؛ فعند اجتماع الخصوم تنسل الأنفس من حمولتها الإنسانية التي تفاخر بها في أوقات الراحة والهدوء، وتسل سيفها البتار؛ فالحالة حالة اقتتال، فإما غالب أو مغلوب، ولا توجد منطقة محايدة للإنسانية، ولذلك تعج المحاكم؛ كما هي الحال دائمًا؛ بقضايا ذوي القربى: أب مع ابنه، زوج مع زوجته، جار مع جاره، صديق مع صديقه، وما خرج عن هذا الترابط لا يعد ولا يحصى، وكل ذلك يحدث في رحاب الإنسانية؛ وهي القاسم المشترك بين هؤلاء وغيرهم.

وما يبعث على الضحك بل القهقهة هو عندما تلوك الألسنة دور «القواسم المشتركة» في تحييد الصراعات الدولية، ومسوغ الضحك أن الإنسان وفي خاصته القريبة القريبة لم يستطع أن يبرهن في مختلف علاقاته على أن هناك قواسم مشتركة؛ أهمها مثالا (بطن الأم) وهو الحاضنة الكبرى لمفهوم الإنسانية حيث خرج منه مجموع الأخوة والأخوات، فإذا بهذا القاسم المشترك يبقر تكوره، فيندلق كل ما فيه من رحمة ومودة وحنان وألم، ويتوزع كل ذلك على أرصفة الصدامات والتباينات والاختلافات، (... وما تخفي الصدور) فإذا الإنسان الفرد لم يستطع أن يثمن القواسم المشتركة مع أقرب الناس إليه، فكيف له ذلك مع آخرين بعيدين عنه عقيدة وجغرافيا وقيما ومصالح، أليس ذلك يدعو إلى الضحك حقا؟

ومن هنا تأتي أهمية أن تكون هناك معاهدات موثقة لحفظ الحقوق والإلزام بالواجبات، حتى ولو مع أقرب الناس إلى الإنسان؛ سواء الإنسان الفرد، أو الإنسان المجموع لا فرق، وإلا ضاعت الحقوق، وتماهت العلاقات، واختزلت الأمانات، وسادت شريعة الغاب، فالإنسان بخلقته من الأغيار؛ متغير الطبع والمزاج، تأخذه الرياح يمنة وشمالا، لا يؤمن عهده إلا بالفترة الحاضرة من الزمن، ومتى تناسل هذا الزمن: ساعات؛ أيام؛ شهور؛ سنوات، ضاعت عنده كل التعهدات والمواثيق، ولذا فهناك كثيرون يصابون بالصدمة، وأقلها بالدهشة، عندما يتعرضون لمواقف يشعرون من خلالها أنهم فقدوا قواسمهم المشتركة مع آخرين ظنوا بهم خيرا، فمقولة: «بيننا عيش وملح» تظل نوعا من مسحة البراءة الإنسانية، في اللحظة الحاسمة، فلا عيش ولا ملح، وإنما سموم تجرف هذه المكونات الإنسانية في أي لحظة يشعر فيها الآخر أن في ذلك فرصته النادرة.

ومع ذلك فهناك لمسات إنسانية تدمل الجروح في لحظات ضعفها، وهذه مع قلتها؛ إلا أنها يمكن أن توجد نوعا من التوازن؛ حتى يبقى أن هناك أملا تجد فيه الإنسانية ضالتها المفقودة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

محركات البحث البشرية.. كيف كان البحث عن المعلومات قبل ظهور الآيفون؟

في وقتنا الحالي، بات الحصول على إجابة أي سؤال يحتاج منك لمجرد بضع نقرات على هاتفك لتصل إلى محرك بحث غوغل؛ حيث يمكنك الوصول إلى قدر هائل من المعارف الإنسانية بمجرد طلب بسيط من محركات البحث، والآن أصبح لدينا روبوتات محادثة تعتمد على الذكاء الاصطناعي.

لكن قبل ظهور الهواتف الذكية، مع إمكانية الاتصال بالإنترنت بأسعار رخيصة، كان الوصول إلى إجابة تلك الأسئلة يعتمد على أشخاص حقيقيين لتقديم تلك الإجابات، ويمكننا أن نطلق عليهم محركات البحث البشرية، كما أشار تقرير من موقع وايرد.

محركات البحث البشرية

ظهر الإنترنت على الهواتف المحمولة أول مرة عام 1996، لكن استخدام تلك الخدمة كان مكلفا، إذ كانت خطط بيانات الاتصالات المتوفرة حينها باهظة الثمن، كما يشير التقرير. وبحلول أوائل العقد الأول من القرن الـ20، كانت تكلفة الوصول إلى أي موقع على الإنترنت مرتفعة، وهو ما دفع الكثيرين إلى تجنب استخدام الإنترنت في أثناء التنقل على هواتفهم.

خلال تلك الحقبة الزمنية، ظهرت مجموعة من الخدمات لسد الفجوة بين انتشار الفضول الإنساني ونشر المعرفة. وكان بإمكان المستخدم الأميركي الاتصال بخدمة "غووغ-411" (GOOG-411) للعثور على الشركات المحلية بين عامي 2007 و2010. ومنذ عام 2006 إلى عام 2016، كان بإمكانهم إرسال رسالة نصية إلى الرقم 242-242 للحصول على إجابة لأي سؤال من شركة كانت تعرف باسم "تشاتشا" (ChaCha).

بينما في المملكة المتحدة، كانت الخدمات المماثلة تشمل الاتصال على رقم 118-118، أو إرسال رسالة نصية على خدمة "إيه كيو إيه" (AQA) على الرقم 63336، تلك الخدمات لم تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي، بل كان وراءها أشخاص حقيقيين.

مثلا بدأت خدمة 118-118 في المملكة المتحدة كخدمة لاستعلامات دليل الهاتف، كانت تستخدم للحصول على أرقام مطاعم البيتزا في المنطقة، أو لطلب سيارات الأجرة. ثم سرعان ما توسعت لتجيب عن جميع الأسئلة، ويشير التقرير إلى تلقي الخدمة مجموعة متنوعة من الاستفسارات، بداية من "كم يبلغ محيط العالم" إلى "كم عدد السيارات الصفراء على الطريق". كما كان الأشخاص العاملون في هذه الخدمة يستخدمون قاعدة بيانات بسيطة للإجابة عن تلك الأسئلة.

في عصر بدأت تهيمن عليه نماذج الذكاء الاصطناعي والردود الآلية، قد تذكرنا محركات البحث البشرية بقيمة التفاعل البشري (شترستوك)

على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، كان العاملون في خدمة "إيه كيو إيه" يتلقون طلبات مشابهة، وهي خدمة أسسها بول كوكرتون في عام 2002، ويشير هذا الاختصار إلى "الإجابة عن أي سؤال" (any question answered). في البداية، كان يعمل بول مع فريقه الصغير ليجيبوا عن الأسئلة باستخدام الكتب والموسوعات والبحث على الإنترنت، مع التأكد من الرد على كل رسالة نصية في غضون 10 دقائق. كان منهج تلك الخدمة هو تقديم إجابة دائما، حتى إن كان السؤال يتعلق بأمور شخصية مثل ما إذا كان ينبغي على الشخص أن ينفصل عن شريك حياته.

وفي ذروة نشاطها، وظفت الخدمة نحو 1400 باحث، ومنهم الطلاب والأمهات المقيمات في المنزل ليعملوا مقابل أجر للرد على كل رسالة، كما أنشأت الشركة قاعدة بيانات من الأسئلة والأجوبة الشائعة.

هاتف الآيفون

في عام 2007، قدمت آبل أول هواتفها الذكية وهو هاتف آيفون، وجاء الهاتف بشريط بحث مدمج لمحرك بحث غوغل، وهذه كانت بداية النهاية لمحركات البحث البشرية. فبحلول عام 2009، ومع تراجع تكلفة الإنترنت على الهواتف المحمولة وانتشار الهواتف أكثر، بدأت تراجع خدمات مثل "إيه كيو إيه"، وحينها باع كوكرتون وشركاؤه الشركة في عام 2010، كما أشار التقرير.

بينما لا تزال خدمات استعلامات الدليل مثل خدمة 118-118 موجودة حتى الآن، إلا أن دورها يقتصر على تقديم العناوين وأرقام الهواتف فقط.

وقدمت حقبة محركات البحث البشرية أكثر من مجرد معلومات، إذ يمكن اعتبارها أنها وسيلة للتواصل البشري. سواء كان الشخص يبحث عن تاكسي أو شخص وحيد يسعى للمحادثة، قدمت تلك الخدمات لمسة إنسانية لا يمكن أن تضاهيها الردود الآلية حاليا، كما يشير تقرير وايرد.

وفي عصر بدأت تهيمن عليه نماذج الذكاء الاصطناعي والردود الآلية، قد تذكرنا محركات البحث البشرية بقيمة التفاعل البشري.

مقالات مشابهة

  • كيف نقرأ واقع المجتمعات الإنسانية؟
  • بعد غدِ.. جلسة مشتركة بين الدولة والشورى لمناقشة 3 قوانين
  • خبير: مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي يعكس رغبة مشتركة لتنمية العلاقات
  • محركات البحث البشرية.. كيف كان البحث عن المعلومات قبل ظهور الآيفون؟
  • عملية عراقية يمنية مشتركة ضد إسرائيل
  • باستخدام خلايا البشرية.. الثورة التكنولوجية تنجح بجعل روبوت يبتسم بشكل طبيعي
  • الإثنين المقبل.. جلسة مشتركة بين "الدولة" و"الشورى" للتصويت على 3 مشاريع قوانين
  • القاضي البولندي شميدت: رهاب روسيا سمة مشتركة لكل سلطات وارسو
  • الخوري تابع مع ممثلة الـUNDP مشاريع وأنشطة مشتركة بين وزارة العدل والبرنامج الإنمائي
  • قريبًا: جلسة مشتركة بين مجلسي الدولة والشورى