بيروت- تحل، السبت، الذكرى الـ24 لتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي هذا العام، في ظل عدوان مستمر على الحدود اللبنانية منذ أكثر من 7 أشهر، عقب عملية "طوفان الأقصى" واعتبار جبهة الجنوب مساندة لقطاع غزة.

اجتاح جيش الاحتلال لبنان في المرة الأولى عام 1978 بذريعة حماية منطقة الجليل، ثم في سنة 1982 واحتل مناطق أوسع، وصولا إلى العاصمة بيروت.

وانسحب من الجنوب عام 2000، باستثناء مزارع شبعا وكفر شوبا. وفي عام 2006، شنَّت إسرائيل عدوانا جديدا، واليوم تتجدد المواجهات بينها وبين حزب الله على جبهة الجنوب.

فماذا تغيّر في جبهة الجنوب حتى اليوم؟

تستعرض الجزيرة نت الأحداث والمتغيرات والمعادلات الجديدة التي فرضتها هذه الجبهة على المستويات السياسية والعسكرية والميدانية، من خلال حوارات مع رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة العميد الركن هشام جابر، والمحللين السياسيين وسيم بزي وأمين قمورية.

الجيش اللبناني يستنفر في الجنوب وسط تصاعد التوتر (الجزيرة) وقائع

يفصّل العميد الركن هشام جابر -بإيجاز- ما جرى بين الأعوام 2000 و2024، مؤكدا مجموعة من الوقائع، منها:

تم تحرير الجنوب اللبناني بعد 18 عاما من الاحتلال الإسرائيلي، ليصبح أول أرض عربية تتحرر بقوة المقاومة بعد سلسلة من الهزائم. عانت إسرائيل كثيرا من الخسائر البشرية والمادية خلال احتلالها للجنوب اللبناني، مما دفعها إلى الانسحاب من طرف واحد دون إبلاغ عملائها في مايو/أيار 2000. لم تنسحب إسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا باعتبارهما أراضي سورية احتلتهما عام 1967، ولا يسري عليهما القراران الدوليان 425 و426 اللذان صدرا سنة 1978. عند انسحاب جيش الاحتلال من الجنوب، حضر ممثل أمين عام الأمم المتحدة حينها تيري رود لارسن، حاملا خريطة ورسم الخط الأزرق. ويجب التنويه إلى أن هذا الخط ليس الحدود الدولية، وهناك عشرات الهكتارات من الأراضي الزراعية بينه وبين الحدود الفعلية. خلال السنوات الممتدة من 2000 حتى 2006، بنى حزب الله قوته العسكرية والتنظيمية. ولم تقع أحداث ذات أهمية كبيرة حتى عام 2006، عندما أسر الحزب جنديين إسرائيليين، فشنّت تل أبيب عدوانها على لبنان. بعد 33 يوما، قررت إسرائيل بزعامة رئيس وزرائها السابق إيهود أولمرت وقف الحرب، لأنها شنتها دون موافقة الولايات المتحدة. ثم انسحبت من الجنوب، وأُصدر القرار الأممي رقم 1701. وافق الطرفان على القرار 1701 الذي ينص على انسحاب حزب الله من جنوب نهر الليطاني كمجموعات مسلحة، كما يعترف بالحدود الدولية مثلما جاء في اتفاقية رودس عام 1947، وبموجب هذا القرار، انتشرت قوات الطوارئ الدولية (يونيفيل). خلال السنوات الـ18 الماضية، خرقت إسرائيل القرار 1701، في حين استمر حزب الله بالوجود في جنوب نهر الليطاني، ورغم وجود الأقمار الاصطناعية وحضور قوات اليونيفيل، لم تتمكن السلطات من تحديد وجوده بشكل دقيق.

ويشير جابر إلى أنه في عام 2023، أعلن حزب الله أنه بدأ منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي معركة مساندة غزة في جبهة الجنوب، واستمرت المواجهات في هذه الجبهة ولم تتوقف.

ويضيف أن إسرائيل تقول إن الحزب لم يُظهر إلا 20% من قدراته العسكرية، ولم يستخدم صواريخ أرض-أرض إلا مرتين، ويحتفظ بصواريخ أرض-جو والصواريخ الباليستية الدقيقة، كما لم يستخدم صواريخ أرض-بحر التي تهدد منصات النفط والغاز، ولا قوات الرضوان المهيأة لاختراق الحدود والسيطرة على المستوطنات في الجليل الأعلى.

تثبيت المقاومة

وبحسب العميد الركن هشام جابر، فإن الجبهة الجنوبية تتصاعد حاليا، لكنها ستبقى دون حرب واسعة. وأوضح أن حزب الله لا يريد فتح هذه الحرب من جانبه "لأنه سيتحمل مسؤولية كبيرة تجاه لبنان وشعبه وتدمير البنية التحتية"، بالإضافة إلى احتمال تحولها إلى حرب إقليمية.

وبعد انتهاء العدوان على غزة وعدم تحقيق الاحتلال أهداف الحرب أو انتصار إستراتيجي أو تكتيكي، يخشى المتحدث أن يفتح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جبهة أخرى في لبنان، خاصة أنه يواجه أزمة كبيرة في شمال فلسطين المحتلة، مع استنزاف وخسائر يومية ونازحين وجيش مستنفر طوال الوقت.

من جهته، يقسم المحلل السياسي وسيم بزي الأحداث إلى 3 مراحل:

الأولى في عام 2000، حيث تم تحرير الجزء المحتل من الجنوب، وكان ذلك تتويجا لمقاومة مسلحة استمرت 18 عاما. ومع ذلك، بقيت مزارع شبعا وتلال كفر شوبا تحت الاحتلال، ولم تُرسَّم الحدود البحرية. الثانية، فهي بين عامي 2000 و2006، حيث راكمت المقاومة قوتها، وشهدت المنطقة الحدودية نموا في عدد السكان والعمران والاقتصاد، إلى أن حدثت عملية أسر الجنود في 12 يوليو/تموز 2006. الثالثة، كانت حرب يوليو/تموز 2006، وفشل "العدو" في تحقيق أهداف الحرب بموجب لجنة "فينوغراد"، وانتهى ذلك بصدور القرار 1701، وولادة معادلات ردع وقواعد اشتباك، بينه والمقاومة.

ويضيف المحلل بزي أن قواعد النيران بقيت منضبطة تحت إرادة الطرفين بعدم توسيع الصراع، في ظل الحرب الطويلة المندلعة في الجنوب دعما لغزة. وقد رعى الأميركيون -خلال هذه الأشهر- ما يمكن تسميته بإدارة النيران، مع سقوط كل قواعد الاشتباك السابقة.

وبرأيه، فإن الأهم هو تثبيت المقاومة النديّة والتوازن وقوة الحضور على جبهة طولها 90 كيلومترا، في مواجهة جيش "كان يُصنف الأقوى في الشرق الأوسط".

إنجاز كبير

أما المحلل السياسي أمين قمورية، فيصف تحرير الجنوب عام 2000 بأنه إنجاز كبير للبنانيين الذين كانوا ينتظرونه ليس فقط منذ عام 1982، بل منذ سنة 1978 عندما دخلت إسرائيل لأول مرة واحتلت أراض لبنانية. ورغم انسحابها، عادت لتوسيع هذا الانتشار عام 1982.

ويقول إنه "كان يجب أن يكون تحرير الأرض عام 2000 بادرة لتحرير الناس من الداخل، ولكن هذا لم يحدث حتى بعد 24 سنة. رغم انسحاب الإسرائيليين وبقاء بعض النقاط العالقة مثل مزارع شبعا وكفر شوبا، لم نستثمر هذا الإنجاز في تحقيق تغييرات داخلية توحد اللبنانيين".

ووفق قمورية، فإنه بعد انسحاب القوات الإسرائيلية، ومن بعدها بـ5 سنوات القوات السورية من لبنان، "لم تشهد البلاد تحسنا في الأوضاع، بل زادت المشاكل والانقسامات. وأصبح لبنان ساحة أساسية للصراعات الإقليمية، وبدلا من الاتفاق اختلفنا على كل شيء، ودائما ما نكون على حافة الحرب الأهلية".

إلا أنه يرى أن أشياء كثيرة تغيرت فيما يتعلق بالصراع مع "العدو" منذ عام 2000 حتى اليوم، لكن "توحيد الداخل وبناء التماسك الداخلي لم يتحقق أبدا. ولا نزال حتى اليوم غير متفقين على من هو عدو لبنان الأساسي"، حسب تعبيره.

وأعرب قمورية عن أسفه لعدم انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة بسهولة منذ سنوات. وأشار إلى مرور عامين بلا رئيس وحكومة، مع غياب توقعات حول مدى استمرار هذه الحالة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات جبهة الجنوب مزارع شبعا من الجنوب حزب الله عام 2000

إقرأ أيضاً:

تقريرٌ يكشف مفاجأة عن حرب لبنان.. ماذا قيلَ داخل إسرائيل؟

كشف مسؤولون أميركيون لصحيفة "نيويورك تايمز"، أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، "غيّر موقفه" بشأن فتح جبهة جديدة للحرب في الشمال مع حزب الله اللبناني.

وأشار المسؤولون للصحيفة الأميركية، إلى أن غالانت "كان يعتقد مثل بعض المسؤولين الآخرين في الحكومة الإسرائيلية، أنه يجب الرد بتدمير حزب الله وحماس بعد هجمات السابع من تشرين الأول الماضي".

وأوضح المسؤولون أن وزير الدفاع الإسرائيلي "غيّر موقفه في الوقت الحالي"، ويرى أن "فتح جبهة جديدة لن يكون قرارا حكيما".

وأعرب المسؤولون الأميركيون عن اعتقادهم بأن إسرائيل وحزب الله "يفضلان التوصل إلى حل دبلوماسي" للأزمة، وفق الصحيفة، التي أشارت إلى أن غالانت "أبلغ واشنطن خلال زيارته الأخيرة بأن بلاده لا تريد حربا واسعة النطاق" مع "حزب الله"، لكنه أكد أنها "على استعداد لتوجيه ضربة حال تعرضت لاستفزاز كبير".

وقال غالانت خلال اجتماع حكومي، الخميس، وفق هيئة البث الإسرائيلية، إنه أبلغ الأميركيين بأن "إسرائيل ليست مهتمة بحرب في الشمال، وبأن التسوية التي من شأنها إخراج حزب الله من الحدود مقبولة".

ورداً على ذلك، اعترض وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وقال: "كيف سيتم ذلك دون حرب؟، كيف سننهي الحدث بالتسوية؟، ألم نتعلم درسا من 20 عاماً من التسويات؟".

وبذلك، يظل خطر اتساع رقعة الحرب قائما بدرجة كبيرة، في وقت تحاول فيه الإدارة الأميركية الضغط على الجانبين من أجل حل الأزمة بالسبل الدبلوماسية.

قرار الحرب وأبلغت واشنطن حزب الله وإيران، بطريقة غير مباشرة، بأنها "لن تمنع إسرائيل من الهجوم على لبنان"، وأن "قرار الحرب مع حزب الله بيَّد إسرائيل وحدها"، حيب ما قال مسؤولون أميركيون لصحيفة "بوليتيكو" الأميركية.

كذلك، أشار وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، إلى أن واشنطن تعرف أن "استفزازات حزب الله تهدد بجر الشعبين الإسرائيلي واللبناني إلى حرب لا يريدانها، وأضاف: "هذه الحرب ستكون كارثة على لبنان وشعبه".

وكان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال تشارلز براون، قد صرح لدى وصول غالانت إلى واشنطن: "من غير المرجح أن تكون الولايات المتحدة قادرة على مساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها في حرب أوسع نطاقاً يخوضها حزب الله ضدها، كما ساعدنا إسرائيل في التصدي لوابل من الصواريخ والطائرات الإيرانية بدون طيار في أبريل المنصرم".

وتابع: "من الصعب صدّ الصواريخ قصيرة المدى التي يطلقها حزب الله بشكل روتيني عبر الحدود إلى إسرائيل".

كذلك، أضاف أعلى مسؤول عسكري أميركي، أن "إيران ستدعم حزب الله بشكل أكبر مما تفعل مع مقاتلي حماس في غزة، خاصة إذا شعرت طهران أن الحزب يتعرض لتهديد كبير".

وحول إمكانيات التوصل الى تسوية دبلوماسية بين إسرائيل وحزب الله، قال النائب اللبناني السابق مصطفى علّوش، في تصريحات لبرنامج "عاصمة القرار" المذاع على قناة الحرة، إن "ما سيوقف التصعيد دون تسوية هو توقف حرب غزة".

وأوضح أن "ذلك ليس لأن حزب الله يريد الدفاع عن غزة، أو حماية الفلسطينيين، ولكن إذا لم يقم هذا الحزب بأي شيء على طرف الحدود، فسيفقد سبب وجوده، وستفقد إيران ايضاً الدعاية التي تمارسها على مدى عقود بأنها المدافع الوحيد عن فلسطين".

وتوقع أن "يستمر الوضع الراهن، لأن كل أطراف التصعيد لا تريد حرباً واسعة".

تحذير إيراني ووجهت إيران، السبت، تحذيراً إلى إسرائيل من "حرب إبادة" بـ"مشاركة كاملة لمحور المقاومة" الذي يضم طهران وحلفاءها الإقليميين في حال شنت هجوما "واسع النطاق" على حزب الله في لبنان.

وذكرت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة على منصة "إكس" أن طهران تعتبر "دعاية الكيان الصهيوني حول عزمه مهاجمة لبنان حرباً نفسية".

لكنها أضافت أنه "في حال شن هجوم عسكري واسع النطاق، فسوف تليه حرب إبادة"، وشددت على أن "جميع الخيارات ستكون مطروحة، بما في ذلك "المشاركة الكاملة" لما يسمى بـ"محور المقاومة".

بدوره، رد وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، السبت، على التعليقات الإيرانية، وقال في منشور عبر منصة "إكس": "النظام الذي يهدد بالتدمير يستحق التدمير".   كذلك، توعد كاتس أيضا بأن تستخدم إسرائيل كل قوتها ضد حزب الله إذا لم يتوقف الأخير عن إطلاق النار على إسرائيل من لبنان ويبتعد عن الحدود. (الحرة)

مقالات مشابهة

  • بو صعب بعد لقائه عوده: لا أرى حلولا في الأفق
  • هجوم إسرائيلي مرتقب ضد حزب الله بهذا الموعد
  • 2.8 تريليون دولار خسائر العالم خلال 20 عاماً جراء التغير المناخي
  • قطر تمنح الجيش اللبناني 20 مليون دولار.. والقيادة: سنوزعها بالتساوي
  • المعارضة: ندعو إلى عقد جلسة مناقشة نيابية لموضوع الحرب الدائرة في الجنوب
  • رسالتان اساسيتان لزيارة ميقاتي الثانية الى الجنوب واستحقاقات انتخابية تؤثر على المشهد اللبناني
  • "رويترز": نازحو الجنوب اللبناني في قلب المعاناة.. ومخاوف من التصعيد
  • رويترز: نازحو الجنوب اللبناني محرومون من المساعدات.. ومخاوف من حرب شاملة
  • حزب الله يعلن مقتل عنصر ثالث في القصف الإسرائيلي على الجنوب اللبناني
  • تقريرٌ يكشف مفاجأة عن حرب لبنان.. ماذا قيلَ داخل إسرائيل؟