حرب الطوفان.. ترَاكُم على طريق التحرير
تاريخ النشر: 24th, May 2024 GMT
ندع جانبا كل الذين قالوا ما جدوى الحرب، وننظر لنتائج تتراكم على طريق تحرير فلسطين، كل فلسطين. وحرب الطوفان تظهر لنا في هذه اللحظة دفعة قوية على هذا المسار، أثمرت حتى الآن الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة من قبل ثلاث دول وازنة في أوروبا. "معليش" ستجني شلة أوسلو المكسب مؤقتا ونراها تتخير من أزلامها السفراء، ولكن المعترفين بالدولة أعرف بقانون الزمن، سيكون هناك سفراء من رحم حرب الطوفان يؤمنون فعلا بدولة فلسطينية مستقلة سيملؤون المكان/ المهمة بروح استقلالية.
تذكير بتناقضات الموقف الغربي
من الضروري ونحن نقرأ قرار المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية ونعجب لخلطه بين المجرم والضحية أن نذكر بأن هذا النفاق ليس جديدا، فالدول الغربية في عمومها فتحت سفارات لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها حركة مقاومة تقود شعبا تحت الاحتلال نحو استعادة حقوقه، وهي المنظمة التي ولدت وقادت شعبها تحت بريق ميثاق الأمم المتحدة الذي يقر حق الشعوب المحتلة في تقرير مصيرها. لكن هذا الشعب المحتل يصير إرهابيا عندما يقاوم مقاومة مشروعة؛ هي بعض حقه المثبت بقانون الطبيعة وبقانون الأمم المتحدة.
أن يمتد الوعي إلى السياسات العامة فهذا مكسب أعظم تنجر عنه مواقف مختلفة وعلاقات سياسية لا تمر من زواريب اللوبيات الصهيونية الداعمة للكيان والمانعة لكل تحالفات أو مواقف ضده. هل حررت حرب الطوفان عقل العالم؟
لم تجد دول الغرب تناقضا بين الاعتراف بحق المقاومة القانوني وبين وصف أعمالها بالإرهاب، خاصة وهي ترى كيف أن من رفض المقاومة العنيفة وقبل بأوسلو والتنسيق الأمني لم يجنِ مكسبا واحدا يسمح له بالحياة. والحقيقة أنه لا تمكن قراءة مواقف هذه الدول وسياساتها إلا كتكملة/ تغطية لسياسات المحتل، فهي تعمل على طمس قضية وحق شعب، وتغيير عالم بعقل احتلالي إحلالي لا يختلف في شيء عما كان سائدا في سياساتها منذ القرن التاسع عشر حين خرجت جيوشها لسرقة روح العالم.
أن تحرك حرب الطوفان مشاعر الشعوب وتكشف التاريخ مكسب عظيم، لكن أن يمتد الوعي إلى السياسات العامة فهذا مكسب أعظم تنجر عنه مواقف مختلفة وعلاقات سياسية لا تمر من زواريب اللوبيات الصهيونية الداعمة للكيان والمانعة لكل تحالفات أو مواقف ضده. هل حررت حرب الطوفان عقل العالم؟ نظن أن هذه الجملة ستكتب كثيرا وستتحول إلى قاعدة تحليل ثم إلى حركة في التاريخ، ولا يهم هنا من يختار لمنصب السفير.
مكاسب أخرى
تهمة معاداة السامية التي يرجم بها كل من قال كلمة في حق الشعب الفلسطيني لم تعد تخيف، هذا ما يقوله لنا الحراك الطلابي العالمي والمسنود شعبيا والذي بدأ من الجامعات الأمريكية ووصل كل جامعات العالم المؤثرة. في الجامعات تصنع النخب، والنخب تضع سياسات المستقبل ولو بعد حين. ستتأخر نتائج هذا الحراك العالمي قليلا إلى حين تصل بعض هذه النخب إلى مواقع القرار، ولكن البذرة زُرعت في أرض بها حريات كثيرة بخلاف الأرضيات التي تتحرك في الشعوب العربية، ولا يستهين بأثر الحرية إلا من تربى تحت سقوف القمع الواطئة.
أن تظهر نجمة سينمائية بالراية الفلسطينية في ملابسها (وباحتشام عجيب) على الزربية الحمراء في مهرجان السينما الأكثر تأثيرا في عالم الفن (مهرجان كان الفرنسي) فهذا ليس مكسبا هينا، فهؤلاء النجوم والنجمات هم أيقونات للشباب ولذوي الثقافة المتوسطة؛ ينشرون وعيا ويصنعون رمزيات لا تتلاشى بسهولة.
ووجب في هذه الأيام أن نخفف قليلا من حركة التأثيم الذاتي للشعوب العربية وصمتها عن إسناد حرب الطوفان، فهي حتى اللحظة في مواقع التعاطف القلبي ولم تؤثر في شوارعها.
جمهور الملاعب الرياضية هو نافذة لقراءة موقف الشعوب العربية، وما قام به فريق الترجي الرياضي التونسي يعتبر علامة فارقة في مشهد يظهر من الخارج كأنه تخلٍ عن المقاومة وتركها بلا سند، ولكن الجوهر المكنون غير ذلك. ولنذكر أنه منذ سنوات قليلة مضت كانت أنظمة التوجيه المخابراتي قد أحدثت ما يشبه الحرب الأهلية بين شعوب عربية على خلفية كرة القدم (بين مصر والجزائر، وبين مصر والسودان).
الشعوب العربية التي رفعت "الشعب يريد تحرير فلسطين" بالتوازي مع "الشعب يريد إسقاط النظام" تحتاج بعض الاحترام هذه الأيام، فهي مع المقاومة بقلوبها وبكثير من فعالها، غير أنها حُرمت حرياتها وفي مواضع كثيرة حُرمت من الحد الأدنى الضروري من المعيشة، فهي تكافح للبقاء ووضعها في ردهات كثيرة لا يختلف عن غزة تحت الاحتلال. وهذا القدر من الاحترام يساعدها على البقاء في خط المقاومة ولو في حدود ما ينجز الآن، ولا شك أن فرصة ما ستواتي لتنفجر هذه الشعوب بموقفها الحقيقي. وهذا من مكاسب الطوفان، لقد اقتنع الناس بأن النصر قريب وأن العدو إلى زوال. لقد بدأ حساب الزمن الباقي له، وهذا ليس إفراطا في التفاؤل.
الشعوب العربية التي رفعت "الشعب يريد تحرير فلسطين" بالتوازي مع "الشعب يريد إسقاط النظام" تحتاج بعض الاحترام هذه الأيام، فهي مع المقاومة بقلوبها وبكثير من فعالها، غير أنها حُرمت حرياتها وفي مواضع كثيرة حُرمت من الحد الأدنى الضروري من المعيشة، فهي تكافح للبقاء ووضعها في ردهات كثيرة لا يختلف عن غزة تحت الاحتلال
وجب تجاوز المخذلين
الصورة الوردية الموصوفة أعلاه لا تغفل عن وجود تيار مخذل ممتد على طول الخارطة العربية، بدءا من جماعة "جاهد بالسنن يا أبا عبيدة". عمق هذا التيار موجود وسط النخب العربية، وهو يمتد من شيوخ السلطة إلى يسار الأنظمة. تكفيريون واستئصاليون يرون في نصر المقاومة انتصارا فئويا فيقولون إنه نصر حماس الإخوانية، وهو نفس قولهم في الربيع العربي بأنه مؤامرة غربية (ربيع عبري) لتحكيم تيار الإخوان، دون أن ينتبه كل هؤلاء لطبيعة الانقلاب في مصر فاتحة الردة على الربيع العربي.
هذا التيار يملك السلطة السياسية والفكرية وخاصة الإعلامية، وهو من يخذل حتى يصير التنسيق الأمني المقدس لشلة أوسلو حلا عندهم ما دام يمنع حماس من الحياة (كأن حماس نزلت من السماء ولم تخرج من رحم الشعب الفلسطيني).
وجب تجاوز هؤلاء بوعي حاد بأنهم الطابور الخامس الذي يخدم مصلحة العدو، ولكن كيف يكون ذلك؟ إنها معضلة تطرح نفسها على بقية نخب عربية لا نشك في وجودها وصدقها، وإن كنا نبحث عنها بصعوبة خارج التعاطف القلبي الذي سهلته الحواسيب والهواتف الذكية دون أن يخرج إلى الشارع.
مفتاح هذا في تقديرنا أن يربط كل نضال وطني من أجل الحرية بمجريات حرب الطوفان، ونتائجها الآنية والبعيدة، ويكون ذلك أبعد من بيانات التعاطف التي جرى بها الأمر منذ تأسست معارضة الأنظمة في البلدان العربية والتي اكتفت دوما ببيان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
حتى اللحظة نكتب هذا كإمكان نظري أو أمنية جميلة ولا نجد الجمل التفصيلية لتحويله إلى برنامج عمل سياسي، ولكن يتبين لنا أن لا معنى لحرية شعب عربي في قُطره دون حرية الشعب الفلسطيني وسيادته، وسأعطي مؤشرا وحيدا أو علامة على الطريق، لقد تعرضت تونس من بين كل بلدان الربيع العربي إلى اعتداء غربي إجرامي على تجربتها السياسية الديمقراطية؛ لأنها بادرت بشعار الشعب يريد تحرير فلسطين وأرسلت حكومتها إلى غزة فجعلت الإمكان واردا، فتم تدمير التجربة حتى عاد الشعب التونسي إلى طوابير الخبز جائعا خائفا يترقب. من لم يبدأ من تلك النقطة فالطوفان لم يصله بعد لكن سيكون ممن يجرفهم الطوفان، وقد يكون ذلك بجمهور كرة القدم ذات هبّة مجنونة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين الاحتلال المقاومة التونسي غزة فلسطين تونس غزة الاحتلال المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب الفلسطینی الشعوب العربیة تحریر فلسطین حرب الطوفان الشعب یرید
إقرأ أيضاً:
القمة العربية وملف قطاع غزة
مع نشر هذا المقال تكون القمة العربية الطارئة في القاهرة قد انتهت في ظل الخطة المصرية حول مستقبل قطاع غزة التي عرضت أمس على القيادات العربية موضوع التهجير الذي رفضته الدول العربية خاصة دول الجوار لفلسطين المحتلة مصر والأردن رغم الضغوط الكبيرة التي مارسها الرئيس الأمريكي ترامب وإدارته.
ولعل موضوع الإعمار ورفض تهجير الشعب الفلسطيني من القطاع ورفض المقترح الأمريكي هو موقف عربي إيجابي، ولكن في تصوري أن موضوع مستقبل قطاع غزة السياسي وموضوع سلاح المقاومة الفلسطينية خاصة حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية هو حجر الزاوية في الخطة التي عرضت على القيادات العربية أمس في القمة العربية في القاهرة.
ورغم عدم معرفة نتائج القمة وهل تم اعتماد الخطة المصرية إلا أن التباين في المواقف السياسية العربية حول مستقبل القطاع سوف تكون حاضرة، وهذه رؤية سياسية متوقعة، خاصة وأن حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية لن تقبل موضوع نزع سلاح المقاومة وإدارة قطاع غزة من القوى الإقليمية والدولية لأن القبول بالمشروع الذي عرض على القمة يعني انتهاء حركة حماس على الصعيد العسكري والسياسي، خاصة وأن إنجاز السابع من أكتوبر لا يزال حاضرا في الأذهان حيث الهزيمة الاستراتيجية للكيان الإسرائيلي وفشله الذريع في تحقيق أهداف الحرب طوال أكثر من سنة ونصف وهذا يعني بالمفهوم الاستراتيجي أن قوة الدفع العسكرية والأمنية والسياسية التي حققتها المقاومة والأثمان الكبيرة التي دفعت لم تؤد إلى تغيير مشهد القضية الفلسطينية التي أصبحت أيقونة القضايا الدولية وأعطت نتائج الحرب زخما سياسيا وأخلاقيا وإنسانيا لم يتحقق منذ عام ١٩٤٨ . الأوطان لا تتحرر بالمساومات السياسية ولم يعرف تاريخ العالم احتلالا خرج طوعا من أي بلد يحتله إلا من خلال النضال والمقاومة وسوف يرتكب العرب خطأ كبيرا ولمصلحة الكيان الإسرائيلي إذا تم تنفيذ الخطة التي تسرب بعض موادها للصحافة العالمية. كما اتصور أن قيادات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعموم فلسطين لن تقبل نزع سلاح المقاومة وتنفيذ مخطط الإدارة المدنية من خارج قطاع غزة.
وعلى ضوء ذلك فإن القمة العربية التي اختتمت أمس سوف تكون أمام مفترق طرق، خاصة وأن الزخم الشعبي وحتى الرسمي لا يزال صامدا ليس على صعيد العالم العربي ولكن على الصعيد الإقليمي والدولي بما فيها عدد من الدول الغربية. ولعل مشاهد المظاهرات الطلابية والشعبية في الجامعات الأمريكية والغربية وفي كل جغرافيا العالم تعطي مؤشرا كبيرا على أن المقاومة الفلسطينية ضد المحتل الإسرائيلي أصبحت واضحة والعدو الإسرائيلي انكشف أمام العالم من خلال سلوكه الوحشي الذي ينتهك الفطرة الإنسانية وقواعد السلوك الأخلاقي وارتكب إبادة جماعية في قطاع غزة شاهدها العالم عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لأول انكشاف مباشر للكيان الصهيوني المحتل وقيادته التي أصبحت ملاحقة قانونيا من قبل محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية حيث صدرت مذكرات اعتقال ضد نتنياهو وحكومته المتطرفة.
ندرك تماما أن هناك خلافات بين عدد من القيادات العربية وحركة حماس وهذا أمر يمكن فهمه على صعيد الخلاف السياسي، ولكن هناك ثوابت راسخة لا يمكن لأي مقاومة التنازل عنها كما في نموذج المقاومة الفلسطينية، التي تكافح أبشع احتلال عرفه التاريخ الحديث منذ ٧٥ عاما حيث الانتهاكات ضد المدنيين وضد حقوق الإنسان وضد كل ماهو مدني وحضاري وتم توثيق تلك الجرائم البشعة من قبل المنظمات الحقوقية والمدنية في العالم مع إدانات متواصلة من المجتمع والأمم المتحدة وكل الشرفاء في العالم.
إن فكرة نزع سلاح المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وحتى في الضفة الغربية هو قرار لا يتماشى والتضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب الفلسطيني والمقاومة في سبيل تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية، ومن الصعب القبول بالمنطق السياسي الذي يتحدث عن إعادة إعمار القطاع وانكشاف غزة على المحتل الذي لم يستطع طوال ١٥ شهرا من كسر المقاومة الفلسطينية التي سجلت إنجازات عسكرية واستراتيجية في التاريخ العسكري لحركات التحرير، وهذا بشهادة كبار العسكريين في المعاهد الدولية وحتى من قبل جنرالات الكيان الإسرائيلي الذين تنحى بعضهم عن المشهد بسبب التقصير والإهمال والفشل الذريع في توقع الهجوم العسكري للمقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر وعلى ضوء ذلك لا يمكن التضحية بالمنجز العسكري والأخلاقي والتأييد الدولي الكاسح للقضية الفلسطينية والمقاومة مقابل ترتيبات سوف تنتهكها إسرائيل دون شك في مرحلة لاحقة كما أن أي ترتيبات مدنية في قطاع غزة يعني أن العرب قدموا للكيان الإسرائيلي ما عجزت عنه بالحرب.
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قال كلمة واضحة عن المقاومة الفلسطينية خاصة حماس حيث أكد أن حماس فكرة والأفكار لا تموت وهذا هو ديدن أي مقاومة تحررية في التاريخ، ونحن هنا لا نريد أن نسبق الأحداث وما تمخضت عنه القمة العربية في القاهرة حول الخطة المصرية التي عرضت على القيادات العربية، ولا شك أن قرار رفض التهجير من قطاع غزة هو قرار إيجابي وينهي مشروع الرئيس الأمريكي ترامب والمشروع الصهيوني العالمي لتصفية القضية الفلسطينية لكن موضوع المقاومة الفلسطينية ونزع السلاح والإدارة المدنية لقطاع غزة هو قرار في تصوري لا يخدم مسار القضية الفلسطينية التي كما تمت الإشارة أوجدت زخما سياسيا وأخلاقيا واستراتيجيا في العالم وهذا مكسب كبير يبنى عليه في النضال الفلسطيني والعربي لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود ١٩٦٧ وهو الحد الأدنى الذي قبله العرب من خلال قمة بيروت العربية عام ٢٠٠٢.
إن المقاومة الفلسطينية هي حقيقة واضحة ومن الصعب على أي مشروع سياسي غربي أو عربي أن يجرد المقاومة الفلسطينية من إنجازها المشرف ضد الكيان الإسرائيلي المحتل.