الدكتور خيام الزعبي في الوقت الذي تعتبر الطبقة المتوسطة في العديد من المجتمعات طبقة ميسورة نسبياً، فإن محللين في سورية يرون أنها أقرب إلى الطبقة الفقيرة، في حين يرى آخرون أنها غير موجودة أصلاً. اكتوت جيوب أبناء الطبقات الوسطى والمعرّضة للفقر والفقيرة في سورية بنار الغلاء، وبالرغم من ارتفاع متوسط الأجور إلى حدٍّ ما، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لمواكبة ارتفاع الأسعار والتضخّم الجامح الذي بلغ ذروته خلال السنوات الأخيرة فقد ارتفع التضخم إلى 140% في آب 2022، مقارنة بـ 133% في آب 2021.

، مدفوعاً بارتفاع أسعار البنزين والمواد الغذائية والإسكان، فقد تضرَّر السوريين من المنتمين إلى الطبقة الوسطى بشدّة من الموجات التضخمية ولم يعد بإمكانهم متابعة نمط حياتهم على نفس المستوى المعيشي الذي اعتادوا عليه. كما اضطرَّت الأسر السورية ذات الدخل المتوسِّط إلى التوقُّف عن الادِخار ولجأت لاستخدام المدَخرات السابقة في مواجهة أعباء المعيشة المتزايدة، في هذا السياق دخلت الطبقة الوسطى نفقاً مظلماً مع استمرار الحرب على سورية أثرت سلبيا على جميع المواطنين وعلى الطبقة المتوسطة بشكل خاص، فأصبح الحديث عن وجود طبقتين اجتماعيتين فقط في سورية، طبقة غنية وطبقة فقيرة. كما تشعر شرائح الطبقة الوسطى بحالة قلق وخوف كبيرين لأنهم أصبحوا على حافة الوقوع في فخ الفقر، الذي تتسع دائرته ويلتهم سنوياً عددا من شرائح الطبقة المتوسطة، فأجور الكثيرين لم تعد كافية لتغطية نفقات كل أيام الشهـر، مما أجبر عائلات كثيرة على تغير نظام حياتها وتقليص حاجياتها المعيشية اليومية.  ولولا بقايا الدعم الذي تقدمه الدولة في الصحة والتعليم وبعض السلع الأساسية، لكان وضع هذه الفئات أكثر سوءاً، علماً أن متوسط الدخل هو أحد معايير الانتماء للطبقة الوسطى وليس المعيار الوحيد، كما أن مشكلة البطالة وازدياد أعداد العاطلين عن العمل بصورة تراكمية كان له دور كبير في هذا الواقع، وبذلك بدأت الطبقة الوسطى تفقد أهم عوامل قوتها وتميزها . لعل السؤال المحير فعلاً هنا هو: هل تختفي الطبقة الوسطى في سورية؟ في تقديري أنه لا يمكن التسليم باختفاء أو موت الطبقة الوسطى، لأن ذلك يتعارض مع المنطق وتكذبه حقائق الحياة في سورية ويرصد البحث العلمي الاجتماعي ظواهر حضور هذه الطبقة وتأثيرها ومشاكلها، والأهم الانخفاض المستمر في أعدادها وفى تأثيرها المادي والمعنوي في المجتمع، وأقصد بانخفاض أعدادها أن  أعداد كبيرة من الشرائح الدنيا في الطبقة الوسطى تنخفض سنوياً إلى أحزمة الفقر، بدلاً من أن تصعد للأعلى أو تحافظ على مكانتها ضمن الطبقة الوسطى، وذلك نتيجة ثبات دخولها والانخفاض المتوالي لقيمة الليرة والغلاء والتضخم، وبالتالي إن هذا الهبوط الطبقي يعطي مزيداً من الإفقار في المجتمع، ومزيد من تركز الثروة والسلطة بيد الطبقة العليا لكن مهما حدث من استقطاب بين الأغنياء والفقراء فمن المؤكد أنه لن يقضى على الطبقة الوسطى، صحيح أن أعداد الطبقة الوسطى ستنخفض لكنها لن تختفي أو تموت. وقد تأكد لي من قراءة تاريخنا الاجتماعي والسياسي أن الطبقة الوسطى السورية  كانت وستظل المُنتجة لقوة سورية الناعمة، وخير حافظ للهوية الوطنية، وأنها أفضل من يصون ويحمي ثوابت الأمن القومي السوري، وتلك حقيقة تتضح لنا من خلال دورها الفعال منذ قيام النهضة الحديثة في سورية إلى اليوم، فكلما أراد أحدهما أخذ سورية في الاتجاه الخطأ، ومسخ ثقافتها وهويتها، نجد أبناء هذه الطبقة ينتفضون لإصلاح الخطأ وتحقيق الأهداف والمسار الأفضل لسورية وهذا الأمر لا يخص المجتمع السوري فقط، ولكنه يجسد حقيقة اجتماعية عن دور الطبقة الوسطى  الإيجابي في كافة المجتمعات البشرية. مجملاً…. إن كفاح الطبقة الوسطى السورية وسعي أبناؤها المستمر لتدبير حياتهم في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، دون التفريط في كرامتهم وقيمهم، يستحق جائزة نوبل في الاقتصاد، وأننا نعيش اليوم أكبر تحدٍ يواجه الطبقة الوسطى السورية في تاريخها، وهو تحدٍ يهدد وجودها وقيمها ودورها. لذلك فأن سورية بدون الطبقة الوسطى ستذهب للمجهول، لان الطبقة الوسطى هي صمام أمان أي مجتمع، ووجودها له بالغ الأهمية نظراً لما تملكه من إمكانيات بشرية ومادية وتعليمية، كما أنها هي المرشح الأبرز للمشاركة بفاعلية في عملية إعادة البناء والإعمار، ويبقى دورها الأهم هو المتصل ببناء قدرات الإنسان السوري لأنه سيكون الخيار الأنجح في صياغة المستقبل. كاتب سوري Khaym1979@yahoo.com

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: فی سوریة

إقرأ أيضاً:

خلال لقائه بالشرع.. بن حمد يؤكد على الحاجة الماسة لتشكيل حكومة سورية

جدد أمير قطر تميم بن حمد موقف بلاده الداعم لوحدة سوريا وسيادتها واستقلالها، ومشيدا بالجهود التي تبذلها الإدارة السورية الجديدة لتحقيق الاستقرار والحفاظ على مقدرات الدولة، وتأمين الاحتياجات الضرورية للشعب السوري.

وأكد الأمير تميم خلال لقاءه مع الرئيس السوري أحمد الشرع ، على الحاجة الماسة لتشكيل حكومة تمثل جميع أطياف الشعب السوري لتوطيد الاستقرار والمضي قدما في مشاريع إعادة الإعمار والتنمية والازدهار، مشددا علي أن دولة قطر ستواصل وقوفها مع السوريين لتحقيق أهدافهم التي ناضلوا من أجلها وصولا إلى دولة تسودها الوحدة والعدالة والحرية، وينعم شعبها بالعيش الكريم.


من جانبه، رحب رئيس الجمهورية العربية السورية، بزيارة الأمير القطري، مؤكدا أن هذه الزيارة تعكس مواقف دولة قطر الثابتة والداعمة في كل المراحل للشعب السوري وحرصها على تعزيز العلاقات بين البلدين.


كما بين أن المرحلة المقبلة ستشهد تعاونا استراتيجيا بين البلدين في مختلف المجالات، منوها في هذا الصدد بتطلع بلاده للاستفادة من الخبرات القطرية لتحقيق النهضة المنشودة في سوريا.

جرى، خلال اللقاء، استعراض آخر التطورات في سوريا وسبل تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات بما يعود بالنفع والخير والنماء على الشعبين الشقيقين، إضافة إلى آخر التطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

وكان الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير التقي اليوم أحمد الشرع رئيس الجمهورية العربية السورية، اليوم، في قصر الشعب بالعاصمة دمشق.

مقالات مشابهة

  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. بَرَكَةُ التوقيت
  • ممثلة سورية حامل بين الحياة والموت
  • بالفيديو .. من هو عاطف نجيب ابن خالة الأسد الذي تسبب باشتعال الثورة السورية؟
  • للمرة الأولى بعد انتصار الثورة وسقوط النظام… الفرقة السيمفونية السورية تعزف لشهداء سوريا ولمجدها
  • الرئيس اليمني يهنئ الرئيس السوري أحمد الشرع توليه منصب رئاسة الجمهورية العربية السورية
  • خطاب السيد رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع للشعب السوري
  • رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع يتلقى رسالة تهنئة من رئيس الجمهورية التركية السيد رجب طيب أردوغان أكد فيها الرئيس التركي على وقوف بلاده إلى جانب الشعب السوري والارتقاء بالعلاقات الثنائية واللقاء في أقرب وقت
  • استجابة لشكاوى المواطنين.. الإسكندرية تصلح الطبقة الأسفلتية بمنطقة كوبري النوبارية
  • خلال لقائه بالشرع.. بن حمد يؤكد على الحاجة الماسة لتشكيل حكومة سورية
  • معلمو السليمانية يواصلون الإضراب وينصبون خيام احتجاج أمام مقر الأمم المتحدة (صور)