خميس بن عبيد القطيطي استعرضنا في مقال سابق قراءة للمشهد العربي عبر قضايا محورية في الوطن العربي وانكسارات ماثلة أمام العرب في عدة أقطار أبرزها القضية الفلسطينية وحالة اللاتوازن في بلدان عربية أخرى تشكل صورة المشهد العربي عموما، ونوهنا الى تطلعات الشعوب العربية “في انتظار تحوُّل جيواستراتيجي يدفع جميع دوَله نَحْوَ الوحدة الضمنيَّة على أقلِّ تقدير لِتتمكَّنَ من بدء مشروع عربي يُرمِّم حالة العلاقات العربيَّة ويعالج مختلف جوانب العمل العربي المشترك، ويُعِيد قراءة المشروع العربي الذي ـ بلا شك ـ يحمل أحلامًا وآمالًا كبيرة لأُمَّة عربيَّة واحدة بلسان عربي واحد حاملًا تاريخًا مشتركًا واحدًا ومصيرًا واحدًا على هذه الجغرافيا العربيَّة.

كُلُّ هذه الآمال والتطلُّعات لا بُدَّ لها من أبجديَّات عمل منظَّمة وروح عربيَّة مُتجدِّدة بإرادة عربيَّة جماعيَّة ترسم ذلك المشروع العربي المأمول” وهذه تطلعات مشروعة لمستقبل عربي يوظف فيه جميع أوراق القوة لأحياء المشروع العربي ويستفيد من التحولات الدولية ويتوازى معها في ظل هذه المعطيات والعناصر المتوفرة على الساحة العربية، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هل يمتلك العرب الارادة لإحداث مثل هذا التحول الكبير ويستفيد من أوراقه؟ وما هي المعوقات والعقبات التي تعترض طريقهم وهل يستطيع العرب تجاوز تلك المعوقات والعقبات؟ وهذه أسئلة جوهرية جديرة بالبحث والتركيز وتتطلب إجابة من قبل صناع القرار العربي والقيادات السياسية العربية . السياسة كما وصفت هي “فن الممكن” ولكن ما هو الممكن عربيا وما هي أوراق القوة المتوفرة لدى العرب وهل الظروف الدولية مواتية لاحداث تواز عربي معها وأخذ موطئ قدم وتموضع عربي ملاءم في مستقبل التحولات العالمية؟ كلها تساءلات مصيرية لكل مواطن عربي مثقل بهموم عروبته وأمته ومن الجدير أنها محمولة على أسفار السياسة ولا بد أن تشغل بال القيادات السياسية العربية طالما حملوا أمانة هذا الوطن العربي الكبير وأمانة الدولة الوطنية ولا شك أن تكتل كبير يمتد من المحيط الاطلسي غربا الى بحر العرب شرقا جدير بأن يحقق معادلة السياسة بحجم هذا الاتساع وبحجم الجغرافيا والتاريخ والهوية العربية وكل ما تحملة هذه الامة من ثقافة وفنون وقيم اجتماعية وانسانية وانماط حياة شكلت نموذج للامة الواحدة وكما قال الشاعر العربي: “كلما أنَ جرح في العراق ردد الشرق جرحه في عمان” . يرى بعض المراقبين للمشهد العربي أن حجم الارادة التي يمتلكها النظام الرسمي العربي لم ترتق الى المستوى المطلوب وربما يكون ذلك صحيحا لكن المرحلة الراهنة شهدت تحسن نسبي فيما يتعلق بالعلاقات العربية كما أن هناك تنوع في العلاقات الدولية مع القوى الصاعدة وربط مصالح عربية واتفاقيات استراتيجية مع قوى دولية وازنة في المشهد العالمي وهذا بحد ذاته لم يكن ليحدث في ظل النمط السائد المعهود في العلاقات الدولية وفقا لنفوذ القوى التقليدية (الغربية) في المنطقة اضافة الى أن القوى الصاعدة في الشرق باتت تتقدم باتجاه الشرق الاوسط لاستقطاب دول عربية وهناك اتفاقيات اقتصادية متنوعة وهو يمثل تحولا عربيا بل وصل الامر الى توقيع اتفاقات سياسية برعاية دول اقتصادية كبرى مثل اتفاق بكين بين السعودية وايران برعاية صينية خالفت سياسات الغرب في المنطقة الذي كان دائما ما يحذر العرب من ايران لتكريس سياسة التوتر والتنافر والتوجس من ايران وفقا لسياسة فرق تسد فكان لدخول الصين عبر بوابة السلام في الشرق الاوسط دلالة على أن هذه التحولات العالمية ستتم بمشاركة دول العالم السلام والنماء والازدهار وتوسيع دائرة مصالحها عبر مبادرتها الحزام والطريق ومد خطوط الحرير الملاحية مع العالم والشرق الاوسط تحديدا باعتبار أنها منطقة متوسطة بين قارات العالم وهذا الامر فتح المجال لتطلعات سياسية عربية مستقلة عن السياسات الغربية والامريكية على وجه الخصوص. واذا عدنا الى المواقف العربية الأخيرة نرصد عدد من المواقف المستقلة التي تعبر عن ارادة عربية ومواقف لابد من الاشارة إليها في اطار السيادة والاستقلال الوطني أولها قضية تقليص الانتاج النفطي لمليوني برميل يوميا الذي عبرت عنه ارادة جماعية لمجموعة أوبك وأوبك+ تتقدمها المملكة العربية السعودية وأغلب دولها من الدول العربية والنامية تبع ذلك قرار تقليص جديد لأكثر من مليون ونصف المليون برميل يوميا ولم تصغى هذه الدول لمطالبات بالتراجع عن قرارها، والقضية الثالثة كانت التزام الحياد في الصراع الدولي في اوكرانيا رغم التجييش والحشد الغربي ضد روسيا بل وقفت دول عربية موقفا مشرفا ضد قرار ما يسمى حقوق الانسان لادانة روسيا وهذه مواقف تسجل رسائل واضحة في حدود معقولة بأن هناك تغيرات مقبولة تتشكل، كما أن موضوع التطبيع الذي تلهث خلفه واشنطن لم يأت بجديد على الساحة العربية وتوقف في نقطة واحدة وهي مبادرة السلام العربية التي التزم بها بقية العرب ونأمل أن تكون خيارا عربيا جماعيا كما تبناه العرب، وأخيرا جاءت عودة سوريا الى جامعة الدول العربية بقرار عربي جماعي يؤكد أن هذه المواقف العربية المعاكسة للسياسات الغربية تعبر عن سيادة عربية واستقلالية وطنية تضع بالاعتبار المبادئ والمصالح العربية أولا برغم الضغوطات والزيارات المكوكية المتواصلة إلا انه لا جديد يذكر فلم تتضعضع تلك المواقف وبلا شك أن تلك المواقف تعود لعوامل متعددة وجود حالة من التوازنات الدولية يشهدها العالم مكنت عدد من الدول حول العالم تنويع مصالحها وفق علاقات دولية يسودها الاحترام المتبادل ورفع شعار المصالح الوطنية أولا وهي تغطي مساحة كبيرة حول العالم وتنال الدول العربية النصيب الاوفر منها وأبرزها دول نفطية مثل المملكة العربية السعودية والجزائر والعراق وايران والامارات والكويت وكذلك دول عربية أخرى، وهنا نستخلص أن قضية العلاقات الدولية وربط المصالح مع محاور وأقطاب دولية أخرى هي ورقة قوة تزيل عن كاهل الدول النامية حالة النفوذ التقليدية وتضعها أمام خيارات متنوعة بالمقابل لم تسقط علاقتها مع الغرب طالما كانت في اطار المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومن هنا أدركت القوى الغربية أن الواقع العالمي يتغير مع أن جبهتها في الحرب العالمية ضد روسيا لم تنتهي بعد لكنها لم تحدث تغييرا نوعيا في تلك الحرب ولا شك أن نهايتها سوف تحدد بشكل أوضح حالة التوازنات الدولية، ولكن كما يبدو القوة الصينية تقترب من القمة العالمية وهناك توسع لمجموعة بريكس والان ستدرج عملة غير الدولار للتعامل بين دول المجموعة وباعلان روسيا القيصرية الانتصار سيعني ذلك انه اعلان نظام عالمي جديد على الولايات المتحدة وحلفاءها من الدول الغربية أن تكون جزءا منه أو مواجهته . نعم الارادة العربية الى حد ما متوفرة والمواقف شاهدة والتحولات الدولية تفرض نفسها بقوة وارتبطت مصالح الدول العربية وتنوعت مع مختلف المحاور والاقطاب وهذه حقائق يتطلب أن يدركها النظام الرسمي العربي في تحديد استراتيجية جماعية واطلاق مبادرات عربية وتوجد موطئ قدم للوطن العربي في اطار التحولات الدولية وتقدم مشروع عربي بآليات العمل العربي المشترك والموقف العربي الموحد ويجب اعتماد مساندة دول عربية تعرضت للاستنزاف خلال العشرية السوداء مثل سوريا ومصر والسودان واليمن وليبيا وذلك لاحداث حالة توازن سياسية واقتصادية وأمنية في هذه الدول كل” حسب حاجته وهنا نعول على الدول العربية الفاعلة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي ترأس الدورة الحالية في جامعة الدول العربية، وبالتالي يجب أن عقد لقاءآت عربية لرسم استراتيجية عمل موحدة وتسجيل موقف جماعي يعبر عن وحدة عربية ضمنية يجب ان تستفيد من هذه التحولات الدولية وتتواكب معها وترسم خطوط تأثير فاعلة في المشهد العربي لوضع حدود محددة في العلاقات الدولية وتحديد الاصدقاء جيدا واتخاذ مواقف عربية معبرة تعتمد على أوراق القوة العربية وأبرزها الثروات الطبيعية من نفط وغاز وموارد متجددة ولا بد من تشكيل موقف عربي موحد وهو أهم ادوات القوة والاستفادة من التحولات الدولية الراهنة كورقة مساومة قوية لتعدد الخيارات وربط مصالح العرب مع القوى الدولية الصاعدة والمشاركة في التكتلات الاقتصادية الدولية والنظر بعين الاعتبار أولا لقضيتنا المحورية فلسطين التي يجب على العرب السعي والعمل من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية. نعم آمالنا كبيرة ومشروعة في مستقبل عربي ومشروع عربي ننتظره قريبا بعون الله . كاتب عُماني khamisalqutaiti@gmail.com

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: العلاقات الدولیة الدول العربیة دول عربیة ة عربی

إقرأ أيضاً:

استثمارات عربية بمليارات الدولارات في مصر

مصر – كشف البنك المركزي المصري أن البلاد استقبلت صافي استثمارية من الدول العربية بقيمة 18.55 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الماضي.

وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري، أن استثمارات الدول العربية القادمة إلى مصر قفزت بنحو 16.09 مليار دولار خلال الربع الثالث من العام المالي 2023/2024، مقابل استثمارات وافدة من الدول العربية بقيمة 2.46 مليار دولار خلال النصف الأول من العام نفسه.

وتصدرت الإمارات العربية المتحدة استثمارات الدول العربية، بصافي تدفقات بلغت نحو 15.54 مليار دولار خلال الربع الثالث من العام 2023/2024.

وفي فبراير الماضي، وقعت مصر اتفاقية شراكة استثمارية ضخمة مع الإمارات لتطوير مدينة رأس الحكمة غربي الإسكندرية، في واحدة من أكبر الصفقات التي تسهم في تعزيز السيولة الدولارية بالبلاد وتخفف من أزمتها الاقتصادية.

وقال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، آنذاك، إن المشروع يعد أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ البلاد، مشيرا إلى أنه سيدر على مصر 150 مليار دولار استثمارات سيضخها الجانب الإماراتي على مدار عمر المشروع.

وكشف مدبولي أن الصفقة تشمل ضخ الجانب الإماراتي استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 35 مليار دولار، خلال شهرين، على أن يكون لمصر 35 بالمئة من أرباح المشروع على مدار عمره.

المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • بيروت ليست لوحدها : تحرك عربي لدعم لبنان... إلى أي مدى سيواجه تصعيد إسرائيل؟
  • استثمارات عربية بمليارات الدولارات في مصر
  • مغربيتان ضمن عشرة متنافسين من سبع دول عربية على لقب قارئ العالم العربي
  • «صندوق النقد العربي»: يجب تعزيز قدرة اقتصاد الدول العربية لمواجهة الصدمات
  • أبو الغيط: صندوق النقد العربي شريكا مهما للحكومات العربية في تعزيز الاستقرار
  • أردوغان: الأمم المتحدة يجب أن توصي باستخدام القوة إذا لم توقف إسرائيل هجماتها
  • مواقف الصين المعتدلة تجاه القضايا الدولية تجعل الدول العربية تميل أكثر إلى التعاون الصيني
  • اجتماع عربي لإعداد خطة موحدة للتعاطي مع قضايا البيئة إعلاميًّا
  • «خارجية النواب»: مصر تمثل القوة الداعمة لاستقرار المنطقة
  • البوزيدي: الجامعة العربية تعمل على تعزيز التعاون العربي الإفريقي لتحقيق السلام والتنمية