د. عبد المنعم مختار
استاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية

• تم صناعة هذا المقال بمساعدة فعالة من برنامج الذكاء الاصطناعي Chat GPT4 وتمت الترجمة بتصرف غير برنامج Google Translate


خلفية

تحتفل المانيا هذه الايام بالذكرى ال ٧٥ لإجازة دستور جمهورية ألمانيا الاتحادية والمسمى بالقانون الأساسي.

ومن المعلوم أن المادة الأولى في هذا القانون الأساسي تنص حرفيا على أن كرامة الإنسان غير قابلة للمساس بها. وتعتبر الكرامة الإنسانية هي اهم الحقوق الأساسية والركيزة الاولى لكل حقوق الإنسان الأساسية في المانيا.

لا علاقة للحرب بالكرامة الإنسانية. لذا فإن وصف الحرب السودانية الجارية حاليا بحرب الكرامة هو تناقض نظري وتضاد عملي ساطعين. فالحرب تهدم حق الحياة وجميع حقوق الإنسان الأساسية الأخرى وهي أكبر منتهك لكرامة الإنسان.

سنركز في هذا المقال على الكرامة الإنسانية وصيانتها في الدستور ومن قبل المؤسسات الاتحادية الألمانية. ولكن عموما يمكن للسودان استخلاص عدد من الدروس من القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية لدعم الانتقال إلى حكومة مستقرة وديمقراطية. فيما يلي بعض النقاط الرئيسية:

1. **سيادة القانون والحقوق الأساسية**: يولي القانون الأساسي أهمية كبيرة لحماية الحقوق الأساسية وحقوق الإنسان. ومن خلال تكريس هذه الحقوق في دستوره، يستطيع السودان ضمان الحريات الفردية والحماية من تعسف الدولة.

2. **فصل السلطات**: الفصل الواضح بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية يمكن أن يمنع مؤسسة واحدة من تجميع الكثير من السلطات. يعد هذا الفصل بين السلطات أمرًا بالغ الأهمية لديمقراطية فاعلة ويمكن أن يمنع سوء الاستخدام السياسي.

3. **الفيدرالية**: يوفر النموذج الألماني للفدرالية توازنًا بين السلطة المركزية والإقليمية. يستطيع السودان تعزيز الحكم الذاتي الإقليمي والحد من التوترات الإقليمية من خلال هيكل فيدرالي.

4. **القضاء المستقل**: يشكل استقلال القضاء حجر الزاوية في القانون الأساسي الألماني. ومن شأن وجود نظام قضائي مستقل في السودان أن يعزز سيادة القانون ويزيد من ثقة السكان في القضاء.

5. **حماية الديمقراطية**: يتضمن القانون الأساسي آليات تهدف إلى حماية الديمقراطية ومنع السلوك المتطرف. ومن الممكن اتخاذ احتياطات مماثلة في السودان لحماية العمليات والمؤسسات الديمقراطية.

6. **المشاركة والتمثيل**: يتيح القانون الانتخابي الألماني والنظام السياسي مشاركة وتمثيلًا واسع النطاق للسكان. ويمكن تطوير نظام مماثل في السودان لضمان تمثيل جميع الفئات الاجتماعية بشكل مناسب.

7. **مبدأ دولة الرفاهية**: النظام الأساسي يلزم الدولة بتعزيز العدالة الاجتماعية. يمكن للسودان أن يعزز الاستقرار الاجتماعي والسلام من خلال أنظمة الضمان الاجتماعي وتدابير الحد من الفقر.

ومع ذلك، فمن المهم أن نلاحظ أن كل بلد لديه ظروف تاريخية وثقافية واجتماعية فريدة من نوعها. ولذلك، يجب على السودان أن يكيف هذه المبادئ مع ظروفه واحتياجاته من أجل تطوير ديمقراطية مستدامة وفاعلة.

نص المادة الخاصة بصيانة كرامة الإنسان في الدستور الألماني

في القانون الأساسي (الدستور ) لجمهورية ألمانيا الاتحادية، يتم ذكر الكرامة الإنسانية صراحة في عدة مواد وتلعب دورا مركزيا. فيما يلي المواد ذات الصلة:

### المادة 1، الفقرة 1
"(1) كرامة الإنسان مصونة. احترامهم وحمايتهم واجب على جميع سلطات الدولة”.

### المادة 1، الفقرة 2
"(2) وبالتالي فإن الشعب الألماني ملتزم بحقوق الإنسان غير القابلة للانتهاك وغير القابلة للتصرف كأساس لكل مجتمع بشري والسلام والعدالة في العالم."

### المادة 1، الفقرة 3
"(3) الحقوق الأساسية التالية ملزمة للتشريعات والسلطة التنفيذية والسوابق القضائية باعتبارها قانونًا واجب التطبيق بشكل مباشر."

تؤكد هذه المقالات على الأهمية المركزية للكرامة الإنسانية في النظام القانوني الألماني. وتوضح الفقرة 1 من المادة 1 أن كرامة الإنسان مصونة وأن حماية هذه الكرامة واحترامها واجب على جميع مؤسسات الدولة.

بالإضافة إلى ذلك، يتم تناول كرامة الإنسان بشكل غير مباشر في ديباجة القانون الأساسي من خلال وصف الحقوق الأساسية بأنها تعبير عن كرامة الإنسان غير القابلة للتصرف أو المساس بها. وهناك مواد أخرى في القانون الأساسي تحمي حقوقاً وحريات أساسية محددة، مثل الحق في الحياة والسلامة الجسدية (المادة 2)، وترتبط أيضاً باحترام وحماية كرامة الإنسان.

ومن ثم فإن القانون الأساسي يكرس كرامة الإنسان كقيمة ومبدأ أساسيين يتخلل النظام القانوني بأكمله ونظام الدولة.

تعريف الكرامة الإنسانية وادوار المحكمة الدستورية الاتحادية والبرلمان الاتحادي ومجلس الولايات الاتحادي في ألمانيا في صيانتها

إن الكرامة الإنسانية هي قيمة أساسية تدعمها مؤسسات الدولة والخبراء الدستوريون المشهورون. فيما يلي مقاربات حول كيفية تعريف الكرامة الإنسانية وتفعيلها وحمايتها، مع الأخذ في الاعتبار وجهات نظر المحكمة الدستورية الاتحادية والبرلمان الاتحادي ومجلس الولايات الاتحادي:

### تعريف الكرامة الإنسانية

**المحكمة الدستورية الاتحادية**:
- تعتبر الكرامة الإنسانية أسمى قيمة دستورية تعترف بكل إنسان كصاحب حقوق وهدف سامي لعمل الدولة. لا يجوز اختزال أي إنسان إلى مجرد شيء.

**البرلمان الاتحادي**:
- كرامة الإنسان هي المبدأ الموجه لجميع القوانين والإجراءات السياسية. ويعتبر حرمة ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في جميع العمليات التشريعية.

**مجلس الولايات الاتحادي**:
- على غرار البرلمان الاتحادي، يؤكد مجلس الولايات الاتحادي على أن الكرامة الإنسانية غير قابلة للتفاوض ويجب احترامها في جميع القرارات والتوصيات الفيدرالية.

### ادوار السلطات القضائية والتشريعية في صيانة الكرامة الإنسانية

**المحكمة الدستورية الاتحادية**:
- من خلال تفسير وتطبيق الحقوق الأساسية في الأحكام.
- التأكد من أن القوانين والإجراءات الحكومية تحترم كرامة الإنسان.
- من خلال الشكاوى الدستورية، يمكن للمواطنين المطالبة مباشرة بحماية كرامتهم الإنسانية.
- مراقبة احترام كرامة الإنسان من قبل الجهات الحكومية

**البرلمان الاتحادي**:
- من خلال وضع القوانين التي تحمي حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
- مراعاة كرامة الإنسان في التشريعات، وخاصة في السياسات الاجتماعية والعملية والصحية.
- تبني وتطويع القوانين التي تمنع التمييز وتعزز العدالة الاجتماعية.
- الرقابة على السلطة التنفيذية للتأكد من أن الإجراءات الحكومية تحترم كرامة الإنسان.

**مجلس الولايات الاتحادي**:
- من خلال المراجعة والمساعدة في صياغة المقترحات التشريعية من منظور الكرامة الإنسانية.
- التأكد من أن القرارات والسياسات الاتحادية تحفظ كرامة الإنسان.
- تقديم المشورة والموافقة على مشاريع القوانين التي تكفل حماية كرامة الإنسان.
- طرح المبادرات التشريعية التي تعزز كرامة الإنسان.

الركائز الأساسية والمفاهيم والنماذج والاليات المرتبطة بالكرامة الإنسانية في ألمانيا

الكرامة الإنسانية مفهوم معقد ومتعدد الأوجه، تحدده وتحميه ركائز ومفاهيم وعناصر ونماذج مختلفة. فيما يلي الجوانب الرئيسية التي تلعب دورًا:

### الركيزة الأساسية هي كرامة الإنسان

1. **الحرمة**:
- كرامة الإنسان يجب أن تكون مصونة وهي تشكل أساس جميع الحقوق الأساسية.

2. **حالة الهدف البشري**:
- يتم الاعتراف بكل شخص كهدف سامي لإجراءات الدولة، وليس كشيء.

3. **تقرير المصير والاستقلال**:
- لكل شخص الحق في أن يعيش حياته باستقلالية وحرية.

### مفاهيم الكرامة الإنسانية

1. **سيادة القانون**:
- الدولة الدستورية تكفل حماية كرامة الإنسان من خلال قوانينها وتطبيقها.

2. **المساواة**:
- جميع الناس متساوون أمام القانون ولا يجوز التمييز.

3. **العدالة الاجتماعية**:
- الدولة ملزمة بالحد من الفوارق الاجتماعية وخلق ظروف معيشية عادلة.

4. **الحرية والحقوق الشخصية**:
- الحرية الفردية محمية، بما في ذلك حرية التعبير والدين والتجمع.

### صيانة الكرامة الإنسانية

1. **الاحترام والحماية**:
- يجب على الدولة أن تحترم وتحمي كرامة الإنسان بشكل فعال. ويشمل ذلك الحماية من الإهانة والاساءة والتمييز.

2. **ضمان الحد الأدنى من الظروف المعيشية المادية وغير المادية الحافظة لكرامة الإنسان*:
- الظروف المعيشية الإنسانية تشمل الجوانب المادية مثل المأكل والملبس والمأوى وكذلك الجوانب غير الملموسة مثل التعليم والمشاركة الثقافية والاندماج الاجتماعي.

3. **المشاركة**:
- لكل شخص الحق في المشاركة في العمليات السياسية والاجتماعية والثقافية.

4. **السلامة الشخصية والحرية**:
- حماية السلامة الجسدية والحرية الشخصية عنصران أساسيان من كرامة الإنسان.

### نماذج لحماية كرامة الإنسان

1. **الاختصاص الدستوري**:
- تقوم المحاكم المستقلة، ولا سيما المحكمة الدستورية الاتحادية، بمراقبة الامتثال للحقوق الأساسية وحماية كرامة الإنسان من خلال أحكامها.

2. **التشريعات وإنفاذ القانون**:
- يجب على المشرع أن يسن القوانين التي تحمي وتعزز كرامة الإنسان. وهذا يشمل قوانين مكافحة التمييز وقوانين الحماية شامل الحماية الاجتماعية.

3. **دولة الرفاهية**:
- تضمن دولة الرفاهية شبكة من الضمان الاجتماعي التي تتيح ظروف معيشية إنسانية، على سبيل المثال من خلال المساعدة الاجتماعية وإعانات البطالة وأنظمة التقاعد.

4. **التعليم والتنوير**:
- تعمل أنظمة التعليم وبرامج التوعية على تعزيز فهم واحترام كرامة الإنسان في المجتمع.

5. **المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية**:
- تلعب المنظمات غير الحكومية ومبادرات المجتمع المدني دوراً مهماً في حماية الكرامة الإنسانية من خلال التعليم وممارسة الضغط والدعم المباشر للمتضررين.

### آليات صيانة الكرامة الإنسانية

1. **التثبيت الدستوري**:
- ترسيخ كرامة الإنسان في الدستور (كما في المادة الأولى من القانون الأساسي) يضمن كونها المبدأ القانوني الأسمى.

2. **المراجعة والتعديل المستمر للقوانين**:
- يجب مراجعة القوانين واللوائح وتعديلها بانتظام بما يضمن حماية كرامة الإنسان.

3. **التثقيف والتوعية**:
- برامج تعليمية في المدارس والجامعات والجمهور تعمل على تعزيز الوعي بأهمية الكرامة الإنسانية.

4. **الآليات المؤسسية**:
- إنشاء لجان حقوق الإنسان ومؤسسات أمين المظالم للتحقيق في انتهاكات كرامة الإنسان وتقديم التوصيات.

وتوفر هذه الركائز والمفاهيم والنماذج والاليات أساساً شاملاً لتحديد وحماية الكرامة الإنسانية. فهي تضمن الاعتراف بالكرامة الإنسانية ليس فقط من الناحية النظرية، بل أيضًا حمايتها وتعزيزها في الممارسة العملية.

moniem.mukhtar@googlemail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المحکمة الدستوریة الاتحادیة الولایات الاتحادی الکرامة الإنسانیة کرامة الإنسان فی الحقوق الأساسیة القانون الأساسی القوانین التی حقوق الإنسان فیما یلی المادة 1 من خلال

إقرأ أيضاً:

السودان: إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه

 

السودان: إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه

ناصر السيد النور

لم تعد الأزمة السودانية التي خلقتها الحرب ـ المستمرة – تلقى اهتماماً يجدر بما وصلت إليه من كوارث مهولة، بدا وكأنها عصية على الحل، وفي الوقت نفسه يواصل طرفاها قوات الجيش والدعم السريع القتال، بكل ما تتيحه وسائل الحرب. والاهتمام المفترض هو ما يعول عليه ضحاياها بالمعنى الإنساني، في إنهاء معاناتهم الإنسانية كأكثر الأطراف تضررا من الحرب، أو بما تشكله من تهديد وخطر داهم، لا يتوافق ومنظومة الأمن الإقليمي والدولي هذا إذا حسن الظن بالوثوق بما تقوله ـ من دون أن تنفذه غالبا- مؤسسات معنية بالسلم والأمن الدوليين، ممثلة بالأمم المتحدة ومجلس أمنها الدولي، أو مؤسسة إقليمية من جامعة عربية واتحاد افريقي، بإمكانياتهما المحدودة، وموقفهما المتردد في التعامل مع أطراف الأزمة وضحاياها.

وما يلفت الانتباه مؤخراً، تكرار التحذيرات الصادرة عن كل الهيئات الدولية الإنسانية، بما سيؤول إليه الوضع في السودان، نتيجة لحرب وحشية، وما أحدثته من حالات إنسانية في النزوح واللجوء، وسقوط ضحايا دون حصر، ومؤخراً المجاعة الوشيكة. ويتزامن هذا مع وصف يبعث على الإحباط، باعتبارها أسوأ كارثة يشهدها العالم في الألفية الثالثة، وتقع الكارثة السودانية ضمن خريطة صراعات العالم، أو البؤر الملتهبة (غزة، وأوكرانيا) في موقع تتقاطع معه قوى الصراع الدولي، والوزن الاقتصادي والتأثير السياسي، وأخيراً الموقع الاستراتيجي.

وقد كتب حازم صاغية الكاتب اللبناني مؤخراً «ما من شكّ في أنّ بيننا عنصريّين تصدّهم عن الاهتمام بالسودان أفريقيّتُه، واللون الأسمر لبشرة سكانه. لكنْ في بيئات ثقافية قد لا يصح فيها هذا الوصف، يبدو التجاهل أعقد وأشدّ مواربة. ذاك أنّ أحوال السودان تشكّل فضيحة لوعي تلك البيئات، التي غالباً ما اعتبرت أنّ النزاعات والصراعات لا تستحقّ صفتها هذه، ناهيك عن الاهتمام بها، ما لم تكن نتاج اصطدام بطرف غربيّ وأجنبيّ، وأنّ الضحايا بالتالي لا يكونون ضحايا ما لم يقتلهم هذا الطرف بعينه». وهذا الوصف ربما يصدق وربما وافق واقع حال السياسات العربية، بل قبل ذلك النظرة العربية لدول الجامعة العربية التي تعاني في تعريف هويتها عربياً كدول في هامش المحيط العربي كالصومال وموريتانيا، إذ تُعامل من حيث موقعها الجغرافي من الخليج إلى المحيط، من دون اعتراف بالقواسم المشتركة، وأولها البعد الثقافي والعنصري. والواقع أن التأثير العربي في الأزمة السودانية لا ينكر وجوده، ولكنه على الجانب الذي لا يرغب فيه السودانيون. فقد اتهم سفير السودان هذا الأسبوع في جلسة مجلس الأمن، دولة الإمارات صراحة بدعم قوات الدعم السريع، وطالبها بالتوقف عن التدخل في دعم أحد طرفي الصراع، واعتبرها سفير الإمارات في رده على الاتهامات، سخيفة. فأدخلت الحرب العلاقات الدبلوماسية بين السودان ومحيطه العربي في أزمة ذات بعد آخر، من دون أن تصل إلى موقف الخطر لأسباب معلومة. والحرب بطبيعة الحال أصبحت جاذبة لتدخلات متفرقة مثلها مثل حروب أخرى.

أما الداخل الذي ترك ليواجه مصيره تفتك به معارك الطرفين، من دون تمييز في مستوى الدمار والخراب في وتيرة معارك متصاعدة، لا ينتظر منها نتيجة حاسمة، إلا في حدود ما تقتل من مدنيين. ومن دون تدخل مطلوب، إقليماً أو دولياً، ازدادت قوى الطرفين شراهة في حربها، وفي حجم الانتهاكات المرتكبة. وقد لا تنتظر الأزمة السودانية حلولا ما بعد الحرب، كإعادة الإعمار والمصالحة الوطنية، وما إليها مما يؤمل أن تعيد الأمور إلى نصابها، وهذه الرؤية الرغبوية، التي يأمل فيها السودانيون تبدو، مع واقع الظروف الحالية، بعيدة عن التحقق، وأعقد مما تسمح به الإمكانيات المتاحة. فما الذي يمكن أن ينقذ، خاصة أن الأزمة السودانية أصبحت مركبة تداخلت فيها المؤثرات ومجريات الأحداث، بما دفع بها بعيداً نحو المجهول، وتأخرت بالتالي معالجة جزئياتها، ما زاد من تعقيدها. فاقتصاد البلد الفقير قد أوصلته الحرب إلى ما يتعدى البيانات والأرقام الإحصائية، إلى مرحلة صفرية، مع انهيار في العملة وارتفاع في التضخم، وما انسحب جراء ذلك من تعطل الحياة والأنشطة الاقتصادية، وسكان يعانون شظف العيش، وبحاجة إلى مساعدات وكل ما يتأتى من الخارج في مواجهة مجاعة هي الأسوأ من نوعها أيضا وفق التقديرات الدولية. ولأن الحرب ألحقت ضرراً بليغاً بالبنية التحتية على رثاثتها، وتشمل المؤسسات الاقتصادية القائمة وخروج الاقتصاد السوداني عن مسار اقتصاد الدولة، التي فقدت أصولها وممتلكاتها، أسوة بممتلكات المواطنين؛ فإن ما ينتظر إصلاحه اقتصادياً سيحتاج إلى عقود، فإذا كان الانهيار الاقتصادي الذي يؤثر في سردية الحرب، ويعيد على ضوء نتائجه الفادحة المباشرة صياغة ملامح البلاد من جوانبها كافة، فإن السياسة التي قادت بطرق ممارستها من قبل الساسة للحرب نفسها وبعثت التشوهات السياسية في منظومة الحكم والدولة، ما يعني عملياً بروز نمط آخر لساسة وإدارة السياسة، وفق وضعية مغايرة مضادة لتقاليدها التاريخية ورموزها السياسية، ولأن الحرب أخطر ما أحدثه الانقسام المجتمعي في التصنيف الجهوي والقبلي لمنظومات الدولة الضاربة، كالجيش وبقية التحالفات العسكرية، تكون الأزمة السودانية قد دفعت إلى الوجود بلداً مقسماً وفق نتائج الحرب.

إزاء هذا الوضع السياسي الغامض والمربك يصعب التنبؤ بما يمكن أن تنقذه السياسة تسوية أو على فرضية إطار سياسي جامع، يستدعي أشكال الحلول والتوافقات السياسية على ما درج عليها ممارسو السياسية السودانية. فالعودة إلى الخريطة التقليدية للمكونات السياسية بأحزابها ونقاباتها وتكتلاتها في اليمين واليسار، خضعت لمناورات الحرب، وتغيرت قواعد اللعبة فيها بين سياسة حرب تعبر عنها حكومة عسكرية، تمثل طرفاً رئيسياً في الحرب، والمدنيين الذين يمثلون الجانب السياسي الرافض لاستمرار الحرب. وهنا تبدو المساحة متباعدة بين جميع الأطراف، ما يضع الواجهات السياسية في موقف حرج لغياب الإرادة الوطنية السياسية، خاصة أن المكونات السياسية المدنية تصنف بالذراع السياسي لقوات الدعم السريع. وهو تصنيف يلقي ظلالا سالبة عليها، على الرغم من الغرض والدعاية التي تقف وراءه، وهذه القوات التي يقاتلها الجيش زادت من حدة تعقيد المعادلة السياسية والعسكرية الاجتماعية في البلاد. ويزيد من مستوى الانهيار السياسي عدم التنسيق في المواقف، وأحياناً الموقف من الحرب نفسها، فلا تزال نتائج الحرب تحدد مستوى الاقتراب بين الموقف الوطني والحزبي والجهوي. ولعل الأخير يشكل أبرز التحديات التي يواجهها السياسي السوداني لارتباطاتها النفسية والاجتماعية. إذا كان حجم المخاطر التي أحدثتها الحرب الجارية في السودان منذ عام ونصف العام من دون توقف، جعلت من غير الممكن تصور ما سيكون عليه الوضع بعد مرحلة الحرب، إلا بالقدر الذي يحمل التمنيات أكثر من الواقع وحقائقه. فما تضرر لم يكن محصوراً بالدائرة العسكرية، حيث ميادين القتال ولغة السلاح، وإنما كارثة أقرب ما تكون إلى الفناء ألمت بشعب وأرض وكل ما ترمز إليه محددات الدولة التعريفية، في حدود ما يلامس الوجود الإنساني قبل القانوني والدستوري للكيان الذي بعثرته سياسات أخطأت بالتقدير، أو سبق الإصرار نتائج لم تكن في الحسبان مما يجعل من معالجتها أمراً غير وارد في المدى المنظور.

*نقلا عن “القدس العربي”

الوسومأقريقيا الجامعة العربية حرب السودان

مقالات مشابهة

  • كيف نقرأ واقع المجتمعات الإنسانية؟
  • التربية تعلن نتيجة اختبارات الشهادة الأساسية.. وبهذه الطريقة يمكن للطلاب الحصول على نتائجهم
  • السوداني:حقوق الإنسان “محترمة” في ظل حكومتنا الإطارية بدليل الإعدامات الجماعية !!!!
  • هل يمكن الجمع بين معاشين من المعاشات المستحقة لذوي الإعاقة بالقانون الجديد؟
  • واعظ بالأزهر: الصدقة والزكاة حفظ لكرامة الإنسان
  • وزير الخارجية الصيني يؤكد ضرورة إضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية
  • الأمم المتحدة: أكثر من نصف السودانيين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد
  • لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين: نحمل المؤسسات الدستورية المسؤولية في وضع سياسة إسكانية
  • السودان: إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه
  • خبير قانوني: خطاب الكراهية من أخطر الخطابات التي يمكن أن تنتشر في المجتمعات