أحمد إبراهيم أبوشوك

(1)
جون دوغلاس توتهل (John Douglus Tothill) عالم حشراتٍ ونباتٍ بريطاني الجنسية، درس في الكلية الزراعية بأونتاريو بكندا، وتخصص في علم الحشرات وعلم النبات، وفي العام 1922 حصل على دكتوراه الفلسفة في الزراعة في جامعة هارفارد. بدأ حياته العملية موظفاً بمختبر علم الحشرات الطفيلية الأمريكي لفترة قصيرة، وبعدها انضم إلى فرع علم الحشرات بوزارة الزراعة الكندية، وأنشأ مختبرًا بحثياً بجامعة نيو برونزويك (New Brunswick).

وفي العام 1923 نُقل إلى قسم حشرات الغابات بأوتاوا، ثم انتدب إلى جزيرة فيجي (1924-1929)، مديرًا للزراعة، ومنها إلى يوغندا، ليشغل المنصب نفسه (1929-1939). وبهذه الخبرات المتراكمة انتقل توتهل إلى السودان، حيث عمل مديراً للزراعة والغابات (1939-1944)، ثم مديراً لكلية غردون التذكارية (1944-1947). وختم حياته العملية في السودان بتحرير كتابه الفريد "الزراعة في السودان". صدرت طبعة الكتاب الأولى عن مطبعة جامعة أكسفورد عام 1948م، وبلغ عدد صفحاته 974 صفحة، من القطع المتوسط، دون الصفحات الأولى المرقمة بالأرقام الرومانية. اشترك في تأليف الكتاب أكثر من ثلاثين خبيراً وباحثاً متخصصاً في مجال الزراعة، والجيولوجيا، وأبحاث التربة، وتربية الحيوان. وأهدى توتهل الكتاب إلى ذكرى السير دوغلاس نيوبولد (ت. 1945م)، السكرتير الإداري لحكومة السودان الإنجليزي-المصري (1939-1945م). وثمَّن السير هربرت هدلستون، حاكم عام السودان (1940-1947م)، العمل الذي قام به توتهل، وكتب عنه تقديماً نفيساً، جاء فيه: "اتفق تماماً مع وجهة نظر المحرر أنَّ مستقبل السودان يتوقع أن يكون معتمداً على الزراعة. وإذا كان الأمر كذلك، فمن الضروري أن يكون لدى كل موظف من الموظفين الكبار والصغار في الحكومة معرفة جيدة بالمبادئ العامة للزراعة، كما تمارس اليوم في السودان، ويجب ألا تكون المعرفة قاصرة على الموظفين الحكوميين بل عامة الناس. لا يمكن لأي شخص، بدون هذه المعرفة، سواء كان يعيش في الريف أو الحضر، أن يكون مواطنًا كاملاً. وقد تسبب الافتقار إلى هذه المعرفة في إهمال الزراعة، التي شكلت [نجاحات] العديد من الدول في التاريخ الحديث. الآن بعد نشر هذا الكتاب، لا يوجد عذر لأي شخص أن يجهل أمور الزراعة في السودان."
ويؤكد هذا التقديم أهمية الكتاب، الذي يتحدث بعمق عن تاريخ الزراعة في السودان، وأحوال الطقس والمناخ في المديريات الشمالية والجنوبية، وأنواع التربة والتركيبة الجيولوجية، والغطاء النباتي، وملكية الأرض، وأنماط الري الانسيابي والمطري، وأنواع المحاصيل الزراعية، والأسمدة المستخدمة في الزراعة، ومراكز البحوث الزراعية، والثروة الحيوانية، ومشكلات المواصلات، وترحيل المنتوجات الزراعية، والتعليم.

(2)
ونظراً لأهمية الكتاب قد أنفق المهندس الزراعي محمد المصطفى حسن عبد الكريم (ت. 2020) وقتاً ثميناً في ترجمته إلى اللغة العربية، وراجع الترجمة البروفيسور صلاح الدين عبود. إلا أن المخطوطة المترجمة لم تجد حظها في النشر، بالرغم من المحاولات العديدة التي بذلها المرحوم محمد المصطفى. وفي حفل افتتاح الموقع الإلكتروني للموسوعة السودانية في الزراعة والأغذية، الذي نظمته كلية الزراعة بجامعة الخرطوم في أبريل 2013، قرظ كتاب توتهل وثمَّنه البروفيسور محمد عثمان خضر، أحد عمداء كلية الزراعة جامعة الخرطوم السابقين، والعلماء البارزين في علم الوراثة في النباتات. لكن الكثيرين من السودانيين لا يعرفون قيمة كتاب الزراعة في السودان، والكثرة من غير الأكاديميين لا يعرفون البروفيسور محمد عثمان خضر، ولذلك قال عنه أحد طلابه معاتباً: "أستاذي لو كنت في دولة متقدمة لوضعوك في حدقات العيون، ولكُرمت عشرات المرات." لا جدال في أنَّ هذه واحدة من آفات قلة الاهتمام بتقدير العلماء في السودان، البلد الذي يرفع القبعات لبعض الجنرالات الذين عاثوا في أرضه فسادًا. دون أن يهتدوا بقول الفيلسوف الفرنسي فولتير (1694-1778م) إنَّ الخير الحقيقي للإنسانيّة ليس في قادتها السياسيين والعسكريين الفاشلين، ولكن في فلاسفتها، وعلمائها، وشعرائها؛ لذلك عندما طُرح سؤال أيُّ من هؤلاء الرجال أعظم: الإسكندر المقدوني، أم قيصر الروم، أم تيمورلنك، أم كرومويل؟ فأجاب أحد الحاضرين: إنَّ السير إسحاق نيوتن أعظمهم جميعاً بلا منازعٍ؛" لأنه من مفكري النهضة والتنوير الذين قامت على أطروحاتهم الحداثة الأوروبية.
(3)
إذاً يظل السؤال قائماً مَنْ البروفيسور محمد عثمان خضر؟ كتبه عنه البروفيسور عون الشريف قاسم نبذة تعريفية موجزة في موسوعة القبائل السودانية، قائلاً: هو "محمد عثمان خضر محجوب عثمان علي خضر عبد الحميد من الخضراب الكدنقاب بتنقاسي"، بالولاية الشمالية. حصل على درجة بكالوريوس العلوم في الزراعة في جامعة القاهرة عام 1959، ونال درجة ماجستير العلوم في الزراعة في جامعة الخرطوم عام 1962، ودرجة دكتوراه الفلسفة في الهندسة الزراعية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1975. وبعد نيله لدرجة الدكتوراه عمل أستاذاً بكلية الزراعة جامعة الخرطوم، وشغل منصب عميد الكلية في سبعينيات القرن العشرين، ثم الأمين العام للمجلس القومي للبحوث، وانتدب عام 1984 أميناً عاماً لاتحاد مجالس البحث العلمي العربية ببغداد. ويشير محرك الباحث العلمي (Google Scholar) إلى أن الاستشهادات العلمية لثلة من أبحاثه المنشورة على الموقع (2017-2024) قد بلغت 635 استشهاداً. وأخيراً ختم حياته الأكاديمية بجامعة الخرطوم إلى أن وافته المنية في 14 يناير 2022.
(4)
قصدتُ بهذه كلمة المتواضعة أن ألفت الانتباه إلى أهمية كتاب جون دوغلاس توتهل عن "الزراعة في السودان"، وإلى ضرورة نشر مخطوطة الكتاب التي ترجمها إلى العربية المهندس الزراعي محمد المصطفى حسن عبد الكريم، وكذلك الاحتفاء بإسهامات البروفيسور محمد عثمان خضر، الذي يرى أن الزراعة هي بترول السودان وذهبه دون منازعٍ، لأنَّ معين عطائها متجدداً دوماً؛ إلا أنه يؤكد بأن مشكلتها الحقيقية في السودان ليست في ضعف الموارد الطبيعة أو الموارد البشرية، وإنما هي مشكلة متجذرة في ضعف الإرادة السياسية وسوء توظيف المعرفة الزراعية.

ahmedabushouk62@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الزراعة فی السودان جامعة الخرطوم فی الزراعة

إقرأ أيضاً:

مسلسل منتهي الصلاحية.. قصة حب بين ياسمين رئيس ومحمد فراج

تقع منى ( ياسمين رئيس ) في حب صالح ( محمد فراج ) ولكن يتضح لها أنه من طرف واحد، وأنه لا يبادلها نفس الشعور، وتدخل منى شريكة مع صالح وشرقاوي ( حسن مالك) في عالم المراهنات. 

سامية الطرابلسي تكشف كواليس تحضير شخصية "تودد" في جودرأبطال فيلم فار بـ 7 أرواح يحتفلون بالعرض الخاص


مسلسل منتهي الصلاحية بطولة ياسمين رئيس ويشاركها محمد فراج، هبة مجدي، تامر نبيل، سامي مغاوري، دنيا ماهر، حسن مالك، وعدد آخر من الفنانين، وهو من تأليف محمد هشام عبيه وإخراج تامر نادي.


وقد عرض لياسمين رئيس في النصف الأول من رمضان الموسم الثاني من مسلسل جودر بطولة ياسر جلال، ياسمين رئيس، جيهان الشماشرجي، أحمد فتحي، وفاء عامر، تارا عماد، نور اللبنانية، وليد فواز، وعدد آخر من الفنانين، وهو من تأليف أنور عبد المغيث وإخراج إسلام خيري.


وفي سياق آخر، حقق فيلم الهنا اللي أنا فيه لياسمين رئيس إيرادات كبيرة بدور العرض حيث وصلت إيراداته لأكثر من ٣٠ مليون جنية في مصر ويتصدر البوكس أوفيس بالسعودية حيث يقترب من ١٥ مليون ريال.


فيلم الهنا اللي أنا فيه من بطولة ياسمين رئيس، دينا الشربيني، كريم محمود عبد العزيز، مريم الجندي، حاتم صلاح، وعدد آخر من الفنانين، وهو من تأليف أيمن بهجت قمر وإخراج خالد مرعي، وتدور أحداثه في إطار اجتماعي كوميدي.


وتعد أحدث أعمال ياسمين رئيس مسلسل رقم سري، عرض على قناة dmc ومنصة watch it الإلكترونية، والعمل من بطولة ياسمين رئيس، صدقي صخر، عمرو وهبة، نادين أحمد، أحمد الرافعي، وعدد آخر من الفنانين، وهو من تأليف محمد سليمان عبد المالك وإخراج محمد عبد التواب.


وعرض مؤخرًا فيلم الفستان الأبيض بطولة ياسمين رئيس، أحمد خالد صالح، أسماء جلال، وغيرهم من النجوم، وهو من تأليف وإخراج جيلان عوف وإنتاج فيلم كلينيك محمد حفظي ويشاركه في الإنتاج شركة زا بلانت ستوديوز وياسمين رئيس. والذي عرض بمهرجان الجونة السينمائي ومهرجان البحر الآحمر السينمائي.


وتدور أحداث فيلم الفستان الأبيض في إطار من الدراما حول وردة من حي فقير التي توشك على الزواج، لكن يُتلف فستان زفافها في نفس يوم الحفل، فتخوض رحلة في القاهرة للبحث عن فستان آخر.


وشاركت ياسمين رئيس في رمضان 2024 بمسلسل جودر، وحقق العمل نجاحًا كبيرًا، وهو من بطولة ياسر جلال، نور، تارا عماد، وليد فواز، وغيرهم من الفنانين، وهو من تأليف أنور عبد المغيث وإخراج إسلام خيري .

مقالات مشابهة

  • عثمان جلال يكتب: حول العوامل الحاسمة للانتصار في معركة الكرامة
  • دعم دولي للتعليم في السودان وطباعة الكتاب المدرسي
  • مسلسل منتهي الصلاحية.. قصة حب بين ياسمين رئيس ومحمد فراج
  • وديًا| غزل المحلة يفوز على الأوليمبي استعدادًا لمواجهة سموحة.. صور
  • شاهد.. صناع فيلم «فار بـ7 أرواح» يحتفلون بالعرض الخاص
  • إخلاء سبيل 5 من شباب جمهور النادي الأهلي
  • سلوى عثمان: أصريت على وضع حسنة ومكياج في «حكيم باشا»| فيديو
  • مدير دائرة الشئون العامة بشرطة شمال كردفان يستقبل وفد جامعة السودان المفتوحة
  • باحث: خطأ كبير وقعت فيه حركة حماس تسبب في عودة الحرب
  • خلاف ياسمين صبري ومحمد رمضان يتحول الى المحاكم