السينما النظيفة والهوية الوطنية السينمائية في مصر
تاريخ النشر: 2nd, August 2023 GMT
يستلقي أحمد مرعي تاجر البطيخ القادم من أعماق صعيد مصر على سريره مستحضرا وضعه الاجتماعي كيتيم، ويحدث نفسه عن مدى حبه للبطيخ الذي أصبح كل شيء في حياته. ويقف ليبيع البطيخ ويتعرض لمواقف كوميدية مضحكة مع الزبائن ومع أهل الصعيد، يختلط فيها الهزل بالجد. ويتعايش مرعي مع مجتمع الصعيد المحافظ بكل مشاكله وتقاليده ولا سيما الثأر والميراث، ومع مجتمع شواطئ "سهل حشيش" المخملي على ساحل البحر الأحمر في الفيلم المصري "مرعي البريمو" للمخرج السوداني سعيد حامد وبطولة محمد هنيدي إنتاج 2023.
الفيلم هو عودة للتعاون بين هنيدي وحامد بعد غياب دام زهاء 18 سنة. ومن المقرر أن يُعرض بدور السينما المصرية في أغسطس/آب 2023. ويستلهم الفيلم عناصر النجاح ذاتها التي حققت شهرة هذا الثنائي في فيلم "صعيدي في الجامعة الأميركية" عام 1998، وهي: الصعيد، ساحل البحر، مفارقات مجتمع الصعيد وقضاياه، النخبة المخملية المنفصلة عن هذه القضايا بالكلية. وهو الفيلم الذي أصبح إحدى علامات ما بات يعرف بالسينما النظيفة حينئذ، والمقصود به السينما الخالية من المشاهد الساخنة بين الرجال والنساء وخاصة القُبلات.
بوستر فيلم مرعي البريمو (الجزيرة)وظهر مصطلح "السينما النظيفة" في حقبة التسعينيات وبداية الألفية الجديدة لوصف مجموعة من الأفلام الصاعدة وقتها والتي استطاعت أن تجذب العائلات والأسر المصرية إلى دور السينما دون الخوف من التعرض لمشاهد غير لائقة بين الرجال والنساء. وركزت معظم هذه الأفلام على الكوميديا، ومن أبرز أبطالها أحمد حلمي وأحمد السقا ومحمد هنيدي والممثل الراحل علاء ولي الدين.
وقد انقسمت آراء الممثلين والنقاد في مصر -خلال العقود الثلاثة الماضية- حول هذا المصطلح بين من يراه ضرورة اجتماعية تراعي قيم الأسرة المصرية والذوق العام، وأنه جاء كرد فعل للتمادي في جرأة تصوير أفلام لا تناسب الأسرة في إطار ما يعرف بأفلام المقاولات خلال حقبتي السبعينيات والثمانينيات، وبين من يراه مجرد استغلال تجاري سينمائي لحالة تدين عامة اجتاحت مصر في تلك الفترة خاصة مع انتشار ظاهرة "الدعاة الجدد".
ولا يرتبط جدل "السينما النظيفة" بحقبة تاريخية بعينها، فهو حاضر معظم الوقت في الحوارات التي تجرى مع الفنانين أو النقاد، أو أي من العاملين في القطاع السينمائي. وتعلو سخونة النقاش كلما أعلن فنان تذمره من لمس من لا يحل له أثناء العمل (كما فعل الممثل يوسف الشريف) وهنا يواجه بتهمة العداء لحرية الفن والإبداع، وتبدأ من جديد تلاسنات محفوظة تضع الحِرفية في ناحية والقيم في ناحية أخرى، وتضع الإبداع في ناحية والمحافظة الأخلاقية في ناحية، وكل هذه مقارنات غير منصفة لأن المشروع الذي قدمته موجة ما يسمى "السينما النظيفة" كان أعمق من هذا الاختزال.
وبعيدا عن الجدل حول دقة مصطلح "السينما النظيفة" فقد أثبت الواقع أن تلك الخلطة السينمائية حققت معادلة صعبة جمعت 4 عناصر لا غنى عنها في فيلم سينمائي وهي: تجسيد هوية المجتمع، الرواج التجاري، القبول الاجتماعي والقيمي، الجودة الفنية.
مفهوم الهوية الوطنية للسينمالم تشتبك موجة أفلام هنيدي والسقا وغيرهما مع الأحداث السياسية الساخنة بشكل مباشر، لكنها عبرت عن الشعور الوطني العام في مصر على مستويات متعددة في ثنايا الحبكة الكوميدية. وكان القاسم المشترك بين معظم أو كل تلك الأفلام هو تجسيد الرفض الشعبي لإسرائيل مثلا. ففي "إسماعيلية رايح جاي" للمخرج كريم ضياء الدين (إنتاج عام 1997) حضرت فكرة الحرب مع إسرائيل، والأب والأم المكلومين بسبب استشهاد ابنهما، وظهرت أغنية "الدم ده دمي" الحزينة وسط فيلم كوميدي ملئ بالمواقف المضحكة. وحقق الفيلم نجاحا منقطع النظير في حينه.
صورة من فيلم "إسماعيلية رايح جاي" (مواقع التواصل الإجتماعي)وتكرر الأمر بعد ذلك في "صعيدي في الجامعة الأميركية" مع مشهد حرق علم إسرائيل. كما حضرت فكرة الحدود مع إسرائيل، وتجارة المخدرات ودور الشرطة والجيش، في مكافحة هذه الظاهرة في فيلم "عبود على الحدود" للمخرج شريف عرفة (إنتاج عام 1999).
وهناك أيضا في حوارات الأفلام حديث عن الانتماء والوطنية في السياق الدرامي، يعكس معاني مختلفة عن الهوية منها مثلا حديث الطالب مع أستاذه في فيلم "صعيدي في الجامعة الأميركية" حين يسأله إذا وصل لمنصب مسؤول في البنك الدولي أو الأمم المتحدة، هل سيكون ولاؤه لبلده أم لغيرها من البلدان؟ فيرفض الأستاذ الإجابة عن السؤال. وبذلك مثلت هذه الأفلام محاولة جادة لتقديم سينما تستلهم الشعور الوطني العام والانتماء، من دون تصنع أو افتعال، وتعكس الهوية الوطنية الحقيقة لمصر.
وقد استدعى هذا النوع السينمائي نمطا محافظا من الأداء يتماهى مع الشخصية المصرية، فغابت تقريبا مشاهد العري أو التلامس بين الرجال والنساء لصالح علاقة محافظة أقرب للنمط العام السائد. وهو ما أعطاها خصوصية مكنتها من جذب الأسرة المصرية المحافظة لدخول قاعات السينما، بعد أن ظلت لسنوات عديدة تراها مكانا غير آمن تربويا واجتماعيا على أبنائها ونسائها. وقد يكون المناخ العام في تلك الفترة، وظاهرة "الدعاة الجدد" قد ساعدت على توطيد هذه الحالة، ولكنها لم تكن منشئة لها، ولا مرتبطة بها تعسفيا -لأسباب تجارية- كما يروج البعض.
بالإضافة لذلك، امتلك نجوم هذه الأفلام ذكاء اجتماعيا جنبهم السقوط في كثير من الفضائح والفخاخ الإعلامية والفنية، وامتلكوا ثقافة أهلتهم لتقديم أعمال عميقة المعنى وإن كان ظاهرها الضحك والسخرية. فقد كان هنيدي صديقا للمخرج الراحل صاحب البصمة في السينما المصرية عاطف الطيب، وقد تأثر بمدرسته في النقد الاجتماعي والغوص بعمق في الشخصية المصرية. ويمكن القول إن هنيدي صاحب وعي مشابه لذلك الذي امتلكه الطيب. وقد احترم هذا الممثل المشاهد وأعاد التعبير عن الهوية الوطنية في السينما. وهو حين يقدم قطاعا شعبيا مصريا تعرض للتهميش مثل الصعيد، فإنه يفعل ذلك من بوابة النقد الساخر مقدما الصعيد الحقيقي للجمهور عبر بوابة السينما الكوميدية.
وبعيدا عن الجدل حول دقة مصطلح "السينما النظيفة"، فإن الواقع الفني والتجاري والشعبي قد أثبت أن هذه الخلطة السينمائية حققت معادلة صعبة جمعت 4 أمور رئيسية لا غنى عنها لأي فيلم سينمائي وهي: تجسيد هوية المجتمع، الرواج التجاري، القبول الشعبي والاجتماعي والقيمي العام، بالإضافة للجودة الفنية. ولذلك، فعلى من لا يستطيع تحقيق هذه المعادلة أن يبحث عن وسائل للنجاح بعيدا عن أن يرمي هذه التجربة وأهلها بما ليس فيهم.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الهویة الوطنیة فی ناحیة فی فیلم
إقرأ أيضاً:
بروتوكول تعاون بين مصر والإمارات لمكافحة المنشطات وتعزيز الرياضة النظيفة
شهدت السفيرة مريم الكعبي، سفيرة دولة الإمارات العربية المتحدة في القاهرة،في خطوة هامة لتعزيز التعاون العربي في مجال مكافحة المنشطات، مراسم توقيع بروتوكول تعاون بين المنظمة المصرية لمكافحة المنشطات (NADO) والوكالة الإماراتية لمكافحة المنشطات (UAE NADA)، وذلك بحضور الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة المصري، والدكتور حازم خميس، رئيس المنظمة المصرية لمكافحة المنشطات، والدكتورة مي الكعبي، رئيسة الوكالة الإماراتية لمكافحة المنشطات.
وقد شهد توقيع البروتوكول حضور عدد من الشخصيات الرياضية البارزة ورؤساء الاتحادات الرياضية المصرية.
وفي مستهل حديثها خلال مراسم التوقيع، أعربت السفيرة مريم الكعبي عن سعادتها الكبيرة بحضور هذا الحدث الهام، مؤكدة أن توقيع البروتوكول يُعد خطوة كبيرة نحو تعزيز التعاون العربي في مجال مكافحة المنشطات.
وأشارت إلى أن هذا التعاون ليس فقط مجرد اتفاق بين مؤسسات رياضية، بل هو تعبير عن التزام مشترك من قبل مصر والإمارات نحو الحفاظ على صحة الرياضيين وتعزيز ممارسات الرياضة النظيفة.
وأضافت أن هذا البروتوكول يمثل انطلاقة جديدة نحو تعزيز العلاقات بين البلدين في مجال الرياضة، مشيدة بالدور الرائد الذي تلعبه مصر على المستوى الدولي في مكافحة المنشطات، وبالجهود المستمرة التي تبذلها المنظمة المصرية لمكافحة المنشطات في هذا المجال.
وفي سياق متصل، أكد الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة المصري، في كلمته خلال توقيع البروتوكول، أن الوزارة تدعم بشكل كامل جهود المنظمة المصرية لمكافحة المنشطات، مشيدًا بمكانتها الرفيعة على المستوى الدولي. وأشار إلى أن مصر تُعد واحدة من بين أفضل 50 منظمة عالمية في هذا المجال، وهو إنجاز يضاف إلى سجلها الحافل بالنجاحات. وأكد صبحي أن الوزارة ستواصل دعم المنظمة لتحقيق المزيد من التقدم في مكافحة المنشطات، مشيرًا إلى أن توقيع هذا البروتوكول سيسهم بشكل كبير في تعزيز التعاون العربي بين مصر والإمارات في هذا المجال الحيوي.
من جهته، أشار الدكتور حازم خميس، رئيس المنظمة المصرية لمكافحة المنشطات، إلى أن توقيع هذا البروتوكول يعد إنجازًا مهمًا في مسيرة المنظمة المصرية، حيث يعكس التزام مصر المستمر بتعزيز الرياضة النظيفة ومكافحة المنشطات على المستويين العربي والدولي. وأضاف خميس أن هذا التعاون سيساهم في تطوير برامج مكافحة المنشطات وتعزيز الوعي بمخاطرها في المنطقة العربية، وهو ما يساهم بدوره في بناء مستقبل رياضي أفضل للرياضيين العرب. وأعرب عن شكره الكبير لوزارة الشباب والرياضة على الدعم المستمر الذي قدمته للمنظمة، مشيرًا إلى أن هذا الدعم كان له دور كبير في تعزيز مكانة المنظمة على المستوى الدولي.
من جانبها، أكدت الدكتورة مي الكعبي، رئيسة الوكالة الإماراتية لمكافحة المنشطات، أن توقيع هذا البروتوكول يمثل بداية قوية لتعاون عربي فاعل في مجال مكافحة المنشطات. وأشادت بدور مصر البارز في هذا المجال، حيث أكدت أن مصر تعتبر شريكًا استراتيجيًا للإمارات في تعزيز جهود مكافحة المنشطات على المستوى العربي والدولي. وأوضحت أن الإمارات تسعى دائمًا إلى دعم الرياضة النظيفة على جميع الأصعدة، وأن التعاون مع المنظمة المصرية يُعد خطوة هامة نحو تحقيق هذا الهدف.
وكانت المراسم قد شهدت حضور عدد من الشخصيات الرياضية البارزة، من بينهم رؤساء بعض الاتحادات الرياضية المصرية، الذين أكدوا أهمية توقيع هذا البروتوكول في تعزيز الرياضة النظيفة والحفاظ على صحة الرياضيين. كما تطرقوا إلى أهمية التعاون بين الدول العربية في هذا المجال الحيوي، مؤكدين أن مكافحة المنشطات تتطلب جهودًا جماعية على مستوى العالم، وأن هذا التعاون العربي سيكون له تأثير إيجابي على مستوى كافة الدول العربية.
وقد تم توقيع البروتوكول بين الدكتور حازم خميس، رئيس المنظمة المصرية لمكافحة المنشطات، والدكتورة مي الكعبي، رئيسة الوكالة الإماراتية لمكافحة المنشطات، حيث تم التأكيد على أن البروتوكول سيشمل عدة مجالات من بينها تبادل الخبرات في مجال مكافحة المنشطات، وتنظيم ورش العمل المشتركة، وتطوير البرامج التوعوية للرياضيين، فضلاً عن تعزيز التنسيق بين المؤسسات الرياضية في مصر والإمارات لمكافحة المنشطات وتحقيق المزيد من النجاحات في هذا المجال.
وفي ختام المراسم، أعرب جميع الحضور عن تفاؤلهم بتعزيز التعاون بين مصر والإمارات في هذا المجال المهم، مؤكدين على أهمية الدور الذي يلعبه هذا التعاون في دعم الرياضة النظيفة، والحفاظ على صحة الرياضيين، وضمان مستقبل رياضي أفضل للجيل القادم.