أزمة السكن تغير موقف العراقيين نحو المساكن.. كيف تغلب البناء العمودي على الأفقي؟
تاريخ النشر: 24th, May 2024 GMT
الاقتصاد نيوز - بغداد
توجّه العراقيون في الأعوام الأخيرة إلى المساكن العمودية في مجمّعات تتمتع بخدمات جيدة. وتأثر ذلك بتغيّر ثقافة السكن عموماً، والنظرة إلى خصائص البيت الأسري.
من بين التغيّرات في العادات الاجتماعية التي عرفها العراقيون خلال السنوات الأخيرة تحوّلهم من السكن في بناء أفقي إلى عمودي ضمن مجمّعات وعمارات تضم غالبيتها شققاً من ثلاث غرف، وهو أمر لم يكن مألوفاً لديهم قبل نحو عقدين.
في العادة، يسكن العراقيون، التزاماً بثقافتهم الاجتماعية المتوارثة، في بيت مستقل مهما بلغ حجمه داخل حي سكني، وترتكز خيارات السكن على الإمكانات المتوفرة لدى ربّ الأسرة، ما جعل المدن تحتوي على أحياء راقية وأخرى متوسطة وفقيرة، لكن حتى الفقيرة تحتوي على منازل مستقلة، رغم أنها متواضعة على صعيد التصاميم والمواد المستخدمة في تشييدها، والهدف الأول هو تلبية متطلبات الأسرة على صعيد السكن. ومنذ نحو عقدين تغيّرت معايير اختيار العراقيين لأماكن سكنهم، بعدما واجهوا ظروفاً اقتصادية صعبة بسبب الحروب والصراعات التي قللت فرص العمل لدى بعضهم، وخفّضت بالتالي المداخيل المادية التي تأثرت أيضاً بارتفاع الأسعار وتراجع مستوى الخدمات، وأيضاً بمشكلة الارتفاع المستمر في عدد السكان. وفي ظل هذه الظروف السائدة بات يصعب حصول العراقيين على بيوت مستقلة مثلما كان الحال في السابق، وبدأت شركات الاستثمار في إنشاء مجمّعات سكنية بحسب نظام السكن العمودي مع توفير خدمات تفتقدها حالياً الأحياء التي تضم مساكن أفقية. وجعل نجاح تجربة السكن العمودي المستثمرين يستمرون في إنشاء مجمّعات سكنية شملت أيضاً السكن الراقي ذا التكاليف العالية والتي أقبل الأثرياء على السكن فيها.
ويؤكد مستثمرون وعقاريون تحدثوا أن "المجمّعات السكنية في العراق هي مستقبل الاستثمار المربح بالنسبة إلى رجال الأعمال". ويقول أحدهم ويدعى منير الخالدي الذي يستثمر في إنشاء مشاريع عقارية بدول عدة في المنطقة، إن "العراق يوفر أرضية مهمة لاستقبال عدد كبير من المشاريع، في ظل الحاجة إلى أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية". ويشير إلى أن المجمعات السكنية الحالية التي ينوي المشاركة في أحدها "توفر فرصة سكن ملائم لذوي الدخل المحدود الذين يستطيعون تملّك الشقق بطريقة التقسيط وبأسعار مناسبة، وتتميز بخدماتها الكثيرة التي لا تتمتع بها الأحياء السكنية العادية". وقررت الحكومة العراقية تنفيذ مشاريع سكنية ضخمة من هذا النوع. وأعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي أن الحكومة وقعت عقداً مع شركة مصرية للتطوير العقاري من أجل تشييد مدينة علي الوردي السكنية الجديدة جنوب شرقي العاصمة بغداد. ووصف هذا المشروع بأنه "الأكبر بين مشاريع تشييد 5 مدن حديثة".
وقال السوداني: "تتضمن استراتيجية حلول أزمة السكن التي تتبعها الحكومة تهيئة مدن تتمتع بخدمات البنى التحتية، وتضم آلافاً من الوحدات السكنية المختلفة التي تناسب كل فئات المواطنين". ولفت السوداني إلى أن "مشاريع المدن السكنية هي الأولى بهذا الحجم والسعة في تاريخ العراق، وتأتي في إطار التزام الحكومة بإيجاد حلول جذرية ومستدامة لأزمة السكن".
ويقول المواطن فاضل الجنابي إنه كان محظوظاً بشراء شقتين في مدينة بسماية السكنية الحديثة في العراق، والتي افتتحت عام 2013. ويضيف"زاد الإقبال على السكن في هذه المدينة بعدما تعززت ثقة المواطنين بالخدمات الجيدة المقدمة فيها، والتي صبت في مصلحة اختيار السكن العمودي على حساب الأفقي".
يتابع: "ارتفعت لاحقاً أسعار الشقق كثيراً في مدينة بسماية، ما غيّر أيضاً نظرة العراقيين إلى السكن العمودي، وزاد رغبتهم في اقتناء منازل من مشاريع مماثلة". ويذكر الخبير العقاري مؤيد حسن، أنه "فيما يكشف أحدث إحصاء حكومي أن عدد سكان العراق تجاوز 43 مليوناً، يشكل ذلك أحد أبرز أسباب حاجة البلاد إلى وحدات سكنية إضافية، أما الأسباب الأخرى لأزمة السكن فتتعلق بقلة فرص العمل والأجور، وعدم وجود مشاريع سكنية جديدة تدعمها الدولة". ويشير إلى أنه "مع زيادة السكان ونقص الوحدات السكنية المتاحة، قد يجد أشخاص أن السكن العمودي هو الخيار الوحيد المتاح لهم، علماً أن الوحدات السكنية في المباني العمودية أرخص من البيوت الأفقية بسبب استخدام مساحات أصغر، ومشاركة بعض الخدمات والمرافق، ما يجعل العراقيين أكثر ميلاً لشرائها". يضيف: "تحتوي المباني العمودية المشيّدة في العراق على مرافق وخدمات، مثل صالات للألعاب الرياضية ومسابح وأماكن خضراء ومراكز تسوّق ومدارس ومراكز صحية ومختلف أنواع الخدمات التي أنشئت جميعها في شكل مدروس، ما يزيد انجذاب العراقيين للسكن فيها".
بدوره يرى زياد إبراهيم، وهو صاحب مكتب للعقارات في بغداد، أن "التحوّل إلى السكن العمودي لم يعد غريباً على المجتمع العراقي، علماً أن هذا الأمر لم يكن متوقعاً قبل أكثر من عقدين. ويبدو جلياً حالياً أن المستقبل للمجمعات السكنية والسكن العمودي، وهذا ما نقرأه جميعاً كعاملين في مجال العقارات، لكن ذلك لا يعني الاستغناء عن السكن الأفقي". يضيف: "صحيح أن الأشخاص الذين يسكنون في شقق داخل مجمّعات سكنية راضون عن الخدمات المتوفرة، وأبرزها الكهرباء التي تعاني البلاد من أزماتها منذ سنوات، لكنهم سينتقلون إلى السكن الأفقي في بيوت مستقلة فور حصول تغييرات إيجابية سواء في أوضاعهم المادية أو في حال توفير خدمات في مختلف المدن، ودعم الدولة للمواطنين في الحصول على سكن مستقل". وبحسب إبراهيم يبدي العراقيون حنينهم إلى البيوت المستقلة التي يعتبرونها جزءاً من ثقافتهم وتراثهم وذكرياتهم، لذا سيبقى هذا النوع من السكن موجوداً مهما زاد عدد المساكن العمودية.
يحتاج العراق إلى إنشاء 3 إلى 3.5 ملايين وحدة سكنية للحد من الأزمة المزمنة في هذا القطاع، وفي محاولة لتقليص الفجوة باشرت الحكومة بإنشاء 52 مدينة سكنية في المحافظات الوسطى والجنوبية، إلى جانب مجمعات سكنية وقروض متنوعة لبناء وترميم وشراء الوحدات السكنية، في حلول وصفت بـ"الجذرية" لحل المعضلة التي تؤرق الملايين في البلاد.
وتحاول السلطات جاهدة منذ نحو 5 سنوات لمعالجة أزمة الإسكان عبر إطلاق خطط تتلاءم مع التعداد السكاني الذي يتجاوز 43 مليون نسمة، إضافة إلى الاعتماد على إجراءات لتسهيل حصول المواطنين على القروض بفوائد مقبولة.
وتم الشروع بخطط تستهدف بالأساس الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، إذ يصطدم الكثير من السكان وخاصة الطبقتين المتوسطة والفقيرة بالعراقيل في سبيل الحصول على مسكن جراء الأسعار الخيالية، والتي كانت نتائج سياسات تخطيط خاطئة على مدار عقدين، فضلاً عن استشراء الفساد.
وعن دور هذه المجمعات السكنية بالحد من أزمة السكن في العراق، يقول المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان، استبرق صباح، أن "هناك قرابة 190 ألف وحدة سكنية في مدن (الجواهري وعلي الوردي والغزلاني) فقط، أما عند احتساب عشرات المدن الأخرى في باقي المحافظات الوسطى والجنوبية فإنها سوف تحد من أزمة السكن".
كما أن الحد من أزمة السكن لا يقتصر على المدن السكنية، بحسب صباح، بل هناك مجمعات سكنية تقوم بها دائرة الإسكان، وهناك آلاف القروض للبناء والترميم التي يصرفها صندوق الإسكان العقاري شهرياً، بالإضافة إلى آلاف القروض التي تُطلق من المصرف العقاري التابع لوزارة المالية شهرياً لشراء الوحدات السكنية.
وكان مجلس الوزراء العراقي قرر في الجلسة الاعتيادية العاشرة التي عقدت بتاريخ 7 آذار 2023، تشكيل فريقاً رفيع المستوى لوضع الحلول لإنهاء أزمة السكن في البلاد، مع مراعاة الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل.
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني قد أكد في 8 تشرين الثاني 2022، على أهمية تنفيذ مدن جديدة مخدومة، تتمتع بالبنى التحتية وفق نموذج اقتصادي والتزامات بين الحكومة والمواطن، وعدم الاكتفاء بتوزيع قطع أراضٍ تفتقر للخدمات وتنتج مدناً مشوهة.
ومع الأزمة التي انفجرت خلال السنوات الماضية بسبب العدد الهائل من السكان العراقيين وازديادهم سنة بعد أخرى وصل سعر المتر السكني الواحد في المناطق الشعبية إلى ألف دولار على رغم افتقارها لاهم الخدمات الأساسية.
في الاطار ، كشف المتحدث باسم وزارة التخطيط الاتحادية عبد الزهرة الهنداوي ان حجم الوحدات السكنية التي يحتاجها العراق لتجاوز أزمة السكن المزمنة يتجاوز 3 ملايين وحدة سكنية.
وقال الهنداوي ، أن هذا العجز بعدد الوحدات السكنية "جاء نتيجة لعقود طويلة من الحروب بدأت ثمانينيات القرن الماضي وزادت خلال مدة فرض الحصار الاقتصادي (1990-2003)، ثم تفاقمت خلال العشرين عاماً الماضية".
وبحسب الهنداوي "لم يكن هناك خلال تلك الفترة مشاريع كبيرة تلبي حاجة المواطنين من السكن كما لم يتم توزيع قطع أراض أو وحدات سكنية، مقابل زيادة كبيرة في معدلات نمو السكان لتتفجر لدينا أزمة سكن هائلة تقض مضاجع العراقيين"
فيما انتقد الباحث الاقتصادي بسام رعد سياسات الإسكان التي لا تزال عاجزة عن ردم الفجوة بين العرض والطلب، وما زال العجز في قطاع الإسكان مرتفعاً ويقدر بأكثر من 3 ملايين وحدة سكنية، إضافة إلى قلة الأراضي السكنية المخدومة القابلة للتوزيع والبناء.
وعلى رغم التوجه للاستثمار في هذا القطاع من خلال منح إجازات استثمارية لبناء مجمعات سكنية، فإن أسعار السكن في تلك المجمعات بلغت أرقاماً خيالية بالنسبة إلى الطبقة المتوسطة والفقيرة في حين أنها كان من المفروض أن تكون بأسعار معقولة وميسرة، وفق مايؤكد رعد.
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار ملایین وحدة سکنیة الوحدات السکنیة عات السکنیة أزمة السکن فی العراق سکنیة فی السکن فی
إقرأ أيضاً:
المخللات في وجه تغير المناخ.. كيف تقلل من هدر الطعام؟
يعد هدر الطعام واحدا من أكبر التحديات البيئية التي نواجهها. فمع تزايد الإنتاج الغذائي العالمي، يُهدر نحو ثلث الطعام المنتج في العالم، مما يتسبب في ضياع موارد طبيعية هائلة ويزيد من الضغوط على البيئة، لا سيما وأن هدر الطعام أحد الأسباب الرئيسية لتغير المناخ. لكن قد تساهم عملية "التخليل" في تقليل الأزمة.
ويمثل هدر الطعام نحو 8-10% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة العالمية. فعملية التخلص من الطعام في المكبات تؤدي إلى انبعاث غاز الميثان، الذي يعد من أقوى غازات الدفيئة، مما يزيد من ظاهرة الاحترار العالمي.
كذلك يتطلب إنتاج الطعام كميات هائلة من المياه والطاقة والأراضي. عندما يُهدر الطعام، تُهدَر جميع هذه الموارد، مما يؤدي إلى زيادة الضغط على الأنظمة البيئية والموارد الطبيعية المحدودة في كوكب الأرض.
ووفق أحدث إحصائيات الأمم المتحدة، أهدرت الأسر في جميع القارات أكثر من مليار وجبة يوميا عام 2022، في حين تضرر 783 مليون شخص من الجوع، وواجه ثلث البشرية انعدام الأمن الغذائي، في وقت لا يزال هدر الأغذية يضر بالاقتصاد العالمي، ويؤدي إلى تغير المناخ وفقدان الطبيعة والتلوث.
وفي العالم العربي، يفيد تقرير "مؤشر هدر الطعام" لعام 2024، أن الدول الأعلى دخلا هي الأقل هدرا للطعام. فكمية الطعام المهدور في قطر والسعودية تقارب 100 كيلوغرام للشخص الواحد سنويا، وهي في حدود 130 كيلوغراما في العراق ولبنان، بينما تتجاوز 170 كيلوغراما في سوريا وتونس ومصر.
ولعل ذلك ناشئ عن توافر الإنتاج الغذائي المحلي في معظم الدول العربية الأقل دخلا، وما يرافق ذلك من انخفاض الأسعار وصعوبات تصريف المنتجات ومشكلات النقل والتخزين، وفق مجلة "آفاق البيئة والتنمية".
إعلانوتعتبر الولايات المتحدة واحدة من أكبر الدول المنتجة لهدر الطعام. ووفقا للإحصائيات، يُعتبر الطعام المهدور من أكثر المواد التي تُرسل إلى مكبات النفايات، إذ يشكل نحو 24% من إجمالي النفايات الصلبة في البلاد.
كما تشهد الدول النامية، وخاصة في أفريقيا وآسيا، هدرا في الغذاء يحدث في مراحل الإنتاج والتوزيع بسبب ضعف البنية التحتية، بما فيها نقص التخزين والتبريد.
حل قديم لمشكلة جديدةوقد بدأت عملية التخليل، التي كانت تستخدم عبر التاريخ لحفظ الطعام، تكتسب شهرة جديدة كحل فعال لمكافحة هدر الطعام.
والتخليل هو عملية تحويل المواد الغذائية باستخدام الكائنات الدقيقة مثل البكتيريا والخمائر لتحويل الطعام إلى منتجات محفوظة ذات مدة صلاحية أطول.
ويقدم تخليل الطعام حلا مستداما يحول بقايا الطعام إلى منتجات غذائية ذات قيمة عالية وفوائد صحية. إذ يمكن تحويل الخضروات أو الفواكه المتضررة من النضوج إلى مخللات لذيذة، بينما يمكن تحويل بقايا الخبز إلى خميرة لإعداد أطعمة جديدة.
كذلك فإن قدرة التخليل على الحفاظ على الطعام فترات أطول دون الحاجة إلى استخدام الثلاجات أو المواد الحافظة الكيميائية تجعله حلا مناسبا لخفض الانبعاثات.
وأثناء عملية التخمير، تتحول المركبات المعقدة في الطعام إلى مركبات أبسط، مما يعزز قيمته الغذائية.
فالأطعمة المختمرة غنية بـ"البروبيوتيك"، وهي بكتيريا مفيدة تدعم صحة الأمعاء، مما يجعلها خيارًا صحيًا لأولئك الذين يسعون إلى تحسين نوعية غذائهم.
وفي المطبخ العربي، تُعتبر المخللات جزءا أساسيا من الوجبات اليومية، وتُستخدم للحفاظ على الخضروات والفواكه الزائدة بطريقة طبيعية وصحية. ومن أبرزها مخللات اللفت والثوم والفلفل الحار والزيتون وغيرها.
وفي المطبخ الآسيوي، تستخدم تقنيات مختلفة لحفظ الطعام وتعزيز نكهته. ومن أشهرها الكيِمشي الكوري، وهو مزيج من الملفوف والخضروات. إضافة إلى مخلل الزنجبيل الياباني الذي يقدم عادة مع السوشي.
إعلانكما يمكن تخليل أنواع من اللحوم. ففي الصين، يعتبر اللحم المخلل من الأطباق التقليدية في بعض المناطق، حيث يُحفظ في محلول من الملح والخل فترات طويلة.
ولا يقتصر التخليل فقط على تقليل الهدر البيئي، بل يمكن أن يلعب دورا مهما في تعزيز الأمن الغذائي.
ففي العديد من الدول التي يعاني الناس فيها من نقص في الوصول إلى غذاء آمن، يمكن أن يوفر التخليل وسيلة لحفظ المحاصيل المحلية وتحويل الفائض إلى منتجات غذائية يمكن تخزينها فترات أطول.
ويعد التخليل ممارسة مستدامة لمكافحة تغير المناخ بالمحافظة على الموارد الغذائية وتغيير عادات استهلاك الطعام.