الملازم أول بالجيش السوداني سابقا، محمد صديق ، تعرض للتعذيب والتنكيل؛ ومن ثم تمت تصفيته بدم بارد، في مخالفة لكل قواعد الاشتباك في الحروب بحماية الأسرى

التغيير:خاص

أثار مقتل الملازم أول محمد صديق بالجيش السوداني سابقاً، على يد قوات الدعم السريع ردود فعل واسعة على مستوى منصات التواصل الاجتماعي والقنوات الإخبارية الإقليمية خاصة بعد ظهوره أسيراً يُعامل بطريقة غير لائقة، ويُصفع على الوجه من قبل عنصر يتبع لقوات الدعم السريع، عندما أجاب على سؤال عن رأيه في “الجاهزية” في إشارة إلى الدعم السريع؛ بقوله من “ياتو ناحية”.

لمع اسم الضابط الشاب أثناء اعتصام الثوار أمام القيادة العامة للجيش، وكان يُحمل على الأعناق، إذ اشتهر بعبارة “مخالف سعادتك” حينما انحاز للثوار، ولم ينفذ أوامر ضربهم وتفريقهم. ولكن السؤال ما الذي جعل الملازم أول محمد صديق ينتقل من موقف الانحياز لثورة عنوانها “السلمية” إلى الانخراط في حرب وصفها كثير من المراقبين ومناصري ثورة ديسمبر بأنها ” حرب لتصفية الثورة” وأعنف حلقة من حلقات “الثورة المضادة”؟

هذا السؤال يفتح الباب لتساؤلات حول تعريف كثير من الثوار للثورة وأهدافها وأركانها على خلفية انضمام بعض عناصر لجان المقاومة للقتال خلف الجيش وبعضهم خلف الدعم السريع.

وطالب المعزون الذين التقاهم قائد الجيش “عبد الفتاح البرهان” مساء الثلاثاء في منزل أسرة محمد صديق، بالمتمة، بالثأر، وهتفوا قائلين “الثأر  الثأر يا برهان” “دي مسؤوليتك يا برهان”. وقام قائد الجيش بجولة للتعزية في الشهداء الذين سقطوا في متحرك الجيلي حيث قام بالتعزية أيضا في رائد شرطة “نعيم محمد عبد الرحمن” والرائد “عبد الله عتار” بحسب الصفحة الرسمية لمجلس السيادة الانتقالي على الفيسبوك.

لكن ما أثار تعليقات رواد منصات التواصل تفنيد قائد الجيش بصورة غير مباشرة لعبارة الشهيد “الرهيفة تنقد”، فعندما هتف بعض المعزيين بها رد عليهم البرهان بأنه لا يوجد لدينا مكان “رهيف”!

اتصال بين البرهان ومحمد صديق

وكان البرهان اتصل بالملازم محمد صديق مطالبا إياه بالعودة للخدمة بعد إحالته للتقاعد في العام 2020 وفق تصريحات أدلى بها لقناة الجزيرة مباشر، فيما وصف الشهيد اتصال البرهان بأنه تم تحت الضغط! وكان الثوار قد خرجوا في مواكب احتجاجية على قرار إحالته للمعاش! واتهم الشهيد في هذا اللقاء الجيش بأنه تسيطر عليه الحركة الإسلامية!

وكانت القوات المسلحة أحالت الملازم أول محمد صديق للمعاش في مطلع العام 2020 على خلفية مساندته للثوار أمام القيادة والتزامه بحمايتهم، لكنها قالت في بيان بتاريخ 19 فبراير 2020 إن قرارها جاء عقوبة لمنسوبها الذي خالف اللوائح وقوانين الخدمة بالقوات المسلحة مشيرة إلى حادثة اعتدائه على قسم شرطة بمنطقة الحاج يوسف.

وخرج الشهيد في عدد من اللايفات على منصات التواصل الاجتماعي يسرد خلالها تفاصيل ما حدث، وهي طريقة لم تكن معتادة من منسوبي القوات النظامية خاصة الجيش. الأمر الذي يبدو أنه ضرب إسفينا بينه وبين القيادات العسكرية في القوات المسلحة.

الجيش يرفض انضمامه

وبعد اندلاع حرب ال 15 من أبريل ظهر الملازم أول معاشي محمد صديق مرة أخرى على منصات التواصل الاجتماعي، وحكى خلال تسجيل بثه الرفض المتكرر من القيادات العسكرية لمحاولاته المستميتة للالتحاق مرة أخرى بصفوف الجيش من أجل الدفاع عن الوطن مؤكدا صده مرتين، الأولى حدثت صبيحة اندلاع حرب الجيش والدعم السريع، حيث سلم نفسه لقيادة الفرقة السابعة ومقرها قرب القيادة العامة للجيش حيث قال له اللواء معتصم مدير فرع قسم الضباط إنهم يسيطرون على الموقف، وطالبه بالعودة لمنزله واعدا الاتصال به حال كانت هناك حوجة.

وقال الشهيد في التسجيل إنه انتقل إلى مدينة المتمة حيث تعود أصوله، وعاد مرة أخرى لتسليم نفسه للخدمة بعد أن أطلقت القوات المسلحة نداء لمعاشيي الجيش للانضمام والقتال في صفوفها حيث فعل ذلك في منطقة وادي سيدنا، وانتظر 9 أيام قبل أن يتم إبلاغه بإرسال إشارة، ولم تتم الموافقة على انضمامه “للطابور”!

أعرب محمد صديق عن غضبه في ذلك التسجيل، وقال إنه احتج لدى رئيس الشعبة وقتها، وأخبره بأنهم لا يملكون صكوك الوطنية لتوزيعها على من يشاؤون في إشارة منه لقبولهم بعدد من المعاشيين الذين سلموا أنفسهم، وانخرطوا في صفوف القوات المسلحة!

من ملازم لمستنفر

لكن هذا الصدود الذي تمت مواجهة صديق به لم يثنه عن قراره في المشاركة في المعركة، وظهر في تسجيل في نهايات شهر ديسمبر من العام الماضي أقسم فيه بأنه سيتحرك لتحرير الجيلي حتى وإن فعل ذلك بمفرده! وهو الأمر الذي وفق مصادر من المنطقة أنه قام بتنفيذه بالتوجه نحو الجيلي ورافقه وقتها والده الذي رفض تركه بمفرده، لكن تمت إعادته من قبل الجيش!

وكان الملازم أول معاشي محمد صديق قضى وقتا طويلا في معسكر المعاقيل بمدينة شندي يدرب المستنفرين بعد أن انضم بصفته “مجاهدا” و”مستنفرا” وفق ما ذكره في تسجيل على مواقع التواصل الاجتماعي. قبل أن يشارك في معركة الجيلي التي أسر فيها، ثم تمت تصفيته.

أسر.. تعذيب ثم قتل

وقال مصدر عسكري ضمن القوة التي كان يعمل معها محمد صديق لـ«التغيير»، إن “الشهيد ملازم أول محمد صديق” كان ضمن قوة مرتكزة شمال شرق مصفاة الجيلي وحدثت معركة شرسة مع قوة من المليشيا، وتم أسره واستشهد في المعركة ضابط برتبة رائد يتبع لقوات الاحتياطي المركزي”.

وأضاف ذات المصدر أن “الملازم أول محمد صديق تعرض للتعذيب والتنكيل؛ ومن ثم تمت تصفيته بدم بارد، في مخالفة لكل قواعد الاشتباك في الحروب المتعلقة بحماية الأسرى، وهذا سلوك أصيل لدى المليشيا التي توثق بنفسها لكل جرائمها، وقد بثت فيديو فيه محمد صديق أسير وفيديو آخر وهو قتيل ما يؤكد جريمة تصفيته”. وأكد المصدر أن الملازم أول محمد صديق كان يعمل تحت إمرة القوات المسلحة، وسلم نفسه لقيادة الفرقة الثالثة شندي ضمن المستنفرين الذين يشاركون مع القوات المسلحة في المعارك ضمن قوة مشتركة، ولا يخوضون أي معركة بشكل منفرد، ويتلقى جميع تعليماته حتى استشهاده من قيادة الفرقة الثالثة مشاة.

تحولت العبارة التي قالها محمد صديق في الأسر “من “ياتو ناحية” لوسم متداول على منصة (X) وناشد منبر المغردين السودانيين عبر تغريدة شرفاء الضباط والجنود بالانحياز للشعب

من ياتو ناحية

وعلى الرغم من رفض الشهيد سيطرة الكيزان على القوات المسلحة في تصريحاته لقناة الجزيرة؛ إلا أن رفضه للتفاوض وتبنيه لعبارة “بل بس” وفق ما جاء في تسجيله على المنصات الاجتماعية جعل البعض يتهمه بالعمل مع كتيبة البراء بن مالك التابعة للتنظيم الإسلامي.

لكن مصدرا مقربا من الشهيد قطع بأنه لا علاقة له بكتائب الإسلاميين مشددا على عدم تواجدهم في منطقة شندي!

وتحولت العبارة التي قالها محمد صديق في الأسر “من ياتو ناحية” لوسم متداول في منصة (X) وناشد منبر المغردين السودانيين عبر تغريدة شرفاء الضباط والجنود بالانحياز للشعب ” إلى الضباط وجنود الصف الشرفاء في القوات المسلحة ما زلنا نعقد الأمل الكبير بأن تنتصروا لنداء الواجب والضمير في الانحياز لشعبنا والقضاء على من مرغوا أنف جيشنا بالتراب وصفعات الجنجويد.”

مخالفة اتفاقية جنيف

قطع المحامي عبد الباسط الحاج بمخالفة قوات الدعم السريع للمادة الثالثة من اتفاقية جنيف بشأن معاملة الأسرى.مشيراً إلى عدم إمكانية التهاون بها أو إسقاطها في حالات النزاع المسلحة ذات الطبيعة غير الدولية، وتتمثل تلك الحقوق في عدم الاعتداء على حياة الأسير وسلامته البدنية وبشكل خاص القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب. كما حظرت المادة الاعتداء على الكرامة الشخصية للأسير وحظر المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة الإنسانية.

وقال الحاج  لـ«التغيير»: بالمفهوم القانوني فإن محمد صديق يعتبر أسير حرب قد ألقى سلاحه، وأصبح لا يشكل تهديدا مباشرا في ساحة المعركة وعاجزا عن القتال، أو استسلم بطوع إرادته مع زملائه من الجنود؛ وبالتالي كان يجب على الدعم السريع التقيد باتفاقية جنيف والحفاظ على سلامة الأسرى، وعلى أرواحهم “هذا حق لا يمكن إسقاطه لأي سبب من الأسباب”.

وأضاف: لكن للأسف قامت الدعم السريع بإهانة الأسري والحط من كرامتهم و من ثم قتلهم وتصوير جثثهم بشكل مشين ومهين وهو مجرم في القانون الدولي الإنساني، وتعتبر جريمة حرب تستوجب المحاسبة، ولا تسقط بالتقادم.

وأكد القانوني إنه بحسب متابعته لأوضاع حقوق الإنسان ومدى الالتزام بها أثناء المعارك، فإن الدعم السريع لديه سجل عريض من الانتهاكات الفظيعة والخطيرة التي جرمها القانون الدولي عموما بدءا من الجرائم التي ارتكبها الدعم السريع في الجنينة وغيرها من مدن دارفور، مرورا بالخرطوم وحاليا داخل ولاية الجزيرة وقراها التي تشهد استهدافا متعمدا للمدنيين، والتي تمثل في مجملها جرائم ضد الإنسانية يتحمل مسؤوليتها الدعم السريع متمثل في قادة أولئك الجنود والقيادة العليا.

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الملازم أول محمد صدیق التواصل الاجتماعی القوات المسلحة منصات التواصل الدعم السریع على من

إقرأ أيضاً:

تقدم الجيش السوداني في دارفور هل يغير معادلات الحرب في السودان؟ ؟

 

 

عوامل عسكرية وسياسة ولوجيستية عدة تضافرت في وقت سابق لصالح قوات الدعم السريع مكنتها من السيطرة على أكبر وأهم القواعد العسكرية في إقليم دارفور، وأدت حينها إلى انسحاب شبه كامل للجيش من هذه الأقاليم الملتهبة بالنزعات المسلحة، غير أن المعادلات الميدانية وبعد نحو 20 شهرا على الصراع تغيرت غداة استعاد الجيش سيطرته على قواعد عسكرية ومطارات استراتيجية في غرب دارفور يمكن اعتبارها بداية لطريق طويل يحتاجه السودان لوضع نهاية للحرب.

الثورة / أبو بكر عبدالله

بعد النجاحات التي حققها مؤخرا باستعادة السيطرة على أجزاء من العاصمة الخرطوم فاجأ الجيش السوداني الجميع بإحرازه تقدما نوعيا في إقليم دارفور بعد عملية عسكرية أفلحت في طرد قوات الدعم السريع من اهم قواعده العسكرية الاستراتيجية الخاضعة لسيطرتها منذ نحو 20 شهرا.
العملية التي قادها الجيش السوداني بمساندة العديد من الفصائل الشعبية المسلحة تكللت باستعادة السيطرة على منطقة “وادي هَوَر” والعديد من القواعد العسكرية بما فيها قاعدة الزُرُق الاستراتيجية ومطارها الحربي بولاية شمال دارفور، فيما اعتبر تطورا مهما في مسار الحرب لمصلحة الجيش الذي بدأ يستعيد زمام السيطرة على مناطق مترامية من هذا البلد الغارق في حرب أهلية أوقعت آلاف القتلى والجرحى وشردت وما يزيد عن 14 مليون نازح ولاجئ بداخل السودان وخارجه.
الجديد في هذه العملية أنها تمت في إطار تحالف بين الجيش السوداني وقوى شعبية وقبلية يقودها حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، تحت مظلة ” القوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح” وهو تحالف عسكري يضم عددا من الحركات المسلحة بدارفور ومتطوعين بقيادة الجيش السوداني.
اكتسبت العملية أهميتها من النتائج التي خلصت اليها حيث أعلن الناطق باسم القوات المشتركة، استعادة السيطرة على قواعد عسكرية تابعة لقوات الدعم السريع في بئر مرقي، وبئر شَلة ودُونكي مجور وبئر جبريل ودُونكي وخائم، وصولا إلى قاعدة الزُرق العسكرية فضلا عن طرد قوت الدعم السريع من 5 مطارات عسكرية، بعد معارك أوقعت مئات القتلى والجرحى من الجانبين.
وهذه المواقع الاستراتيجية التي تتصدرها قاعدة “الزُرق” العسكرية بولاية شمال دارفور، كانت تمثل أكبر المراكز العسكرية واللوجستية لقوات الدعم السريع التي تخوض صراعا مسلحا مع قوات الجيش السوداني منذ أبريل عام 2023م، كما كانت تُمثل المصدر الرئيسي لإمداد قواتها المنتشرة في سائر مناطق ومدن أقاليم دارفور.
تغير المعادلات
حتى وقت قريب كانت قوات الدعم السريع هي المتحكم الرئيسي في معظم مدن إقليم دارفور حيث تمكنت منذ بدء الصراع المسلح في أبريل 2023م من بسط نفوذها على أجزاء واسعة من أقاليم دارفور الأربعة، مستفيدة من تكتيكاتها العسكرية وعلاقاتها المحلية وحاضنتها الشعبية.
طبقا لذلك ظلت هذه القوات مسيطرة على مناطق غرب دارفور التي تعد المعقل الرئيسي لها، كما حافظت على سيطرتها على معظم مناطق ولاية جنوب دارفور وأجزاء كبيرة من ولاية وسط دارفور وولاية شرق دارفور، وكذلك ولاية شمال دارفور سوى مدينة الفاشر عاصمة الولاية الخاضعة لسيطرة الجيش والتي لا تزال المعارك مستمرة فيها حتى اليوم بين قوات الدعم السريع والقاعدة العسكرية المتمركزة في مدينة الفاشر والتابعة لقوات الجيش.
يمكن هنا الإشارة إلى عدة عوامل ساعدت قوات الدعم السريع على فرض سيطرة عسكرية شبه كاملة على هذه الأقاليم، أبرزها تكتيكات حرب العصابات التي اتبعتها في هجماتها على المواقع الخاضعة لسيطرة الجيش والتي اعتمدت على السرعة والمباغتة وخلق فوضى في صفوف قوات الجيش النظامي.
زاد من ذلك الخبرة الميدانية لقوات الدعم السريع في معرفة تضاريس إقليم دارفور بالتوازي مع ضعف خبرات الجيش للتعامل العسكري في هذه المناطق وضعف دفاعاته العسكرية ومعاناته المزمنة في التمويل والإمداد وهي المشكلات التي ساعدت قوات الدعم السريع في تحقيق انتصارات سهلة مكنتها من السيطرة على اغلب مناطق الإقليم.
لكن المشهد بدا أنه تغير كثيرا في الآونة الأخيرة بعد أن أفضت جهود مجلس السيادة الانتقالي بزعامة قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، إلى إعادة هيكلة المراكز القيادية للجيش وتعيين قيادات ميدانية ذات كفاءة بالتوازي مع استدعاء الجيش قوات الاحتياط وإعلانه التعبئة العامة في صفوف سكان المدن والقبائل الموالية وكذلك التحالفات القبلية التي نجح الجيش في إقامتها مع القبائل المحلية وخصوصا التي تعيش حالة خصومة أو عداء مع قوات الدعم السريع وهي عوامل ساهمت في استعادة الجيش زمام المبادرة وإدارة العمليات العسكرية بصورة أكثر كفاءة.
وعلاوة على معطى التفوق الجوي بدا أن الجيش السوداني تأقلم بسرعة مع حرب العصابات وهو الأمر الذي ظهر بوضوح في تحركات الأخيرة التي اعتمدت على تكتيكات عسكرية جديدة مثل الحصار والهجمات المباغتة، واستغلال نقاط الضعف لدى الخصم والدفع بوحدات عسكرية مدربة تدريبا عاليا وذات خبرة بالحروب التقليدية والتركيز على فرض السيطرة على المدن الكبرى والطرق الرئيسية، وهي عوامل أدت ضمن عوامل أخرى إلى إفقاد قوات الدعم السريع زمام السيطرة وتحويلها إلى كانتونات محاصرة وحبسيه بعيدة عن خطوط الإمداد.
غير بعيد عن ذلك الضعف الذي اعترى قوات الدعم السريع بعد أن أدت الحرب إلى استنزاف لقدراتها العسكرية والبشرية وتكبدها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد نتيجة العمليات العسكرية المكثفة لقوات الجيش في ظل خسارتها للدعم الشعبي نتيجة الانتهاكات التي ارتكبتها بحق المدنيين والتي برزت مؤخرا كواحدة من أهم القضايا الإنسانية في تقارير منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية.
أهمية استراتيجية وصعوبات
تُعتبر القواعد العسكرية والمطارات في إقليم شمال دارفور وفي صدارتها قاعدة الزُرق العسكرية من المواقع المهمة نظرا لموقعها الاستراتيجي الهام في غرب السودان وهي منطقة حدودية تربط بين السودان ودول أخرى مثل تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبا، وكانت خلال الشهور الماضية من أكثر المناطق التي تغذي قوات الدعم السريع بالسلاح والذخائر والمرتزقة.
أسس الجيش السوداني هذه القاعدة قبل عقود لتكون مركزا متقدما يمكن من خلاله مراقبة الحدود ومنع التسلل وتهريب الأسلحة والمخدرات، كما جهزها بمنشآت جوية تتيح للقوات المسلحة السودانية خطوط الإمداد الجوي وتنفيذ عمليات مراقبة جوية وعمليات عسكرية مباغتة.
وقد لعبت هذه القواعد العسكرية مدى العقود الماضية دورا محوريا في النزاعات الداخلية الطويلة التي خاضها الجيش السوداني مع الحركات المسلحة مثل حركة تحرير السودان وحركات أخرى، حيث مثلت نقاط انطلاق لعمليات الجيش العسكرية ضد هذه الحركات، كما لعبت دورا مهما في تأمين الطرق الحيوية والممرات المنتشرة في إقليم دارفور التي تربط بين شرق السودان وغربه، فضلا عن أهميتها في تأمين طرق نقل البضائع والإمدادات.
واستعادة الجيش السوداني السيطرة على هذه القواعد بمطارات عسكرية سيعمل على تعزيز قدراته في السيطرة المركزية على المنطقة التي تشهد نزاعات وتوترات عرقية وقبلية بصورة مستمرة.
السبب في ذلك أن السيطرة على هذه القاعدة تتيح للطرف المسيطر مزايا عسكرية مهمة مثل المراقبة والتحكم بخطوط الدعم اللوجستي، وشن الهجمات الاستباقية وأكثر من ذلك السيطرة على خطوط الإمداد وهي ميزات قد تتيح للجيش السوداني استخدامها كنقطة انطلاق لعمليات أوسع في كل أقاليم دارفور الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع في الوقت الراهن.
خطوة في طريق طويل
رغم أن السيطرة على هذه القواعد بمطاراتها الجوية ومستودعاتها التسليحية مثل إنجازا عسكريا كبيرا ومهما للجيش إلا أنه يبقى خطوة أولى في طريق طويل، إذا ما نظرنا إلى الجغرافيا الشاسعة لأقاليم دارفور الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، ما يجعل هذه الخطوة غير كافية لفرض السيطرة الكاملة للجيش على الإقليم أو طرد قوات الدعم السريع من المناطق التي يسيطر عليها بصورة كاملة في المدى القريب.
وإمكانية محافظة الجيش على هذا الإنجاز تبدو صعبة في الوقت الراهن وتحتاج إلى كلفة وجهود كبيرة من قوات الجيش السوداني الذي يبدو منهكا، ومشتتا في حرب مشتعلة بجبهات عدة.
والمعادلة الثابتة في دوامة الصراع بإقليم دارفور تمكن في الاعتماد على التحركات السريعة وحرب العصابات، وهو ما يُعدّ ميزة لقوات الدعم السريع التي تمتلك خبرة كبيرة في قتال حرب العصابات ولا سيما في التضاريس الصحراوية.
والأمر الآخر هو الاعتماد على دعم المجتمعات المحلية والقبائل وهي ميزة تحظى بها قوات الدعم السريع التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع العديد من القبائل في دارفور.
هذان العاملان ربما يعقدان من مهمة الجيش السوداني في ف المضي بخطة استعادة السيطرة الكاملة على الإقليم في ظل احتياج الجيش السوداني لاستراتيجية كاملة، واحتياجه الملح لتحييد الدعم المحلي الذي تحظى به قوات الدعم السريع حاليا.
ومن الناحية الميدانية يصعب الركون على التجهيزات التي تمتلكها القواعد العسكرية التي استعاد الجيش السيطرة عليها بما فيها قاعدة “الزرق” في ظل التقارير التي تحدثت عن ان المواجهات الأخيرة أدت إلى تدمير أجزاء كبيرة منها، واحتياج بعضها إلى الإصلاح والصيانة بعد أن ظلت لأكثر من 20 شهرا على خارج سيطرة الجيش بما يجعلها غير مجهزة للتصدي للهجمات المباغتة لقوات الدعم السريع وافتقادها على عامل الاستقرار من الناحية التكتيكية في ظل التوترات المستمرة في أقاليم دارفور.
عناصر مهمة
ما يخشى منه أن الجيش السوداني وفي ظل عمليات التعبئة الواسعة لن يكون قادرا على نشر قوات كافية في هذه القواعد العسكرية ومطاراتها ومنافذها الواسعة ما قد يجعلها عرضة لهجمات واسعة من قوات الدعم السريع التي يمكنها أن تجند الآلاف من رجال القبائل لاستعادة السيطرة عليها.
ومعروف أن نقص القوى البشرية والإمدادات اللوجستية ساهما في فقدان الجيش السيطرة على هذه القواعد في الشهور الأولى للحرب، وهي مشكلة لا تزال قائمة في ظل انشغال الجيش السوداني في تأمين الكثير من جبهات التوتر المترامية في أنحاء السودان ومساعيه لتركيز جهوده في تأمين ولاية الخرطوم وإنهاء أي تواجد لقوات الدعم السريع فيه.
يزداد الأمر خطورة في ظل العلاقات الودية القوية التي تربط قوات الدعم السريع مع بعض القبائل المحلية في دارفور، وهي الميزة التي تمنحها فرص مثالية للترصد والحصار وشن الهجمات والحصول على المعلومات وتركيز العمليات الهجومية.
والمؤكد أن الجيش السوادان يحتاج اليوم إلى تعزيز التحصينات والدفاعات والتنسيق الاستخباراتي وإعادة توزيع القوات بشكل بما يُغطي المناطق الحيوية كما انه يحتاج بصورة ملحة للغاية إلى تحسين علاقاته مع القبائل هناك وتقويض نفوذ قوات الدعم السريع فيها.
هنا يتعين الإشارة إلى أن الدعم الإقليمي والدولي لا يزال يمتلك القول الفصل في معادلة استعادة الجيش السوداني السيطرة على هذه المناطق، حيث من الخطأ التعاطي مع الواقع الراهن بكونه صراعاً داخلياً، والمؤكد أن له أذرع متداخلة محلية وإقليمية ودولية، وهو ما بدا واضحا في الدعم الذي حصلت عليه قوات الدعم السريع وقوات الجيش والذي كان له آثر بالغ في تغيير معادلات الصراع.
وحيال ذلك يتعين على مجلس السيادة الانتقالي التحرك بشكل واسع لتفعيل الضغوط الدولية الهادفة إلى منع تدفق الأسلحة إلى قوات الدعم السريع، وهو أمر سيقود بلاشك إلى إضعافها وبالتالي تقليص مساحات الصراع ومداه الزمني.
ومع ذلك يبقى العامل الداخل هو الأهم، والرهان ينصب اليوم على قيادة الجيش في القدرة على تنظيم القوات ونشرها وضمان خطوط امدادها، وكسب دعم القبائل المحلية وأكثر من ذلك تبني استراتيجيات جديدة عسكرية وسياسية لإدارة هذه المناطق وابقائها بعيدة عن نفوذ أي جماعات متمردة.

مقالات مشابهة

  • سياسي أنصار الله: القوات المسلحة جاهزة للرد السريع على العدوان الإسرائيلي
  • رئيس أركان حرب القوات المسلحة يتفقد جاهزية قوات الصاعقة ويشيد بكفاءتها القتالية
  • قيادة قوات الدفاع الشعبي والعسكري تنظم زيارة لمدرسة الشهيد أحمد أبوبكر العسكرية بالسلام
  • ???? دخول المشتركة للزرق هو بمثابة إزالة للغموض ونزع للسحر عن مليشيا الدعم السريع
  • تقدم الجيش السوداني في دارفور هل يغير معادلات الحرب في السودان؟ ؟
  • اشتباكات عنيفة بين الجيش والدعم السريع بالخرطوم ودارفور
  • الجيش السوداني والقوة المشتركة تستردان مناطق جديدة من الدعم السريع والإستيلاء على مخزون ذخائر وأسلحة ومركبات قتالية
  • كنداكة الثورة السودانية تتحدث عن الثورة والانقلاب وانتهاكات الدعم السريع
  • الجيش السوداني يعلن مقتل العشرات من «قوات الدعم السريع»
  • محافظة مأرب تشهد وقفات قبلية نصرة لغزة واستعداداً لمواجهة العدو