حنان أبوالضياء تكتب عن: سينما نهاية العالم... النضال السياسى والاغتصاب النفسى والجسدى فى كان
تاريخ النشر: 24th, May 2024 GMT
فى مهرجان «كان»... أنت أمام سلسلة من الافلام تناقش الدمار الذى سببه الإنسان، الملىء بلقطات حميمة ولكنها غير كاشفة.. وسينما ذات نظرة جميلة وبعيدة عن كيفية تطابق العالم المحيط بنا بأحداث السينما التى يقدمها مبدعوه. سينما تعشق الربط المباشر بين نهاية العالم والنضال السياسى والاغتصاب النفسى والجسدى. فى مونتاج مرعب للعالم بسينما لها من قوة تأثير اللحظة على ما نعيشه وما سيحدث مستقبلا قدمت من خلال مهرجان كان 2024.
إننا فى فيلم الماس البرى «Wild Diamond»أمام الدراما المؤثرة الواقعية الاجتماعية المحبطة والكثير مما يمكن قوله عن السعى وراء الشهرة وتكلفة الشهرة. إننا مع ليان البالغة من العمر 19 عامًا التى أتقنت فن إعداد نفسها للإنترنت. فى تسلسل واحد، نشاهدها وهى تستعد إنها تحدد وجهها بدقة. تضع غطاءً حول شفتيها لتجعلها أكثر سمنة. تضغط قدميها على كعبين شاهقين منقوشين بالجواهر الممزقة من القمصان فى المركز التجارى حيث تسرق المتاجر. كل هذا يصبح مفيدًا عندما تتاح لها فرصة تجربة أداء برنامج تليفزيونى يسمى «Miracle Island».. فى إحدى اللقطات، تظهر الكاميرا ليان وهى تقف أمام ممثل من شركة الإنتاج، للإجابة عن أسئلة حول الإجراءات التى قامت بها، (لقد وفرت المال من وظيفتها كنادلة لتكبير ثدييها). أخبرتها المرأة أنهم لا يريدون «الأشياء الجيدة».
بذلت ليان كل ما فى وسعها لجعل جسدها جذابًا لالتقاط صور السيلفى. إنها ترغب فى الحب وحتى الكراهية التى تجدها على وسائل التواصل الاجتماعى - تظهر التعليقات على الشاشة فى مجموعة من النصوص المصممة ببراعة.. إنها ترتدى جلد نجمة ذات طابع جنسى مفرط - فهى تهدف إلى أن تكون كيم كارداشيان الفرنسية، مع ذلك تشعر بالقلق ليس فقط بسبب ظروفها ولكن عقلها. ترى نوع الشخصية التى يمكن أن تكونها فى مسلسل تليفزيونى لإثارة الرعاع، والدخول فى معارك مع صديقاتها، ومع ذلك فإنك تدرك أن انعدام الأمن يقودها فى كل خطوة. إنها مهووسة فى سعيها دون أن تدرك مدى عزلتها.
الأمر المؤسف هو قصة شبه رومانسية تشغل بعضًا من وقت ليان مع صبى (إيدير أزوقلي) عرفته من الحضانة عندما كانت فى الثالثة عشرة من عمرها. وهو الآن سائق دراجة نارية يعتبر نفسه فارسها الذى يرتدى درعًا لامعًا، ويرسم خطوطًا واهية تبدو أحيانًا تم الاستيلاء عليها، حتى لو لم تكن مهتمة به تمامًا. إنها مغازلة ضعيفة لا تثبت جاذبيتها إلا عندما تكشف عن شكوك ليان الشخصية. وبالمثل، فإن الفيلم يسلط الضوء على الصراع بين ليان ووالدتها (أندريا بيسكوند)، وهى فتاة لا تعمل بشكل جيد، لذا فهى متأخرة فى سداد الإيجار، وهى على وشك طرد عائلتها من منزلهم، وتعيش على سخاء الأسرة. لم نصل أبدًا إلى جذور التوتر بينهما بما يتجاوز نفور ليان من قيام والدتها بإحضار الرجال إلى المنزل. يتم تقليل غضبهم من بعضهم البعض إلى ديناميكيات الأم المتمردة وغير المسئولة تجاه أطفالها.
* المنشق السياسى إدوارد ليمونوف
تجربة للمخرج كيريل سيريبرينيكوف حيث تتحرك ملحمة البانك روك هذه بوتيرة قطار يخرج عن مساراته عبر موسكو ونيويورك وباريس ويعود إلى روسيا مرة أخرى، من بطولة بن ويشو فى أداء رئيسى يتوج مسيرته المهنية بصفته الشاعر البديل والمنشق السياسى إدوارد ليمونوف (الذى توفى عام 2020). استنادًا إلى رواية السيرة الذاتية للكاتب والصحفى الفرنسى إيمانويل كارير، يمتد فيلم «ليمونوف» فى الستينيات إلى ما يقرب من سيبيريا الحالية ليروى بإفراط طقوس قصة حياة المؤسس النهائى للحزب البلشفى الوطنى، الذى تزوج حركة شبابية يسارية متطرفة من الأيديولوجية الفاشية اليمينية المتطرفة. ولكن فى حين أن سياسات ليمونوف لا تنفصل عن مذهب المتعة المتحرر الذى كان عليه، فإن فيلم سيريبرينيكوف هو ملحمة رومانسية ممتعة بحتة أكثر من الغوص السياسى العميق، يشع بطاقة ثقافية مضادة تشبه سينما السبعينيات الحرة أكثر من فيلم فى عصره الحالى. وبالعودة إلى موسكو فى ستينيات القرن الماضى، عندما أُتيح لها الاختيار بين النفى إلى نيويورك أو أن تصبح مخبراً للشرطة السرية للكى جى بى، يتجه ليمونوف إلى الغرب. فى باريس، يلتقى بحب حياته الكبير الذى لا مفر منه، عارضة الأزياء إيلينا (فيكتوريا ميروشنيتشنكو)، فى حفلة مليئة بالدخان.
السيناريو، الذى يتحدث بالكامل باللغة الإنجليزية ويعطى «ليمونوف» نكهة دولية مناسبة لفيلم تجرى أحداثه فى الولايات المتحدة فى المقام الأول، ولكن من إنتاج إيطاليين وأخرجه روسى، لا يوفر مساحة كبيرة للشخصيات النسائية فى الفيلم، بما فى ذلك إيلينا. تتبع ليمونوف إلى مدينة نيويورك فى عام 1975، حيث يطاردون الحانات المظلمة والمنازل الإباحية ويمارسون الحب بجميع أنواعه.
يعانى فيلم «Limonov» من بعض المشكلات فى سرعة الوصول إلى النهاية، حيث يجد ليمونوف فى سجن سيبيريا قبل أن يعود إلى موسكو لتقديم آخر انتقاداته السياسية، والتى أصبحت أكثر وضوحًا لأن الفيلم كان مفعمًا بالحيوية والديناميكية حتى الآن.
* المرأة المتحولة جنسيا
لم يسبق لك أن شاهدت أبدًا فيلمًا موسيقيًا على الإطلاق عن التحول الجنسى يأخذ اساليب جريئة مثل فيلم «إميليا بيريز» لجاك أوديار. إنه المخرج الفرنسى البالغ من العمر 72 عامًا والمعروف دائمًا بالانغماس فى عوالم وأنواع أخرى بعيدة كل البعد عن عالمه كرجل أبيض من رابطة الدول المستقلة من أوروبا.. أوديار لا يعانى أبداً من نقص الرؤية أو الجرأة، وهذا يمتد إلى «إميليا بيريز» المكسيكية، بطولة كارلا صوفيا جاسكون فى دور المرأة المتحولة جنسياً، التى تخلت عن عائلتها بمساعدة محامية الدفاع المدنى ذات المؤهلات العالية ريتا (زوى سالدانا) ولكن بعد سنوات يريد استعادتهم.
إميليا، زعيمة عصابة سابقة تدعى مانيتاس فى مكسيكو سيتى، طلبت مساعدة ريتا فى العثور على طبيب لإجراء جراحة تأكيد جنسها ونقل عائلتها (بمن فى ذلك زوجتها التى تلعب دورها سيلينا جوميز) إلى سويسرا. على الرغم من أنه بحلول الوقت الذى تقابل فيه ريتا، كانت قد قضت عامين بالفعل فى العلاج بالهرمونات البديلة. بعد أربع سنوات من إخراج عائلة «إميليا» من المكسيك، تقابلها «ريتا» فى حفل عشاء، حيث لا تتعرف فى البداية على عميلها السابق. تتبادل إميليا وريتا الكلام بالإسبانية بينما هم محاطون بأثرياء يتحدثون الإنجليزية، وتعيد إميليا تعيين محاميها السابق لإعادة زوجتها جيسى (جوميز) وطفليهما..
هذه الدراما الموسيقية الذكية بصريًا مزقت صفحات من كتاب بيدرو ألمودوفار. من المؤكد أن الممثلة الإسبانية كارلا صوفيا جاسكون، التى تلعب دورًا متميزًا هنا، تتمتع بهالة متوهجة وأسلوب بطلة ألمودوفار، على الرغم من أن ميلودراما «إميليا بيريز» تفتقر تمامًا إلى التعقيد النفسى الذى جعل ألمودوفار واحدًا من أبرز صانعى الأفلام الذين يقفون وراء القصص المتحولة.
* ثقافة اليانومامى
يأخذ فيلم «The Falling Sky» عنوانه من كتاب تاريخى من القرن الحادى والعشرين يتكون من محادثات مدروسة ومثيرة للاهتمام بين عالم الأنثروبولوجيا بروس ألبرت وشامان يانومامى دافى كوبيناوا، الذى يعود كشبه بطل الفيلم. ومع ذلك، هذا ليس عملاً تكيفيًا بقدر ما هو، للخير والشر، قطعة مصاحبة تجسد التعاليم المروعة التى يبشر بها فى كثير من الأحيان من خلال صور غنائية وتدفق صبور. فى ثقافة اليانومامى، حدث السقوط الفخرى للسماء مرة واحدة بالفعل، ومن واجب الشامان المقدس منع حدوثه مرة أخرى. وللقيام بذلك، يجب عليهم التأكد من عدم محو طريقة الحياة المهددة بالانقراض فى غابات الأمازون.
مثل هذا الاعتقاد سيكون شاعريًا لولا مدى أهميته المأساوية. فى الواقع، هناك دمار على قدم وساق، وعندما تُقتلع الأشجار وينتشر جشع الرجل الأبيض فى الطبيعة، تبدو صيحات اليانوماميس حول هرمجدون ذات بصيرة مخيفة. إنهم يعتقدون أن الحفاظ على البيئة هو المفتاح، ويشارك روشا وكارنيرو فى هذا من خلال تصوير رقصاتهم وأغانيهم وطهيهم ولعبهم بعناية مدروسة، ويأخذون وقتهم فى عرض وتسجيل طريقة يانومامى فى هذه المجالات وغيرها من مجالات الحياة، والانغماس ببطء نحن فى حالة تشبه النشوة.
الأكثر فعالية هو مشهد عندما يواجه أحد كبار السن فى يانومامى المخرجين، وهم أنفسهم غرباء، ويسألهم إلى جانبهم. وعندما يحين وقت الشدة، هل سيكونون حلفاء؟ هل سيساعدون فى حماية هذه الثقافة؟ لماذا يصنعون هذا الفيلم؟ لا يستغل روشا وكارنيرو هذا التناقض لصالح الفيلم، لكن «The Falling Sky» هو أيضًا إجابة فى حد ذاته. قبل هذا الاستفزاز، يرون أن قوة السينما فى تحويل التسجيلات إلى تاريخ هى وسيلة للضغط ضد هذه الإبادة الثقافية.
يخبرنا «السماء المتساقطة» أن باب العالم الروحى لليانومامى يكمن فى أحلامهم. تتيح لهم أحلام اليقظة هذه «رؤية المزيد». قد لا يكون روشا وكارنيرو على قدم المساواة مع موضوعيهما عندما يتعلق الأمر بصناعة الصور، لكن فيلمهما يوفر طريقة لهذه التخيلات، كما نأمل، لتعيش بعد أولئك الذين يسعون إلى محوها.
* رفض النظرة الذكورية
نويمى ميرلانت لم تتهرب أبدًا من فرصة إعادة تعريف كيفية تصوير أجساد النساء فى الفيلم، كما أن المحور الأخير خلف الكاميرا شجع جهودها لرفض النظرة الذكورية من خلال دعوة شخصياتها. لاستعادة التحيز الجنسى المفرط القمعى بشروطهم الخاصة. فى فيلم غير دقيق يعج بالكثير من «الرجال السيئين» وصفر من «الصالحين»، من المنطقى أن أسوأهم جميعًا سيكون مصورًا للصور الشخصية لديه عادة سيئة تتمثل فى استغلال العارضات الجميلات اللاتى ينظر إليهن من خلال الصورة. عدسة الكاميرا الخاصة به. لسوء حظ إليز ورفيقتيها فى السكن، فإنهم لا يعرفون نوع الفيلم الذى يشاركون فيه إلا بعد فوات الأوان للخروج منه. الفصل الأول من «The Balconettes» - الذى شارك ميرلانت فى كتابته مع سيلين شياما. أبطاله اليز التى تم أغتصابها وروبى (سهيليا يعقوب) زميلة إليز فى السكن، وهى فتاة كاميرا مفعمة بالحيوية تحمل ملصقات على وجهها وتستمتع بممارسة الحب مع الأعضاء الآخرين فى مجموعتها. من المؤكد أن روبى تؤدى عروضها من أجل المتعة، لكنها تفعل ذلك وفقًا لتقديرها الخاص، ولا ترد أبدًا على الرجال الذين ينبحون عليها فى التعليقات. روبى هى النقيض التام لزميلتها فى الغرفة الثالثة نيكول (ساندرا كودريانو)، وهى كاتبة خجولة وخاضعة تسمح لروايتها بأن تصبح مشهورة حتى الموت من قبل مجموعة من المستشارين عبر تطبيق Zoom، وتمارس الشهوات من بعيد على الجار الجذاب الذى صورته. من الطبيعى أن تأخذ روبى الأمور على عاتقها، وتدعو الفتيات إلى منزل الرجل لما تأمل أن تكون ليلة متعرقة من المغازلة فى حالة سكر. الفيلم يخلق مزيجًا متعدد الطبقات مثير للإعجاب يعكس الواقع المعقد لكيفية رؤية النساء فى العالم، وكيف يرون أنفسهن فى المقابل. كل لحظة رصينة يتم الرد عليها بالمثل من قبل لحظة أخرى لها نفس القدر من الهذيان فى الطبيعة. تفسح الصدمة الشخصية المجال أمام فيلم إثارة مذعور، حيث يحاول زملاء الغرفة الثلاثة التخلص من جثة المصور.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كان مهرجان كان من خلال
إقرأ أيضاً:
مونيكا وليم تكتب: نظرية الردع المعدل.. مصر نموذجا
استحضر لي كتابة هذا المقال بعد هجوم إسرائيل على اليمن في خطوة عسكرية تحمل كثيرا من الرسائل السياسية، فقد تجاوز الحدود اليمنية عدد من الغارات على مواقع وتحصينات الحوثيين. حيث إنه قد تنامي إلى الذهن تساؤل هام ومحوري يتعلق بأسباب تصاعد مساعي الجانب الإسرائيلي في الآونة الأخيرة وبمدى أهمية بناء قدرات كامنة تسهم في تعزيز مفهوم الردع لتحقيق التوازن وحماية المصالح الوطنية في ظل هذه التحركات المتسارعة.
وكانت الإجابة أن غياب الردع المعدل هو السبب الذي يكمن وراءه تنامي وتصاعد إسرائيل وإضعاف بعض الأهداف العربية. وهو ما يتوافق مع مقولة ثيودور روزفلت التي تنص على " تحدث بهدوء واحمل عصا غليظة، وستذهب بعيدًا".
وعليه، كان من الضروري استقراء مقدرات مصر الكامنة، والقدرات العسكرية والتي تعكس دلالات سياسية واستراتيجية عدة، خاصة في ظل تغييرات جيوسياسية ولا تعرف سوى رؤية القوة والرجوع الحرب التقليدية بالصراعات لحروب حرب الجيل الأول: هي الجيل الأول التي يسيطر عليها الحروب العسكرية.
فقد تميز التسليح في الجيش المصري في السنوات الأخيرة، على الاعتماد على أسلحة تتماشى مع التحديات التي فرضتها الظروف في ظل التطورات الإقليمية، وكذلك تطلعاتها في تنمية وحماية مواردها، حيث كانت خطة التسليح تتوافق مع رؤية الدولة الشاملة في تأمين وحماية المصالح الاستراتيجية، ويكفل الردع، بما يمكنها من التعامل مع المستجدات فيما يخص العمليات الارهابية، وغيره لمواجهة كافة العدائيات المحتملة. وذلك من خلال تطوير واستخدام جميع القدرات والإمكانات المتيسرة للدولة، فى جميع جوانبها السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والبشرية.
وفي هذا الصدد، يمكن القول إن الجيش المصري شهد تطورا نوعيا على كافة المستويات، حيث تنوعت مصادر التسليح الجديدة، فلم يتوقف عن تعزيز قوته بمئات الآلاف من الجنود ورفع الكفاءة القتالية لهم، إلي جانب تدعيم الأسلحة الثقيلة والخفيفة من مختلف الدول حول العالم على رأسها روسيا، فقد بني منظومة تسليح متنوعة ومتطورة فقد جمع بين طائرة F16 الامريكية والطائرة الروسية الصنع Mi-26ومعها مقاتلة رافال الفرنسية، إلى جانب صواريخ دفاعية وهجومية مطورة محلياً او مستوردة، ووفقا لغلوبار فاير باور تمتلك مصر أكثر من 1130 طائرة حربية، 83 من المطارات العسكرية في الخدمة.
إلي جانب ذلك شهدت السنوات الأخيرة، تطوير القدرات العسكرية المصرية خاصة فيما يتعلق بتطوير البنية التحتية للقوات المسلحة، فقد تم إبرامة عدد من الاتفاقيات في مجال التسليح، تدشين 3 قواعد عسكرية.
والأبرز في نظري في هذا الشأن هو توطين الصناعات العسكرية بحيث تم تصنيع كافة الدبابات المدرعة وتصنيع الصواريخ المضادة للدبابات وبناء السفن الحربية، هذا فضلا عن الإعلان عن مسيرات مصرية الصنع خلال معرض "إيديكس" 2023 إلي جانب افتتاح مصنع 300 الحربي في فبراير 2020 لتلبية احتياجات القوات المسلحة.
على صعيد البحر، فقد كشفت مناورات حسم 2024 والتي نفذت بعمليات الذخيرة الحية في منطقة البحر المتوسط عن القوة البحرية المتمثلة في مروحيات عملاقة وغواصة استراتيجية، كما تمتلك مصر 245 وحدة بحرية تجعل أسطولها الحربي في المرتبة الـ 12 عالميا ويشمل حاملتي مروحيات و13 فرقاطة و7 كورفيتات و8 غواصات، إضافة إلى 48 سفينة دورية و23 كاسحة ألغام بحرية.
وتأسيسا على ذلك، فقد تبنت مصر نظرية "الردع المعدل" والتي تعد من أحدث النظريات الردعية التي فرضت نفسها في ظل تغيير طبيعة التهديدات ونطاقها وحدودها، إذ سعى رواد هذه النظرية إلى التركيز على إثبات فلسفة ردعية، مفادها أن التزود بأدوات ومنظومات ُردعية متنوعة للدولة هو ما يمكنها من تحقيق أهدافها دون الحاجة إلي اشتباك عسكري مباشر، وهو ما أحدث تغييرا جذريا في استراتيجية الردع المنتهجة الآن.
وتـجـــدر الإشارة إلــى أن مـضـمـون نـظـريـة "الـــردع الـمـعـدل" يكمن فـي الــقــدرة على حسن توظيف الإمكانات، والـقـدرات المتاحة لـدى الــدول لتحقيق استراتيجية "الـردع المعدل" دون مخالفة الأعراف، والقواعد الدولية لحفظ السلم والأمن الدوليين.
وهو ما يدفعنا للتساؤل عن كيف وظفت مصر كل القدرات المشار إليها عاليه، لتنفيذ نظرية الردع المعدل والذي اتضح في عدة مواقف سياسية أبرزها استعراض قوة مصر والتي تناولتها صحيفة يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية على سبيل المثال فى يوليو الماضي تحت عنوان "اتفاقية السلام" من خلال تناول مقدرات الجيش المصري وتصنيفه كتهديد لبعض المساعي الإسرائيلية.
وحاليا تنامت الأصوات في الصحف الاسرائيلية التي تركز علي مقدرات الجيش المصري وهو ما يعكس شواغل القيادة الاسرائيلية، وقد برز ذلك في تقرير تم بثه علي القناة ١٤ الاسرائلية وايضا لقاء السفير الاسرائيلي السابق في مصر في صحفية يديعوت أحرونوت الأسبوع الماضي .
وفي الوقت نفسه، بدت ملامح التفعيل الفعلي بوضوح لنظرية الردع المعدل وتأويلاتها، حينما قامت مصر بتوقيع معاهدة الدفاع المشترك واتفاقيات ومذكرة تفاهم أمنية وتفعيل التعاون العسكري في افريقيا وفي منطقة القرن الافريقي على وجه الخصوص لرفع كفاءة الهياكل الأمنية بها.
إلي جانب ذلك مسألة قوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال التي تتولى مصر نشرها بداية من شهر يناير القادم وتأتي المشاركة المصرية في تلك القوات علي خلفية سلسلة من الأحداث، على رأسها التوترات بين الصومال وأثيوبيا، وبالتالي ارتأت مصر أنها فرصة لإثبات دورها الإقليمي في القرن الأفريقي خاصة في ضوء ثقل قدراتها العسكرية.
ختاما، يمكن القول إن استراتيجية الردع المعدّل التي انتهجتها مصر تعكس رؤية متوازنة وعميقة لمواجهة التحديات الجيوسياسية المتزايدة في المنطقة، ففي ظل التغيرات الإقليمية والدولية، وتفاقم التحركات الإسرائيلية في الإقليم، أثبتت هذه الاستراتيجية فعاليتها في حماية المصالح الوطنية المصرية وضمان أمنها القومي. ومع استمرار مصر في تطوير أدواتها الدبلوماسية والعسكرية، يظهر نجاح هذه المقاربة كدليل على قدرتها على التكيف مع تعقيدات المشهد الإقليمي، ما يعزز من مكانتها كقوة إقليمية محورية قادرة على تحقيق توازن مستدام في منطقة الشرق الأوسط.