حكايات وكواليس تسردها أسر الفتيات ضحايا معدية أبوغالب
تاريخ النشر: 24th, May 2024 GMT
الأهالى يروون المأساة ويطالبون بمحاسبة المقصرين: «دم بناتنا مش هيروح هدر»
بحثًا عن لقمة العيش ومساعدة أسرهم، تخلي عدة فتيات عن طفولتهن وقررن الخروج للعمل فى أحد مصانع تصدير الفاكهة بالجيزة، رغم سكن تلك الفتيات فى مركز أشمون بالمنوفية، لكن الانتقال من محافظة إلى أخرى لم يكن عائقا أمامهن بعد أن قررن تحمل تلك المسئولية الصعبة فى تلك السن الصغيرة.
فجر الثلاثاء الماضى تجمع نحو 26 فتاة تتراوح أعمارهن بين 14 و17 عاما بينهن اثنتان فقط تجاوزتا سن الأربعين، داخل ميكروباص خصص لهن ليكون وسيلة انتقالهن من بلدتهن فى محافظة المنوفية إلى مكان عملهن فى محافظة الجيزة.
لم يكن يوم الثلاثاء الماضى يوما عاديا على عائلات تلك الفتيات، فقد ابتلع النيل 17 منهن ونجا 9 آخريات بعناية إلهية، نتيجة سقوط الميكروباص الذى يقلهن فى مياه النيل بالرياح البحيرى، أثناء طريقهن للوصول للعمل.
رحلة العمل كما سردها أهالى المنوفية تبدأ يوميا فى الخامسة فجرا، حين يستيقظ الفتيات ويخرجن من منازلهن فى السادسة صباحا قاصدات سيارة ميكروباص تقلهن عبر معدية أبو غالب من محافظة المنوفية إلى محافظة الجيزة، للعمل فى مصنع تصدير الفاكهة.
عم الضحية جنى: كانت لسه رايحة أول يوم شغل
وقال عم الضحية جنى عبدالله محمد أحمد 14 سنة: إن ابنة شقيقه أنهت امتحانات الصف الثانى الإعدادى وطلبت من والدها السماح لها بالعمل برفقة عدد من زميلاتها لمساعدته فى نفقات المنزل والحصول على نفقات شخصية لها فوافق والدها رغم اعتراضه فى بادئ الأمر.
وأكد عم الفتاة أن ابنة شقيقه فقدت حياتها فى أول يوم عمل «كانت لسه أول يوم رايحة»، وفوجئوا جميعا بتداول أخبار غرق السيارة، فهرولوا إلى مكان الحادث وعثروا على ابنتهم فى ثلاجة المستشفى.
وأوضح عم الفتاة أن والدها موظف بوزارة التموين، ولها شقيقتان إحداهما فى الثانوية والأخرى طفلة فى الصف الثانى الابتدائى.
شقيق فتاة: عايزين حقها دى كانت غلبانة
وقال شقيق إحدى الضحايا إن شقيقته تخرج يوميا للبحث عن لقمة العيش حيث تعمل فى جمع وتعبئة الفاكهة مقابل 120 جنيهًا يوميا تساعدها فى نفقة أسرتها، وقال: «عايزين حقها وحق اللى ماتوا»، أرواح بناتنا مش هتروح هدر.
محمود عبدالنبى على، أحد أقارب ضحايا غرق «معدية أبو غالب»، يقول إن عائلته فقدت بنتين فى تلك الواقعة المأساوية هما وفاء هانى عبدالنبى، طالبة فى الصف الاول الإعدادى، وابنة عمها روضة هشام عبدالنبى، فى الصف السادس الابتدائى، وأضاف أنهم عثروا على «روضة» فور وصولهم «خرجت من الميه ميتة».
وتابع أنهم تعرفوا على روضة فور عرضها عليهم ”عرفناها من وشها، وأشار إلى أن وفاء ظلت تحت المياه لأكثر من 20 ساعة حتى عثروا عليها، موضحا أن فاجعة العائلة كبيرة بفقدان الفتاتين.
والد يسرا: صلت الفجر وخرجت.. وودعتها من البلكونة
فى حالة يرثى لها جلس الحاج محمد عبد الغنى والد الفتاة «يسرا» إحدى ضحايا الميكروباص المنكوب، وقال إن ابنته أنهت امتحانات الصف الاول الثانوى الأزهرى طلبت منه أن ترافق زميلاتها فى الذهاب للعمل بإحدى مصانع تغليف الفاكهة، لمساعدته فى الإنفاق، ورفع الأعباء عن كاهله «قالتلى عايزه أنزل أشتغل وأساعدك».
وتابع والد الفتاة أنه وافق على طلبها بعد أن اطمأن عليها وأنها ستكون برفقة زميلاتها، وبالفعل توجهت للعمل منذ أسبوع تقريبا.
وأكد الأب المكلوم على ابنته أن يوم الثلاثاء المشئوم استيقظت ابنته فى الخامسة فجرا، وبعد صلاة الفجر حملت حقيبتها التى وضعت بداخلها زحاجة مياه وساندوتشين، ووقف للنظر إليها من بلكونة الشقة وكأنه يودعها، وفى الثامنة والنصف تردد خبر بين أبناء البلدة فى مدينة «سنتريس» بسقوط سيارة فى المياه، فهرول رفقة والدتها للاطمئنان عليها.
وأضاف أنه حاول التواصل معها عبر هاتفها لكنها لم تجب على اتصالاته، وعند وصوله للمعدية وتيقنه من خبر وفاتها جلس يدعى بأن تكون ابنته داخل السيارة المنكوبة وألا يكون جرفها التيار بعيدا، وعند استخراج السيارة من المياه بالفعل استجاب الله لدعائه وكانت ابنته بداخلها، وأنه رافق سيارة الإسعاف حتى وصلت لمستشفى المناشى ووضعها داخل الثلاجة.
وأكد الأب أن يسرا كانت ابنته الكبيرة فكانت أول فرحته، وتتمتع بطيبة وحنية عليه ووالدتها: «كانت حنينة عليا أنا وأمها وأخواتها».
وذكر أن شقيقها فى حالة حزن شديدة لفقدان أخته، وأوضح أنها رغم قصر مدة عملها فى مصنع الفاكهة إلا أنهم كانوا يحبونها وأسندوا إليها مهمة مراقبة الميزان لثقتهم بها، وباقى زميلاتها كن يعملن فى التغليف، ودائما كانت ما تشكر فى السائق وتثنى على حسن معاملته لهن ونصحه.
زوج الحاجة تهانى: فقدت نصى التانى.. وشقيقها: كانت تكافح لتربية أبنائها الـ6
كعادته كل صباح استيقظ الحاج سعيد لصلاة الفجر، وبصحبته زوجته السيدة الخمسينة التى أدت فريضة الله وجهزت نفسها، للتوجه إلى عملها فى محطة فرز الفاكهة بمحافظة الجيزة، كما اعتادت منذ قرابة العام، بعد أن قررت مساعدة الزوج فى نفقات المنزل.
لم يكن يعلم الحاج سعيد أن ذلك الصباح بحضور زوجته ورفيقة الدرب لن يتكرر، وأنه سيفقد من شاركته لقمة العيش منذ قرابة الـ30 عاما، فبعد أن توجه لعمله وصله الخبر الحزين الذى أفقده تمالك أعصابه وكأن قلبه شعر بأن زوجته إحدى الضحايا «فقدت نصى التانى».
وقال شقيق الحاجة تهانى، إن شقيقته توجهت من القرية مع جميع الضحايا قبل أن يأتيهم خبر الحادث بسقوط السيارة من أعلى معدية أبو غالب، مشيرا إلى أن شقيقته كانت تسعى وتعمل من أجل تربية أبنائها الـ6 وتكافح من أجل ألا يحتاجوا إلى أحد، حيث تعمل طوال عمرها فى أى عمل سواء فى المزارع أو الشركات الخاصة بتجميع الفواكه والخضراوات، مثلما كانت ذاهبة فى ذلك اليوم، حيث خرجت متوجهة إلى إحدى شركات تصدير المواد الزراعية.
وأوضح أن السيارة التى يقودها شاب كان على متنها 26 فتاة ما يعنى أن هذا جرم آخر لابد من معاقبته عليه إذا كان هذا الأمر مؤكدا لأنه لا يوجد سيارة تستطيع حمل كل هذا العدد ما يعتبر إهمالا واستهانة فى أرواح الضحايا، مشيرا إلى أن كل الضحايا يستيقظن كل يوم فى الساعة الرابعة صباحا حتى يصلن إلى العمل الساعة الخامسة أو السادسة كل يوم، أى بعد صلاة الفجر.
وطالب بمعاقبة المقصرين والمتسببين فى الحادث سواء سائق السيارة، أو القائم على المعدية، لأنه من المفترض أن تكون هناك حواجز من أجل أمان السيارات التى تكون على متن المعدية من أجل تلاشى سقوط أى سيارة كما حدث اليوم.
وقال أهالى الضحايا إنهم طالبوا كثيرا بانشاء كوبرى بدل المعدية وأرسلوا العديد من المناشدات إلى المسئولين تجنبا لوقوع حوادث بسبب معدية أبوغالب.
وأوضحوا أن الضحايا يخرجن للعمل مقابل مبلغ مالى لا يتجاوز 120 جنيها فى فترات المواسم تساعد على مشقة الحياة ولكن فى ذلك اليوم خرجن ولم يعدن مرة أخرى.
وقال أهالى ضحايا معدية أبو غالب، «كنا نفسنا نفرح بيهم.. واتزفوا عرايس للجنة».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: معدية أبوغالب معدیة أبو غالب بعد أن من أجل
إقرأ أيضاً:
حكايات من قلب الغزة
أمل: فقدنا منازلنا فى الحرب وسنبنيها من جديدسكان غزة: شكرًا لمصر على عدم تنفيذ مخطط التهجير
آن لغزة أن تستريح.. بعدما لاح حديث الهدنة بالأفق كفصل جديد فى مُجلّد الألم، على أرضٍ اختلط فيها غبار الركام بدماء الشهداء، وبين أنقاض بيوتٍ كانت يومًا مأوى للأحبة، والآن تحكى صمتًا أشدّ وقعًا من الكلام، وفى سماءٍ لم تعرف سوى دخان القذائف، وفى ظلال أيامٍ أثقلتها أوجاع الحصار والدمار.. فقد وقف شعبها منهكًا بين أملٍ لا يجرؤ على التصديق، وخوفٍ من سلامٍ هش لا يحمل سوى خيبة جديدة فى بُقعةٍ أبيّة لا تُستقبل الهُدن كوعودٍ بالسلام، بل كتوقفٍ مؤقت عن نزيفٍ لا ينقطع ودماء تُراق على مرأى ومسمع من العالمِ أجمع، وجثث متناثرة كفُتات وجبة دسمة على مائدة افترشها الجوعى.. آن لغزة أن تهدأ من صراخ الجرحى وأنين الثكالى وبكاء اليتامى ونوح الطيور المحاصرة وهى تموت علانية بلا رحمة أو شفقة.. آن لغزة أن تُوقف آلة حصد الضحايا الذين لا ذنبَ لهم سوى أنهم تشبّثوا بوطنٍ وُلدوا وعاشوا فيهِ.
استمعت «الوفد» إلى أصواتٍ اختبرتها المآسي، حملت وجع وطنٍ جريح، عبّرت عن نبض شعبٍ يعيش بين الحصار والموت، ولا يزال ينتظر، بقلوبٍ متعبة، عدالةً غابت عن أرضه طويلًا، ومع بدء تطبيق الهدنة عاد الأمل فى غد أفضل يداعب مخيلاتهم، فرحين بحلم العودة
«ستظل غزة معجزة فى الصبر ومعجزة فى الأمل ومعجزة فى العودة إلى الحياة من جديد».. بكلمات تنم عن إرادة فولاذية وعزيمة لا تُقهر أعربت أمل عايد البطنيجي، مديرة مدرسة الشجاعية الثانوية، والتى تقيم بمنطقة دير البلح، عن سعادتها باتفاق الهدنة قائلة: «استقبلنا خبر الهدنة بقلوب مليئة بالفرح والسعادة والأمل، بعد أن عشنا معاناة قاسية وطويلة استمرت أكثر من عام وثلاثة أشهر من الحرب والدمار، وسعدنا بعودة أسرانا الأبطال، كانت الأيام ثقيلة، لكننا رغم ذلك لم نفقد الأمل فى أن يأتى يوم ينقلب فيه الحال وتتحقق رغباتنا فى السلام والاستقرار. اليوم، ونحن نرى أن الهدنة قد تحققت، نأمل أن تكون بداية لعهد جديد من الاستقرار الحقيقى والدائم، وأن تفتح أمامنا أبواب الأمل لبناء ما تهدم واستعادة ما فقدناه.
بصوتٍ مبحوحٍ نالَ منه الألم استكلمت صاحبة الـ57 ربيعًا حديثها لـ»الوفد» قائلة: «الحرب أفقدتنى أخى وأقاربى وأصدقائى وأعز الجيران، فقدت بيتى وكل ما أملك، ورغم كل هذا، أحتسب ما فقدته عند الله، وأعلم أن شهداءنا أحياء عند ربهم يرزقون، والآن أصبح علينا أن نستعد لما هو قادم، فلا أحد يستطيع تخيل حجم الدمار والخراب الذى سنعود إليه. فالوضع يتطلب قوة وصبر وجهد كبير لإعادة البيوت التى تهدمت، واثقين أن الأجر الذى ننتظره عند الله أعظم مما نتصور».
وأفصحت «البطنيجي» عن معاناة أهل غزة فى الحرب قائلة: « لقد انقلبت حياتنا رأسًا على عقب بعد السابع من أكتوبر، حين تحولت أيامنا التى كانت هادئة ومليئة بالأمان إلى كابوس مرير. اضطررنا لترك بيوتنا وأرضنا، وشرعنا فى رحلة نزوح شاقة نحو الجنوب، حيث عايشنا ظروفًا قاسية، فقدنا أبسط مقومات الحياة، لا ماء، ولا كهرباء ولا غاز، حياة بدائية بمعنى الكلمة، وكان الإجرام قد بلغ أقصى درجاته حين قطعوا عنّا مصادر المياه. أما الأوضاع الأمنية، فقد كانت فى غاية القسوة، إذ كانت أصوات القصف تتردد فى كل مكان، ومع ذلك نجونا من الحرب اللعينة بأعجوبة»
وأضافت: « واجهنا الكثير من التحديات بعيدًا عن بيوتنا وأرضنا، وعشنا فى ظروف قاسية، ومع الإعلان عن الهدنة، أصبح لدينا أمل فى العودة لأرضنا، ونتمنى أن تكون هذه العودة آمنة، رغم التحديات الكبيرة التى قد تواجهنا. وأبرزها توفير وسائل النقل، والأصعب من ذلك هو أن العودة ستكون إلى بيوت مدمرة، وإلى شوارع محطمة، حتى المدارس والجامعات أصبحت خرابًا، ما يجعلنا ندرك أن مشوارنا فى إعادة بناء حياتنا سيكون طويلًا وشاقًا».
وعن دور المؤسسات الإنسانية والإغاثية خلال فترة التصعيد أشارت إلى أنها لعبت دورًا محوريًا فى تقديم الدعم للناس، وتوفير احتياجاتهم الضرورية، ورغم ذلك لم تكن خدماتها بمستوى المعاناة الكبيرة التى واجهها الناس، حيث كانت الأوضاع بالغة الصعوبة، وتضاعفت التحديات بسبب غياب الأمن، مما جعل من المستحيل إيصال المساعدات بسلام، بسبب حصار الاحتلال.
واختتمت «أمل» حديثها قائلة: « نًثمن جهود الرئيس عبدالفتاح السيسي، فى دعم قضيتنا وحفظ حقنا الثابت فى أرضنا ومقدساتنا، فقد كانت المفاوضات فى غاية الصعوبة، واستدعت جهدًا كبيرًا من قيادات مصر، الذين تحملوا مسؤولية الوساطة ببراعة وحكمة. ونأمل أن يستمروا فى المتابعة لضمان أن يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.. ونوجه رسالتنا إلى شعب مصر العظيم الذى تعاطف معنا بشكل كبير، نشكركم من أعماق قلوبنا، ونرجوا أن تواصلوا دعم صمودنا وتضحياتنا فى مواجهة الاحتلال. ففلسطين ليست قضية شعبنا وحده، بل هى قضية كل عربى حر، ودماء الشهداء التى روت الأرض هى أمانة فى أعناقنا جميعًا.
هدنة حقيقية
بينما قالت هبة حمدان، إحدى سكان قطاع غزة، والتى تبلغ من العمر 37 عامًا: «نأمل أن تكون هذه الهدنة حقيقية وفعّالة، بحيث لا تُخترق ولا يتعرض أى من بنودها للتلاعب. فقد عشنا تجارب مريرة مع اتفاقات سابقة، حيث تم الإعلان عن هدنة لفترة قصيرة، وبعد مرور أسبوع فقط تم اختراقها من جديد، ما ألحق بنا مزيدًا من المعاناة بسبب تصعيد العدو الذى كان يستهدف المدنيين فى غزة،. لذلك، ندعو الله فى كل لحظة أن يكون وقف إطلاق النار هذه المرة دائمًا، وأن تكون الهدنة ملزمة لجميع الأطراف، فنحن نريد حلاً حقيقيًا يوقف نزيف الدماء ويمنحنا الفرصة للعيش بسلام»
وتابعت: «لا أحد يستطيع تخيل حجم المعاناة التى يعيشها الناس هنا، فأسس الحياة اليومية غير موجودة مثل: الحمامات ومياه الشرب النظيفة، والصرف الصحى أصبح فى الشوارع، الكثير من الناس يعيشون فى خيام بالية فى ظروف غير إنسانية، ولا يوجد غذاءً كافيًا، فقد ضربت المجاعة غزة من شمالها إلى جنوبها.والوضع يتطلب تدخلًا عاجلًا، مثل إدخال المعدات الثقيلة لرفع الركام عن الطرقات لكى يتمكنوا من الوصول إلى جثامين الشهداء الذين لا يزالون تحت الأنقاض. معسكر جباليا، مثل العديد من المناطق الأخرى، يعانى من دمار هائل، حيث الشهداء مدفونون فى الشوارع، وفى الأسواق وساحات المستشفيات والمدارس. لكم أن تتخيلوا المدة الطويلة التى تحتاجها فرق الإنقاذ لنقل رفات الشهداء من هذه الأماكن العامة إلى مثواهم الأخير.. فالناس هنا يعيشون فى جحيم لا يمكن تحمله».
وأكلمت: «فى حال استمرّت الهدنة، ستوفر نطاقًا من الأمان، مما يسمح للناس بالتحرك بحرية. وستمنحنا فرصة لاستعادة بعض من إنسانيتنا المفقودة فى ظل الحرب، كما أنها ستتيح لنا أن نعيش لحظات حزننا بطريقة أكثر إنسانية، فنستطيع التواجد مع جيراننا وأصدقائنا لنواسى بعضنا بعضًا.. الهدنة هنا ليست مجرد وقف لإطلاق النار، بل هى فرصة حقيقية لاستعادة جزء من الأمل والحياة».
وتابعت: «نأمل أن تكون الهدنة فرصة يتحرك فيها الجميع لتقديم الدعم والمساعدة لشعب فلسطين. فالعالم الآن أمام اختبار حقيقي، والفرصة سانحة لتوصيل المساعدات الطارئة إلى أهل غزة، بدءًا من الفرق الطبية، مرورًا بإدخال المعدات الثقيلة التى يحتاجها الدفاع المدنى لرفع الأنقاض. كما أن هناك حاجة ماسة لتوفير الخيام بشكل عاجل لإيواء الناس الذين فقدوا منازلهم، إلى جانب المواد التموينية الأساسية ومواد النظافة الحيوية. فالكلمات وحدها لن تكون كافية لتخفيف الألم، ولكن العمل الجاد والمستمر هو ما سيبعث فى نفوس أهل غزة الأمل ويعطيهم القوة للوقوف من جديد».
عهد جديد.
تبادلت محررة الوفد أطراف الحديث مع الصحفى سائد أبو محسن، عضو نقابة الصحفيين الفلسطنيين، حيث قال: « صباح الأحد هو بداية عهد جديد، خالٍ من المجازر والدمار والتطهير العرقي، فقد آن لشمس الحرية أن تشرق دون ويلات الاحتلال، بعد مرور ٤٦٨ يومًا من الألم والحزن والفقد والدمار.. إنه قرار صائب تحقق بفضل مفاوضين مخلصين ومثابرين، ونحن نرفع أكف الدعاء إلى الله أن يفتح لنا بابًا جديدًا من الأمل والاستقرار».
وبحديث عن الفقدان ينخَرُ فى سُويداء قلب مكلوم أضاف «سائد»: «فقدت معظم أصدقائى وأحبتى وأبناء عائلتى وأنسبائي، ولكننى أسأل الله العلى القدير أن تكون المرحلة القادمة مرحلة إعمار وعودة الأمل لغزة وأهلها. مرحلة تعم فيها بشائر الأمل والتعافى وتلتئم فيها شمل العائلات التى فرقتها الحرب وتزدهر الأرض من جديد.
وفى ختام حديثه قال أبو محسن: «نوجه كل كلمات الشكر والحب والامتنان للرئيس المصرى عبدالفتاح السيسي، على وقفته الشجاعة والتصدى لمحاولات تهجير الشعب الفلسطينى إلى سيناء، ودعمه المتواصل لفلسطين وشعبها، لقد كانت مصر دائمًا، وستظل، الحاضن الأول للحق الفلسطيني، فمصر وفلسطين دائما يد واحدة، وتحية لمصر رئيسًا وحكومة وشعبًا، على مواقفهم الشجاعة.
طوق نجاة
«الهدنة أتت كطوق نجاة للمكلومين».. بهذه الكلمات بدأ «خالد خليل»، 32 عامًا، من معسكر جباليا تل الزعتر، حديثه لـ»الوفد» قائلًا: «منحتنا الهُدنة فُرصة للراحة بعد معاناة استمرت طويلًا، وبعثت فى نفوسنا شيئًا من الأمل فى غدٍ أفضل. ونحن على يقين بأنها ستكون بداية لمرحلة من الاستقرار والأمل وإعادة بناء ما تم تدميره.
وواصل: «تنتظرنا تحديات كبيرة فى ظل غلاء الأسعار وقلة البضائع فى الأسواق، ولكننا نأمل أن تُساهم المساعدات القادمة من مصر فى تحسين الوضع، فالحرب التى استمرت طويلًا ضغطت على الجميع وأثرت على حياتنا بشكل كبير بسبب الظروف المعيشية الصعبة. والهدنة جاءت متأخرة جدًا، فنحن نعانى ونموت منذ أكثر من عام، ورغم كل المعاناة، نأمل أن تكون الهدنة بداية لاستقرار طال انتظاره.. ولكننا نعيش الآن حالة من الترقب الحذر، فلا يمكننا الوثوق بعدوٍ لا يُؤتمن».
وأضاف: «إن الأضرار المادية التى خلفتها الحرب كانت ضخمة للغاية، فالوضع أصبح أشبه بكارثة شاملة، فلا توجد مصادر دخل كافية، وبالتالى لا يوجد أى أمل فى جمع المال لإعادة بناء البيوت المدمرة. خسرتُ مصدر رزقى الذى كان يعيل أسرتي، كما خسرتُ منزلى الذى كان يمثل الأمان والملاذ لعائلتي. وأصبحنا نعيش فى ظروف صعبة يسودها الخوف من المستقبل والقلق من المجهول. لكننا فى الوقت ذاته نحتفظ بالأمل أن يكون فى المستقبل فرصة للبدء من جديد
وأضاف: «بارك الله فى الأشقاء فى مصر وقطر، فقد ساهمت جهودهم المخلصة فى تحقيق هذه الهدنة، وما كانت لتتم لولا دعمهم الكبير والمستمر. ونأمل أن يسهم الاتفاق فى حماية المدنيين وتحقيق الأمان، فنحن نثق أن مصر، بصفتها الجهة الضامنة للاتفاق، ستظل دائمًا الحامى لشعبنا، وستعمل على ضمان عدم تكرار العدوان والجرائم بحق الأبرياء.
«سيتم إعمار غزة بجهود مصرية».. بهذه الكلمات اختتم الشاب الثلاثينى حديثه قائلًا: «ستظل جهود مصر هى القوة الدافعة لإعادة إعمار غزة، حيث ستنطلق من أرض مصر الحبيبة إشراقة الأمل، لتبنى من جديد ما دمرته يد العدوان
تحديات
من جانبها قالت الشابة الفلسطينية لجين الرخاوي: «لقد مررنا بأحداث شديدة التأثير على مدار عام وثلاثة أشهر، فقدنا فيها أحباءً تركوا فى قلوبنا فراغًا لا يسد أبدًا. والآن جاءت الهدنة، ولا يمكن للكلمات أن تعبر عن مقدار الألم الذى عايشناه. كم روحًا فقدنا، كم أحبة رحلوا ولم يعودوا، وكم من الأيام مرّت علينا وكأنها سنوات. فكم من قلوب تحطمت وكم من أحلام تمزقت وتبددت بسبب الحربٍ.
وأضافت: «إبان الحرب كل لحظة مررنا بها كانت بمثابة تحدٍ كبير؛ وما تحملناه من أعباء ومسؤوليات كان فوق طاقتنا. ورغم أننا نشعر ببعض الراحة مع تنفيذ الهدنة، إلا أننا ما زلنا نواجه تحديات عصيبة، ولا يزال صمودنا يختبر فى كل مرحلة، لكننا مستمرون، رغم كل الصعاب، فى مسيرتنا نحو استعادة الأمن والاستقرار».
واختتمت لجين حديثها قائلة: «قلوبنا مفجوعة من فقدان الأحبة، من فقدان المنازل التى كانت يومًا ملاذًا للسكينة، وكل لحظة تمر تزيد من شعورنا بالعجز أمام هذا الوجع الذى يعم الأرجاء، ولا نعلم إلى أين سنذهب أو كيف سنواجه غدًا فى ظل هذا الظرف الذى لا يحتمل».
8 شهداء
«قصفوا البيت على رؤوسنا، وبينما كُنّا نحاول النجاة، سقط منا ثمانية شهداء».. بهذه الكلمات بدأ الدكتور منذر إسماعيل العامودي، 46 عامًا، من سكان شمال غزة، حديثه للوفد قائلًا: «إن الهدنة قرار تاريخى سيظل خالدًا فى ذاكرة الأجيال، إذ جاء لحقن الدماء وحفظ الأعراض، وحفظ الأرض والإنسان. صحيح أننا فقدنا الكثير من الأرواح البريئة، وتهدمت البيوت، وتعرضت الممتلكات للدمار، لكننا ما زلنا نحمل فى قلوبنا حب الوطن، وأضاف: لقد كان القرار بمثابة صفعة لكل المخططات الصهيونية الرامية إلى تهجيرنا وطردنا، ولبناء مستوطنات على أنقاض منازلنا.
وتابع: «عن أى معاناة أتكلم؟ الجوع قد وصل بنا إلى حدود لم نكن نتخيلها، حيث أصبحنا نعيش على الأعلاف التى كانت تُقدم للدواب، أما الخوف، فقد كان يطوقنا من كل جانب، محاصرين فى بيوتنا، حيث سقط الشهداء والمصابون، ودماء الأبرياء سالت بغزارة لتسقى الأرض. قتل الأبرياء كان يوميًا، رجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا، سقطوا ظلمًا وقهرًا على يد طغاة لا يعرفون للرحمة سبيلًا.. والفقر كان رفيقنا الدائم، فقد ضاعت أعمالنا ومصادر رزقنا، حتى أصبحنا نمد يدينا فى وقت شهدنا فيه ارتفاعًا جنونيًا فى الأسعار. أما المأوى، فقد دُمرت البيوت فوق رؤوس ساكنيها، فاضطررنا للنزوح إلى الخيام بعد أن كنا نعيش فى بيوتنا الآمنة، وأصبح المطر كابوسًا يطاردنا وأداة تعذيب لنا، تغرق خيامنا وتبلل أجسادنا الضعيفة، والبرد بات مضاجعنا، وأصبحت الخيام التى كنا نأمل أن تحمينا عاجزة عن توفير الحماية فى وجه هذا الطقس الصعب.
وكشف «منذر» عن أصعب المواقف التى تعرّض لها قائلًا: «تعرضنا لقصف شرس ومروع دمر كل ما نملك، فبيتنا الواقع فى حى الشيخ رضوان بغزة على حدود جباليا تم تدميره فوق رؤوسنا، وكذلك لم تسلم أماكننا المقدسة من الدمار، حيث طال القصف مسجدنا أيضًا، فالقذائف كانت تتساقط علينا عشوائيًا، غير مبالية بحياة الأبرياء أو منازلهم.. وتوفيت والدتى أمام أعيننا، بعد أن أصابتها جلطة قلبية، وعجزنا عن الوصول إلى المستشفى بسبب الحصار المفروض علينا وقلة الإمكانات، وتزايدت معاناتنا بغياب الرعاية الصحية حيث كانت الأوضاع هناك أشبه بالجحيم.
واختتم «منذر» حديثه قائلا: جزيل الشكر لشعب مصر ورئيسها على موقفهم الثابت والرافض للتهجير، والذين كانوا خير سندٍ لنا فى أصعب أوقاتنا.