موقع النيلين:
2025-01-29@05:49:58 GMT

السودان يتفكك .. حوار مع النخبة الحائرة

تاريخ النشر: 24th, May 2024 GMT

علي خلفية بعض المطالبات من منظمات مدنية سودانية ومن جانب واحد أصدرت الولايات المتحدة الأميركية قرارا برفع العقوبات علي بعض برمجيات ومعدات وخدمات الإتصالات الشخصية للإنترنت في السودان ، وذلك في مارس من العام 2015 ، ويسمح القرار للسودانيين إستعمال أو شراء وسائل إتصال تكنولوجية كانت غير متاحة في البلد المحاصر بالعقوبات الدولية والأمريكية …

لم يتوقف كثير من الناس في ذلك الوقت حول دلالة هذا القرار الذي صرحت الإدارة الأميركية وقتها بأنه يهدف لزيادة مساحة حرية التعبير ومساعدة الطلاب والمجتمع المدني ، وقد إتخذت الحكومة الاميركية نفس المسوغات لإتخاذ القرار في دول مغضوب عليها أميركيًا مثل كوبا وإيران ، لم تمض أكثر من خمس سنوات علي القرار حتي كانت ( ثورة ديسمبر ) التي لعب الإعلام الإلكتروني فيها دورا بارزا وحاسما …

يعتبر ذلك القرار وسيلة مهمة لتنفيذ الخطة الاميركية والغربية الساعية إلي زرع اليأس وإختراق المجتمع السوداني بالرسائل السالبة الهادفة إلي تغيير هويته عبر الوسائل الناعمة ، وهي الخطة التي ساهمت مع عوامل أخري في إشعال الحرب التي تتواصل منذ أكثر من عام ، وتتمدد أفقيا ورأسيًا وبسببها تتعرض وحدة البلاد ومستقبلها لخطر الإنقسام الوشيك ، ومنذ إندلاع الحرب ومع تعدد المبادرات الخارجية تقف النخبة السودانية بجميع توجهاتها الفكرية والسياسية عاجزة وحائرة عن طرح أي مشروع وطني جاد ، ولا شك أن حالة العجز والحيرة هذه ليست وليدة اللحظة الراهنة ولكنها نتيجة نهائية ومحصلة حتمية لمسيرة طويلة من التآكل الداخلي والإنهاك الخارجي لازمت النخبة السياسية السودانية منذ بواكير تأسيسها وسيطرت علي عصب التفكير فيها ، وفي تقديري هناك سببين رئيسيين لهذه الحالة ، أحدهما داخلي يتعلق بتركيبة هذه النخبة وإخفاقاتها المتواصلة ، والثاني خارجي مرده للإستهداف المنظم الذي تعرضت له البلاد بصورة ممنهجة ومنظمة لفترة طويلة .

.

الإنهاك والتآكل البطئ :
لعل أبرز مظاهر الفشل في أداء هذه النخبة من مثقفين وأكاديميين ومنتسبي أحزاب وقيادات مجتمع هو عدم الإتفاق علي توصيف ما يجري في البلاد اليوم نتيجة الإختلاف العميق في صياغة مفهوم موحد للأمن القومي وقضاياه الجوهرية ، وفي ظل هذا التحدي الوجودي للسودان تتمترس النخبة حول إنقساماتها العدمية مقدمة مصالحها الذاتية علي أولوية المحافظة علي وحدة البلاد ، وعلي رأس المواقف المحيرة يقف تحالف الحرية والتغيير – تقدم – المدعوم غرييا وإقليميًا متعصبا لرؤية علمانية إقصائية مراهنا علي الخارج ومتكئا ( حديثا ) علي بندقية خصمه التاريخي الدعم السريع من أجل العودة لكراسي السلطة ، وفي إستماتته العمياء تلك لا يري هذا التحالف ما يتعرض له الشعب السوداني من إبادة جماعية وتهجير قسري ونهب منظم من قبل حليفه الجديد مليشيا الدعم السريع التي يعتمد عليها لتنفيذ رؤيته الإقصائية والإنتقامية …

علي النقيض يقف الإسلاميون موقفا مساندا للجيش الوطني ، وعلي الرغم من التحديات الكبيرة التي يقدمونها في هذا المجال إلا أن الظروف الإقليمية والدولية الرافضة لعودتهم للمشهد وتوجس قادة الجيش أنفسهم من علاقتهم معهم تحد كثيرا من قدرتهم علي طرح مبادرات سياسية توازي أداءهم في الميدان العسكري ..

وفيما عدا هاتين الكتلتين تحاول بقية النخب الأخري أن تجد لها موطئ قدم في المشهد المهترئ ولكنها واقعة بين مطرقة إقصاء كتلة الحرية والتغيير وسندان عدم الطمأنينة من مواقف المجلس السيادي الذي يساندونه ..

وما لم تفهم هذه النخبة طبيعة التحديات التي تحيط بالبلاد فإنها لن تستطيع إنتشال الوطن من حافة الإنهيار التي يقبع فيها ..

إن النظر الفاحص فيما وصلت إليه البلاد سيقودنا إلي أن البلاد ظلت تتعرض لحملات منظمة تستهدف ضرب عناصر قوتها المادية والمعنوية حسبما يقول السفير ميشيل رامو سفير فرنسا الأسبق لدي الخرطوم في كتابه المعنون السودان في جميع حالاته ( إن الطمع في ثرواته المعروفة من النفط واليورانيوم والنحاس والذهب هي سبب إستهداف السودان ، والصورة النمطية التي يشكلها الإعلام الغربي للسودان غير واقعية وغير حقيقية ، والهدف منها هو خدمة المخطط الاميركي والدولي لإضعاف الحكومة المركزية وصولا لزعزعة إستقرار البلاد عبر إضعافها من الأطراف ) ..

ومشروع زعزعة الإستقرار عبر إشعال الحروب في الأطراف هو ما تم تنفيذه في السودان بدقة تلخص جوهر فكرة محاضرة البروفيسور ماكس مانوارينج الخبير في العلوم العسكرية لضباط منتقين في إسرائيل عام 2018 والتي لخص فيها مفهوم الجيل الرابع للحروب ، حيث أكد أن هدف هذه الحرب ليس ( تحطيم المؤسسة العسكرية لإحدي الأمم ، أو تدمير قوتها العسكرية ، بل الهدف هو الإنهاك والتآكل البطئ لكن بثبات ، والهدف هو زعزعة الإستقرار ، وهذه الزعزعة ينفذها مواطنون من الدولة العدو لخلق الدولة الفاشلة ) والدولة الفاشلة التي يقصدها ماكس هي تلك التي ( يتم إيجاد أماكن داخلها لا سيادة عليها عن طريق دعم مجموعات محاربة وعنيفة للسيطرة علي هذه الأماكن ) ، وحين نتحدث عن هذه المخططات فإننا نسعي إلي تذكير هذه النخب بأن تعرف طبيعة المعركة وأن تنطر إليها بشكل متكامل وإستراتيجي وليس نظرة مجتزأة آنية ، وفي تقديرنا فإن ( ثورة ديسمبر ) شكلت محطة مهمة في هذا المشروع الذي سلط علي المجتمع السوداني بوسائل ناعمة هي الإعلام والثقافة ومنظمات المجتمع المدني وأخري عنيفة هي الحروب التي لا تنتهي أبدًا ، حيث هدف ذلك التحرك الواسع والكبير إلي إفراغ الدولة من عناصر قوتها المادية ونقلها إلي مربع جديد من عدم الإستقرار والتنابذ الإجتماعي وإشاعة ثقافة الكراهية ..

وبغض النظر عن الأسباب الموضوعية التي أدت لقيام تلك ( الثورة ) التي أطاحت بنظام الإنقاذ الوطني فإن نتائجها تبين أن الهدف كان هو إزاحة أكبر كتلة إجتماعية وسياسية متماسكة من حيث الرؤية والبناء والقدرة في المحافظة علي التماسك الوطني ، كونها كتلة تضم أطيافا إجتماعية واسعة ومتنوعة وقوي سياسية مختلفة إستطاعت إدماج قوي الريف المنتجة والمجتمع الأهلي مع القطاع الحديث من الطبقة الوسطى والتشكيلات العسكرية المختلفة ، وإذا توافرت الحكمة الوطنية التي تقدم الصالح العام لدي النخبة في ذلك الوقت وترفعت تحالفات المعارضة عن الإستجابة للمشروع الأجنبي للتغيير كان يمكن تطوير ذلك التحالف العريض بالإصلاح المتدرج الذي يحفظ إستقرار الوطن ويجنبه مزالق التغيير العنيف الذي كان واضحا أن تياره سيقتلع القديم دون ان تكون له القدرة علي إعادة البناء ، وهو المعني الذي رآه الإمام الراحل الصادق المهدي بحكمة السنين حين قال ( أرفض تغيير نظام البشير بالقوة وأكافح التيار القبلي والعنصري ) ولكن للأسف الشديد لم تكن حناجر ( تسقط بس ) الصاخبة لتسمح لأصوات الحكمة أن يتردد صداها في ذلك المشهد المشحون بالغبائن ونار الإنتقام ..
ولقناعة قادة الحرية بأن ذلك التحالف يمثل التيار الإجتماعي الأوسع رفضوا تماما فكرة اللجوء للإنتخابات لإنهاء أمد الفترة الإنتقالية المتطاول ، وصرحوا أكثر من مرة بأن الإنتخابات ستعيد الإسلاميين للمشهد، وساعدهم في ذلك رئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر بيرتس الذي ورد في إحدي تقاريره ( يجب عدم التسرع في إجراء إنتخابات في مثل هذه الظروف ) ..
وبإبعاد تلك الكتلة الإجتماعية وإحلال كتلة أخري محلها ثبت بالدليل ان الكتلة الجديدة لا تملك العمق الإجتماعي الذي يمكنها من حسن إدارة البلاد ، مما ترتب عليه آثار خطيرة ونتائج كارثية يمكن إيراد بعض منها :

– شهدت البلاد إنهيارا إقتصاديا متسارعا ، حيث إنحدر تصنيف الإقتصاد السوداني من السادس افريقيا الي الثامن عشر في اول سنة لحكومة الدكتور حمدوك .

– تضخم قوات الدعم السريع من قوة كانت تتكون من عشرين ألف مقاتل إلي مائة وخمسين ألف مقاتل ..

– إنهيار المنظومة التعليمية بالكامل ، حيث لم تتخرج ولا دفعة واحدة من الجامعات طوال سنوات حكم تحالف الحرية والتغيير ..
– وضع البلاد تحت الوصاية الأممية بالكامل حين إستقدم الدكتور حمدوك بعثة الأمم المتحدة وأعطاها صلاحيات هي من صميم حكومته .

وللتأكيد على أن الحرية والتغيير كانت جزءا من وسائل تنفيذ مشروع تفكيك الدولة السودانية ، فبينما كان الإقتصاد ينهار والنزاعات الأهلية تتصاعد صدر تقرير من شبكة بلومبيرغ يصنف الدكتور حمدوك ضمن أكثر خمسين شخصية مؤثرة في العالم وذلك ( لدوره في الإصلاحات التي شملت إلغاء قوانين تجرم الردة والجلد وبتر الأعضاء التناسلية للإناث ، وأن أكثر ما يلفت الإنتباه أن حكومته تعهدت بفصل الدين عن الدولة ، وهو ما يجعله شبيها بالزعيم كمال أتاتورك الذي حول تركيا إلي جمهورية علمانية )!!!

ولأن النخبة السودانية تجيد إعادة أخطائها وبطرق أكثر كارثية كل مرة فإنها لم تفتح بصيرتها لتري أن ما جري ويجري في البلاد هو عينه الذي يجري في البلدان من حولنا وفق خطة ماكرة وثابتة تقوم علي إبعاد القوي الإجتماعية الأكثر تماسكا وتمكين فئات أخري إما مذهبية أو غريبة عن المجتمع والعمل علي تحطيم الجيش الوطني وإشعال النزاعات المذهبية او الطائفية او العرقية ، ويتم كل ذلك تحت توفير الغطاء الدولي عبر المبعوثين الذين بلغ عددهم في ليبيا حوالي عشرة مبعوث أو المبادرات التي تعمل علي إطالة أمد النزاع وإستنزاف ثروات البلد المعين وإفقار أهله ..

إن النخبة السودانية بحاجة ماسة وعاجلة لصياغة مشروع وطني لإيقاف هذه الحرب علي قاعدة الحوار السوداني السوداني ، والعمل على تقليل مخاطر التدخل الاجنبي في الشأن الوطني ، والإنتباه الواعي للإستهداف المنظم الذي يعمل علي بث اليأس ونشر الكراهية وسط الأجيال الجديدة ، ولكي يكون ذلك فإن هذه النخبة بحاجة إلي التخلي عن التمحور حول إنتماءاتها الصغيرة والإبتدائية لصالح الإنتماء للوطن الكبير لأن الأحداث الجسام تتطلب قادة عظماء وحكماء للتعاطي معها ، أما قادة تقدم المنصرفون بالكلية للعمل كمقاول للمشروع الأجنبي فعليهم مراجعة أنفسهم ومواقفهم والنظر في الكوارث التي حلت علي الشعب السوداني نتيجة إصطفافهم مع المشروع الأجنبي ونصرتهم للميلشيا ضد جيش بلادهم الوطني ، وحتي إذا تبدي لهم أن هذا الجيش مسيس كما يزعمون فذلك خطأ إرتكبته كل الأحزاب السياسية منذ الإستقلال وعلاجه ممكن ووارد ، أما الإستجارة بمن ظلت ذات القوي تصفهم بالميليشيا والجنجويد من أجل تصفية الحسابات السياسية وهدم المعبد علي رؤوس الشعب فتلك خطيئة كبري أخشي أن عواقبها لن تسعف مرتكبيها بالتطهر منها والتوبة الوطنية إذ أن طوفان الإنقسام لن يمنحهم الزمن الكافي لذلك ..

د ياسر يوسف ابراهيم

الجزيرة نت 22/5/2024

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الحریة والتغییر هذه النخبة فی ذلک

إقرأ أيضاً:

مدرب المنتخب السوداني يتحدى: «صقور الجديان» قادرون على المنافسة في أمم أفريقيا 2025

جاءت تصريحات أبياه بعد أن أوقعت القرعة منتخب السودان في المجموعة الخامسة إلى جانب منتخبات الجزائر وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية. 

التغيير: وكالات

أبدى المدير الفني لمنتخب السودان لكرة القدم، الغاني جيمس كواسي أبياه، تفاؤله بقدرة “صقور الجديان” على تقديم أداء مميز في بطولة كأس أمم أفريقيا 2025، التي ستُقام في المغرب خلال الفترة من 21 ديسمبر 2025 إلى 18 يناير 2026.

وجاءت تصريحات أبياه بعد أن أوقعت القرعة منتخب السودان في المجموعة الخامسة إلى جانب منتخبات الجزائر وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية.

وفي حديثه لموقع قناة “جوي سبورتس” الغاني، قال أبياه (64 عامًا): “بطولة أمم أفريقيا في المغرب ستكون مثيرة للغاية. منتخب السودان سينافس ضمن مجموعة تضم منتخبات كبيرة.

إذا أردت المشاركة في بطولة كهذه، عليك أن تضع الفوز بالكأس نصب عينيك. نحن لا نخشى أحدًا، وسنذهب إلى هناك لتحقيق الانتصارات. أثق بقدرتنا على تقديم أداء جيد”.

منذ توليه تدريب المنتخب السوداني في سبتمبر 2023 خلفًا للمدرب المغربي بادو الزاكي، نجح كواسي أبياه في قيادة المنتخب للتأهل إلى النسخة الـ35 من البطولة.

واحتل السودان المركز الثاني في المجموعة السادسة بالتصفيات برصيد ثماني نقاط، خلف أنغولا المتصدرة بـ14 نقطة، متفوقًا على منتخبي النيجر وغانا.

وتُعد هذه المشاركة العاشرة للسودان في تاريخ أمم أفريقيا، بعد غيابه عن النسخة السابقة التي أقيمت في ساحل العاج عام 2023. وكانت آخر مشاركة للسودان في نسخة الكاميرون 2021.

ورغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد بسبب الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، تمكن المنتخب من تحقيق هذا الإنجاز باللعب خارج الديار، مستخدمًا ملاعب في ليبيا، المغرب، والسعودية كمقار مؤقتة لاستضافة مبارياته.

ويطمح المنتخب السوداني، بقيادة أبياه، إلى تخطي التحديات والمنافسة بقوة في البطولة المقبلة، التي تُعد فرصة لتعزيز مكانة السودان على الساحة القارية.

الوسومأمم أفريقيا 2025 المغرب المنتخب السوداني لكرة القدم كواسي ابياه

مقالات مشابهة

  • مدرب المنتخب السوداني يتحدى: «صقور الجديان» قادرون على المنافسة في أمم أفريقيا 2025
  • النفط النيابية: حكومة السوداني متواطئة مع حكومة البارزاني في تهريب النفط
  • "الجنائية الدولية" تطالب السودان بتسليم البشير
  • الألم والوجع الذي احسه السودانيون بسقوط مدني فاق اي احساس آخر طيلة فترة الحرب
  • رئيس أركان الجيش السوداني: وصلنا إلى نقاط فاصلة
  • السودان: توقعات باستقرار في درجات الحرارة مع تباين طفيف بين المناطق
  • فك الحصار عن القيادة العامة في الخرطوم.. ماذا يحدث في السودان؟
  • ضرورة التمييز بين معاداة الإسلاميين ومعاداة عموم الشعب السوداني الذي يخوض معركة الكرامة!!!
  • اليوم التالي لنهاية الحرب في السودان.. ماذا ينبغي أن يحدث؟
  • السوداني يثمن الجهود التي أمّنت وسهّلت مراسم إحياء ذكرى استشهاد الامام الكاظم