برزت في الولايات المتحدة الأميركية منذ تسعينيات القرن الماضي ظاهرة "الدوكسينغ"، وهي مهاجمة شخص ما اتخذ موقفا معينا، بإشهار وترويج معلوماته الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما يؤدي إلى تلقيه تهديدات إلكترونية أو حتى في مكان السكن.

وزادت هذه الظاهرة مع بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، من خلال شن حملات ضد طلاب وناشطين وأشخاص عاديين، استخدموا ما لديهم من منصات لانتقاد ممارسات إسرائيل وحربها على القطاع.

ورصدت مراسلة الجزيرة بيسان أبو كويك، في تقرير لها، نماذج لبعض من تعرضوا لهذه الظاهرة، ومنهم محمد جهاد، وهو معلم من أصل فلسطيني، يعمل بإحدى المدارس الثانوية في نيويورك، والذي نشر تغريدات في بداية الحرب، انتقد فيها بيانا لمستشار التعليم، ندد بالسابع من أكتوبر، دون الإشارة إلى معاناة الفلسطينيين.

وتعرض محمد لهجوم من صحيفة نيويورك بوست في تقرير كان يهدف إلى انتقاد إدارة التعليم في نيويورك بعدم الوقوف بشكل كاف مع إسرائيل، حيث نشرت تغريداته وركزت عليه بوصفه معاديا لإسرائيل.

وقال محمد جهاد للجزيرة، إنه وعلى مدار أسبوعين، تم استهدافه بنشر مقالات تضمنت عنوان سكنه وكذلك مكان عمله، وتساؤلات استنكارية عن سبب عدم طرده من العمل.

تهديدات بالقتل

وعرض التقرير مشاهد لحافلة تسيرها مجموعة يمينية تدعى "الدقة في الإعلام" حملت صورته حيث جابت محيط منزله والمدرسة التي يعمل بها، وكذلك مضايقة مراسل تلفزيوني له، ونتيجة لذلك، تعرض محمد لتهديدات بالقتل، حسب قوله.

وتابع محمد "ما حدث كان مخيفا لعائلتي، اختلف الأمر حين تعلق بالمدرسة لأن معلوماتها نشرت لفترة لكن حين حضروا إلى منزلي شعرنا بانعدام الأمن. فإذا تمكنوا من إيجاد عنواني فأي شخص بإمكانه العثور علي في منزلي ومنذ ذلك الحين نشعر بانعدام الأمن".

وكانت الجامعات المسرح الأكبر لهذه الظاهرة بعد الحرب على غزة، حيث جابت حافلات محيط جامعات مرموقة مثل كولومبيا وهارفارد، تحمل صور وأسماء طلاب تتهمهم بمعاداة السامية.

ودفع الأمر طلابا إلى إخفاء وجوههم في المظاهرات والاعتصامات خوفا من حملات تشن ضدهم، ومنهم طالب يهودي بجامعة كولومبيا، مناصر لفلسطين، تلقى مضايقات إلكترونية تشكك في يهوديته، لأنه يعارض الحرب على غزة، كما تلقى والده اتصالا من مجهول، بلغة تهديدية.

ولا يختلف ما تعرض له هذا الطالب عما تعرض له طلاب آخرون أغلبهم من أصول عربية منذ بدء الحرب، بسبب نشاطهم في الجامعات.

وتيرة متصاعدة

وشملت ظاهرة الدوكسينغ مختلف القضايا السياسية والاجتماعية في المجتمع الأميركي، لكن وتيرتها تصاعدت ضد الطلبة منذ بدء الحرب على غزة.

وفي هذا السياق، قالت منظمة (بالستاين ليغال/ فلسطين الشرعية) الحقوقية، إنها تلقت 300 طلب لتقديم دعم أو مساعدة قانونية من أشخاص، قالوا إنهم تعرضوا للدوكسينغ منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وحسب المحامية ليا غيليسبي، وهي ناشطة ورئيسة مشاركة للجنة فلسطين في النقابة الوطنية للمحامين، فإن هذه الممارسة بحد ذاتها لا تعد مخالفة للقانون، لأن المعلومات الشخصية لأي فرد في الولايات المتحدة متاحة عبر الإنترنت.

إلا أنها أضافت بأنه قد يتحول الأمر لجرم مختلف كجرم جنائي أو مدني كالمضايقة أو الملاحقة السيبرانية التي قد تلحق الأذى بشخص آخر، لافتة إلى أن الأمر مرتبط بنية المرتكب والأذى الذي يُلحقه.

ويشدد كثيرون من ضحايا الدوكسينغ وهم من فئاتٍ وخلفيات مختلفة، على أن إرهابهم أو إسكاتهم عن الحديث بشأن فلسطين وما يحدث في غزة، لن يتحقق، لكنه في الوقت نفسه يثير مخاوف من تزايد الإسلاموفوبيا والعداء لمن هم من أصول فلسطينية أو عربية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

في ذكراه: ظاهرة عباس محمود العقاد!

(1)

قبل أيام قليلة حلت الذكرى الواحدة والستين لرحيل الكاتب والمفكر العصامي الأشهر في الثقافة العربية الحديثة؛ عباس محمود العقاد (توفي في مارس من العام 1964). والعقاد أحد آباء الثقافة العربية في القرن العشرين؛ مهما كان الرأي والتقييم بين المغالين في النظر إليه وإحلاله مكانة تصل إلى القداسة المطلقة ولا يقدمون عليه أحدا ممن عاصرهم أو زاملهم من كبار رواد النهضة العربية في النصف الأولى من القرن العشرين، أو بين المهونين من قدره ومن شأنه ومن إنجازه كله!

وأنا بين الرأيين أنظر إلى العقاد باعتباره مثقفا كبيرا بلا شك، وتجربة فريدة ورائعة ذات خصوصية في تاريخ هذه الثقافة، ترك ما سيبقى بكل تأكيد، وترك سيرة عامرة بالتفاصيل والتناقضات شأن كل سيرة حية تأثرت بسياقها التاريخي والاجتماعي كما أنها أثرت أيضا بما أوتي لها من مواهب وقدرات استثنائية، وقد ترك العقاد إرثا غزيرا وزاخرا وكما قلت سيبقى منه الكثير يحظى بالقيمة والاحترام والتقدير، وهناك بطبيعة الحال ما تجاوزه الزمن والتطور الإنساني والارتقاء بمستويات الوعي والقدرات والأدوات التي يمارسها الإنسان في تفكيره وتطوره ومعاشه كله.

(2)

وأنا بين الرأيين أنظر إلى العقاد نظرة إكبار واحترام لكن دون مغالاة ولا تقديس ولا حصانة من النقد والنظر والمراجعة والفحص! كما أنظر إليه نظرة أجتهد في أن تكون مقاربة لمجمل مشروعه منذ بداياته وحتى نهاياته؛ لا يجوز حين النظر إلى هذا المشروع كله الاجتزاء أو الاقتطاع أو الابتسار أو الاكتفاء بجزء دون الأجزاء أو تفصيلة وإهمال باقي التفصيلات.. أو التركيز على كتاب أو كتابين أو حتى عدة كتب وإهمال الباقي أو إسقاطه وبالتالي سيترتب على هذا الإهمال أو الإقصاء أو الاستبعاد أحكام غير دقيقة وقراءات مبتسرة أو محاولة لإثبات وجهة نظر مسبقة أو ارتهان مشروع العقاد كله لهذه الرؤية أو تلك الأيديولوجيا بحسب المنظور والزاوية التي يقرأ منها قارئه ما يريد أن يثبته!

فمع كاتب غزير الإنتاج حقيقة، متعدد المواهب وفخم الحضور مثل "العقاد"، فأنت أمام مؤسسة راسخة قائمة على تصورات كبيرة وضخمة، كالبناء الهندسي، المرتب، المؤثث، فلم يكن مشروعه الثقافي والفكري والأدبي، عشوائيا، أبدًا، كان يكتب وهو يعلم جيدا ماذا يكتب وكيف وما موضعه من مجمل أعماله وأين، أنت هنا تتحدث عن العقاد، واحد من العقول الفذة التي أنجبتها الثقافة العربية في القرن العشرين بلا جدال، سواء اتفقت مع كل ما كتب أو بعضه أو لم تر كثيرا مما يردده من بعده تلاميذه وأشياعه في حقه!

(3)

وإذا كان مواليد العام 1964 (وهي السنة التي توفي فيها العقاد) قد تجاوزوا الستين من أعمارهم؛ فإن هناك أجيالا بأكملها في العالم العربي نشأت وهي بعيدة الصلة بين تكوينها الثقافي وقراءاتها العامة وبين العقاد بالأخص تحت وطأة الصورة الذهنية التي كرست (ولا أعلم الحقيقة كيف ولماذا كرست بهذه الطريقة!) عنه من أنه كان جهما وكان صعبا وأن كل ما كتبه معقد لأنه "عقاد"!!

عمومًا وبعيدا عن هذه التعميمات المخلة والتنميطات التي تمثل آفة من آفات الثقافة العربية، سأكتفي لحدود المساحة بإلقاء بعض الضوء عما أظنه يمثل خلاصة للعقاد؛ خلاصة لكفاحه الإنساني ونضاله الفكري والثقافي، وكذلك للمساحات الكبيرة والضخمة التي احتلها في تاريخ هذه الثقافة في الأدب والنقد واللغة والشعر والمراجعة الذاتية وفي الفكر والفلسفة وفي الإسلاميات والدراسات القرآنية.. إلخ.

يمثل العقاد في ظني "حالة" أو "ظاهرة" بكل ما تعنيه الكلمة، حاز شهرة ربما لم ينلها أحد ممن عاصره (باستثناء طه حسين منفردا)، لا أظن أن أحدا يختلف على مواهبه الاستثنائية وإرادته التي لا تلين، وهو عبقري من عباقرة الثقافة العربية الحديثة، أديب وناقد وشاعر ومؤرخ وفيلسوف ومفكر وغير ذلك! وهذا كله حازه بجهده وإرادته وعمله الكبير طوال رحلة حياته.

ورغم تخرجه من المرحلة الابتدائية فقط فإن شغفه بالقراءة والبحث جعله يقبل على العلم والمعارف بأشكالها وألوانها وأنواعها كافة ويستزيد منها بصورة ربما لم تتوفر لمن أنفق عمره كله في تخصصه (وكان بهذا أعجوبة حقيقية شهد له بذلك القاصي والداني)، فأصبح بذلك علما من أعلام الفكر وأنصار التجديد في الأدب (على الأقل في النصف الأول من حياته لأن مواقفه إزاء التجديد والتطور الأدبي والفكري والثقافي ككل سيتراجع تماما ويتخذ منظورا مناقضا لما كان عليه في مقتبل حياته).

(4)

ويبدو أن توقف العقاد عند مرحلة التعليم الأولي «الابتدائية» ألهب في داخله رغبة التعويض عن التعليم المنظم، والتكوين الأكاديمي، فتميز بنهمه المعرفي الاستثنائي الذي دفعه إلى اقتحام عشرات المجالات المعرفية التي أنتجت عددًا ضخمًا من الكتب (جاوزت المائة كتاب في فنون الثقافة العامة، والفكر الفلسفي والسياسي، مروراً بالعبقريات والنقد الأدبي والدراسات الإسلامية واللغوية، فضلاً عن ألوان الثقافة الغربية وأعلامها من أمثال غوته، وفرنسيس بيكون، وفرانكلين، وبرنارد شو، ومعهم غاندي وخيمينيز، وانتهاء بدواوين عشرة من الشعر ورواية يتيمة هي «سارة») التي لم يعد بعدها إلى فن القص إلا مهوّناً من شأنه بالقياس الي فن الشعر الذي رأي فيه التعبير الأمثل عن الشعرية العربية، أو اللغة الشاعرة، مقابل فن القص الذي رأي أعماله بمثابة «قنطار خرنوب ودرهم حلاوة». وهو التهوين الذي تصدى له نجيب محفوظ الشاب في بواكير حياته الإبداعية، وواجهه بمقالات حجاجية معارضة في مجلة «الرسالة»، كانت بمثابة نبوءة عن صعود زمن الرواية التي وصفها محفوظ بأنها «شعر الدنيا الحديثة».

وقد شهر العقاد بحدته ومواجهاته ومعاركه حامية الوطيس، وقد كان للأمانة حرا جريئا مقداما غير هياب ولا وجل من خوض هذه المعارك مهما كانت وأيا من كان يواجه!

عرف بمعاركه الأدبية مع كبار الكتاب، فاختلف مع طه حسين وغيره من النقاد بسبب قراءاته التحليلية المتفردة والخارجة عن المألوف، حظي بإعجاب وتقدير نظرائه الذين وجدوا في أدبه نبض الحياة المصرية الحديثة.

وقد شغل العقاد الدنيا والناس بمعاركه العنيفة وهجومه الضاري على خصومه، ابتداء من حملته العاصفة على المدرسة الإحيائية التي كان أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، أبرز شعرائها، وصاغ آراءه الهادمة للقديم والمؤسِّسة للجديد في كتابه «الديوان» الذي اشترك فيه مع قرينه إبراهيم عبدالقادر المازني الذي اختص المنفلوطي - أبرز ناثري المدرسة القديمة- بالهجوم، بينما تفرغ العقاد لشوقي الذي وجَّه إليه أقسى أنواع النقد، تحطيماً للقداسة التي انطوى عليها شعر المدرسة القديمة في النفوس، وتبشيراً بالمذهب الشعري الجديد الذي دعا إليه مع صديقيه المازني، وعبدالرحمن شكري، فيما عرف باسم «جماعة الديوان».

(5)

ترك العقاد ما يزيد على المائة كتاب! في جميع فنون التأليف والآداب والمعرفة؛ وقد انفردت مؤسسة دار المعارف العريقة، وطوال أكثر من ثلاثة عقود في حياته، ثم بعد مماته، بنشر الإنتاج الأدبي والنقدي والفكري لعباس محمود العقاد، أشهرها وأظهرها وأبقاها أثرا وتأثيرا، أخرجته دار المعارف في طبعات مدققة محققة حازت شهرة واسعة وقبولا في جميع أرجاء العالم العربي.

وقد شهر العقاد بعدة سلاسل من الكتب أخرج الكثير منها تحت عنوانات عريضة مثل «العبقريات» وهي سلسلة من الكتب التي أعاد فيها قراءة بعض الشخصيات الكبرى في تاريخ الإسلام وعلى رأسها شخصية النبي صلى الله عليه وسلم التي استهلها بـ«عبقرية محمد» وختمها بـ«عبقرية المسيح». وقد جمعت العبقريات الخمس التي أخرجها عن دار المعارف في مجلد واحد طبع مرارا.

ومنها كذلك مجلد «الإسلاميات» الفخم الضخم الذي أخرجته دار المعارف قبل ما يزيد على الثلاثين عاما، ويضم بين دفتيه سبعة كتب دارت حول شخصيات من الصحابة والمتصلين بتاريخ النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد تعددت طبعات العشرات من كتبه في الإسلاميات، والسير والتراجم، والدراسات الأدبية واللغوية، والدراسات التاريخية.. إلخ..

مقالات مشابهة

  • انخفاض الدولار مع تصاعد الحرب التجارية فهل ينقلب الأمر على اقتصاد أميركا؟
  • ترامب: سأتحدث مع بوتين الثلاثاء لإنهاء الحرب في أوكرانيا
  • ظاهرة النوم القصوى رائجة على الإنترنت.. ما رأي الخبراء بها؟
  • البعث السوداني يرفض ويعارض حكومه الأمر الواقع والحكومه الموازيه
  • التصعيد العدواني الأمريكي على اليمن.. محاولة يائسة لترهيب الصامدين
  • عون: لا يمكن أن تعود الحياة الطبيعية إلى المناطق المتضررة من الحرب دون تطبيق القرارات الدولية
  •  الأمن يحذر من ظاهرة (النوم المؤقت) خلال القيادة!
  • وزير الأوقاف: ظاهرة الإسلاموفوبيا باتت تشكل تهديدًا واضحًا للسلم الاجتماعي والتعايش الإنساني
  • هذا الأمر يقتلني.. تصريح ناري من أسطورة يونايتد روني تجاه محمد صلاح (شاهد)
  • في ذكراه: ظاهرة عباس محمود العقاد!