د. حامد بدر يكتب: "المدرس".. فَضْلُ العَالِم وقلبُ الرَّحِيم
تاريخ النشر: 24th, May 2024 GMT
على مدار اليومين السابقين، تابعنا حادث وحديث السوشيال ميديا لمعلمة استطاعت أن تضرب مثًلًا لخير مهنة على وجه الأرض وعلى مستوى التاريخ الإنساني، إذ ظهرت في فيديو مصوَّر تمرُّ بين الصفوف في إحدى اللجان الامتحانية تلوِّح بكتاب مستخدمة إيَّاه كمِروَحة يدوية بين الطالبات الخاضعات للامتحان، في محاولة للتخفيف عليهِن، رغم وجود مروحة داخل اللجنة، بطريقة بدت رحيمة ورائعة، تجسدت فيها قلب الأمّ.
، بالتأمل في قصيد أحمد شوقي، تجدْ أنَّ المعلم كاد يصل مرتبة الرسول، الحامل لكلمة الله، لكنَّ الله أعطاه شرف أن يكون صاحب الرسالة، وضمير كلمة العلم، أليس هو "الذي علَّم بالقلم"؟
العامل بهذه المهنة يكون كالذي وقَّع ميثاقًا رُوحيًّا مُعاهدًا أمام الله أن يكون حامل الكلمة، أن يكون صانع العالِم والعامل والطبيب والقاضي والقائد.
كيف يبجِّل المجتمع المعلِّم؟
تبقى مهنة التدريس من معالي المكانات الثقافية داخل المجتمع، إذ أنَّ المعلِّم بطبيعته رجل قارئ ومطلع سواء في مجال مهنته التدريسية أو حين يخرج عن دائرة التخصص. فالمعلم يكون دومًا في محلّ المسؤول والمُسائَل، فيقع على عاتقه مسؤولية تربية النشأ، لا سيَّما وأنَّ الوزارة التي يتبعها هي وزارة التربية والتعليم، إذ أنَّ الدور التربوي جزء لا يتجزَّا من مفهوم العملية التعليمية الأشمل الذي تقوم به المؤسسات وفي مقدِّمتها المعلم.
ولقد رأينا في السنوات الأخيرة كثير من الحوادث التي تباينت بين مدرس داخل هيئة تعليمية أكاديمية – مدرسة أو جامعة - ناجح استطاع أن يقود طلابه إلى عُليا المكانات، ونال الاحترام، وأخرى التي أبرزت نوعًا من الصراع والضدية في التعامل بين التلميذ والاستاذ، ما أوجب ضرورة النظر في حال المعلِّم وكيفية اختياره، من أوَّل التحاقه بكليات التربية أو الآداب أو العلوم إلتي تؤهله لهذه المهنة الخطيرة والدقيقة جدًا. فيترسخ من هنا الشعور بمستوى هذه الخطورة التي يتم إيلاء المهام فيها لصانعي المواطن والعضو الفعَّال داخل المنظومة المجتمعية، وكذلك تبيان المسؤولية المجتمعية والتعليمية الخطيرة في عملية التنشئة التعليمية.
تكاليف الجهل عاليةعلى سبيل المثال سُئلت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" لماذا تذهب جل ميزانية ألمانيا إلى التعليم والثقافة والفنون وشتَّى المعارف الإنسانية، وأن رواتب المعلمين والمفكرين والمبدعين عالية عن بقية المهن الأخرى في ألمانيا؟ فقالت: ببساطة لأن تكاليف الجهل عالية جدًا، في إشارة لأنه لا يمكن أن نساوي الناس بمن علَّموهم، وذلك في أدنى المتطلبات "الراتب". بخلاف حالنا في الدول النامية، تتردَّى أحوال المعلم، إن لم يكن ضن العاملين بمجال التعليم الاستثماري أو من أصحاب الدروس الخصوصية؛ لِكَي يستكمل حياته المهنية بشمَمٍ أمام لقمة العَيْش، إلَّا أن يكون قد اتخذ من نقيض ذلك مبدءًا واكتفى أن يصارع من أجل كفاية حاله.
كيف يكون المعلِّم ضمير المجتمع؟
كما أوضحنا أهمية تبجيل المعلِّم وظيفةً وفكرً، لا بد من توضيح بعض الأمور المنوط بها أن تخلق مُعلِّمًا جيِّدًا، فعليه ان يعلم أنَّ العالم قد تغيَّر وصار المعلم صديقًا ليس أبًا فقط، وأنَّه من الممكن جدًا أن يشارك طلَّابه اهتمامات كثيرة على سبيل التقارب العُمري "السن" أو التكنولوجي الذي صار والتلميذ في واقع واحد.
واقعة أخرى حكاها الفنَّان محمد صبحي حين كان صبيًّا في المدرسة وقام بإلقاء ورقة في يفناء المدرسة، فأمره أن يقوم بجمع كل قمامة المدرسة، وفي اليوم التالي، أهدى له قطعة من الشكولاته الغالية بعد قبلة طبعها على خدِّه.
وبين حكاية ميركل الدولية التي صار يتحدَّث بها العالم والأحدوثة "البَلَديَّة" التي سردها أستاذ "صبحي"، يبقى المعلِّم قضية وتبقى القضية مثار ومسار جدل ما بقيت الأزمة، ومن الممكن أن تعود قصَّة المجد ما كان التطوير في صناعة هذا العنصر الرائع والمنتج البشري الأقوى في بلادنا، الذي هو فَضُل العالِم على العابد وقلب الرحيم الذي يقود حربًا مع نصيرها الفكر وعدوُّها الأول الجهل والجهالة.
العلماء ورثة الأنبياء
المدرس هو محور التدريس وإرساء المعارف الأولى داخل الطالب، فالمدرس حالة مجتمعية خاصة ودقيقة تضع لبِنات الفكر المستنيرة وبذور الإلهام الأوَّل، إضافة لكونه تشكيلًا لتعامل طلابه وسلوكهم العلمي في المستقبل مع أساتذتهم بالجامعة، وغيرهم من أصحاب الثقافات وروَّاد الثقافة والنور في المجتمع.
ولقد قال النبي الأكرم - صلوات الله عليه وسلامه - في الحديث الشريف .
عزيزي القارئ إن كنت طالبًا أو ابًا فاعلم قيمة المعلمِم الذي يعطي ويُرسي أهم الفضائل داخل مجتمعنا الذي صار يواجه الكثير من معالم السُخف، وإن كنت عاملًا بهذه المهنة رفيعة الشرف، فاختر مكانك من الآن بين ورثة خير البشر.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: أن یکون
إقرأ أيضاً:
محمد أبو هاشم: الإمام أبو حنيفة وضع أساس الاجتهاد الفقهي الذي يسر على المسلمين
قال الدكتور محمد أبو هاشم، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، إن الإمام أبو حنيفة النعمان كان من أبرز الأئمة الذين أسسوا الاجتهاد الفقهي وساهموا في تيسير الفقه الإسلامي بما يتناسب مع واقع الناس وحياتهم اليومية.
وأوضح أبو هاشم، خلال تصريحات له، أن الإمام أبو حنيفة، ولد في الكوفة عام 80 هـ، ونشأ في بيئة علمية، حيث تتلمذ على يد كبار العلماء مثل عامر الشعبي ونافع مولى ابن عمر، حتى أصبح من أبرز فقهاء عصره، معتمدًا على الرأي والحجة في اجتهاداته.
ولفت إلى أن المذاهب الفقهية الأربعة لم تخلق دينًا جديدًا، بل اجتهد أصحابها في فهم النصوص الشرعية، مما يسر على المسلمين تطبيق الشريعة في حياتهم اليومية، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه."
واشار إلى بعض اجتهادات الإمام أبي حنيفة التي أثرت في حياتنا اليوم، مثل جواز الوضوء من الصنبور، وهو ما كان موضع خلاف عند ظهوره، حتى أقره الإمام أبو حنيفة، ومن هنا جاء اسم "الحنفية" المستخدم حتى اليوم.
وأكد أن المحاكم الشرعية في مصر تعتمد على مذهب الإمام أبي حنيفة في قضايا الزواج والطلاق، حيث اشترط أن يكون الشاهد مسلمًا فقط دون الدخول في تفصيلات العدالة التي قد تُعسر الأمر على الناس.
وبين أن الإمام أبو حنيفة توفي عام 150 هـ ودُفن في حي الأعظمية ببغداد، حيث ظل مذهبه من المذاهب المعتمدة لدى أهل السنة والجماعة، داعيًا الله أن يوفق المسلمين لما يحبه ويرضاه.
حفظ الإمام أبي حنيفة، القرآن الكريم في صغره، وحجّ البيت الحرام وهو ابن ستّ عشرة سنة مع أبيه، ويروى أنّ والده ثابت قد عاصر عليًّا بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- فدعا له بالخير ولذريّته كذلك، وقد أخذ العلم عن شيوخ بلغوا أربعة آلاف شيخ، منهم سبعة من الصحابة، وثلاثة وتسعون من التابعين، ومن بقي منهم من تابعي التابعين، وقد أخذ الفقه عن حمّاد بن أبي سلمة.
ومن شيوخه أيضًا عطاء بن أبي رباح والشعبي وعمرو بن دينار ومحمّد الباقر -والد الإمام جعفر الصادق- وابن شهاب الزُّهري، وأخذ عنه العلم خلق كُثُر منهم القاضي أبو يوسف ووكيع -شيخ الإمام الشافعي- وعبد الرزاق بن همام شيخ الإمام أحمد بن حنبل.
محنة الإمام أبي حنيفة
تعرّض الإمام أبو حنيفة النعمان لمحنة في عهد الدولة الأموية وأخرى في عهد دولة بني العباس، وقد عاصر الإمام الدولتين وكانت معظم حياته أيّام الأمويّين، ففي أيّام الأمويين طلب ابن هُبيرة -وكان والي الكوفة وقتها- من الإمام أبي حنيفة أن يتولى قضاء الكوفة، فرفض الإمام أبو حنيفة النعمان ذلك، فجلده ابن هبيرة مائةسوط ورفض الإمام ولم يلِن، فعندما رآه ابن هبيرة كذلك خلّى سبيله، ثمّ لمّا ولِيَ أبو جعفر المنصور خلافة العباسيين طلب من الإمام أبي حنيفة أن يكون قاضي القضاة، وهذا منصب له أوزار كثيرة كما يرى الإمام أبو حنيفة النعمان، فرفض ذلك، فأقسم المنصور أن يكون أبو حنيفة القاضي، وأقسم أبو حنيفة النعمان ألّا يستلم ذلك المنصب، فحبسه المنصور وأذاقه من الويلات في سجنه ما لا يحتمله من هو في ريعان الشباب بل أن يحتمله ابن السبعين عامًا، فتوفّي -رحمه الله- في سجنه، وكان ذلك سنة 150هـ بعد أن قضى حياته عابدًا صائمًا ساجدًا راكعًا وقد حجّ خمسًا وخمسين مرّةً، وكان يختم القرآن في كلّ يوم مرّة، وعندما مات صلّى عليه النّاس ستّ مرّات لشدّة ازدحامهم عليه.