على مدار اليومين السابقين، تابعنا حادث وحديث السوشيال ميديا لمعلمة استطاعت أن تضرب مثًلًا لخير مهنة على وجه الأرض وعلى مستوى التاريخ الإنساني، إذ ظهرت في فيديو مصوَّر تمرُّ بين الصفوف في إحدى اللجان الامتحانية تلوِّح بكتاب مستخدمة إيَّاه كمِروَحة يدوية بين الطالبات الخاضعات للامتحان، في محاولة للتخفيف عليهِن، رغم وجود مروحة داخل اللجنة، بطريقة بدت رحيمة ورائعة، تجسدت فيها قلب الأمّ.

 

، بالتأمل في قصيد أحمد شوقي، تجدْ أنَّ المعلم كاد يصل مرتبة الرسول، الحامل لكلمة الله، لكنَّ الله أعطاه شرف أن يكون صاحب الرسالة، وضمير كلمة العلم، أليس هو "الذي علَّم بالقلم"؟

العامل بهذه المهنة يكون كالذي وقَّع ميثاقًا رُوحيًّا مُعاهدًا أمام الله أن يكون حامل الكلمة، أن يكون صانع العالِم والعامل والطبيب والقاضي والقائد. 

كيف يبجِّل المجتمع المعلِّم؟

تبقى مهنة التدريس من معالي المكانات الثقافية داخل المجتمع، إذ أنَّ المعلِّم بطبيعته رجل قارئ ومطلع سواء في مجال مهنته التدريسية أو حين يخرج عن دائرة التخصص. فالمعلم يكون دومًا في محلّ المسؤول والمُسائَل، فيقع على عاتقه مسؤولية تربية النشأ، لا سيَّما وأنَّ الوزارة التي يتبعها هي وزارة التربية والتعليم، إذ أنَّ الدور التربوي جزء لا يتجزَّا من مفهوم العملية التعليمية الأشمل الذي تقوم به المؤسسات وفي مقدِّمتها المعلم.

ولقد رأينا في السنوات الأخيرة كثير من الحوادث التي تباينت بين مدرس داخل هيئة تعليمية أكاديمية – مدرسة أو جامعة - ناجح استطاع أن يقود طلابه إلى عُليا المكانات، ونال الاحترام، وأخرى التي أبرزت نوعًا من الصراع والضدية في التعامل بين التلميذ والاستاذ، ما أوجب ضرورة النظر في حال المعلِّم وكيفية اختياره، من أوَّل التحاقه بكليات التربية أو الآداب أو العلوم إلتي تؤهله لهذه المهنة الخطيرة والدقيقة جدًا. فيترسخ من هنا الشعور بمستوى هذه الخطورة التي يتم إيلاء المهام فيها لصانعي المواطن والعضو الفعَّال داخل المنظومة المجتمعية، وكذلك تبيان المسؤولية المجتمعية والتعليمية الخطيرة في عملية التنشئة التعليمية.

تكاليف الجهل عالية

على سبيل المثال سُئلت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" لماذا تذهب جل ميزانية ألمانيا إلى التعليم والثقافة والفنون وشتَّى المعارف الإنسانية، وأن رواتب المعلمين والمفكرين والمبدعين عالية عن بقية المهن الأخرى في ألمانيا؟ فقالت: ببساطة لأن تكاليف الجهل عالية جدًا، في إشارة لأنه لا يمكن أن نساوي الناس بمن علَّموهم، وذلك في أدنى المتطلبات "الراتب". بخلاف حالنا في الدول النامية، تتردَّى أحوال المعلم، إن لم يكن ضن العاملين بمجال التعليم الاستثماري أو من أصحاب الدروس الخصوصية؛ لِكَي يستكمل حياته المهنية بشمَمٍ أمام لقمة العَيْش، إلَّا أن يكون قد اتخذ من نقيض ذلك مبدءًا واكتفى أن يصارع من أجل كفاية حاله.

كيف يكون المعلِّم ضمير المجتمع؟

كما أوضحنا أهمية تبجيل المعلِّم وظيفةً وفكرً، لا بد من توضيح بعض الأمور المنوط بها أن تخلق مُعلِّمًا جيِّدًا، فعليه ان يعلم أنَّ العالم قد تغيَّر وصار المعلم صديقًا ليس أبًا فقط، وأنَّه من الممكن جدًا أن يشارك طلَّابه اهتمامات كثيرة على سبيل التقارب العُمري "السن" أو التكنولوجي الذي صار والتلميذ في واقع واحد.

واقعة أخرى حكاها الفنَّان محمد صبحي حين كان صبيًّا في المدرسة وقام بإلقاء ورقة في يفناء المدرسة، فأمره أن يقوم بجمع كل قمامة المدرسة، وفي اليوم التالي، أهدى له قطعة من الشكولاته الغالية بعد قبلة طبعها على خدِّه.

وبين حكاية ميركل الدولية التي صار يتحدَّث بها العالم والأحدوثة "البَلَديَّة" التي سردها أستاذ "صبحي"، يبقى المعلِّم قضية وتبقى القضية مثار ومسار جدل ما بقيت الأزمة، ومن الممكن أن تعود قصَّة المجد ما كان التطوير في صناعة هذا العنصر الرائع والمنتج البشري الأقوى في بلادنا، الذي هو فَضُل العالِم على العابد وقلب الرحيم الذي يقود حربًا مع نصيرها الفكر وعدوُّها الأول الجهل والجهالة.

العلماء ورثة الأنبياء

المدرس هو محور التدريس وإرساء المعارف الأولى داخل الطالب، فالمدرس حالة مجتمعية خاصة ودقيقة تضع لبِنات الفكر المستنيرة وبذور الإلهام  الأوَّل، إضافة لكونه تشكيلًا لتعامل طلابه وسلوكهم العلمي في المستقبل مع أساتذتهم بالجامعة، وغيرهم من أصحاب الثقافات وروَّاد الثقافة والنور في المجتمع.

ولقد قال النبيِّ الأكرم - صلوات الله عليه وسلامه - في الحديث الشريف .

عزيزي القارئ إن كنت طالبًا أو أبًا فكن على علم بأنّ قيمة المعلمِ الذي يعطي ويُرسي أهم الفضائل داخل مجتمعنا صارت تواجه الكثير الكثير من معالم السُخف، وإن كنت عاملًا بهذه المهنة رفيعة الشرف، فاختر مكانك من الآن بين ورَثَة خير البشر.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: المعلم أهمية المعلم المدرس فضيلة العالم فضل العالم مهمة المعلمين حامد بدر ف ض ل الع ال م أحمد شوقي قم للمعلم أن یکون

إقرأ أيضاً:

الأب بطرس دانيال يكتب: اِعمل الخير وارميه البحر

يقول السيد المسيح في الموعظة على الجبل: «كذلِك كُلُّ شَجَرةٍ طَيّبةٍ تُثمرُ ثِمارا طيبة، والشّجَرَةُ الخبيثةُ تُثمِرُ ثِمارا خَبيثة» (متى 17: 7).

كم من المرات التي فيها ندين الآخرين ظلّما دون تروٍّ معتمدين على المظاهر والأحكام السطحية؟ كم من الاتهامات التي نلصقها بالغير دون معرفة أو دراسة الحقيقة؟ كم من المرات التي اتهمنا فيها الذين قاموا بفعل الخير معنا معتبرين إياهم أشرارا يسلبون حقنا ومالنا؟

يُحكى أن ولدا يتيم الأب كان مشغول البال لا ينام الليل بطوله لرغبته في شراء هدية قيمة لوالدته الفقيرة بمناسبة عيد الأم، وخطرت على باله فكرة غريبة نابعة من إيمانه وثقته في أبوّة الله وحنانه له، وهى أن يكتب خطابا موجّها لله طالبا منه أن يرسل له خمسمائة جنيه.

ثم وضعه في صندوق البريد، وعندما لاحظ أحد رجال البريد اسم المرسل إليه «الله»، دعا اثنين من زملائه وفتحوا الخطاب معا لمعرفة المكتوب به، وبعد قراءته تحركت أحشاؤهم متأثرين من هذا الطلب.

فاتفقوا أن يسهموا معا في تحقيق أمنية الطفل اليتيم، فوضع كل واحدٍ منهم مائة جنيه، ثم وضعوا المبلغ كله الذى صار ثلاثمائة جنيه في مظروفٍ دون أي تعليق وأرسلوه على عنوان هذا الطفل.

وبعد عدّة أيام وصل لرجال البريد خطاب ثانٍ موجه لله، وكان مكتوبا فيه: «أشكرك يا رب على المبلغ الذى أرسلته لي لتحقيق أمنيتي في شراء هدية لوالدتي في عيدها، وفعلتُ ذلك بالرغم من أن رجال البريد اللصوص سرقوا مائتي جنيه من المبلغ الذي أرسلته لي.. شكرا لك يا رب على كل حال».

هذا يدل على أنّ فاعلي الخير لا يَسلَمون من معاداة الناس وسوء ظنهم، فمن الأفضل لنا أن يظلمنا الآخرون ويعادونا نتيجة أعمالنا الحسنة والخيّرة، من أن يحدث هذا بسبب شرّنا وفساد أخلاقنا.

لذا لا نتخذ من سلوك هؤلاء ذريعة وحجّة للابتعاد عن فعل الخير.

فهل يُعقل أن يبتعد الناس عن مزاولة أي مهنة لأن هناك البعض من غير الشرفاء يزاولونها؟ لنتعلّم من الطبيعة التي لا تبخل على الإنسان الذي يفسدها ويدمّرها، ولكنها تستمر في عطائها وسخائها له.

إذا لنزرع كل ما هو خير ونافع وصالح مع مَنْ يستحق أو مَنْ لا يستحق، لنزرع أحسن ما فينا من أفكار ومبادئ وآمال.

لذا يجب علينا ألا نترك وسيلة دون اللجوء إليها للقضاء على الشر الموجود في محيطنا، ولا توجد قوة تستطيع أن تقاوم الشر وتقضي عليه، مثل الخير الذي نقوم به في محيطنا.

من المفروض أن نتجنب الشر؛ ولكن الامتناع عن عمل الخير هو جريمة في حق المجتمع الذي نعيش فيه، كما أنّه شر لا يمكن أن يرضى به إنسان خُلق على صورة الله ومثاله، لأن الله ينبوع ومصدر كل خير وصلاح، إذا يجب على كل واحدٍ منّا أن يصير مصدرا للخير.

متى نفهم أننا في هذا العالم الغارق في الشر والفساد، لا يكفينا الابتعاد عن الشر والامتناع عن الظلم طبقا للوصايا المقدسة، وأن نكون مكتوفي الأيدي مبررين ذلك بأننا لم نؤذِ أي شخص؛ لكن لكل واحدٍ منّا رسالة مهمة يجب أن يقوم بها من أجل خير الآخرين، وفي هذه الحال سيتبدل العالم إلى الأفضل.

كثيرون يبررون امتناعهم عن الخير والصلاح لسوء فهم الآخرين واتهامهم بالنوايا السيئة والمصالح الشخصية والأهداف غير النبيلة، لذلك يقول بولس الرسول: «لا تَدعْ الشَّرَ يَقهرْكَ، بل كُنْ بالخير للشَّرِّ قاهرا» (رومة 12: 21).

إذا لا نهتم برد فعل الناس تجاه ما نقوم به من خير، لأن كل واحد يُنفق ما عنده، فنسعى للتعامل بطريقةٍ حسنة مع الحاقدين والكارهين، ليس لأنهم يستحقون؛ بل لأننا أصحاب أصل ومبدأ، كما يجب أن نضع أمامنا أننا إخوة في البشرية، إذا لا نقيّم الأمور بأن هذا يستحق وذلك لا، فالزنبقة زنبقة بجمالها وعطرها، ولو كانت تنمو في الوحل.

فالمحبة الحقيقية تدعونا أن نكون لطفاء مع الجميع ونتصرف بُحبٍ مع مَنْ يعاملنا بسوءٍ أو يخاطبنا باستخفاف.

كما أن المحبة تدعونا إلى معاملة مَنْ جرح كبرياءنا بطريقة حسنة ولا نحقد عليه ولا نبدي له أي جفاء.

فإذا جعلنا نصب أعيننا الله ووصاياه، فلن يوجد مستحيل أو صعب علينا، حتى محبة الذين ظلمونا أو تسببوا لنا بالشقاء.

فالإنسان الصالح مثل الزهور كما يقول العظيم Ghika: «إنها تعطر حتى الأيدي التي تسحقها». 

مقالات مشابهة

  • الأب بطرس دانيال يكتب: اِعمل الخير وارميه البحر
  • قرار عاجل بشأن المدرس المعتد.ي على طالب السنتر التعليمي بحلوان
  • جاوب على سؤال زميله.. التحريات تكشف تفاصيل تعدي مدرس على طالب حلوان
  • التحريات تكشف سر اعتـ.داء مدرس على طالب إعدادي داخل سنتر تعليمي بحلوان
  • القبض على مدرس اعتدى على تلميذ داخل سنتر تعليمي بـ حلوان
  • ضبط مدرس تعدى على طالب بالضرب داخل سنتر تعليمي في حلوان
  • القبض على مدرس تعدى على طالب بالضرب داخل سنتر تعليمي بحلوان
  • جريمة في حق البراءة.. التعدي جنسيًا على الأطفال داخل المدارس يدمر مستقبل النشء
  • عادل الباز يكتب: حرب الكرامة .. “أكل الحساء باستخدام السكين” (1)
  • القس نصر الله زكريا يكتب: عيد الغطاس.. التجلي الإلهي